الاكثر قراءةترجماتغير مصنف

الصراع الوشيك في سوريا مواجهة محتملة بين (إسرائيل) وتركيا*

الصراع الوشيك في سوريا مواجهة محتملة بين (إسرائيل) وتركيا*

بقلم: ديفيد ماكوفسكي وسيمون سعيدمِهْر

ترجمة: صفا مهدي عسكر/ مركز حمورابي للبحوث والدراسات الإستراتيجية

تحرير: د. عمار عباس الشاهين/ مركز حمورابي للبحوث والدراسات الاستراتيجية

 

في كانون الاول تمكن تحالف من الفصائل المتمردة بقيادة جماعة “هيئة تحرير الشام” من الإطاحة بشكل غير متوقع ببشار الأسد الذي حكمت عائلته سوريا طوال خمسة عقود، ومع تولي النظام الجديد في دمشق السلطة ورث دولة منهكة ومدمّرة جراء حرب أهلية استمرت ثلاثة عشر عامًا، وقد أصبح زعيم الهيئة أحمد الشرع الحاكم الفعلي لسوريا في وقت تسعى فيه القوى الإقليمية والدولية إلى التأثير في توجهاته وسلوكه، وفي ظل هذا الفراغ في السلطة سارعت دولتان مجاورتان هما (إسرائيل) ** وتركيا إلى ترسيخ وجودهما داخل الأراضي السورية مما دفعهما إلى مسار تصادمي متزايد.

برزت تركيا بوصفها القوة العسكرية الأبرز على الأرض فمنذ عام 2019، تسيطر هيئة تحرير الشام على محافظة إدلب في شمال غرب سوريا وكانت أنقرة تقدم لها دعماً غير مباشر عبر إنشاء منطقة عازلة في الشمال السوري حالت دون وصول قوات النظام إليها، وتطمح تركيا اليوم إلى توسيع نفوذها داخل سوريا بهدف القضاء على تطلعات الأكراد بالحكم الذاتي التي ازدهرت في ظل فوضى الحرب، وكذلك من أجل تأمين عودة نحو ثلاثة ملايين لاجئ سوري يعيشون على أراضيها.

في المقابل تسعى (إسرائيل) إلى توسيع حضورها في سوريا أيضًا، فبالرغم من توقيعها اتفاقًا لفصل القوات مع سوريا عام 1974 بوساطة أميركية عقب حرب تشرين الاول فإن بشار الأسد عمد في العقود الأخيرة إلى توثيق تحالفه مع إيران الخصم الإقليمي الأول (لإسرائيل)، وخلال تلك الفترة تحولت سوريا إلى ممر استراتيجي لنقل الأسلحة والصواريخ الإيرانية إلى حزب الله في لبنان مما زاد من حدة التوتر مع تل أبيب.

وفي ضوء هذه الخصومة المستمرة رأت (إسرائيل) في سقوط الأسد فرصة استراتيجية نادرة وبدأت بالتحرك سريعًا لترسيخ مناطق عازلة ونفوذ غير رسمي في جنوب سوريا، وتُبدي تل أبيب قلقًا متزايدًا من الوجود التركي هناك خشية أن توفّر أنقرة ملاذًا آمنًا لجماعات معادية لها، ويُذكر أن تركيا التي تسعى إلى نشر نموذجها من الإسلام السياسي لها تاريخ طويل من التوتر مع (إسرائيل)، وقد ظهر هذا العداء مؤخرًا في تصريح للرئيس التركي رجب طيب أردوغان قال فيه في تهنئته بعيد الفطر بتاريخ 30 اذار “اللهم دمّر (إسرائيل) الصهيونية”.

وتخشى (إسرائيل) من أن تطلعات تركيا في سوريا لا تقتصر على المناطق الحدودية بل تمتد نحو عمق الأراضي السورية، وفي 2 نيسان شنّت (إسرائيل) غارات جوية استهدفت مواقع عسكرية سورية، من بينها قاعدة التياس الجوية (T4) في محاولة لمنع أنقرة من إنشاء منظومات دفاع جوي هناك، (فإسرائيل) تولي أهمية بالغة للسيطرة على المجال الجوي في المناطق المجاورة، وكانت قد نفذت في تشرين الاول الماضي ضربة جوية ضد أهداف إيرانية عبر الأجواء السورية.

ورغم مشروعية الهواجس الأمنية (الإسرائيلية) فإن من مصلحة تل أبيب تجنّب الانزلاق إلى مواجهة عسكرية مباشرة مع أنقرة، فعليها أن تحرص على ألّا تدفع علاقاتها المتوترة أصلًا مع تركيا ثمن اندفاعها نحو تعزيز موقفها العسكري في سوريا، وفي ظل انتشار قواتها على عدة جبهات وتراجع مكانتها الدولية إلى أدنى مستوياتها فإن آخر ما تحتاجه (إسرائيل) اليوم هو فتح جبهة عداء جديدة.

المناطق العازلة والتهديدات المتبادلة

في تسعينيات القرن الماضي وخلال فترة اتسمت بآمال واقعية في تحقيق السلام بين (الإسرائيليين) والفلسطينيين شهدت العلاقات (الإسرائيلية) التركية تقاربًا وثيقًا، غير أن هذا التقارب بدأ في التآكل مع تراجع الطابع العلماني في كلا البلدين، ففي عام 2010 أدى اعتراض الجيش (الإسرائيلي) لسفينة تركية كانت تحاول كسر الحصار البحري المفروض على قطاع غزة إلى مقتل تسعة نشطاء مدنيين وجرح ثلاثين آخرين أحدهم توفي لاحقًا ما دفع أنقرة إلى تخفيض مستوى علاقاتها الدبلوماسية مع تل أبيب. ومنذ ذلك الحين تصاعد الخطاب التركي ضد (إسرائيل) إذ اتهمتها مرارًا بارتكاب “إبادة جماعية” في غزة وفرضت في ايار الماضي حظرًا تجاريًا على خلفية عملياتها العسكرية في القطاع، في المقابل تتهم (إسرائيل) تركيا بالسماح لقيادات من حركة حماس على غرار صالح العاروري النائب السابق لرئيس المكتب السياسي باستخدام أراضيها للتخطيط لهجمات ضد الدولة العبرية، ورغم حدة الخلافات فإن كلا البلدين يتفقان على رفض عودة النفوذ الإيراني إلى سوريا.

تُعد تركيا الفاعل الرئيسي خلف النظام السوري الجديد، مستفيدة من علاقتها الطويلة مع هيئة تحرير الشام وقد ساهمت في دعم خطط إعادة الإعمار، ويبدو أن أنقرة تسعى إلى إبرام اتفاق دفاع مشترك مع دمشق، يتيح لها توسيع نطاق نفوذها من الشمال السوري إلى عمق البلاد.

إلا أن هذا التوجه التركي يثير قلقًا بالغًا لدى صناع القرار في (إسرائيل)، إذ تتنازع النخبة الأمنية (الإسرائيلية) بين مدرستين الأولى تدعو إلى اختبار إمكانية التعاون مع أحمد الشرع قبل الحكم عليه كعدو محتمل، بينما ترى الثانية والتي يندرج ضمنها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أن من غير الواقعي توقّع نشوء نظام مركزي معتدل في ظل قيادة إسلامية سنية، وتدعو إلى تعزيز النفوذ (الإسرائيلي) في جنوب سوريا من خلال مناطق عازلة وأطر سيطرة غير رسمية. عقب انهيار نظام الأسد وهروبه من دمشق في كانون الاول سارعت (إسرائيل) إلى بسط سيطرتها على منطقة عازلة في الجنوب الغربي السوري بمحاذاة مرتفعات الجولان، ومنذ ذلك الحين شنّت مئات الضربات الجوية على مواقع عسكرية سورية يُعتقد أنها قد تُستخدم من قبل النظام الجديد، وفي 11 اذار أعلن وزير الدفاع (الإسرائيلي) يوآف غالانت أن قوات بلاده ستبقى في سوريا “لفترة غير محددة” لحماية الحدود الشمالية.

هواجس ما بعد السابع من تشرين الاول

يبدو أن السياسة (الإسرائيلية) تجاه سوريا أصبحت مدفوعة جزئيًا بتجربة الهجمات المفاجئة التي وقعت في 7 تشرين الاول 2023، والتي تُعد الأعنف في تاريخ (إسرائيل)، فقد باتت تل أبيب تنظر إلى إنشاء المناطق العازلة بوصفه ضرورة استراتيجية لا غنى عنها وتسعى إلى استباق التهديدات عبر إعادة تشكيل البيئة الأمنية الإقليمية بدلًا من الاكتفاء بردود الفعل المتأخرة، كما أن صدمة تلك الهجمات جعلت القيادة (الإسرائيلية) أكثر حذرًا في التعامل مع التيارات الإسلامية كافة. ففي السابق تعاملت (إسرائيل) بمرونة نسبية مع وجود يحيى السنوار، قائد حماس في غزة الذي قدّم نفسه كلاعب براغماتي من خلال نأي حركته عن تنظيم “الجهاد الإسلامي” والسماح لبعض سكان غزة بالعمل داخل (إسرائيل)، غير أن السنوار كان العقل المدبّر للهجوم الأعنف ضد (إسرائيل) وهو ما غيّر حسابات تل أبيب جذريًا.

النتيجة التي خلص إليها المسؤولون (الإسرائيليون) واضحة لا مجال لتسامح استراتيجي مع أي وجود جهادي على حدود الدولة، فعلى سبيل المثال وبعد اشتباكات دامية في اذار بين قوات النظام ومتمردين علويين موالين للأسد أسفرت عن مئات القتلى، صرّح غالانت أن الشرع “أسقط القناع عن وجهه الحقيقي بوصفه إرهابيًا جهاديًا من مدرسة القاعدة”. ورغم أن الشرع سعى إلى النأي بنفسه عن التطرف وعبّر عن عدم رغبته في التصعيد مع (إسرائيل)، فإن بعض المسؤولين (الإسرائيليين) يرون في تصريحاته محاولة تكتيكية لرفع العقوبات، ويخشون من تغيّر موقفه بمجرد تحسن الظروف الاقتصادية.

غير أن هواجس (إسرائيل) لا تقتصر على التهديدات الجهادية، فقد برّر نتنياهو استراتيجيته في سوريا أيضًا بالرغبة في حماية الطائفة الدرزية في جنوب البلاد، ففي الأسبوع الأول من ايار قُتل أكثر من 100 سوري في اشتباكات بين مقاتلين إسلاميين سنّة ومسلحين دروز، وردًا على ذلك نفّذت (إسرائيل) غارة جوية على دمشق في الثاني من ايار وأكد كل من نتنياهو ووزير الدفاع أن (إسرائيل) “لن تسمح بوجود أي قوات جنوب دمشق أو بأي تهديد يطال المجتمع الدرزي”. كما تتأثر المقاربة (الإسرائيلية) بالقلق من تراجع الدور العسكري الأميركي في سوريا، ففي 8 كانون الاول أعلن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب أن “سوريا فوضى” وأنه “ينبغي للولايات المتحدة ألا تتدخل فيها”، وفي 18 نيسان أعلنت واشنطن أنها ستخفض عدد قواتها في شرق سوريا من نحو 2000 جندي إلى أقل من 1000، وترى (إسرائيل) أن هذا الانسحاب سيمنح تركيا فرصة لتوسيع نفوذها في شمال سوريا وربما في مناطق أخرى أبعد.

الحوار قبل الصدام

ينبغي على (إسرائيل) أن تتوخى الحذر لتجنّب تحويل تركيا أو سوريا إلى عدوّين وأن تترك دائمًا مجالًا للحوار، من المشروع أن تسعى القيادة (الإسرائيلية) لاستخلاص العِبر من الإخفاقات الاستراتيجية التي كُشفت في هجوم السابع من تشرين الاول، إلا أن عليها أن توازن بين الاعتبارات الأمنية ووضع استراتيجية بعيدة المدى.

يمكن (لإسرائيل) أن تحدد معايير واضحة لحكومة أحمد الشرع في ما يتعلّق بكيفية تعاملها مع الأقليات والتصدي لقضايا مثل تهريب الأسلحة والتخلص من الأسلحة الكيميائية، وإذا ما استجابت الحكومة الجديدة لتلك المعايير يمكن (لإسرائيل) أن تفكر في دعوة الولايات المتحدة والدول الأوروبية لتخفيف العقوبات المفروضة على سوريا بل وتشجيع الاستثمارات الأوروبية والخليجية هناك، كما يجب على (إسرائيل) أن تعلن بوضوح أنها لا تطالب بأي أراضٍ سورية وأن وجودها في المناطق العازلة مؤقت مرهون بامتثال النظام الجديد لشروط محددة، فاستمرار الوجود (الإسرائيلي) في سوريا قد يعزز خطاب الخصوم الذين يصوّرون (إسرائيل) على أنها قوة احتلال.

ورغم أهمية العلاقة مع النظام السوري الجديد فإن العلاقة مع تركيا تبقى أكثر إلحاحًا، فكل من (إسرائيل) وتركيا حليفان للولايات المتحدة وتملكان قدرات عسكرية متقدمة، وقد شكّلت الضربة الجوية (الإسرائيلية) لمطار “تي فور” إنذارًا واضحًا لمدى سرعة التصعيد بين الجانبين، لذا يجب على الدولتين أن تفكّرا في وضع “خطوط حمراء” متبادلة وأن تتفقا في الحد الأدنى على العمل ضمن مناطق نفوذ منفصلة داخل سوريا لتفادي وقوع مواجهات.

يبدي الرئيس الأميركي دونالد ترامب ثقة بقدرته على تحسين العلاقات (الإسرائيلية) – التركية وأبلغ نتنياهو بأنه يتمتع بـ”علاقة جيدة جدًا مع تركيا وزعيمها”، بإمكان ترامب أن يحاول ثني أردوغان عن نشر أنظمة دفاع جوي في سوريا كما يمكنه المساعدة في إيجاد آليات لتخفيف حدة التوتر بين البلدين، عبر التنسيق في مواجهة النفوذ الإيراني وجهود تهريب الأسلحة على سبيل المثال.

ينبغي على (إسرائيل) تفعيل قنواتها الدفاعية والاستخباراتية للتواصل مع تركيا والاستفادة من القنوات غير الرسمية للتواصل مع السوريين، وقد تم حتى الآن تأكيد عقد لقاء علني واحد على الأقل بين مسؤولين (إسرائيليين) وأتراك جرى في نيسان الماضي بأذربيجان، ويجب على الجانبين البناء على هذا الحوار خصوصًا أن كليهما يعلنان عدم رغبتهما في الانجرار إلى مواجهة عسكرية.

الهدف (الإسرائيلي) يجب أن يكون إثبات المخاوف الأمنية المشروعة دون استفزاز أنقرة أو دمشق، وتحقيق هذا التوازن أمر بالغ الأهمية في ظل التحولات الاستثنائية التي تشهدها سوريا، فالنظام الجديد لم يُحكم قبضته بعد على كامل البلاد ومواقفه السياسية لا تزال في طور التشكل، وفي لحظة تاريخية كهذه – بعد تراجع عدو مشترك هو إيران – ينبغي على (إسرائيل) وتركيا أن تسعيا لصياغة نظام إقليمي جديد يخدم مصالحهما المشتركة لا أن تتجها نحو المواجهة.

* David Makovsky and Simone Saidmehr, The Coming Clash Over Syria Israel and Turkey Are on a Collision Course, FOREIGN AFFAIRS, May 6, 2025.

** لمقتضيات الأمانة العلمية، وضرورات الترجمة الدقيقة، تم الإبقاء على كلمة (إسرائيل)، وهو لا يعني اعتراف المركز بها، وما هو مكتوب يمثل راي وأفكار المؤلف.

Loader Loading...
EAD Logo Taking too long?

Reload Reload document
| Open Open in new tab

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى