الاكثر قراءةتحليلات و آراءغير مصنف

الذكاء يصنع القوة

اين وصل السباق التكنولوجي بين واشنطن وبكين؟

بقلم: الباحثة زينة مالك عريبي

 المقدمة

  شهد التنافس التكنولوجي مابين الصين والولايات المتحدة تطورات متسارعة في عدة مجالات حيوية اهمها الذكاء الاصطناعي حيث تستثمر الصين بشكل كبير في هذا المجال، مع التركيز على نماذج المصادر المفتوحة مثل “DeepSeek” وغيرها  هذا النهج سمح للشركات الصينية بالابتكار وتجاوز بعض القيود التكنولوجية المفروضة من قبل الولايات المتحدة، ومع ذلك، قد تواجه الصين تحديات مالية وتنظيمية في هذا المجال، خاصة مع احتمال فرض قيود على تصدير التقنيات المتقدمة في مجالات حساسة مثل العسكرية والأمن السيبراني وأشباه الموصلات والرقائق الإلكترونية، مع ذلك فقد  ​تفوقت الولايات المتحدة الامريكية في تطوير الطائرات الأسرع من الصوت، مع نماذج مثل “XB-1” من شركة “Boom Supersonic”  ومع ذلك تخطط الصين، من خلال شركة “Comac” المملوكة للدولة، لتطوير طائرة أسرع من الصوت بحلول عام 2049، مما يشير إلى تصاعد المنافسة في هذا القطاع. ​

اما عن السياسات التجارية والتعريفات الجمركية فقد أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن فرض تعريفات جمركية جديدة تستهدف ممارسات تجارية غير عادلة حسب وصفه مع التركيز على الصين، إذ تشمل هذه الإجراءات تقييم اتفاقيات مثل “*USMCA” ومدى التزام الصين باتفاقية التجارة “المرحلة الأولى”، بالإضافة إلى مراجعة قوانين مكافحة الإغراق وحقوق الملكية الفكرية. ​

اما فيما يخص الاستثمارات في الشركات الناشئة فقد جمعت شركة “OpenAI” تمويلاً بقيمة 40 مليار دولار، بقيادة “SoftBank”، مما رفع قيمتها إلى 300 مليار دولار، هذا الاستثمار يعزز مكانة الشركة في مجال الذكاء الاصطناعي ويعكس التنافس المتزايد بين الولايات المتحدة والصين في هذا المجال الحيوي، حيث تسعى كل دولة لتعزيز تفوقها وتأمين مصالحها الاستراتيجية في الاقتصاد العالمي.​

حيث تصاعد التنافس التكنولوجي بين بكين وواشنطن في السنوات الأخيرة إلى مستويات غير مسبوقة، إذ اتخذت الولايات المتحدة والصين تقنياتٍ مثل الذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات ووسائل التجسس الإلكتروني كمفاتيح للهيمنة الاقتصادية والعسكرية العالمية ، فقد استجابت واشنطن بتشديد القيود على تصدير الرقائق وتوسيع تحالفاتها التكنولوجية مع حلفاء مثل اليابان وكوريا الجنوبية، بينما دفعت بكين باستثمارات ضخمة في البحوث المحلية واستراتيجية “الانفتاح” على الخارج لتعزيز اكتفاءها الذاتي وتوسعها في السوق العالمية . هذه المقالة تستعرض ستة أبعاد رئيسية لهذا الصراع: الذكاء الاصطناعي، أشباه الموصلات، التجسس السيبراني، حظر الشركات، التحالفات الدولية، وآفاق “الفصل التكنولوجي” المستقبلي

  1. الذكاء الاصطناعي كسلاح استراتيجي أضحى الذكاء الاصطناعي أداةً مركزية في تعزيز القدرات العسكرية والاقتصادية للدول وهو أحد التقنيات المستخدمة في المجالات العسكرية التي أولت لها القوى الكبرى أكبر قدر من الاهتمام في السنوات الأخيرة ، فقد أعلنت الولايات المتحدة الامريكية في عام 2014 عن استراتيجية التعويض الثالثة للحفاظ على الميزة العسكرية من خلال استخدام التقنيات العسكرية المتقدمة مثل الذكاء الاصطناعي والأسلحة غير المأهولة، ثم في 12 أكتوبر 2022 أدرجت استراتيجية الأمن القومي الأمريكية باعتبار الذكاء الاصطناعي أحد التقنيات التي يجب على الولايات المتحدة وحلفائها تعزيز استثمارها واستخدامها بشكل موسع، ولكن بالرغم من التفوق الأمريكي التقليدي في تصميم الخوارزميات ونشر النماذج الرئيسة الا أن بكين تستثمر مليارات الدولارات سنويًا في مشاريع البحث والتطوير لتحقيق “السيادة التكنولوجية” ، حيث سجلت نموًا سريعًا في عدد الأبحاث وبراءات الاختراع مدعومة بسياسة الدولة الموجهة ودعم الجامعات والمؤسسات الحكومية، إذ يواصل الجيش الصيني تطوير أنظمة أسلحة ذاتية القيادة ومجسات ذكية قادرة على اتخاذ قرارات في الوقت الحقيقي، مما يثير قلق الخبراء من سباق تسلح آلي قد يفتقر للضوابط الأخلاقية، بالمقابل يهيمن القطاع الخاص الأمريكي—مثل شركات مايكروسوفت وأوبن إيه آي—على ابتكار النماذج الأكثر تقدمًا، رغم انتقادات لسياسات الهجرة وتراجع التمويل الفيدرالي الذي قد يحد من جذب المواهب العالمية التي يمكن ان ترفد ابتكارات هذه الشركات.

  2. أشباه الموصلات: إذ تلعب الرقائق الإلكترونية المتقدمة دورًا حاسمًا في الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، لذلك أصبحت الصين واحدة من أفضل ستة فاعلين في هذا المجال، فضلاً عن أنها أكبر مستورد لأشباه الموصلات في العالم، ففي العام 2021، استوردت أكثر من 430 مليار دولار من أشباه الموصلات، جاء 36% منها من تايوان، بينما تم إنتاج 15.7% فقط من احتياجاتها في الداخل الصيني، على الرغم من ان الميزان التجاري للصين في عام 2020 كان يعاني من عجز قدره 233.4 مليار دولار في مجال أشباه الموصلات.

 لكن الولايات المتحدة تسعى لحماية تفوقها في هذا الميدان من خلال فرض قيود على تصدير هذه الرقائق إلى الصين، خاصة مع تزايد المخاوف من استخدامها في تطبيقات عسكرية متقدمة، ولكن بالرغم من هذه الجهود الا ان الصين تستمر في تطوير بدائل محلية وتقنيات منافسة، إذ  تُعتبر الرقائق الإلكترونية “عصب” الصناعات الحديثة وساحة الصراع الحقيقية ، من الهواتف الذكية إلى الطائرات المسيرة، مما دفع واشنطن إلى فرض قيود تصدير ضمن قوانين مراقبة التسلح على صادرات التقنية المتقدمة إلى الصين ، وتكبدت شركات كبرى أمريكية مثل نفيديا وAMD خسائر مالية كبيرة—بقيمة 5.5 مليار دولار و800 مليون دولار على التوالي—نتيجةً للشروط الجديدة للترخيص التي تستهدف رقائق الذكاء الاصطناعي المتقدمة ، من جانبها، أطلقت بكين مشاريع عملاقة لبناء مصانع محلية لسلسلة التوريد، سعياً لتقليل الاعتماد على الموردين الأجانب وتفادي عقوبات مستقبلية ، غير أن الخبراء يحذرون من أن هذه السياسات قد تؤدي إلى “سباق تسلح” في الصناعة وأن تبطئ الابتكار العالمي، إذ يتوقعون استفادة قصيرة المدى للصين مقابل تراجع محتمل لجودة الرقائق على المدى الطويل.

تعد الصين “أكبر مورد عالمي” لـ “الرقائق القديمة”، لكن إدارة بايدن سعت في حينها إلى استخدام استثماراتها للمساعدة في السيطرة على ما يقارب 30 بالمئة من سوق الرقائق الإجمالي بحلول سنة 2032، وقد فرضت ادارة ترامب ضرائب جمركية على واردات اشباه الموصلات الى الولايات المتحدة بهدف الحد من المنافسة في هذا الميدان ولكي تتمكن الولايات المتحدة من استعادة السيطرة على هذا القطاع الذي باتت الصين تستحوذ على جزء غير قليل فيه،  مع ذلك إذا نظرنا إلى الاستهلاك النهائي للرقائق في الولايات المتحدة، فيبدو أنها ما تزال أكبر سوق استهلاكي لأشباه الموصلات في العالم بنسبة 25%، تأتي الصين بعدها مباشرة بنسبة 24%، تليها أوروبا بـ20%، واليابان بنحو 6%، وأخيراً كوريا الجنوبية وتايوان.

  1. التجسس الإلكتروني وحروب السايبر: تبادلت الولايات المتحدة والصين الاتهامات بينهما حول شن هجمات سيبرانية واستهداف البنى التحتية الحساسة، كالشبكات الكهربائية وأنظمة الاتصالات، وقد بلغت الهجمات ذروتها العام الماضي مع تقارير عن عمليات اختراق لصالح أهداف عسكرية وصناعية، تشير تقديرات مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية إلى أكثر من 224 حالة موثقة للتجسس الصيني في الولايات المتحدة منذ عام 2000، تشمل سرقة أسرار تجارية وتقنيات متقدمة ، رداً على ذلك عززت واشنطن قدرات الدفاع السيبراني وشددت العقوبات على كيانات يُشتبه في دعمها لهذه العمليات، فيما طورت الصين جدران حماية وطنية وأنظمة مراقبة داخلية لا تقل تطوراً عن نظيرتها الأمريكية، فقد تسبب التجسس الصيني أيضا في أضرار لا تحصى للأمن القومي من خلال سرقة تكنولوجيا الأسلحة ، بما في ذلك بيانات تجارب الأسلحة النووية، في السنوات القليلة الماضية ، أضافة الى سرقة الصين لكميات هائلة من المعلومات الشخصية (PII) ، والإكراه السياسي ، وعمليات التأثير ، إلى أنشطتها التجسسية وفقا.

  2. حظر الشركات والضغط الاقتصادي شكل حظر معدات هواوي وزد تي إي مثالاً بارزاً على استخدام العقوبات التجارية كأداة ضغط سياسي، حيث حظرت لجنة الاتصالات الفيدرالية الأمريكية بيع واستيراد تلك المعدات بحجة “مخاطر أمنية غير مقبولة”، وقدمت بنوك واستشارات دولية تقارير تفيد بأن قرار الحظر أدى إلى تباطؤ مؤقت في توسع هواوي، لكنه أضر أيضاً بسلاسل التوريد العالمية وأجبر العديد من الشركات على إعادة توجيه استثماراتها، وفي مفارقة لافتة، حذر تقرير في “غلوبال تايمز” الصيني من أن هذه الإجراءات قد تنعكس سلباً على الشركات الأمريكية نفسها، خصوصاً في حال تقييد الوصول إلى أسواق آسيا وأوروبا .

فرضت وزارة التجارة الصينية قيودا على أكثر من 12 شركة أميركية في قطاع الدفاع إلى قائمة الرقابة التي تحظر تصدير المواد ذات الاستخدام المزدوج، و6 شركات أخرى إلى قائمة “الكيانات غير الجديرة بالثقة” بعد تنفيذ الرئيس دونالد ترامب تهديده بفرض رسوم جمركية إضافية 50% على الواردات الصينية في الشهر الماضي، وأعلنت الصين أيضا رفعها الرسوم الجمركية على البضائع الأميركية 50% بما في ذلك رسوم ضخمة نسبتها 104% على السلع الصينية، وهذا صعد حربا تجارية عالمية، بالإضافة إلى الزيادة البالغة 34% ليصل بذلك إجمالي الرسوم الجمركية الإضافية على الواردات الأميركية إلى 84%..

بالاضافة الى ذلك فقد قدمت بكين شكوى الى منظمة التجارة العالمية بشأن الرسوم التي يفرضها ترامب باعتبارها تهدد وتعمل على زعزعة استقرار التجارة العالمية واتهمت الولايات المتحددة الامريكية بانتهاك قواعد المنظمة وان هذا الامر يقوض نظام التجارة المتعدد الاطراف، الا أن الرئيس الامريكي ترامب يؤكد على أن الرسوم الجمركية ضرورية لأنهاء العجز التجاري داخل الولايات المتحدة الامريكية وشركائها التجاريين ، وحثت أمانة منظمة التجارة العالمية على دراسة تأثير الرسوم الجمركية على التجارة العالمية وتقديم نتائجها إلى الأعضاء.

  1. تحالفات تكنولوجية دولية لمواجهة النفوذ الصيني، عملت الولايات المتحدة على بناء شراكات تقنية استراتيجية، أبرزها مع كوريا الجنوبية واليابان وهولندا، لتعزيز موثوقية سلاسل التوريد وتقاسم البحث والتطوير ، في المقابل، ربطت الصين علاقاتها مع روسيا ودول مجموعة البريكس لتطوير مشروعات مشتركة في مجالات الذكاء الاصطناعي والطاقة النووية والتصنيع المتقدم ، واستعرضت اجتماعات “ثلاثي” اليابان–كوريا–الولايات المتحدة أهمية التنسيق الأمني والتكنولوجي للتصدي للتحديات الإقليمية، مع الحرص على تفادي استقطاب حاد يؤدي إلى تفتيت السوق العالمية.

  2. المستقبل: مواجهة مفتوحة أم تعايش مشروط؟

يقترح كثير من الباحثين أن سياسة “الفصل التكنولوجي” أو الانفصال التقني (Decoupling) بين الصين والولايات المتحدة آخذة في التبلور، وقد تقلص حجم التجارة الإلكترونية والتعاون البحثي بنسبة قد تتجاوز 80% إذا استمر التوتر على نهجه الحالي. غير أن آخرين يرون أن الانفصال الكامل قد يكون مكلفًا للطرفين وللاقتصاد العالمي، حاثين على اعتماد إطار “التعايش المشروط” الذي يوازن بين الضوابط الأمنية والحاجة للتعاون في مجالات مثل تغير المناخ والصحة العامة، في الحالتين، يبدو أن ملامح الخريطة التكنولوجية العالمية ستتغير جذريًا في العقد المقبل، مع انتقال رقعة القوى إلى من يمكنه الجمع بين الابتكار المحلي والشراكات الدولية بفعالية.

* دخلت اتفاقية الولايات المتحدة والمكسيك وكندا (USMCA) حيز التنفيذ في 1 يوليو 2020. USMCA ، التي حلت محل اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (نافتا) هي فوز متبادل المنفعة للعمال والمزارعين ومربي الماشية والشركات في أمريكا الشمالية. تخلق الاتفاقية تجارة أكثر توازنا وتبادلا تدعم الوظائف ذات الأجور المرتفعة للأمريكيين وتنمي اقتصاد أمريكا الشمالية ، للمزيد انظر الى https://ustr.gov/trade-agreements/free-trade-agreements/united-states-mexico-canada-agreement

 

Loader Loading...
EAD Logo Taking too long?

Reload Reload document
| Open Open in new tab

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى