الاكثر قراءةتقدير موقفغير مصنف
لبنان بين المبادرة الأميركية وضعف الدولة وصمود المقاومة

بقلم: حنين محمد الوحيلي / باحثة في مركز حمورابي للبحوث والدراسات الاستراتيجية
في سياق المخطط الصهيو-أمريكي المستمر لتجريد المقاومة من سلاحها وكسر معادلة الردع التي فرضها حزب الله على الجبهة الشمالية لفلسطين المحتلة، جاءت المبادرة الأميركية الأخيرة لتقديم “خارطة طريق” لنزع سلاح الحزب خلال فترة زمنية قصيرة، مقابل بعض التنازلات (الإسرائيلية) الشكلية.
هذا التحرك الأميركي يعكس عجز الاحتلال عن حسم المواجهة عسكرياً، ولجوئه مجدداً إلى الضغط السياسي والابتزاز الاقتصادي عبر أدواته الدولية، بالوقت الذي تبدو فيه الحكومة اللبنانية أضعف من أن تفرض على (إسرائيل) وقف خروقاتها اليومية للسيادة اللبنانية، فضلاً عن عجزها التام عن دفع حزب الله إلى التخلي عن سلاحه بأي شكل.
في المقابل جاء موقف المقاومة حاسماً وصريحاً، إذ أكد الشيخ (نعيم قاسم) الأمين العام لحزب الله، أن سلاح الحزب ليس مطروحاً على طاولة المفاوضات، وأن أي مساس به يعني المساس بأمن لبنان وسيادته. وقد قال في تصريح له حول هذه المبادرة:
“نزع سلاح المقاومة حلم لن يتحقق، وسلاحنا سيبقى حتى يزول الاحتلال وننال الضمانات الحقيقية لسيادة بلدنا”.
موقف حزب الله المتوقع وردوده على المبادرة الأميركية
حزب الله يقرأ في هذه المبادرة محاولة جديدة لإضعاف مقومات المقاومة وفرض إرادة الاحتلال (الإسرائيلي) من خلال ضغوط سياسية دولية.
الحزب يرى أن سلاحه هو ضمانة الأمن والاستقرار في لبنان، وهو ورقة ردع حاسمة ضد أي عدوان (إسرائيلي) مستقبلي، لا يمكن التفاوض عليه أو التخلي عنه بأي شكل.
وفقاً لتصريحات الأمين العام الشيخ (نعيم قاسم)، فإن أي محاولة لنزع سلاح الحزب تعد تجاوزاً للسيادة الوطنية اللبنانية وتهديداً مباشراً للأمن القومي، خصوصاً في ظل استمرار الاحتلال (الإسرائيلي) للأراضي اللبنانية، ولا سيما مزارع شبعا وتلال كفرشوبا.
كما يتوقع أن يرفض الحزب بشكل قاطع الالتزام بخارطة الطريق الأميركية ما لم تتحقق شروطه المتمثلة في انسحاب كامل وفعلي (لإسرائيل) من الأراضي اللبنانية، وضمانات دولية تمنع تكرار الاعتداءات.
عملياً، سيواصل حزب الله الحفاظ على قدراته العسكرية، مع تعزيز التنسيق مع القوى السياسية اللبنانية المؤيدة للمقاومة، والعمل على إحباط أي محاولات لتفكيك المقاومة تحت ضغوط خارجية.
في هذا السياق من المرجح أن يستخدم الحزب وسائل سياسية وشعبية للدفاع عن موقعه، بما في ذلك التأثير على الرأي العام اللبناني والدعوة لوحدة الصف الوطني في مواجهة محاولات الاستهداف.
قدرة الحكومة اللبنانية على التعامل مع المبادرة ونزع سلاح حزب الله
الحكومة اللبنانية في ظل هشاشة الوضع السياسي والاقتصادي والأمني، تواجه واقعاً صعباً يتمثل في ضعف مؤسسات الدولة وقدرتها على فرض سيادتها الكاملة على كامل الأراضي اللبنانية.
على الرغم من بعض الضغوط الدولية لتبني خطة نزع سلاح حزب الله، إلا أن الحكومة تفتقر إلى الإرادة السياسية والقدرة التنفيذية على مواجهة الحزب عسكرياً أو الضغط عليه ليتخلى عن سلاحه.
حزب الله جزء أساسي من المشهد السياسي اللبناني، له ممثلون في البرلمان والحكومة، ويحظى بدعم شريحة واسعة من المجتمع اللبناني، خاصة في المناطق التي يعتبرها مركز ثقل للمقاومة.
أي محاولة لإرغام الحزب على التخلي عن سلاحه قد تشعل صراعات داخلية قد تؤدي إلى تفكك الأوضاع الأمنية والاجتماعية في البلاد.
في الوقت نفسه الحكومة عاجزة عن وقف الخروقات (الإسرائيلية) المستمرة للسيادة اللبنانية، ما يضعها في موقف ضعف أمام شعبها وأمام القوى السياسية، ويزيد من شعورها بالعجز في الملف الأمني.
بالتالي تبدو الحكومة اللبنانية أكثر قدرة على التعامل مع المبادرة الأميركية من موقع الوسيط والمفاوض، وليس كطرف قادر على تنفيذ متطلبات نزع السلاح، مما يجعل المبادرة حتى الآن إطاراً تفاوضياً أكثر منه خطة تنفيذية فعلية.
الموقف (الإسرائيلي) والأمريكي ومخططاتهم تجاه حزب الله
من جهة أخرى لا تخفي (إسرائيل) وأميركا أن الحرب مع حزب الله لم تنته، بل هي في طور إعادة ترتيب الحسابات.
رغم الهدنة الظاهرة والضغوط السياسية، تواصل تل أبيب وواشنطن استراتيجيات تهدف إلى إضعاف المقاومة وتفكيك بنيتها العسكرية والسياسية.
الخطوة الأميركية الأخيرة عبر مبادرة نزع السلاح هي جزء من مخطط أوسع يرمي إلى إخراج حزب الله من المعادلة العسكرية والسياسية في لبنان والمنطقة.
(إسرائيل) من جانبها تستغل أوقات التهدئة لإعادة تحصين مواقعها وتأمين خطوطها الدفاعية، بينما تواصل شن عمليات استخباراتية وأمنية ضد قيادات ومخازن الحزب، في محاولة لتفكيك قدراته تدريجياً.
في الوقت ذاته حزب الله يستغل فترة الهدنة لإعادة تشكيل صفوفه وترميم منظومته الداخلية بعد أي اختراقات أمنية حدثت خلال المواجهة الأخيرة، مع تعزيز جهوزيته العسكرية والسياسية للعودة إلى المشهد بقوة أكبر.
ومن المرجح أن الحزب سيستأنف نشاطه العسكري بشكل أكثر تنظيماً وحسماً، مع استعادة الأراضي التي سيطر عليها الاحتلال خلال الحرب الأخيرة، ضمن سياق استعادة الردع وفرض شروط جديدة على (إسرائيل).
كما لا يستبعد أن يعمد العدو، في حال فشل المخططات السياسية والأمنية والعسكرية المباشرة، إلى خيار بديل يتمثل بمحاولة إشعال حرب أهلية في لبنان، مستغلاً الانقسامات الداخلية والاحتقان الطائفي والسياسي، بهدف تفكيك الجبهة الداخلية وإضعاف المقاومة من الداخل. ويستوجب ذلك على القوى الوطنية التحسب لمثل هذا السيناريو وتحشيد الوعي الشعبي لمنع الانزلاق إلى أتون الفتنة التي لا تخدم إلا المشروع الصهيو–أميركي.
بالتالي المبادرة الأميركية و(الإسرائيلية) ليست نهاية المواجهة، بل محطة في صراع طويل الأمد، حيث يواصل كل طرف تحضيراته للمرحلة القادمة، التي قد تكون أكثر اشتعالاً وتوتراً.
الخلاصة والتوصيات
في ضوء التحليل السابق يتضح أن المبادرة الأميركية لنزع سلاح حزب الله تأتي ضمن مخطط أوسع لإضعاف محور المقاومة، لكنها تصطدم بمقاومة قوية من الحزب الذي يرفض التخلي عن سلاحه باعتباره ركيزة الأمن الوطني اللبناني.
الحكومة اللبنانية في وضع هش سياسياً وأمنياً، تعجز عن فرض سيادتها أو الضغط على حزب الله، مما يجعل المبادرة أكثر إطار تفاوضي من كونها خطة قابلة للتنفيذ.
(إسرائيل) وأميركا تواصلان جهودهما لاستنزاف الحزب وإضعافه، لكن الحرب لم تنته، وحزب الله يستعد للمرحلة القادمة بإعادة بناء قواته واستعادة الأراضي المحتلة، بناء عليه يوصى بالآتي:
-
تعزيز وحدة الصف الوطني اللبناني بين جميع القوى التي تدعم المقاومة، لتقديم موقف موحد يحمي القرار الوطني في مواجهة الضغوط الخارجية.
-
التركيز على دعم الشرعية الوطنية لقرار سلاح المقاومة، وتوضيح دوره الحاسم في حماية لبنان من الاحتلال والاعتداءات.
-
تعزيز الجهود الدبلوماسية اللبنانية لكسب دعم دولي يعترف بحق لبنان في الدفاع عن سيادته، وضمان وقف الخروقات (الإسرائيلية).
-
العمل على تقوية مؤسسات الدولة اللبنانية لتعزيز قدرتها على فرض السيادة ووقف الاعتداءات، مما يدعم موقف لبنان التفاوضي في المستقبل.
-
رفع مستوى الوعي الوطني بخطورة محاولات جر لبنان إلى حرب أهلية جديدة، وتعزيز الحوار بين مختلف المكونات السياسية والطائفية لتفويت الفرصة على أي مخططات خارجية تهدف إلى تفكيك المجتمع اللبناني من الداخل.
-
الاستعداد لمرحلة جديدة من الصراع مع الاستمرار في تطوير قدرات المقاومة، والتأكيد على ضرورة الاستعداد لأي تصعيد محتمل.
في النهاية، تبقى معادلة القوة والردع التي يشكلها حزب الله هي الضمانة الحقيقية لاستقرار لبنان وأمنه، ومهما تواصلت الضغوط الأميركية و(الإسرائيلية)، فإن سلاح المقاومة سيظل ركيزة لا يمكن التنازل عنها حتى مع تحقيق الشروط الاستراتيجية الواضحة، لأن التهديد المستقبلي يبقى قائماً.
ومن المؤكد أن حزب الله لن يخضع لهذه المبادرة أو لأي مبادرة مشابهة، ولن يسمح بانتزاع سلاحه، لأن انتزاعه يعني نهاية الحزب ونهاية لبنان معاً.



