الاكثر قراءةترجماتغير مصنف
تقييم استراتيجية إدارة بايدن تجاه الصين النتائج والتحديات في ظل ولاية ترامب الثانية*

تقييم استراتيجية إدارة بايدن تجاه الصين النتائج والتحديات في ظل ولاية ترامب الثانية*
بقلم: أنطونيو بهاردواج
تحرير: م.د. هديل حربي ذاري/جامعة النهرين – كلية العلوم السياسية
ينطلق المقال من فرضية مفادها أن السياسة الأمريكية تجاه الصين باتت تُدار ضمن منطق “المنافسة النظامية” وليس التعايش أو الاحتواء، وهو ما يتجلى في تبني إدارة بايدن نموذجاً متعدد الأدوات يهدف إلى تحجيم التفوق الصيني في القطاعات الحيوية، لا سيما التكنولوجيا وسلاسل الإمداد الصناعية. ويحلل المقال نهج إدارة بايدن في التعامل مع الصين، مركزًا على الجوانب الاقتصادية والتكنولوجية والجيوسياسية، ويشير إلى أن بايدن سعى لموازنة الردع مع التعاون لا سيما في قضايا المناخ وسلاسل الإمداد، إلا أن المقال يحذر من أن عودة ترامب للبيت الأبيض قد تعيد الولايات المتحدة إلى نهج أكثر تصادمية مما يزيد من تعقيد الاستراتيجية الأمريكية في مواجهة تصاعد النفوذ الصيني.
مع تولّي إدارة بايدن السلطة عام 2021، منح لها تفويض واسع لإعادة صياغة استراتيجية الولايات المتحدة تجاه الصين 1)، وبعد أربع سنوات ومع بدء دونالد ترامب ولايته الثانية فإن إرث سياسات بايدن – وصمودها في وجه المشهد الجيوسياسي المتغير – يتطلب التدقيق، لذا يُقيّم المقال نجاحات وعيوب إطار بايدن “الاستثمار والتوافق والتنافس” ويُحلل تأثيره على العلاقات الأمريكية الصينية، ويدرس كيف تُعيد أجندة ترامب المُتجددة تشكيل مسار التنافس بين القوى العظمى.
وبالاستناد إلى البيانات الاقتصادية ووثائق السياسات وتقييمات الخبراء، يكشف التحليل أنه في حين عززت استراتيجية بايدن الموقف التكنولوجي والدبلوماسي الأمريكي، إلا أن التحديات الهيكلية في العلاقات الثنائية لا تزال قائمة، ويتفاقم ذلك بسبب عودة ترامب إلى الأحادية وتكتيكات الرسوم الجمركية.
اولا: الأسس الاستراتيجية لسياسة بايدن تجاه الصين من المشاركة إلى المنافسة النظامية
ورثت إدارة بايدن علاقة أمريكية صينية شهدت تحولاً جذرياً في عهد ترامب، ففي حين سعت الإدارات السابقة إلى المشاركة لدمج الصين في النظام العالمي، تبنى فريق بايدن نموذجاً للمنافسة النظامية، مُعتبراً عشرينيات القرن الحادي والعشرين “عقداً حاسماً” للتفوق على الصين في المنافسة.
وتم إضفاء الطابع الرسمي على هذا التحول في استراتيجية الأمن القومي لعام 2022، التي حددت الصين بأنها “المنافس الوحيد الذي يمتلك النية والقدرة على إعادة تشكيل النظام الدولي”، وقد مثّل تركيز الاستراتيجية على الحد من الصعود التكنولوجي للصين مع تعزيز الابتكار الأمريكي انحرافاً عن تركيز ترامب على المعاملات التجارية، مُركزاً على العجز التجاري.
ثانيا: إطار “الاستثمار التوافق التنافس“ استند نهج بايدن إلى ثلاثة ركائز أساسية
-
إعادة التموضع الاستراتيجي: أدخلت إدارة بايدن تغييرات جوهرية على السياسات الاقتصادية والتجارية تجاه الصي، بما في ذلك قانون CHIPS، الذي خصص أكثر من 50 مليار دولار لدعم إنتاج أشباه الموصلات داخل الولايات المتحدة، وتقليص الاعتماد على سلاسل التوريد الآسيوية ومواجهة الصناعات الصينية المدعومة.
-
تفعيل التحالفات الإقليمية: سعت الولايات المتحدة الامريكية إلى توسيع شبكة تحالفاتها في آسيا من خلال مبادرات كالإطار الاقتصادي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ (IPEF)، كمحاولة لموازنة النفوذ الصيني المتزايد في المنطقة لذا أطلقت الإدارة مبادرات مثل (IPEF)، لتعزيز التعاون مع 14 دولة في مجالات مرونة سلاسل التوريد والطاقة النظيفة، ومع ذلك افتقرت هذه المبادرات إلى أحكام تتعلق بالوصول إلى الأسواق، مما حدّ من جاذبيتها مقارنةً بالشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة (RCEP) بقيادة الصين.
-
التقنيات والقيود الاستراتيجية: تم فرض ضوابط تصديرية صارمة على التقنيات المتقدمة، خاصة في مجالات الذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات في إطار سياسة “فك الارتباط الانتقائي”، التي تستهدف تفكيك برامج الاندماج العسكري المدني للصين.
كما لم تتراجع إدارة بايدن عن تعريفات ترامب الجمركية، بل قامت بتوسيعها لتشمل قطاعات ناشئة، في دلالة على إجماع حزبي حول ضرورة التصدي للنموذج الاقتصادي الصيني، وإن اختلفت الأدوات والتوجهات.
ويمكن القول بأن هذا الإطار عالج نقاط الضعف التي كُشفت خلال مدة ولاية ترامب الاولى ولاسيما الاعتماد المفرط على التصنيع الصيني وتشتت التحالفات العالمية، وبحلول عام 2024 صرفت وزارة التجارة الامريكية 38 مليار دولار بموجب قانون CHIPS، مما جذب شركات مثل TSMC وسامسونج لبناء مصانع في أريزونا. ومع ذلك يؤكد الباحث بأن هذه الإجراءات ساهمت في تسريع الاتجاهات التي أطلقتها تعريفات ترامب الأولية وعقوبات هواوي ([2])، اذ أبقى بايدن على تعريفات ترامب بموجب المادة 301 على واردات صينية بقيمة 370 مليار دولار، مع توسيع القيود على القطاعات الناشئة. كما فرضت الإدارة تعريفات جمركية جديدة على الألواح الشمسية والمركبات الكهربائية والمعادن الأساسية بحجة أنها ضرورية لمواجهة “الممارسات غير السوقية” للصين وبحلول عام 2024، بلغ متوسط معدل التعريفات الجمركية على السلع الصينية في عهد بايدن 19.3%، وهو أعلى بقليل من معدل ترامب البالغ 19%.
ثالثا: قانون رقائق أشباه الموصلات والسياسة الصناعية
جسّد قانون رقائق أشباه الموصلات استراتيجية بايدن الصناعية، مستهدفًا هيمنة الصين في تصنيع أشباه الموصلات، لاسيما ان 92% من الرقائق الأمريكية المتقدمة تأتي من تايوان، لذا هدفت المنح المقدمة لشركات إنتل، وتي إس إم سي، وسامسونج إلى إعادة بناء القدرات الأمريكية مع تشغيل أول مصنع في أريزونا بحلول عام 2025.
مما تقدم يمكن القول، خلال تولّي إدارة جو بايدن الحكم عام 2021، اعتمد استراتيجية جديدة في السياسة الأمريكية تجاه الصين استندت على ثلاث ركائز رئيسة: الاستثمار المحلي وإعادة تنشيط التحالفات الدولية والمنافسة الاستراتيجية مع الصين، وفي ظل عودة الرئيس السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض عام 2025، تثار تساؤلات حول مدى صلابة هذه الاستراتيجية واستمراريتها في بيئة سياسية متقلبة.
رابعا: تأثير عودة ترامب
مع عودة ترامب إلى الحكم في عام 2025، اتخذت الإدارة الجديدة سياسات أكثر تصادمية مثل فرض تعريفات جمركية شاملة بنسبة 20% على البضائع الصينية، وتوسيع قيود الاستثمار لتشمل الأسهم العامة، مما أدى إلى سحب استثمارات بقيمة 156 مليار دولار من أسهم التكنولوجيا الصينية ([3]).
وشكّلت مذكرته الصادرة في شباط 2025، والتي وجه فيها لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة بمنع الاستثمارات الصينية في التكنولوجيا والطاقة والموانئ موقفًا أكثر صرامة، ومع ذلك فإن التهديدات غير المنتظمة بفرض تعريفات جمركية (مثل ربط الفنتانيل بالتجارة) هددت بتنفير الحلفاء الذين يسعون إلى تنويع سلسلة التوريد “الصين +1”.
ومع تصاعد حدة المنافسة الأمريكية الصينية ركز المقال على الفوارق بين استراتيجيات إدارة بايدن وترامب في التعامل مع الصين خلال عام 2025، كما سلط الضوء على قضايا التكنولوجيا الفائقة وقيود الاستثمار وسلاسل الإمداد والحوسبة الكمومية والطاقة الخضراء والبعد الجيوسياسي المرتبط بتايوان، إلى جانب تقييم أولي لنتائج هذه السياسات وكما يلي:
-
1. السياسة الاقتصادية والتجارية: بالنسبة لبايدن فقد اعتمد سياسة ضبط تكنولوجي عبر قيود على صادرات أشباه الموصلات، مستندًا إلى التحالفات الغربية والشراكات مع شركات مثل ASML وApplied Materials، وساهمت هذه الإجراءات في تراجع واردات الصين من الرقائق بنسبة 18% عام 2024.
اما بالنسبة الى ترامب فقد عاد إلى نهج المواجهة المباشرة عبر فرض رسوم جمركية شاملة بنسبة 20%، واقترح رسومًا إضافية على واردات من دول ثالثة تحتوي على مكونات صينية، ما أدى ذلك إلى ارتفاع التضخم الأمريكي وانخفاض مؤشر شنغهاي بنسبة 9%.
-
2. السباق التكنولوجي
– أشباه الموصلات: حققت ضوابط بايدن التكنولوجية مكاسب قصيرة الأجل، اذ انخفضت فاتورة استيراد الرقائق الصينية بنسبة 18% في عام 2024، اذ أوقفت شركات حليفة للولايات المتحدة مثل ASML وApplied Materials مبيعات المعدات المتقدمة، في حين عجزت شركة SMIC، أكبر مصنع للسبائك في الصين عن تصنيع رقائق أقل من 7 نانومتر بكفاءة، بينما طورت تطبيقات للرقائق التقليدية (28 نانومتر) واحتفظت بحصة سوقية تبلغ 65%، مما أعاق طموحات الذكاء الاصطناعي.
– الذكاء الاصطناعي: رغم قيود التصدير الأمريكية التي ابطأت تقدم الصين في مجال الذكاء الاصطناعي، خصصت بكين 30 مليار دولار لتطوير وحدات المعالجة المحلية، وبلغ أداء Hygon Dhyana II نحو 80% من نظيرتها الأمريكية NVIDIA A100 ([4]).
– الحوسبة الكمومية: أطلقت الصين Jiuzhang 3.0 في 2024 محققة “ميزة كمية”، لكنها لا تزال متأخرة تطبيقًا بسنوات عن المشاريع الأمريكية والأوروبية.
-
3. الطاقة النظيفة والتكنولوجيا الخضراء
بالنسبة للولايات المتحدة، أدى قانون بايدن لخفض التضخم (369 مليار دولار للطاقة النظيفة) إلى زيادة إنتاج بطاريات السيارات الكهربائية في الولايات المتحدة بنسبة 210%، لكنه فشل في إزاحة هيمنة الصين، اذ سيطرت شركات صينية مثل CATL وBYD على 68% من إنتاج البطاريات العالمي في عام 2025، مستفيدةً من احتياطيات النيكل في إندونيسيا والمشاريع المشتركة الأوروبية لتجاوز الرسوم الجمركية الأمريكية.
-
4. سياسات الاستثمار والضرائب
في غضون أسابيع من توليه منصبه ضاعف ترامب الرسوم الجمركية اذ في شباط 2025 فرض ترامب رسوم جمركية شاملة بنسبة 20% على البضائع الصينية، بزيادة عن رسوم بايدن البالغة 19.3%، وفي اذار 2025، اقترح فرض رسوم بنسبة 25% على السفن الصينية الصنع والواردات المكسيكية التي تحتوي على مكونات صينية. هذه الإجراءات أدت إلى تعطيل استراتيجيات “الصين +1” التي تنتهجها الشركات متعددة الجنسيات مثل آبل وتيسلا، اللتين نقلتا عمليات التجميع إلى فيتنام والمكسيك، ونتيجةً لذلك انخفض مؤشر شنغهاي المركب بنسبة 9%، بينما ارتفع معدل التضخم الأمريكي إلى 4.2% ([5]). فضلا عن ذلك وسّع الأمر التنفيذي الذي أصدره ترامب في شباط 2025 نطاق قيود بايدن على الاستثمار الخارجي لتشمل الأسهم العامة، مما أجبر صناديق التقاعد على سحب استثمارات بقيمة 156 مليار دولار من أسهم التكنولوجيا الصينية، كما تحركت الإدارة لتعليق معاهدة الضرائب الأمريكية الصينية لعام 1984، مما يهدد بالازدواج الضريبي على الشركات الأمريكية في الصين.
-
5. الملف الأمني والعسكري
على عكس التوقعات بتخفيف العقوبات وافق ترامب على بيع طائرات إف-16 في بقيمة ملياري دولار لتايوان في كانون الثاني 2025([6])، مما دفع الصين لفرض عقوبات على شركات دفاع شركتي لوكهيد مارتن ورايثيون، كما رفعت الصين ميزانيتها العسكرية لعام 2025، التي كُشف عنها في المؤتمر الشعبي الوطني بنسبة 9.8% لتصل إلى 280 مليار دولار، مع التركيز على القدرات الفرط صوتية والقدرات السيبرانية.
خامسا: تقييم النتائج هل نجحت استراتيجية بايدن؟
-
تعزيز القدرات الأمريكية وهشاشة التحالفات: أعادت سياسات بايدن الصناعية تنشيط القطاعات الاستراتيجية اهمها أشباه الموصلات اذ ارتفعت حصة الولايات المتحدة من إنتاج الرقائق المتقدمة عالميًا من 12% (2020) إلى 18% (2025)، المعادن الأساسية فقد ارتفعت نسبة تعدين الليثيوم المحلي بنسبة 300% مما قلل الاعتماد على الصين من 80% إلى 65%، ومع ذلك فإن نهج ترامب المُركّز على الرسوم الجمركية يُهدد بتقويض هذه المكاسب من خلال تنفير الحلفاء، اذ كشف رفض المكسيك فرض رسوم جمركية ثانوية على السلع الصينية في اذار 2025 عن تصدعات في جبهة نصف الكرة الغربي.
-
مرونة الصين وتكيفها: إذا استجابت الصين للضغوط الأمريكية من خلال استراتيجية “التداول المزدوج”، اذ عزز الاستهلاك المحلي بنسبة 75% من نمو الناتج المحلي الإجمالي في عام 2024، ما عمق العلاقات مع دول الجنوب العالمي عبر مجموعة بريكس+
-
الاكتفاء الذاتي التكنولوجي: اذ هناك توقع بأنه سيصل الإنفاق على البحث والتطوير إلى 620 مليار دولار في نهاية العام 2025 الى 2.6% من الناتج المحلي الإجمالي، مع التركيز على الرقائق المتطورة ونماذج الذكاء الاصطناعي مفتوحة المصدر.
-
على الرغم من جهود بايدن، من المتوقع أن يتجاوز الاقتصاد الصيني اقتصاد الولايات المتحدة من حيث تعادل القوة الشرائية بحلول عام 2027، على الرغم من أن تكافؤ الناتج المحلي الإجمالي الاسمي لا يزال بعيدًا.