الاكثر قراءةتحليلات و آراءغير مصنف
دور الهجمات الارهابية في إشعال الحروب، كشمير إنموذجاً

بقلم: زيد ابو جون – باحث في شؤون الارهاب والجماعات المتطرفة
على مر التاريخ، امتد تأثير الإرهاب الى ما هو ابعد من الصدمة والدمار الفوري او حتى ضحايا الهجوم الارهابي. ففي بعض الحالات، كانت الهجمات الإرهابية بمثابة شرارة أدت الى إندلاع حروب عالمية او حروب واسعة النطاق، مما غير المشهد الجيوسياسي بشكل جذري.
قد يكون تعريف الإرهاب صعبًا، ولكن كجزء من أسس التوصل إلى معنى متفق عليه على الأقل للعناصر التعريفية المشتركة للإرهاب، لا يزال بإمكاننا تحديد بعض العناصر الأساسية التي تفسر، بل تُعرّف، هذه الظاهرة السياسية. أولًا وقبل كل شيء، العنف، أو التهديد به. ثانيًا، الإرهاب دائمًا ذو طبيعة سياسية، وينطوي دائمًا على دافع سياسي. أيضاً، التداعيات النفسية التي يسعى الإرهابيون إلى إحداثها. بعبارة أخرى، ما يهم في الإرهاب ليس فقط ضحية العنف الإرهابي، بل الجمهور المستهدف أيضًا -الرسالة التي يحاول الإرهابيون إيصالها من خلال هذا العنف، والجمهور الذي يحاولون الوصول إليه.
لا يمكن شرح التأثير الارهابي في كشمير من دون ان نعرج الى اهم الحروب التي عصفت بالعالم والتي كانت الهجمات الارهابية بمثابة شرارة الاشعال لها. هذه اللحظات من العنف التي سنستعرض أهمها رغم انها قد تم القيام بها من قبل جماعات صغيرة احياناً او حتى افراد ينتمون لتلك الجماعات، يمكنها ان تشعل التوترات الكامنة، وتحرك ماكنة التحالفات العسكرية وتثير ردود فعل انتقامية ضخمة:
إغتيال الارشيدوق فرانز فيردناند: شرارة الحرب العالمية الأولى
تعتبر الهجمة الارهابية الاكثر تأثيراً في التاريخ تلك التي وقعت في 28 يونيو 1914، عندما تم اغتيال الارشيدوق فرانز فيردناند، وريث عرش الامبراطورية النمساوية_المجرية، وزوجته في سراييفو على يد غافريلو برينسيب، وهو صربي بوسني عضو في منظمة “اليـد السوداء” الارهابية التي كانت تدعو الى استقلال السلاف.
لم يكن هذا الهجوم عملاً عشوائياً او منفرداً بل كان مخطط له بعناية وجاء نتيجة توترات قومية متجذرة داخل الامبراطورية. أن أحد العوامل الأساسية في فهم الإرهاب يجب أن يكون في أن الإرهابيين أنفسهم جزء من سلسلة قيادة محددة، أو على الأقل ينتمون إلى خلية تآمرية. لذا، قد تكون ذئبًا منفردًا، ولكن يجب أن تكون جزءًا من قضية سياسية أكبر أو أوسع. وكما لا يمكن لشخص واحد أن يكون حزبًا سياسيًا، فأنت بحاجة إلى أكثر من شخص واحد، ولا يمكن أن يقتصر تعريف الإرهاب على فرد واحد فقط. يجب أن يكون هذا الفرد جزءًا من حركة سياسية أوسع، ربما شخصًا ينفذ أوامر سلطة قيادية في منظمة إرهابية، أو فردًا، بمفرده تمامًا، مستوحىً ومدفوعًا ومُحفّزًا من تلك المنظمة أو تلك الحركة للقيام بأعمال عنف.حمّلت النمسا-المجر لصربيا المسؤولية بدعم من المانيا، وقدمت لها إنذاراً رفضته جزئياً، مما دفع النمسا-المجر لإعلان الحرب على صربيا.
بسبب شبكة التحالفات الدولية، تصاعد الصراع بوتيرة متسارعة: روسيا دعمت صربيا، فأعلنت المانيا الحرب على روسيا وفرنسا، وتدخلت بريطانيا بعد غزو بلجيكا. وهكذا، أدى هجوم ارهابي إقليمي الى إشعال الحرب العالمية الاولى التي أودت بحياة أكثر من 16 مليون شخص.
هجمات 11 سبتمبر والحرب العالمية على الارهاب
لحظة اخرى فارقة في علاقة الارهاب بنشوب الحرب كانت هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة، عندما نفذ عناصر من تنظيم القاعدة هجوم ارهابي متقن خلال اختطاف اربعة طائرات مدنية، صدمت اثنتان منها برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك، وثالثة بمبنى البنتاغون، بينما تحطمت الرابعة في بنسلفانيا بعد تدخل الركاب، قتل حوالي 3000 شخص، وكان التأثير بالغ في نفوس الامريكيين.
رداً على ذلك، أعلن الرئيس الامريكي جورج بوش ماسمي بـ “الحرب على الارهاب”، وأُعتبرت الهجمات عملاً حربياً غزت على أثره الولايات المتحدة افغانستان لإسقاط حكم طالبان وتفكيك تنظيم القاعدة، يعد اطول تدخل عسكري في تاريخ الولايات المتحدة. قادت سردية الحرب على الارهاب الولايات المتحدة الى غزو العراق عام 2003 بدعوى امتلاكه اسلحة دمار شامل وعلى علاقة بالإرهاب، رغم عدم صحة تلك المزاحم لاحقاً. أدى ذلك الى تفاقم النزاعات الإقليمية وظهور تنظيمات ارهابية جديدة كـتنظيم الدولة الاسلامية داعش.
تفجير ضريح الإمامين العسكريين
يُجمع المتخصصين في دراسات الارهاب و مكافحة الارهاب ,على كلمة مفتاحية اساسية في تعريف الارهاب رغم اختلاف التعاريف لهذه الظاهرة, إلا ان “العنف” هو السمة البارزة والمدخل لذلك المجال , ومن اجل التغيير السياسي فالأرهاب او العنف السياسي ظاهرة سياسية بالأصل تعتمد على ممارسة جميع اساليب العنف من اجل التأثير السياسي لذلك ووفقا لدانيال بيمن فأن ثاني اكبر هجوم ارهابي هز العالم بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر ببساطة لم يقتل احد, الا وهو تفجير ضريح الامامين العسكريين في سامراء في 22 شباط فبراير 2006 الذي نفذه تنظيم القاعدة. لم يقتل التفجير أحد حيث اقتصرت الاضرار على بناء المرقد فقط. الا ان ماتبع هذا التفجير كان حرباً اهلية طائفية دامت سنوات اودت بحياة آلاف العراقيين.
مذبحة ميونخ 1972
رغم ان عملية ميونخ في عام 1972 لم تؤدي الى حرب شاملة ومباشرة إلا ان تأثيرها الجيوسياسي كان كبيراً.
خلال دورة الألعاب الاولمبية في ميونخ، قام أعضاء من منظمة “أيلول الأسود” الفلسطينية بإحتجاز 11 رياضياً إسرائيلياً كرهائن، وانتهت الازمة بمقتلهم خلال محاولة فاشلة لإنقاذهم.
أدت تلك المذبحة الى تغيير جذري في سياسة مكافحة الإرهاب الاسرائيلية، حيث أطلقت اسرائيل عملية “غضب الله” لتعقب وتصفية المتورطين. تَصاعد الصراع الاسرائيلي-الفلسطيني بشكل أكبر، مما ساهم في دورات جديدة من العنف وعدم الاستقرار في الشرق الاوسط.
ممكن ان يُوصلنا ماسبق إلى جوهر فهم ماهية الإرهاب، فرغم أنه قد يبدو غيـر منطقي، إلا أنه في الواقع مُتعمد ومُحدد، إنه مُدبر حتماً. إنه استخدام العنف المُوجه ضد أهداف رمزية. بعبارة أخرى، أهداف تُمثل للإرهابيين عداءهم للحكومة أو كراهيتهم لشعب آخر أو جماعة عرقية مُنافسة. بعبارة أخرى، ليس الضحية هو الأهم بالنسبة لهم، أو حتى الهدف، بقدر أهمية الجمهور المُستهدف والتبعات المروعة التي تتبع ذلك الهجوم.
كشمير، ساحة الارهابيين المفضلّة
في يوم 22 من شهر نيسان الماضي من العام الجاري 2025 نفذ 4 ارهابيين وهم اعضاء في جماعة “لشكر طيبة” هجوماً بالأسلحة الخفيفة على سائحين هندوس في الشطر الهندي من كشمير. أدى الهجوم لمقتل أكثر من 26 مدنياً من الهندوس بعد التأكد من هويتهم الدينية قبل إطلاق النار عليهم.
أشعل هذا الهجوم الارهابي سلسلة من الاجراءات الدبلوماسية المتشنجة كتقليص التمثيل الدبلوماسي بين الهند وباكستان وغلق الحدود وغيرها، ومواجهات عسكرية متبادلة تمثلت بـقصف مدفعي وصاروخي، وضربات جوية، وإسقاط طائرات. دق ذلك الهجوم الارهابي اسفين الحرب بين البلدين بشكل متصاعد وأنذر بـتوسع نطاق حرب استنزاف دامية قبل ان يحدث وقف لإطلاق النار قبل ايام قليلة.
مع ان وقف إطلاق النار قد تحقق وأفشل هدف الارهابييـن بنشوب حرب واسعة، ولكنهم بنفس الوقت نجحوا بزيادة حدة التوتر بين المجتمعات الاسلامية والهندوسية في الهند بشكل عام وكشمير بشكل خاص وتعميق فجوة الصراع الديني هناك. وما نحن متأكون منه فعلاً، ان ذلك الهجوم سيساهم بتغيير السياسات الامنية لكلا البلدين نحو مزيد من الحذر والتشنج.
تُعدّ كشمير واحدة من أكثر المناطق توتراً في العالم، حيث شهدت تاريخًا طويلًا من الهجمات الإرهابية والصراعات المسلحة بين الهند وباكستان. يعود النزاع إلى عام 1947، عندما انقسمت شبه القارة الهندية إلى دولتين مستقلتين: الهند وباكستان، وتنازعتا على إقليم كشمير، مما أدى إلى ثلاث حروب والعديد من الاشتباكات المسلحة.
تعود خلفية ذلك الصراع الى اواخر الثمانينات وتحديداً العام 1989، حين اندلعت حركة تمرد مسلحة في كشمير، قادتها جماعات انفصالية مدعومة من باكستان، مثل “لشكر طيبة” و”جيش محمد”. وقد أدى هذا التمرد إلى مقتل أكثر من 40,000 شخص، بينهم مدنيون وعناصر أمن ومسلحون، وفقًا لبيانات حكومية، ومن أبرز الهجمات الإرهابية في كشمير هي:
-
الانتفاضة المسلحة في كشمير 1990
حين قامت جماعات اسلامية متشددة بدعم تمرد واسع النطاق ضد الحكم الهندي عام1990.
-
هجوم بولوما 2019: فـفي 14 فبراير 2019، نفذ مسلح من “جيش محمد” هجومًا على قافلة أمنية هندية، مما أسفر عن مقتل 40 جنديًا.
-
مجزرة تشابناري 1998: في 19 يونيو 1998، قُتل 26 هندوسيًا في قرية تشابناري على يد مسلحين من “لشكر طيبة” و”حزب المجاهدين”.
-
مجزرة برانكوت 1998: في 17 أبريل 1998، قُتل 29 هندوسيًا في قريتي برانكوت وداكيكوت على يد مسلحين من “لشكر طيبة” و”حزب المجاهدين”.
-
هجمات حج أمارناث 2000، 2002، 2017:
-
2000 قُتل 89-شخصًا، بينهم 21 حاجًا هندوسيًا، في هجوم على معسكر نونوان.
-
2002: قُتل 11-حاجًا في هجوم على معسكر نونوان.
-
2017: قُتل 8 حجاج في هجوم على حافلة تقلهم.
أبرز الجماعات الإرهابية النشطة
-
لشكر طيبة: تأسست في التسعينيات، وتُعتبر مسؤولة عن العديد من الهجمات في كشمير، بما في ذلك مجازر تشابناري وبرانكوت. مسؤولة كذلك عن هجوم مومباي الذي راح ضحيته اكثر من 170 شخصاً، وكان الهجوم نقطة تحول في السياسات الامنية الهندية.
-
جيش محمد: تأسست في عام 2000 على يد مسعود أظهر، وتُعتبر مسؤولة عن هجوم بولواما 2019 وهجوم البرلمان الهندي في عام 2001.
-
حزب المجاهدين: تأسست في عام 1989، وتُعتبر مسؤولة عن العديد من الهجمات في كشمير، بما في ذلك مجازر تشابناري وبرانكوت 1998.
لفضاعته قد يبدو الإرهاب غير منطقياً أو عشوائيًا أو متقطعًا، إلا أنه في الواقع مُخطط له، ومُدبّر، وهادف. وهذا ما يمنحه قوته، ما يمنحه القدرة على ترهيب أو إجبار الأفراد أو الحكومات الأخرى على التصرف بشكل مختلف إذا ما واجهوا التهديد الإرهابي.
المصادر:
-
Inside terrorism , Book by: Bruce Hoffman
2. Martin Gilbert The First World War: A Complete History . Henry Holt 1996.
-
Bergen, Peter. The Rise and Fall of Al-Qaeda & Shuster, 2011.
-
Reeve, Simon. One Day in September: The Full Story of the 1972 Munich Olympics Massacre and the Israeli Revenge Operation ‘’Wrath of God’’.
-
National Commission on Terrorist Attacks Upon the United States (9/11 Commission Report),2004.
-
S Department of State Archives, History of U.S involvement in the Middle East.
7. WHEN DOES TERRORISM HAVE A STRATEGIC EFFECT? DANIEL BYMAN, NOVEMBER 26, 2019
-
AP News: India and Pakistan have been in conflict since 1947 Partition. AP News
-
The Times: No ceasefire will let India and Pakistan escape their history. The Times
-
Vox: Just how bad can the India-Pakistan crisis get? Vox
-
Wikipedia: 2019 Pulwama attack. Wikipedia
-
Wikipedia: 2000 Amarnath pilgrimage massacre. Wikipedia+2Wikipedia+2Wikipedia+2
-
Wikipedia: 2002 Amarnath pilgrimage massacre. Wikipedia
-
Wikipedia: 2017 Amarnath Yatra massacre. Wikipedia+2Wikipedia+2Wikipedia+2
-
Wikipedia: 1998 Chapnari massacre. Wikipedia
-
Wikipedia: 1998 Prankote massacre. Wikipedia
-
https://www.aljazeera.net/news/2025/4/24/%D9%87%D8%AC%D9%88%D9%85-%D9%83%D8%B4%D9%85%D9%8A%D8%B1-%D9%88%D8%A7%D8%AD%D8%AA%D9%85%D8%A7%D9%84-%D8%AD%D8%B1%D8%A8-%D9%85%D9%81%D8%AA%D9%88%D8%AD%D8%A9-5-%D8%A3%D8%B3%D8%A6%D9%84%D8%A9
-
https://www.bbc.com/arabic/articles/c7536rg5q09o