الاكثر قراءةدراساتغير مصنف

خارطة الانتخابات البرلمانية لعام 2025: استقراء للتحالفات ولدور القوى السياسية الممثلة لفصائل المقـ ـاومة

اعداد/ فريق باحثين مركز حمورابي للبحوث والدراسات الاستراتيجية

د. عمار عباس الشاهين

نور  نبيه جميل

حسن فاضل سليم

حنين محمد الوحيلي

 

 

المقدمة:

لا شك ان نتائج الانتخابات البرلمانية القادمة ستكون من اهم الانتخابات التي تحدد مستقبل العراق داخليا وخارجيا على الاطلاق، وتؤثر بشكل حاسم على استقرار الدولة وعلاقاتها الخارجية مع الولايات المتحدة وإيران وباقي القوى الاقليمية والدولية المهمة، انطلاقا من دورها في تحديد طبيعة وتوجهات الحكومة العراقية الجديدة وملفاتها الشائكة التي تنتظرها.

ومن اهم الملفات الحساسة التي تنتظر الحكومة العراقية القادمة هي ملف التعامل مع الحشد ومستقبل سلاحه والعلاقة مع الجمهورية الايرانية، وملف مقاومة التطبيع مع الكيان (الاسرائيلي)، فضلا عن ملف المياه مع تركيا، واصلاح الاقتصاد، ومواجهة الفساد، واغلب هذه الملفات تعني الفصائل وقواها السياسية بطريقة او اخرى، وستعتمد على خريطة الانتخابات القادمة وعلى طبيعة التحالفات بين القوى السياسية والاتفاقات الناجمة عن التفاهمات فيما بينها.

ومن هنا فأن النتائج التي ستحصل عليها القوى السياسية الممثلة للفصائل المحسوبة على المقاومة والقوى السياسية القريبة منها المنضوية تحت لواء الإطار التنسيقي سيكون لها الاثر الحاسم في تحديد طبيعة المفاوضات القادمة لتشكيل الحكومة وفي تحديد شكل وتوجهات الحكومة القادمة، والتوازنات داخل قبة البرلمان، ومستقبل العلاقة مع الولايات المتحدة، وهو الامر الذي يجعل من الانتخابات القادمة واحدة من اهم الانتخابات البرلمانية العراقية منذ عام 2003.

 

 

النظام الانتخابي الحالي ودوره في تشكيل التوازنات السياسية

د: عمار عباس الشاهين

 

في خضم التطورات السياسية التي يشهدها العراق، ولترسيخ الاستقرار الديمقراطي، تستعد البلاد لاستحقاق انتخابي حاسم من شأنه أن يحدد ملامح السلطة التشريعية ومستقبل المشهد السياسي، ويقترب الموعد النهائي للاقتراع في 11 تشرين الثاني، والذي يُجرى تحت إشراف المفوضية العليا المستقلة للانتخابات.

وتجري الحملات الدعائية للانتخابات في العراق من خلال عرض المرشحين والكيانات لبرامجهم السياسية عبر مختلف وسائل الإعلام والساحات العامة، ويشهد هذا الاستحقاق تنافسا حادا بين 31 تحالفا و38 حزبا و75 قائمة منفردة تتنافس جميعها لحجز مقاعدها في البرلمان ذي الـ329 مقعدا، وتتولى المفوضية العليا المستقلة للانتخابات مسؤولية مراقبة ورصد هذه الحملات للتأكد من التزامها بالسقوف الزمنية المحددة والأخلاقيات الانتخابية ومنع أي مخالفات أو استغلال لموارد الدولة.

 

النظام الانتخابي

وتستند انتخابات مجلس النواب العراقي لعام 2025 إلى قانون رقم 4 لسنة 2023 (التعديل الثالث لقانون انتخابات مجلس النواب ومجالس المحافظات والأقضية رقم 12 لسنة 2018)، والذي أقره مجلس النواب في 27 آذار 2023 ([1]).

ويقوم هذا النظام على أساس الدائرة الواحدة ضمن المحافظة، أي أن المحافظة تُعتبر دائرة انتخابية واحدة، ويتم احتساب القاسم الانتخابي على مستوى المحافظة بالاعتماد على نظام سانت ليغو 1.7، حيث توزع الأصوات الصحيحة في الدائرة الانتخابية الواحدة على عدد المقاعد المخصصة لتلك الدائرة، ويعد الناتج هو القاسم الانتخابي الذي يمثل عدد الأصوات اللازمة للحصول على مقعد واحد ([2]).

ويتكون مجلس النواب العراقي من 329 مقعدًا، تخصص نسبة لا تقل عن 25% منها لـ “كوتا النساء”، وتفوز بهذه المقاعد المرشحات الحاصلات على أعلى الأصوات في كل دائرة، وفي حال لم تتحقق هذه النسبة من الفائزات مباشرة يتم استكمالها من المرشحات الخاسرات الحاصلات على أعلى الأصوات في القائمة غير الفائزة، لضمان تحقيق النسبة المطلوبة في كل محافظة.

كما ينص القانون على أن تخصص مقاعد محددة للمكونات القومية والدينية على مستوى المحافظات أو على المستوى الوطني، وتشمل المسيحيين والصابئة المندائيين والإيزيديين والشبك والكرد الفيليين، ويفوز بهذه المقاعد المرشحون من هذه المكونات الحاصلون على أعلى الأصوات ضمن الكوتا المخصصة.

وتعلن نتائج الانتخابات الأولية عادة خلال 24 ساعة بعد انتهاء الاقتراع، فيما تُعلن النتائج النهائية بعد الانتهاء من عمليات التدقيق، والبت في الشكاوى والطعون المقدمة من قبل المفوضية والهيئة القضائية للانتخابات.

وكانت المفوضية العليا قد شهدت الجمعة 3 تشرين الأول 2025 عقد الاجتماع الأول للجنة المراقبة والتقييم مع اللجنة الفاحصة للأجهزة الانتخابية وعضوية معاون رئيس الإدارة الانتخابية للشؤون الفنية ومدير دائرة العمليات وتكنولوجيا المعلومات وضم الاجتماع ممثلين من الوزارات الساندة والجهات الأمنية كوزارة الداخلية وجهاز المخابرات، والاتصالات ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي والتخطيط وممثلي حكومة إقليم كردستان، حيث شهد مناقشة العديد من المحاور المهمة ذات الصلة بالعمل الفني والتقني للجنة الفاحصة، فضلاً عن الآلية المتبعة بمراقبة وتقييم عمل تلك اللجنة وكذلك عملية إرسال النتائج والسيرفرات واعلان النتائج وأكّدت المفوضية أنّها أوشكت على إتمام فقرات جدولها الزمني العملياتي وباتت قريبة جدًا من إجراء الانتخابات في موعدها 11/ تشرين الثاني/ 2025، وهي في كامل جهوزيتها الفنية واللوجستية.

 

احتساب المقعد البرلماني ([3])

إن النظام الحالي لانتخابات 2025 يعتمد على نظام الدائرة الواحدة ضمن المحافظة أي أن المحافظة تُعتبر دائرة انتخابية واحدة ويتم احتساب القاسم الانتخابي على مستوى المحافظة بالاعتماد على نظام سانت ليغو 1.7، وان آلية الاحتساب سيتم تقسيم مجموع الأصوات الصحيحة في الدائرة الانتخابية الواحدة (المحافظة) على عدد المقاعد المخصصة لتلك الدائرة، ويعد الناتج هو القاسم الانتخابي الذي يمثل عدد الأصوات اللازمة للحصول على مقعد واحد، وأن توزيع المقاعد يتم وفقا لنظام التمثيل النسبي داخل الدائرة حيث يتم توزيع المقاعد على القوائم والكيانات السياسية بحسب نسب الأصوات التي حصلت عليها وفي هذه الحالة يعتمد الفوز بشكل أساسي على أعلى الأصوات التي يحصل عليها المرشح داخل القائمة التي فازت بالمقاعد ويتم اللجوء إلى طريقة احتساب لتوزيع المقاعد المتبقية، وأن النظام الانتخابي يركز على توزيع المقاعد على الكتل بحسب نسبتها من الأصوات مع مراعاة أعلى الأصوات الفردية ضمن كل كتلة وهو ما يُعتبر تحولا يسعى لتعزيز التمثيل النسبي للقوى السياسية على حساب التمثيل الفردي*. بمعنى اخر ستحتسب المقاعد وفقًـــا لطريقــــــة (سانت ليغو( المعدلة، حيث ستقسم الأصوات التي يحصل عليها كل حزب على (1.7 ثم 3 ثم 5 ثم 7.. إلخ..) وبعدها يعاد ترتيب الأرقام من الأعلى إلى الأدنى وبعدد مقاعد الدائرة الانتخابية وحيث سيحصل الحزب على عدد مقاعد مساوي لعدد النواتج التي حصل عليها عند ترتيب الأرقام، ويحصل المرشحين الفائزين بأعلى الأصوات ضمن الكيان الانتخابي على مقاعد ذلك الكيان بسلوب القائمة المفتوحة.

 

كيف تتوزع المقاعد على الكتل والكوتا؟

يتم توزيع المقاعد على المرشحين الفائزين بناء على أعلى الأصوات الفردية التي حصلوا عليها، ضمن الكيانات الفائزة في الدائرة الانتخابية الواحدة (المحافظة)، لكن قانون الانتخابات رقم 12 لسنة 2018 المعدل والمصوت عليه في عام 2023 يفرض نظاما لضمان تمثيل فئات محددة وهي:

  • كوتا النساء: يخصص القانون نسبة لا تقل عن 25% من مجموع مقاعد مجلس النواب للنساء، ويتم ملء هذه المقاعد من المرشحات الحاصلات على أعلى الأصوات في كل دائرة، وفي حال لم تتحقق هذه النسبة من الفائزات مباشرة يتم استكمالها من المرشحات الخاسرات الحاصلات على أعلى الأصوات في القائمة غير الفائزة، وهكذا لضمان تحقيق النسبة المطلوبة في كل محافظة.

  • كوتا المكونات: تُخصص مقاعد محددة للمكونات القومية والدينية على مستوى المحافظات أو على المستوى الوطني، وتشمل المسيحيين والصابئة المندائيين والإيزيديين والشبك والكرد الفيليين ويفوز بهذه المقاعد المرشحون من هذه المكونات الحاصلون على أعلى الأصوات ضمن الكوتا المخصصة.

 

المستفيد من تعديل قانون الانتخابات بالعراق ([4])

أقر البرلمان العراقي 27 آذار 2023، تعديلا لقانون الانتخابات البرلمانية يشكل عودة إلى القانون الذي جرى العمل به قبل تظاهرات تشرين الأول 2019، وهو ما يثير غضب الأحزاب المستقلة والصغيرة التي ترى أنه يخدم مصالح الأحزاب الكبرى.

وتم التصويت على التعديل الجديد لقانون الانتخابات البرلمانية في جلسة شهدت انسحاب واعتراض الكتل البرلمانية المستقلة التي ترى في هذا القانون تكريسا لسيطرة الأحزاب والكتل الكبرى على الدورة المقبلة للبرلمان وتغييبا للتيارات الديمقراطية المستقلة. وجاء في بيان صادر عن مجلس النواب أن المجلس صوت في جلسته السادسة عشرة ليوم الاثنين بحضور 218 نائبا، على قانون التعديل الثالث لقانون انتخابات مجلس النواب ومجالس المحافظات والأقضية رقم (12) لسنة 2018، ويملك الإطار التنسيقي الغالبية في البرلمان وهو تحالف من أحزاب دعمت رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني.

ويعد القانون عودة إلى قانون عام 2018 الذي كانت ترفضه الحركة الاحتجاجية التي شهدتها البلاد في خريف عام 2019، ونجح المحتجون حينها في تحقيق مطلب قانون انتخابات جديد سمح بفوز مرشحين مستقلين، إذ تمكن المستقلون في انتخابات عام 2021 من الفوز بحوالي 70 مقعدا من أصل 329، وبذلك ستجري الانتخابات البرلمانية في تشرين الثاني 2025 على أساس القانون المعدل، ويجعل قانون الانتخابات المعدل الجديد من كل محافظة دائرة انتخابية واحدة أي 18 دائرة، ملغيا بذلك الـ 83 دائرة التي اعتمدت في الانتخابات الأخيرة.

 

تراجع الأحزاب التقليدية في انتخابات 2021 سبب رئيسي لتغيير قانون الانتخابات

وخلافا لجميع نتائج الانتخابات التشريعية (2006 و2010 و2014 و2018)، تراجع أداء الأحزاب التقليدية لصالح الأحزاب الناشئة والمستقلين، إضافة إلى التيار الصدري الذي نجح في استغلال النظام الانتخابي في أوساط قاعدته الجماهيرية ليحصل على المرتبة الأولى بـ 73 نائبا (من أصل 329 نائبا)، بانتخابات مجلس النواب الأخيرة. فيما فاز المستقلون وأحزاب صغيرة بعضها انبثق عن الحركة الاحتجاجية بأكثر من 70 مقعدا، ورفضت قوى الإطار التنسيقي حينها قبول، نتائج الانتخابات ودعت الى للنزول إلى الشوارع احتجاجا على النتائج بدعوى تزويرها.  وبعد 8 أشهر من المناورات السياسية لتشكيل حكومة اغلبة انسحب التيار الصدري وأعلن استقالة نوابه، وعوامل أخرى قادت قوى الإطار التنسيقي ثانية إلى واجهة المشهد السياسي وتشكيل الحكومة التي يقودها ائتلاف “إدارة الدولة” الذي يضم تقريبا جميع القوى السياسية الشيعية والكردية والسنية، إضافة إلى مستقلين وأحزاب صغيرة. وانسحب تيار الصدر من مجلس النواب في حزيران 2022، بعد أن سعى لتغيير النظام السياسي بمختلف الطرق افضت طيلة يومين الاشتباكات المسلحة داخل المنطقة الخضراء يومي 29 و30 آب 2022 والتي انتهت بإعلانه اعتزال العمل السياسي.

 

التحالفات.. مفتاح الأحزاب الصغيرة

 تسيطر على مجلس النواب العراقي أغلبية تمثل قوى الإطار التنسيقي الذي يضم معظم القوى السياسية الشيعية الرئيسية باستثناء التيار الصدري، وأجنحة سياسية لعدد من المجموعات الشيعية المقاومة، وأثارت التعديلات على قانون الانتخابات غضب الأحزاب الصغيرة والحركة الاحتجاجية التي ترى أنها “مصممة” لخدمة مصالح الأحزاب التقليدية التي هيمنت على المشهد السياسي طيلة مرحلة ما بعد غزو العراق واحتلاله عام 2003([5]).

 إن “التعديل الأخير يقلل من استفادة الأحزاب الصغيرة لصالح الأحزاب الكبيرة أو الائتلافات الانتخابية”، ويمكن لهذه الأحزاب الصغيرة تجاوز تداعياته عبر تشكيل تحالفات واسعة قد تحقق نتائج أفضل من أي حزب كبير معروف في حال وضعت خطة انتخابية تأخذ بالحسبان توزيع المرشحين وتوزع الناخبين المؤيدين، أن الأحزاب الناشئة لديها فرصة كبيرة “لاستقطاب نسبة مهمة من الناخبين الذين عزفوا عن المشاركة في الانتخابات السابقة إذا نجحت في إقناعهم بمشروع سياسي إصلاحي قادر على سحب البساط من تحت أقدام الأحزاب الكبيرة”، وطالما نسب المشاركة في الانتخابات السابقة متدنية نتيجة عدم الإقبال على التصويت والتي يمكن تعديلها لصالح هذه الأحزاب بمشاركة أوسع من الناخبين المؤيدين لها.

 

المصادر

  1. مجلة الوقائع العراقية، العدد 4718، في 8/ أيار/ 2023.

  2.  https://alghadeertv.iq/archives/359870

  3. فارس الخيام ست نقاط لفهم نظام الانتخابات العراقية وآلية الوصول لقبة البرلمان 2/10/2025       https://www.aljazeera.net/poli

  4. رائد الحامد، تعديل قانون الانتخابات بالعراق https://www.aa.com.tr/ar/%D8%A3%D8%AE%D8%A8%D8%A7%D8%B1-%D8%AA%D8%AD%D9%84%D9%8A%D9%84%D9%8A%D8%A9/%D8%AA%D8%B

  5. https://iraqalhadath.net/%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%86%D8%AA%D8%AE%D

 

 

 

القوى السياسية التقليدية والناشئة

بقلم: نور نبيه جميل

 

الانتخابات كـ “إعادة تحديد أوزان” لا تغيير للنظام

تُعد الانتخابات البرلمانية العراقية المقبلة، المقرر إجراؤها في 11 تشرين الثاني 2025، محطة استراتيجية حاسمة تهدف إلى إعادة تشكيل التوازنات السياسية داخل البرلمان القادم. لقد بدأت القوى التقليدية والناشئة تحركاتها عبر تحالفات ميدانية واستراتيجية تعكس سعيًا واضحًا لتعزيز المواقع وتوسيع النفوذ داخل السلطتين التشريعية والتنفيذية.

لكن القراءة العميقة للواقع السياسي المتغير تشير إلى إدراك جماعي لدى القوى السياسية الفاعلة بأن انتخابات 2025 لن تكون ساحة لتغييرات جذرية في بنية النظام السياسي القائم. بل ستكون هذه اللحظة مخصصة “إعادة تحديد أوزان” داخل النظام نفسه، أي إعادة توزيع النفوذ ضمن الأطر الحاكمة القائمة دون المساس بجوهر الهيكل السلطوي. وبالتالي، فإن المعركة الحقيقية لا تدور حول تغيير قواعد النظام أو إعادة تأسيسه، بل حول من يمتلك زمام المبادرة في تشكيل الكتلة الأكبر القادرة على فرض شروطها في البرلمان المقبل وتشكيل الحكومة. ويُعد الحصول على أكبر عدد من المقاعد هو الهدف المفصلي والأكثر حسمًا، كونه مفتاح التفاوض ومصدر القوة في معادلة التشكيل الحكومي.

 

سياق ما بعد أزمة 2021 والانسحاب الصدري

شهدت الانتخابات البرلمانية لعام 2021 تداعيات كبيرة حيث أسفرت عن أزمة سياسية غير مسبوقة استمرت أحد عشر شهرًا، بالإضافة إلى اشتباكات عنيفة في بغداد. كانت نقطة التحول الرئيسية هي الخسارة الواضحة لقوى “الإطار التنسيقي” التي تراجعت بنحو 70 مقعداً في تلك الانتخابات. فقد انتقل جزء كبير من هذه الخسارة إلى “التيار الصدري” الذي حصد العدد الأكبر من المقاعد (73 مقعداً)، بينما توزعت مقاعد أخرى على قوى مدنية ونواب مستقلين.

أدت هذه التغييرات الانتخابية إلى دافع استراتيجي لقوى الإطار، التي أعادت تجميع صفوفها لاحقاً وشكلت الحكومة الحالية. هذا الدافع كان أساسياً في إعادة هندسة القانون الانتخابي لعام 2025. التحليل يشير إلى أن الانتخابات الحالية هي في جوهرها “اقتراع الانتقام”، تخوضها قوى الإطار لاستعادة ما خسرته في 2021. وقد تكرست هذه الاستراتيجية من خلال عاملين رئيسيين: الأول هو تجديد السيد مقتدى الصدر مقاطعته للعملية السياسية، مما يحيد الخصم الأقوى. والثاني هو إعادة تفعيل قانون “سانت ليغو”، الذي يُضعف الخصم الأضعف (القوى المدنية والناشئة).

يُنظر إلى العودة إلى نظام انتخابي يخدم الكتل التقليدية على أنه تدريع استراتيجي لضمان عدم تكرار الأزمة التي نتجت عن سيطرة التيار الصدري على أغلبية المقاعد في 2021. هذا التعديل التشريعي هو آلية تستخدمها القوى التقليدية لحماية نفسها من نتائج أي تصويت شعبي يميل نحو التغيير، مما يؤكد تسييس القانون كأداة لـ “التدريع المؤسسي” وضمان استمرار الهيمنة.

وبالرغم من اقتراب موعد الانتخابات، فإن المزاج العام في العراق يتسم بحالة من الشك وتراجع الثقة. ويقسم الناخبون أنفسهم بين ثلاث خيارات رئيسية: المشاركة كفرصة محدودة للتغيير، أو المقاطعة كاحتجاج على منظومة سياسية عاجزة عن الإصلاح، أو التردد. وقد أظهر استبيان ميداني أن 43.2% من المشاركين يخططون لمقاطعة الانتخابات، بينما 20.5% ما زالوا مترددين، ويعتزم 36.2% فقط المشاركة. يوضح هذا الانقسام عمق الأزمة السياسية القائمة في العراق.

 

النظام الانتخابي كعامل حاسم في تحديد الخريطة السياسية

العودة إلى نظام سانت ليغو المُعدّل (1.7)

أقرت الأغلبية البرلمانية، التي يقودها الإطار التنسيقي، التعديل الثالث لقانون انتخابات مجلس النواب ومجالس المحافظات والأقضية (رقم 12 لسنة 2018) في 27 آذار 2023. يشكل هذا التعديل، الذي واجه رفضاً واسعاً من النواب المستقلين والأحزاب الصغيرة، تحولاً جذرياً في القواعد الانتخابية.

ينص التعديل الجوهري على إلغاء نظام الدوائر المتعددة والفائز الأعلى الذي اعتُمد في انتخابات 2021 (حيث قُسم العراق إلى 83 دائرة)، والعودة بدلاً من ذلك إلى نظام التمثيل النسبي بطريقة سانت ليغو المعدّل، مع اعتبار المحافظة دائرة انتخابية واحدة. يعمل نظام سانت ليغو على احتساب متوسط القاسم الانتخابي للكتل والأحزاب المشاركة، مع استخدام معامل قسمة قدره 1.7. وتتمثل آلية هذا النظام في أنه يمنح أغلبية واضحة للقوى السياسية الكبرى.

هذا القانون، الذي تم إقراره من خلال مفاوضات سياسية خلف أبواب مغلقة، يعكس قلق الأحزاب السياسية الحالية من النجاح النسبي الذي حققته أحزاب معارضة ذات التوجه المدني او على الاقل ليست جزءا من التيار الديني المتشدد في عام 2021. إن إعادة صياغة القانون الانتخابي قبل كل انتخابات تؤكد أن القانون ليس أداة محايدة لضمان التمثيل العادل، بل قد تكون أداة “هندسة سياسية” يستخدمها طرف سياسي اكثر نفوذا لتأمين بقائه.

 

تداعيات القانون الجديد على القوى الناشئة

إن التغييرات التي فرضتها الأغلبية البرلمانية تصب مباشرة في مصلحة الإطار التنسيقي والقوى التقليدية الأكثر رسوخاً. في المقابل، فإن أي تغيير نحو نظام سانت ليغو التمثيلي يُعيق قدرة الأحزاب الصغيرة والمرشحين المستقلين بشكل كبير على الفوز بالمقاعد في الانتخابات المقبلة.

كانت الأحزاب الناشئة والمستقلون قد استفادوا بشكل كبير من نظام الدوائر المتعددة في 2021، الذي كان يمنح المرشح حصيلة ما يحصل عليه من أصوات الناخبين. أما نظام الدائرة الواحدة (سانت ليغو)، فإنه يعطي للقائمة الانتخابية أصوات الناخبين للمرشحين ضمن هذه القائمة، حتى في حال حصول مرشح فردي على أصوات عالية.

لتوضيح الحجم المتوقع للخسارة، أظهرت مراجعة لنتائج انتخابات 2021 باستخدام نظام سانت ليغو أن عدد الفائزين المستقلين في محافظة النجف كان سينخفض من أربعة مقاعد إلى مقعد واحد فقط..

بالإضافة إلى ذلك، فإن النظام الجديد يستغل عدم الاستقرار الداخلي في صفوف المستقلين والقوى الناشئة بما فيها بعض الحركات السياسية المدعومة من فصائل المقاومة او الفصائل المنضوية في اطار الحشد الشعبي. ففي ظل نظام التمثيل النسبي، ستجد الأحزاب والحركات الأقل تمويلاً صعوبة في الوصول إلى الشريحة الكبرى اللازمة للحصول على الاعتراف. وإذا ترشحت هذه الأحزاب في قوائم متعددة ومتنافسة، فإن أصواتها ستتبدد، مما يؤدي إلى “نتائج مخيبة للآمال”. هذا يعني أن القانون يحوّل التنافس الداخلي في صفوف القوى الناشئة إلى ميزة للكتل الكبرى، حيث تصبح الأصوات الصغيرة “بقايا” يستفيد منها القوى المسيطرة السياسة لتعزيز مقاعد قوائمهم.

 

استراتيجيات القوى التقليدية: إعادة تأسيس الهيمنة السياسية

تتحرك القوى السياسية التقليدية في 2025 بوعي كامل للحاجة إلى التحالفات الميدانية والاستراتيجية لتعزيز مواقعها. لا تقتصر هذه التحالفات على مرحلة ما قبل الانتخابات فحسب، بل هي تحالفات براغماتية تسعى لتحقيق المكاسب الحزبية والوصول إلى السلطة وتقاسم المناصب وفقًا لعرف المحاصصة السياسية السائدة في العراق.

 

أ. القوى الشيعية: الإطار التنسيقي وسيناريو المقاطعة الصدرية

يمثل “الإطار التنسيقي” القوة الشيعية المهيمنة حاليًا، ويضم القوى التي تشكل الحكومة برئاسة محمد شياع السوداني. هذه القوى تخوض الانتخابات بتحالفات متجانسة لضمان الكتلة الأكبر:

  1. ائتلاف الإعمار والتنمية: بقيادة محمد شياع السوداني، رئيس الوزراء الحالي، وهو واجهة تحالف إدارة الدولة الذي يسيطر على الحكومة. كان التحالف الذي ينتمي إليه السوداني قد سجل نحو 52 مقعداً سابقاً.

  2. ائتلاف دولة القانون: بقيادة نوري المالكي، رئيس الوزراء الأسبق، وهو واجهة حزب الدعوة الإسلامية. ارتفعت مقاعد ائتلافه من 25 في 2018 إلى 33 في 2021.

  3. القوى التي تحسب على فصائل الحشد الشعبي سياسيا: أبرزها تحالف الفتح بقيادة هادي العامري (منظمة بدر)، وكتلة صادقون (الجناح السياسي لعصائب أهل الحق) بقيادة نعيم العبودي. هذه الكتل فقدت نحو 31 مقعداً في انتخابات 2021 (انخفض الفتح من 48 إلى 17 مقعداً)، وهي تراهن على قانون سانت ليغو لتعويض خسائرها وتحقيق اشبه ما يعرف “الثأر السياسي”. اي تحقيق نتائج انتخابية اكبر بكثير من تلك التي حققتها عام 2021، إن السيناريو الأكثر حسمًا للمكون الشيعي هو انسحاب السيد مقتدى الصدر. فقد جدّد الصدر مقاطعته للعملية السياسية في 27 آذار 2025، مؤكداً رفضه المشاركة في انتخابات “عرجاء” يشوبها الفساد وتخدم المصالح الطائفية والحزبية بعيداً عن معاناة الشعب. يمثل هذا القرار تحييداً لأكبر خصم انتخابي للإطار التنسيقي، الذي كان قد حصد 73 مقعداً في 2021. وعليه، فإن غياب التيار الصدري يصب في مصلحة قوى الإطار التنسيقي بشكل مباشر، مما يضمن لها سيطرة شبه مطلقة على مقاعد المكون الشيعي وتجميع الأصوات ضمن القوائم الكبرى التي يعظمها نظام سانت ليغو.

  4. حركة حقوق: رغم بروزها كتشكيل جديدة شكليًا، الا ان مضمونها السياسي يندرج ضمن الفضاء التقليدي نفسه وهو تبني المنهج الشيعي الاسلامي المقاوم الذي يحمل طابع اقرب الى التشدد السياسي من غيره من الحركات السياسية التي تمثل فصائل مسلحة اخرى، اذ تعد حركة حقوق التي تشكّلت قبيل انتخابات عام 2021 كواجهة سياسية لكتائب حزب الله. ورغم حداثة تأسيسها التنظيمي، فإنها تُعدّ امتدادًا مباشرًا لقوى المقاومة المنضوية ضمن الإطار التنسيقي، ما يجعلها أقرب إلى القوى التقليدية من حيث البنية والمرجعية الفكرية والتموضع السياسي. تمثل «حقوق» حالة جديدة تجمع بين السعي لتوسيع الحضور الانتخابي لفصائل المقاومة من جهة، والبحث عن صيغة مؤسساتية للعمل السياسي من جهة أخرى. ومن ثمّ فإن تصنيفها ضمن القوى الناشئة سيكون توصيفًا شكليًا لا يعكس جوهرها الأيديولوجي والتنظيمي، الذي يرتبط بالبنية التقليدية للقوى الإسلامية الشيعية ذات الامتداد المقاوم. الا انها من الناحية الانتخابية تعد حركة ناشئة وواعدة وطموحة بنفس الوقت.

 

ب. القوى السنية: يتميز المشهد السني بالانقسام والتشتت وغياب استراتيجية موحدة لخوض الانتخابات. وتتركز الزعامة السنية حول ثلاثة أقطاب رئيسية تتنافس في المساحة الانتخابية ذاتها وبين جمهور واحد:

  1. تحالف تقدم: بقيادة محمد الحلبوسي، الذي كان رئيس البرلمان المستبعد، ويُعد القوة السنية الأكبر سابقاً (39 مقعداً). يستند الحلبوسي إلى نفوذه داخل مؤسسات الدولة وإلى قاعدة جماهيرية في الأنبار.

  2. ائتلاف السيادة: بقيادة خميس الخنجر، الذي اعتمد على تأسيس التحالفات وإدارة الكيانات السياسية.

  3. تحالف العزم/حسم: بقيادة مثنى السامرائي، وهو شخصية صاعدة ومؤثرة في مناطقه.

 

تسعى هذه القوى لتشكيل تحالفات للتموضع بأفضل شكل ممكن. وقد تشكل ائتلاف القيادة السنية الموحدة في شباط الماضي الذي ضم المشهداني والخنجر والسامرائي. ومع ذلك، فإن التنافس المستمر على الزعامة بين هذه الأقطاب يؤدي إلى تشتت التمثيل السياسي. وهذا التشتت يضعف موقف المكون السني التفاوضي أمام الأغلبية الشيعية الموحدة نسبياً في مرحلة تشكيل الحكومة، مما يؤكد استمرار تآكل نفوذهم في البرلمان. تاريخياً، يؤدي هذا التشتت إلى خسارة نحو 20 مقعداً في كل دورة انتخابية في المحافظات المختلطة.

 

ج. القوى الكردية: استمرار الانقسام التقليدي

يظل المشهد الكردي محكوماً بقطبيه التقليديين، على الرغم من استمرار الخلافات والانقسامات بينهما:

  1. الحزب الديمقراطي الكردستاني: بقيادة مسرور بارزاني، ويملك 34 مقعداً سابقاً.

  2. الاتحاد الوطني الكردستاني: بقيادة بافل طالباني، ويملك 16 مقعداً سابقاً.

تسعى هذه الكتل لتعزيز مواقعها في البرلمان لضمان حصتها من المناصب والميزانية، لكن استمرار الخلافات يضعف قدرتها التفاوضية الموحدة في بغداد.

 

ثالثاً: القوى الناشئة والمستقلون: تحديات البقاء في المعادلة الانتخابية

تمثل القوى السياسية الناشئة في العراق أحد أبرز مظاهر التحول في المشهد الحزبي بعد عام 2019، إذ برزت نتيجة لحراك سياسي واجتماعي وأمني وشعبي واسع عبّر عن أزمة الثقة بين المواطنين والنخب التقليدية، وسعى إلى إنتاج بدائل سياسية ذات طابع مدني ووطني. تضم هذه الفئة حركات خرجت من رحم المعارك لا سيما تلك التي شاركت في مواجهة تنظيم داعش الارهابي ومن ثم أعلن قسم منها مقاومة الوجود الامريكي ومن بينها حركة حقوق وحركة صادقون وغيرهما، وقسم بمثل احتجاجات تشرين مثل حركة امتداد بزعامة علاء الركابي، وحركة إشراقة كانون بقيادة زيدون الكناني، إلى جانب كيانات مدنية أخرى كـالبيت الوطني وتجمع وطني، فضلًا عن شخصيات مستقلة نجحت في دخول البرلمان السابق عبر القوائم الفردية. تتبنى قسم من هذه القوى خطابًا دينيا وسياسيا معتدلا نسبيا واصبحت جزء من السلطة واخرى أكثر تشددا في حين تركز اخرى على الدولة المدنية، ومكافحة الفساد، وإصلاح المنظومة السياسية بعيدًا عن الاصطفافات الطائفية والحزبية التقليدية، لكنها تواجه تحديات تتعلق بضعف التنظيم والتمويل، وتشتت القواعد الجماهيرية، وصعوبة المنافسة في ظل نظام انتخابي يميل لصالح القوى الكبيرة الراسخة. كما توجد قوى أخرى تحاول استعادة حضورها مثل التحالف المدني الديمقراطي وبعض الأحزاب الليبرالية واليسارية، التي تسعى لتقديم نفسها كخيار عابر للهويات الفرعية. وفي المجمل، فإن هذه القوى تشكّل مكوّنًا متحوّلًا يسعى إلى إعادة تعريف العلاقة بين المجتمع والسياسة، لكنها ما تزال في طور التكوين المؤسسي ولم تصل بعد إلى مستوى التأثير البنيوي في موازين القوة داخل النظام السياسي القائم.

 

الحاجز المزدوج (القانون والمال السياسي): تجد القوى الناشئة نفسها أمام تحدي البقاء في معادلة الإقصاء، مدفوعة بضغوط هيكلية:

  1. تأثير قانون سانت ليغو كمحرك للإقصاء: يُعد قانون سانت ليغو، الذي يدعم الكتل الأكبر، تحدياً صعباً يجعل الطريق أمام الأحزاب الصغيرة “صعباً للغاية”. كما أن القواعد الجديدة تتطلب من الأحزاب الناشئة تشكيل تحالفات حتمية لتقاسم الأصوات والموارد الشحيحة وقواعد بيانات الناخبين غير الكافية. وفي ظل المنافسة الشرسة بين هذه الكيانات الصغيرة، فإن الفشل في تشكيل تحالفات قوية سيؤدي إلى تنافس عدة قوائم على القاعدة الناخبة ذاتها، مما ينتج عنه نتائج عكسية لتلك الآمال.، الا ان فرص القوى الناشئة الاسلامية أكبر نظرا لقربها من مركز ادارة قرار الإطار التنسيقي واستعدادها على الدوام للدخول بتحالفات مع القوى السياسية التقليدية

  2. سطوة المال السياسي وضعف الإمكانات المادية: يبرز المال السياسي كأحد أخطر التحديات التي تواجه مسار الديمقراطية في العراق. فالكيانات السياسية الكبيرة، المدعومة من شخصيات ثرية أو قوى خارجية، تمتلك قدرة هائلة على حشد الأنصار والوصول إلى قاعدة جماهيرية واسعة من خلال الدعاية الضخمة التي تغطي الشوارع. ويتم استخدام المال لشراء الأصوات بشكل مباشر أو غير مباشر، عبر تقديم مساعدات عينية أو وعود بالتوظيف.

في المقابل، تجد الاطراف المستقلة والقوى الناشئة نفسها “عاجزة عن المنافسة” بسبب ضعف الإمكانات المادية. هذا الواقع يهدد بتكريس هيمنة الوجوه والكتل السياسية نفسها، ويظهر المال السياسي كعامل حاسم يدفع المرشحين الجدد والكفاءات للانصهار ضمن القوائم التقليدية للاستفادة من تسهيلات الحملة والدعم اللوجستي. إن غياب الضمانات الكافية لنزاهة الانتخابات واستمرار تفكك المشهد الانتخابي يضيف عقبات أخرى أمام هذه القوى.

ومع هذا لا يمكننا نفي او تأكيد تكرار القوى الناشئة سواء كانت اسلامية او مدنية من تكرار نفس السلوك الانتخابي للقوى التقليدية الكبرى بما فيه توظيف المال السياسي.

  1. أثر المقاطعة على الشرعية الديمقراطية المحلية: يُشكل العزوف الانتخابي، خاصة المقاطعة التي أعلنها التيار الصدري، بالإضافة إلى نسبة 43.2% من الجمهور الذي يخطط للمقاطعة، تحديًا خطيراً. إن ارتفاع معدلات المقاطعة يهدد بتآكل شرعية العملية الانتخابية نفسها وتقويض الشرعية السياسية.

لكن الدورات السابقة أظهرت أن المقاطعة، حين تبقى مشتّتة وفردية، لا تُضعف قوى السلطة السياسية بقدر ما تمنحها فرصة لإعادة إنتاج نفسها. بمعنى أن المقاطعة المزدوجة (من قبل الصدر والجمهور الغاضب) تضمن فوزاً مؤكداً للقوى السياسية التقليدية الحاكمة بأصوات قواعدها الثابتة. هذا التحول يحول الانتخابات إلى عملية “محاصصة داخلية” لا تعكس إرادة الأكثرية العازفة، مما يزيد الفجوة بين النخبة الحاكمة والجمهور ويهدد بشرعية الحكومة المنتخبة في أي أزمة مستقبلية.

 

الأجندات الانتخابية والمزاج الشعبي (الأجندات المشتركة للقوى التقليدية):

على الرغم من اختلاف التوجهات، تتقاطع برامج معظم الكتل السياسية التقليدية في العراق حول محاور متكررة تركز على استجابة سطحية للسخط الشعبي. وتشمل الأجندات الرئيسية ما يلي:

  1. الأمن وتنظيم السلاح: تضع معظم البرامج ملف ضبط السلاح وتنظيم الفصائل (الحشد الشعبي) في صدارة الشواغل الأمنية والانتخابية. وهذا يمثل محاولة القوى السياسية لإضفاء الطابع المؤسسي على القوة العسكرية بعيدا عن عسكرة الشارع او المجتمع، حتى من قِبل القوى التي تمثل هذه الفصائل نفسها (مثل بدر وصادقون وحقوق).

  2. مكافحة الفساد والإصلاح الإداري: تتضمن الوعود خططاً شفافة ومحاسبة كبار المسؤولين وإصلاح دوائر الدولة، لا سيما في قطاعات الخدمات مثل الكهرباء والصحة. وتكمن المفارقة في أن هذه الوعود تُطرح من قِبل الكتل التي تسيطر على مفاصل الدولة منذ عام 2003.

  3. الخدمات والوظائف والتنمية: التنافس على الوعود العملية من خلال سياسات التوظيف العام وبناء البنية التحتية، وهو ما يعكس الاحتياجات الأساسية لقواعد الناخبين.

يُفسر تبني القوى التقليدية لأجندات المعارضة (مثل مكافحة الفساد والإصلاح) على أنه تكتيك سياسي لإفراغ خطاب المعارضة الناشئة من محتواه. هذا النهج يضمن إعادة إدارة الأزمة بنفس الطرق السابقة ومنها عبر الوعود المتكررة غير المنفذة، مع الحفاظ على السيطرة الفعلية على مفاصل الدولة.

 

أجندة القوى الناشئة والمدنية: التركيز على المساءلة والشفافية

إذا ما استثنينا القوى الناشئة ذات الطابع الاسلامي والتي يرجح تحالفها مع القوى التقليدية فأن أجندة القوى الناشئة المدنية تختلف جذرياً، إذ لا تنظر إلى الفساد كقضية خدمية بل كقية احتجاجية ضد القوى التقليدية، باعتباره كآفة مركزية تهدد بنيان الدولة أدى إلى نقص حاد في الخدمات الأساسية ورفع معدلات البطالة، وتصدع العلاقة بين المواطن والدولة.

وعلى المطالبة بالمساءلة والشفافية كشرط مسبق لأي إصلاح اقتصادي أو اجتماعي. ايضاً دعم قطاع العدالة لتعزيز مكافحة جرائم الفساد وتمكين المجتمع المدني للقيام بدور أكثر فاعلية.  البعض يرى ان الفرق بين القوى الناشئة والقوى التقليدية يكمن في أن القوى الناشئة تعتبر نظريا ان مكافحة الفساد أمراً بنيوياً يجب معالجته قبل الحديث عن الخدمات، بينما تستخدم بعض القوى التقليدية “مكافحة الفساد” كشعار خدمي او للترشح.

 

الاستنتاجات

السيناريو الأكثر ترجيحاً: إعادة إنتاج القوى التقليدية وتعميق المحاصصة

يشير التحليل المستند إلى العوامل الهيكلية والتحولات القانونية إلى سيناريو تتجه فيه الخارطة السياسية نحو إعادة تأسيس هيمنة القوى التقليدية، وخصوصاً الإطار قوى التنسيقي.

  • النتائج المتوقعة: في ظل غياب التيار الصدري عن صناديق الاقتراع، وعودة نظام سانت ليغو المعدّل الذي يخدم الكتل الكبرى، من المتوقع أن تحقق قوى الإطار التنسيقي مكاسب كبيرة، مع تعويض أغلب المقاعد التي خسرتها في 2021. سيؤدي هذا إلى تجميع الكتلة الشيعية الأكبر بسهولة نسبية.

  • تشكيل الحكومة: ستكون عملية تشكيل الحكومة أقل تعقيداً وأقصر أمداً مقارنة بأزمة ما بعد 2021، نظراً لقوة الإطار التنسيقي الموحدة. ستعتمد الحكومة على تحالفات قائمة مع أجزاء من المكونين السني والكردي، مما يعزز سيناريو مأسسة الأغلبية التوافقية التي تُشكلها الكتل الكبيرة دون معارضة فاعلة داخل البرلمان.

  • مصير المستقلين: يُرجح أن تتراجع القوى الناشئة والمستقلون بشكل كبير، مع وجود محدود قد يقتصر على أعداد فردية، مما يجعلهم غير قادرين على عرقلة التشريعات المدعومة من الإطار التنسيقي. يستثنى من ذلك القوى الاسلامية الناشئة بالاخص المحسوبة على فصائل القاومة التي نتوقع انها ستحرز نتائج أفضل وتصبح جزء من تشكيل الحكومة القادمة.

 

المصادر:

  1. 1. التحالفات العراقية في انتخابات 2025 التركيبات الحزبية وفرص الفوز – Gulf Research Center، https://www.grc.net/documents/683eb522430e3IraqiAlliancesin2025ElectionsPartyStructuresChancesWinning3.pdf

  2. 2. “انتخابات الانتقام”.. بالأرقام والاحتمالات والمقارنات – جمار، https://jummar.media/10083

  3. 3. قانون الانتخابات: هل يشير إلى ترشح قصير الأمد لنواب العراق، https://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/qanwn-alantkhabat-hl-yshyr-aly-trshh-qsyr-alamd-lnwab-alraq-almstqlyn

  4. 4. مُقتدى الصَّدر يُجدِّد مقاطعة العملية السياسية في العراق: موقف استراتيجي أم مناورة تكتيكية؟، https://epc.ae/ar/details/scenario/muqtada-alsadr-yujddid-muqataat-alamalia-alsiyasia-fi-aleiraq

  5. 5. خيارات العراقيين في انتخابات 2025: الغياب كاحتجاج والحضور كأمل والتردّد كحيرة – جمار، https://jummar.media/10272

  6. 6. أثارت تعديلاته موجة سخط شعبي.. لماذا تسعى كتل سياسية بالعراق لتغيير نظام الانتخابات إلى سانت ليغو؟ – الجزيرة نت، https://www.aljazeera.net/politics/2023/3/6

  7. 8. تعديل قانون الانتخابات بالعراق.. من المستفيد؟ (تحليل) -، https://www.aa.com.tr/ar

  8. 9. اتجاهات التحالفات السياسية في الانتخابات البرلمانية العراقية، https://ecss.com.eg

  9. 10. تحليل معمق: الأحزاب المدنية العراقية تواجه معركة شاقة في الانتخابات المقبلة https://amwaj.media/ar/article/why-iraq-s-civic-parties-face-an-uphill-battle-in-the-upcoming elections

  10. 11. مستقبل التحالفات الحزبية في انتخابات العراق 2025 – مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، https://idsc.gov.eg/Article/details

  11. 12. مستقبل التحالفات الحزبية في انتخابات العراق 2025 – مركز المعلومات…، https://idsc.gov.eg/upload/DocumentLibrary/AttachmentA

  12. 13. قراءة بالروسية.. التداعيات المحتملة لقرار السيد مقتدى الصدر بشأن الانتخابات – Al Arabiya، https://www.alarabiya.net/politics/2025/08/27

 

 

 

الانتخابات البرلمانية العراقية عام 2025

ومدى مشاركة وحظوظ تيارات الممثلة لفصائل المقـ ـاومة فيها

بقلم: حسن فاضل سليم

 

تسعى التيارات السياسية الممثلة لفصائل المقـ ـاومة تعزيز حضورها في البرلمان لاسيما بعدما بدأت بعض الفصائل تدخل للميدان الانتخابي في الدورتين الماضيتين وحصول بعضها على مجموعة من المناصب التي كانت مؤثرة فيها وحققت بعض التغيير، يحاول هذا المحور دراسة مدى مشاركة الاحزاب السياسية سواء الممثلة لفصائل المقاومة او تلك المؤيدة لها ضمن ما يعرف بالإطار التنسيقي وما هي النتائج المتوقعة التي يمكن ان يحققوها في الانتخابات المقبلة.

نطاق المشاركة السياسية: تعد هذه الدورة الانتخابية  من اكثر الدورات التي تشارك فيها الاحزاب السياسية الممثلة لفصائل المقـ ـاومة، حيث يتطور دورها بشكل كبير مع انخراط المزيد منها في العمل السياسي تحت قبة البرلمان فحداثة تجربة هذه القوى لم تؤدي الى تكاتفها في اطار قائمة انتخابية موحدة فبعضها عمل على الانخراط في قوائم وائتلافات تقليدية والبعض الاخر قرر المشاركة بقائمة منفردة معتمداً على نفوذه وسمعته المجتمعية وتحالفاته العشائرية، فمنذ الدورة الانتخابية السابقة لم تعد المذهبية العامل الاساس في تشكيل توجهات الناخب العراقي فقد تدخلت العوامل والتاثيرات العشائرية وكذلك بعض المطالب السياسية باتت اكثر تاثيرا في تشكيل توجهات الناخب العراقي ولعل عزوف الكثير من المواطنين عن المشاركة السياسية كان بسبب غياب البرامج الحقيقية للقوى والاحزاب التقليدية والذي ترافق مع غياب التنفيذ، لذلك وبحكم حداثة تجربة فصائل المقـ ـاومة في العمل السياسي فانها ينبغي لها ان تتجاوز اخطاء الاحزاب والكتل التقليدية التي غابت عنها البرامج الانتخابية وان تعمل على شرح رؤاها واهدافها من الترشح والمشاركة في الانتخابات.

واول الملاحظات على نطاق مشاركة هذه القوى في الانتخابات هو نمط المشاركة المنفصل الذي هي عليه، إذ على الرغم من تبنيها لخط واحد وهو خط المقـ ـاومة الا انها كانت متشضية سياسيا وبدلا من ان يعمل هذا الخط على توحيدها في كتلة سياسية واحدة فأنها انقسمت على كتل عدة مما ادى الى تشضي اصوات المؤيدين لهذا الخط على أكثر من كتلة في الانتخابات السابقة ومن المتوقع ان يحصل ذات التشضي في هذه الانتخابات ايضا وهو ما يضيع عليها تعزيز حضورها في البرلمان أكثر مما لو كانت قد شاركت بائتلاف موحد.

 

وتشارك فصائل المقـ ـاومة في التحالفات الاتية:

ت

الفصيل

اسم الحزب

الكتلة

زعيم الكتلة

1

كتائب حزب الله

حركة حقوق

قائمة منفردة

حسين مؤنس

2

عصائب اهل الحق

صادقون

قائمة منفردة

قيس الخزعلي

3

كتائب الامام علي

حركة العراق الإسلامية

تحالف خدمات (قائمة منفردة)

شبل الزيدي

4

كتائب سيد الشهداء

منتصرون

ضمن ائتلاف دولة القانون

نوري المالكي

5

كتائب جند الامام

تحالف سومريون

 ضمن ائتلاف الاعمار والتنمية

محمد السوداني

6

منظمة بدر

منظمة بدر

قائمة منفردة

هادي العامري

7

سرايا الجهاد

حركة الجهاد والبناء

 ضمن تحالف القوى الوطنية

عمار الحكيم

بالتالي فأن حظوظ الكتل الشيعية المرتبطة بما يعرف بالإطار التنسيقي سوف تزداد في الحصول على مقاعد أكثر من الانتخابات الماضية بفعل غياب التيار الصدري الذي أعلن مقاطعته للانتخابات بالتالي فأن هذا الغياب سيعزز فرص الاحزاب الناشئة والممثلة بشكل مباشر لفصائل المقاومة ويزيد من حدة المنافسة بين ائتلاف دولة القانون وبين ائتلاف الاعمار والتنمية وكتلة صادقون وتحالف القوى الوطنية على المراكز الاولى في صدارة البيت السياسي الشيعي.

 

حظوظ القوى المشاركة في الانتخابات

لا يمكن التنبؤ بشكل دقيق بالنتائج المحتملة للقوى السياسية المشاركة في الانتخابات الا من خلال بعض المؤشرات والتي من بينها استطلاعات الرأي حيث تبين استطلاعات الرأي ان حظوظ الاحزاب السياسية ذات الطبيعة الشيعية كالاتي ([6]):

  1. ائتلاف رئيس الوزراء محمد شياع السوداني (ائتلاف الاعمار والتنمية): هو الاوفر حظا في الانتخابات المقبلة.

  2. ائتلاف دولة القانون برئاسة نوري المالكي: يأتي بالمرتبة الثانية في توجهات المشاركين بالانتخابات في المحافظات الوسطى والجنوبية

  3. حركة صادقون: جاءت بالمركز الثالث بعد الدور السياسي الذي لعبته في حكومة السوداني

  4. منظمة بدر: من المتوقع ان تشهد اداءً متواضعاً للدورة الثانية على التوالي

  5. تحالف القوى الدولة الوطنية بقيادة السيد عمار الحكيم: على الاغلب يحافظ على مستواه منذ الدورة الماضية

  6. تحالف ابشر يا عراق برئاسة همام حمودي: فان حظوظه مستمرة بالتراجع بعد تراجع وتفكك المجلس الاعلى في الدورات الماضية.

  7. تحالف خدمات: من المتوقع ان يحصل على مركز متقدم في هذه الانتخابات

  8. حركة حقوق: تشير الاستطلاعات الى ان حركة حقوق مازالت في مراتب متأخرة من حيث حظوظها في الانتخابات رغم تصاعد ادائها الانتخابي

هذا الترتيب يمكن قراءته في ضوء نتائج الانتخابات السابقة لعام 2021 التي حصلت فيها الاحزاب الممثلة لفصائل المقاومة على نسب قليلة نتيجة فوز التيار الصدري  والذي حتى بعد انسحابه فان قوى الفصائل لم تحصل على مقاعد اكبر وظل تمثيلها محدوداً في البرلمان، بالتالي فانه بالانتخابات القادمة قد تزيد الاحزاب الممثلة لفصائل المقاومة من عدد مقاعدها في البرلمان  القادم الا انها من المتوقع ان تحافظ على ذات  الترتيب من التمثيل النيابي الذي قد يختلف نسبياً عن الانتخابات السابقة الا  انه  لن يكون اختلافا جذرياً، على الرغم من عدم مشاركة التيار الصدري، الا انه من المتوقع ان يتصدر ائتلاف الاعمار والتنمية نتائج الانتخابات بعدد المقاعد  وائتلاف دول القانون نتائج الانتخابات بشكل عام حيث من المتوقع ان يحصلان على اعلى المقاعد مما قد يضطرهم الى التفاوض او قد يضطر ائتلاف دولة القانون الى التحالف مع باقي الكتل الاخرى لمنع ائتلاف الاعمار والتنمية من تشكيل الحكومة.

إن صعود ائتلاف الاعمار والتنمية بقيادة محمد شياع السوداني رئيس الوزراء الحالي وتحالفه مع عدد من الشخصيات السياسية الشيعية التي لها ناخبيها يمكن ان يحد من امكانية تصدر ائتلاف دولة القانون في البرلمان القادم، وذلك بناءً على ما تحقق في عهد السوداني من بعض حملات الاعمار وتحسين الخدمات والتي وان كانت لا تمثل انجازات بالمعنى السياسي الا انها تبقى تمثل نتائج افضل مما حققته بعض الحكومات السابقة،  حيث نجحت حكومة السوداني في قضايا عدة منها اطلاق المشاريع الاقتصادية وتشبيك العلاقات العراقية الاقليمية وتجنيب العراق تداعيات الحرب الاقليمية الناجمة عن الحرب في قطاع غزة، مما زاد من شعبيته في اوساط الشارع العراقي وعزز من حضوره في الوسط السياسي الشيعي  مما يمكنه من لعب دور مؤثر في تشكيل الحكومة القادمة.

بالمقابل من غير المتوقع أن تؤدي الانتخابات إلى تغيير جذري في النظام السياسي القائم على (المُحاصَصة). بدلاً من ذلك، من المرجح أن تشهد النتائج إعادة توزيع للنفوذ داخل التحالف الشيعي المهيمن (الإطار التنسيقي). فبينما قد يحافظ ائتلاف دولة القانون على قوته، فإن الأحزاب التقليدية الأخرى الأكثر ارتباطاً بالمقاومة المسلحة (منظمة بدر) قد تشهد تراجعاً في أدائها الانتخابي.

بالتالي يمكن القول ان الاحزاب التقليدية الممثلة لفصائل المقاومة يمكن ان تشهد تراجعا كبيراً في الانتخابات المقبلة اما الاحزاب الناشئة( صادقون وحقوق) يمكن ان تحافظ على مواقعها نسبياً دون زيادة كبيرة في عدد المقاعد وربما تشهد زيادة طفيفة في عدد مقاعدها، مما يجعل مقاعد الاحزاب السياسية المرتبطة بفصائل المقاومة  في مجلس النواب  اقل من مقاعد القوى التقليدية الكبيرة، ولعل السبب في ذلك يرجع الى ان قادة هذه الفصائل لم يفكروا بالتحالف فيما بينهم، فعلى الرغم من تقاربهم وتبنيهم لنهج سياسي واحد الا انهم قرروا الدخول بشكل منفصل الى الانتخابات ولو انهم تحالفوا لتمكنوا من تشكيل كتلة لها وزن مهم  في الانتخابات بدلا من تفريق اصوات ناخبيهم على كتل عدة.

 بالمقابل ستشهد الانتخابات المقبلة احتفاظ ائتلاف دولة القانون بزعامة المالكي بحصته من المقاعد دون تغيير كبير فيما قد يكون هناك فرصة كبيرة لتصدر كتلة السيد محمد السوداني وقدرة للتأثير على المشهد الانتخابي، مع الحملة الكبيرة التي يقوم بها وبناءً على اراء الشارع العراقي التي تمثل بعض التوجهات المحتملة للناخب العراقي.

 

 

 

استقراء التحالفات السياسية للقوى المحسوبة على المقـ ـاومة في مرحلة ما بعد الاقتراع

رؤية استشرافية لتوازنات البيت الشيعي وتشكيل الحكومة

بقلم: حنين محمد الوحيلي

 

ليست الانتخابات في العراق حدثاً انتخابياً فحسب بل محطة لإعادة ترتيب التوازنات داخل البنية السياسية الأعمق، حيث تقاس النتائج لا بعدد المقاعد وإنما بقدرة القوى على تحويل التمثيل الانتخابي إلى نفوذ تفاوضي يحدد شكل الحكومة المقبلة واتجاه القرار التنفيذي فيها.

وفي هذا السياق لا تبدو الساحة الشيعية أمام اختبار زعامة بل أمام مراجعة لمعادلة الحكم بين من يرى في الاستمرارية سبيلاً لحفظ استقرار الدولة، ومن يرى في إعادة توزيع القوة ضمانةً لتجديد شرعية المقاومة داخلها. هنا يتجاوز التنافس الأطر الشخصية إلى جدلية السلطة والمشروعية داخل البيت الواحد حيث يصبح جوهر التحدي هو إدارة التنوع لا نفيه وتثبيت الشراكة لا فرض الغلبة.

فالتحالفات المقبلة لن تكون مجرد اصطفافات انتخابية بل هندسة لإدارة التنوع داخل المجال الشيعي المقاوم، توازن بين منطق الدولة ومتطلبات الحماية بين مقتضيات الحكم وأولويات الردع.

 

إن مرحلة ما بعد الاقتراع ستحدد مصير هذا التوازن: هل ستنجح القوى المحسوبة على المقاومة في تحويل تنافسها إلى توازن يحميها أم سينزلق المشهد نحو انقسام يعيد إنتاج أزمات تمركز القرار داخل الإطار الشيعي؟

 

 

خريطة القوى الشيعية المحسوبة على المقـ ـاومة

يشكل البيت الشيعي محور الاستقرار السياسي في العراق وتبرز داخله مجموعة كتل تمتلك الوزن الحقيقي في تقرير مسار التحالفات المقبلة:

  1. ائتلاف دولة القانون: قوة سياسية راسخة تمتلك خبرة تفاوضية عالية تتحرك بمنطق “استعادة مركز القرار داخل الإطار”، وتعد مرجعية كلاسيكية في ضبط الإيقاع التشريعي وتوزيع المناصب الحكومية.

  2. تحالف الفتح/ منظمة بدر – هادي العامري: يمثل المفصل الحيوي بين الجناحين السياسي والميداني ويتسم بالبراغماتية وقدرته على التواصل مع مختلف أطراف الإطار، مع حساسية عالية تجاه ملفات الأمن والسيادة.

  3. كتلة الصادقون: تمتلك ماكينة انتخابية منظمة وخطاباً سياسياً مؤطراً بأولويات المقاومة، وتعد أحد أركان الموازنة داخل أي تحالف مقبل.

  4. حركة حقوق: تتبنى نهجاً أكثر تشدداً في القضايا السيادية وتصر على بقاء المقاومة ركيزة في بنية الدولة، مع رفض أي مسار يضعف حضورها المؤسسي أو الميداني.

  5. تحالف خدمات/ كتائب الإمام علي بقيادة شبل الزيدي: قوة صاعدة بنت سرديتها على الخدمات والتنمية لكنها تعبر عن انتماء واضح إلى بيئة المقاومة، وتتميز بمرونة سياسية تجعلها عنصر ترجيح في التحالفات المقبلة.

  6. ائتلاف الأساس/ محسن المندلاوي: يتحرك بمرونة عالية وواقعية سياسية ويسعى إلى تثبيت موقع تفاوضي متقدم ضمن الكتلة الأوسع، ما يجعله جزءاً من هندسة التوازن لا من هامشها.

  7. تحالف أبشر يا عراق/ همام حمودي: امتداد للمجلس الإسلامي الأعلى بخطاب توافقي معتدل يحاول توظيف رصيده التاريخي في ضمان دور متوازن داخل التشكيل الحكومي المقبل.

  8. تحالف الإعمار والتنمية/ محمد شياع السوداني: إطار انتخابي- تنفيذي يعبر عن مشروع الاستمرارية الإدارية وتوسيع قاعدة التحالفات البراغماتية، مستنداً إلى شرعية الأداء الحكومي ورصيد الخدمات.

 

 

منطق “التفريق قبل الائتلاف”

تتجه القوى الشيعية المحسوبة على المقاومة إلى خوض الانتخابات بواجهات متفرقة عن قصد، وفق تفاهم مبدئي بين كتائب حزب الله (حقوق) وعصائب أهل الحق (الصادقون) ومنظمة بدر.

هذا “التفريق” لا يعني الانقسام بل يعد آلية اختبار مدروسة لقياس الوزن الجماهيري والسياسي لكل طرف قبل الدخول في مفاوضات تشكيل الكتلة الأكبر.

تكمن الحكمة في هذا النهج في ثلاث نقاط رئيسة:

  1. التحقق من العمق الشعبي الفعلي لكل فصيل بعيداً عن المظلات الجامعة التي قد تخفي الفوارق الواقعية.

  2. رفع القيمة التفاوضية للمقعد فكل فوز منفرد يتحول إلى سهم تفاوضي مرتفع الثمن بعد الانتخابات.

  3. توسيع هامش المناورة السياسية إذ يسمح هذا التباين لكل كتلة أن تعيد تموضعها لاحقاً بما يخدم وحدة القرار المقاوم ويمنع احتكاره من طرف واحد.

بهذا يتحول التفريق إلى وسيلة لإدارة التنوع داخل الإطار لا لتفكيكه، ويمنح القوى المقاومة قدرة على الائتلاف في اللحظة الحاسمة على قاعدة “توازن القوة لا تمركزها”.

  • السيناريو الأول– تحالف حماية الهوية الاستراتيجية: يستند هذا السيناريو إلى إمكانية تشكيل كتلة جامعة تجمع معظم القوى المحسوبة على المقاومة داخل تحالف سياسي واحد بما يضمن الحفاظ على هوية الدولة السيادية ويحصن بنية القرار من أي محاولات لإقصاء المقاومة أو تحجيم نفوذها.

 

 التحالفات المحتملة في هذا السيناريو تشمل:

  • حركة حقوق (كتائب حزب الله)

  • كتلة الصادقون (عصائب أهل الحق)

  • منظمة بدر

  • ائتلاف دولة القانون (نوري المالكي)

  • تحالف قوى الدولة (عمار الحكيم)

  • كتلة خدمات (شبل الزيدي)

  • كتلة الأساس (محسن المندلاوي)

  • كتلة أبشر يا عراق (همام حمودي)

 

موضع بدر  داخل السيناريو الأول

تمثل منظمة بدر بقيادة هادي العامري بيضة القبان داخل الإطار الشيعي، لامتلاكها حضوراً مزدوجاً سياسياً وميدانياً.

ويرجح أن تشارك بدر ضمن التحالف الواسع للقوى المحسوبة على المقاومة، مدفوعةً برغبتها في الحفاظ على توازن القرار داخل البيت الشيعي وتجنب تمركز السلطة التنفيذية في يد جهة واحدة.

في الوقت نفسه تحتفظ بدر بمرونة تواصل مع حكومة الإعمار والتنمية إذا اقتضت التسوية أو الحاجة إلى تهدئة مرحلية، ما يجعلها جسراً سياسياً يحول دون القطيعة بين المقاومة والدولة ويعزز استقرار المشهد العام.

دلالات السيناريو الأول.

  1. يعيد بناء البيت الشيعي على قاعدة التفاهم المقاوم.

  2. يمنح القوى السياسية ذات الامتداد الميداني قدرة على حماية الملفات السيادية والأمنية من التأثير الخارجي.

  3. يوفر توازناً يمنع انفراد أي جهة بقرار الدولة مع تحصين وحدة المقاومة داخل مؤسساتها الشرعية.

 

  • السيناريو الثاني– تمركز تنفيذي ومعادلة أكثر تعقيداً

يقوم هذا السيناريو على اصطفاف تقوده كتلة الإعمار والتنمية بزعامة محمد شياع السوداني، مدعوماً من قوى تمتلك وزناً سياسياً معتبراً، بما يمنحه قدرةً على تشكيل الحكومة القادمة.

التحالفات المحتملة في هذا السيناريو تشمل:

 

  • الإعمار والتنمية (محمد شياع السوداني)

  • منظمة بدر (هادي العامري)

  • تحالف قوى الدولة (عمار الحكيم)

  • كتلة خدمات (شبل الزيدي)

 

في المقابل تتجه الكتل الأخرى مثل حقوق، الصادقون، دولة القانون، الأساس، وأبشر يا عراق إلى تشكيل جبهة برلمانية توازن هذا التحالف وتعمل على ضمان حضور المقاومة في القرار السياسي وإن من موقع المعارضة التفاوضية.

 

دلالات السيناريو الثاني

يمنح هذا التكتل الحكومة زخماً إدارياً وتنفيذياً قوياً. لكنه في المقابل يرفع منسوب التوتر بين الحكومة وبعض القوى المقاومة خاصة مع الشكوك حول توجهات السوداني الأخيرة وسياسته التي تميل إلى تحجيم نفوذ المقاومة تدريجياً عبر أدوات إدارية وقانونية.

نجاح هذا السيناريو مشروط بوجود ضمانات مكتوبة في البرنامج الحكومي تمنع المساس بالبنية الأمنية للمقاومة، وتؤكد استمرار التنسيق في الملفات السيادية.

 

مؤشرات الترجيح بين السيناريوهين

تعد مرحلة ما بعد إعلان النتائج ميداناً مفتوحاً لاختبار أي من المسارين سيغلب:

هل ستتجه القوى الشيعية إلى تحالف واسع يحفظ الهوية المقاومة أم إلى تمركز تنفيذي يمنح الحكومة قوة وسرعة مقابل تقليص نفوذ المقاومة؟

يمكن تمييز الاتجاه العام عبر مجموعة من المؤشرات العملية التي ستظهر في الأسابيع الأولى لمفاوضات التشكيل:

  1. لغة الخطاب السياسي بعد إعلان النتائج: إذا ساد خطاب التهدئة والتفاهم داخل الإطار وجرى التركيز على “الشراكة” و”التوازن”، فهذا يعني أن القوى تتجه نحو سيناريو التحالف المتكامل.

أما إذا تصاعدت لهجة “الاستحقاق الانتخابي” و “حق الكتلة الأكبر” وبدأت ملامح الاستقطاب، فالمشهد يميل إلى سيناريو التمركز التنفيذي.

  1. طبيعة البرنامج الحكومي المعلن: عندما يتضمن البرنامج فقرات واضحة حول ملفات السيادة الوطنية، العلاقة مع الوجود الأجنبي، ودور الحشد الشعبي، فذلك يعني أن صوت المقاومة حاضر بقوة داخل التفاهمات. أما إن طغت اللغة الإدارية والخدمية دون أي إشارة إلى الثوابت السيادية، فستكون إشارة مبكرة على إضعاف الدور المقاوم داخل بنية الحكم.

  2. توزيع الوزارات السيادية ومواقع القرار: المشاركة الفاعلة لقوى المقاومة في وزارات الدفاع والداخلية والنفط والخارجية تشير إلى توازن محكوم بتوافق وطني. بينما اقتصار هذه المناصب على محور واحد يشي بتوجه نحو تمركز القرار التنفيذي في يد الحكومة، أي نحو السيناريو الثاني.

  3. اختيار الشخصيات المفصلية: اللجوء إلى أسماء وسطية متفاهم عليها داخل البيت الشيعي يعبر عن رغبة في ترميم التوازن. أما تعيين شخصيات محسوبة بوضوح على اتجاه واحد فسيكرس مناخ الانقسام ويمنح إشارة مبكرة إلى ميل الكفة التنفيذية على حساب الشراكة.

  4. آليات الضمان داخل المنهاج الوزاري: تحويل “الضمانات” إلى نصوص مؤسسية هو المؤشر الأهم. فحين تدرج لجان متابعة مشتركة أو بنود رقابة برلمانية متفق عليها فهذا يعني أن التحالف الحاكم يعترف بتوازن القوى ويحترمه. أما غياب تلك الآليات والاكتفاء بالوعود فسيكون دلالة على تحول المقاومة من شريك فاعل إلى مراقب خارجي، وهو ما يشير بوضوح إلى السيناريو الثاني. ما بعد الانتخابات ليس امتداداً للحملة الانتخابية بل مرحلة اختبار لوعي القوى الشيعية المقاومة بقدرتها على إدارة قوتها السياسية بذكاء مؤسسي.

 

فالتحالف الأول يمثل صيغة تحفظ الهوية الاستراتيجية وتبقي القرار بيد كتلة مقاومة منضبطة، أما التحالف الثاني فينتج سلطة تنفيذية قوية لكنها محفوفة بمخاطر التباعد والارتياب المتبادل.

في كلا الحالتين المسألة الجوهرية ليست من يحكم بل كيف يدار الحكم ومن أي موقع تصان الهوية السيادية.

 

كلما اقتربت الصيغة النهائية من توازن يعترف بتعدد الأدوار داخل الإطار ويوزع السلطة توزيعاً واعياً، كلما اقترب العراق من حكومة تمتلك ذراعاً تنفيذية رشيقة وظهراً استراتيجياً صلباً يحميها من ارتدادات الانقسام ويكرس حضور المقاومة كضمان للسيادة لا عبئاً عليها.

 

الاستنتاجات:

  1. لا تزال الاليات الانتخابية تعبر عن مصالح الكتل السياسية التقليدية الاكبر متجاهلة تطلعات القوى السياسية الناشئة، مما يحد من فرص القوى السياسية الجديدة لتصدر المشهد السياسي بغض النظر عن قدراتها التنظيمية والمالية ومن بينها بعض قوى المقاومة مما يضطرها الى التحالف مع القوى الشيعية التقليدية.

  2. حتى لو استطاعت القوى الشيعية المحسوبة على محور المقاومة احراز نتائج جيدة ستستمر في المستوى الثاني من التأثير السياسي الخاص بتشكيل الحكومة القادمة في ضوء وجود كتل شيعية اخرى أكبر واقوى انتخابيا مثل كتلة رئيس الوزراء او كتلة السيد المالكي مما يعني ان صوت الرجلين (المالكي والسوداني) سيكون حاسم في تشكيل التحالفات الشيعية وفي تشكيل الحكومة.

  3. يجب على ممثلي فصائل المقاومة تحديد الية مرنة للتفاوض مع القوى السياسية غير الشيعية لتشكيل الحكومة تتضمن اعتراف صريح بدور قوى المقاومة وعدم التماهي مع المساعي الامريكية المتعلقة باستهدافها، ومن اهم هذه القوى التي يمكن الوصول الى تفاهمات مقبولة معها هي حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بقيادة بافل طالباني وحزب تقدم بقيادة محمد الحلبوسي.

  4. من المرجح ان تحصد القوى السياسية المحسوبة على فصائل المقاومة اصوات اعلى من تلك التي حصلت عليها في الانتخابات السابقة وذلك نظرا لانسحاب التيار الصدري من الانتخابات غير ان وزن قوى المقاومة في البرلمان لن يكون حاسما في ترجيح كفة أحد الاطراف الكبرى المتنافسة على تشكيل الكتلة الاكبر الا انه سيكون حاسما في موضوع الثلث المعطل على الارجح.

  5. هناك عدة سيناريوهات لتشكيل الحكومة القادمة الاول منها قائم  على  فكرة اصطفاف تقوده كتلة الإعمار والتنمية بزعامة محمد شياع السوداني، مدعوماً من قوى تمتلك وزناً سياسياً معتبراً من ضمنها قوى تحسب على التيار الشيعي المتشدد وقوى سنية وقوى كردية، بما يمنحه قدرةً على تشكيل الحكومة القادمة،  في المقابل  هناك سيناريو اخر تتجه بموجبه الكتل الأخرى مثل حقوق، الصادقون، دولة القانون، الأساس، وأبشر يا عراق إلى تشكيل جبهة برلمانية توازن هذا التحالف وتعمل على ضمان حضور المقاومة في القرار السياسي وإن من موقع المعارضة التفاوضية.

 

 

 ([1]) مجلة الوقائع العراقية، العدد 4718، في 8/أيار/ 2023.

([2]) https://alghadeertv.iq/archives/359870

(([3] فارس الخيام ست نقاط لفهم نظام الانتخابات العراقية وآلية الوصول لقبة البرلمان     2/10/2025 https://www.aljazeera.net/poli

*  يثار تساؤل متكرر حول نسبة المشاركة التي تثبت نجاح الانتخابات، وفي هذا الصدد، أن القانون العراقي لا يوجد فيه نصاب محدد لنسبة المشاركة بحيث تُلغى الانتخابات في حالة عدم تحقيقه. وأن الانتخابات تُعتبر ناجحة بمجرد إجرائها وفقا للأطر القانونية والدستورية، وأن النسبة تعكس فقط مدى إقبال الجمهور على المشاركة السياسية.

([4])  رائد الحامد، تعديل قانون الانتخابات بالعراق.https://www.aa.com.tr/ar –

([5])https://iraqalhadath.net

  • تم وضع هذا الترتيب بالاعتماد على استطلاع رأي نشره مركز البيان للدراسات والتخطيط، للمزيد ينظر: استطلاع رأي: الانتخابات النيابية 2025 (نوايا المشاركة والتصويت)، مركز البيان للدراسات والتخطيط، بغداد، تشرين الاول/2025.

 

 

Loader Loading...
EAD Logo Taking too long?

Reload Reload document
| Open Open in new tab

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى