سباق الشرق والغرب للسيطرة على موارد النفط في العراق وإقليم كردستان

بقلم: الباحث بختیار أحمد صالح

شهد العراق، ولا سيّما إقليم كردستان، في السنوات الأخيرة تحوّلات دراماتيكية في قطاع الطاقة، حيث تصاعد اهتمام القوى الغربية والشرقية على حد سواء بالاستثمار في حقول النفط والغاز. وفي ظل مساعي بغداد لرفع الإنتاج إلى 7 ملايين برميل يوميًا، عاد اللاعبون الكبار إلى المشهد، مما حوّل البلاد إلى ساحة تنافس بين الغرب بقيادة الولايات المتحدة وشركاتها العملاقة، والشرق ممثلًا بالصين وروسيا. لم تعد القضية متعلقة بالثروة النفطية فحسب، بل أصبحت تمثل تقاطعًا استراتيجيًا حاسمًا في التوازنات الجيوسياسية الإقليمية والعالمية.

أولًا: خلفية تاريخية للصراع على موارد الطاقة في العراق

منذ الغزو الأمريكي عام 2003، شكّلت موارد الطاقة في العراق محل أطماع القوى الكبرى. تعزز ذلك بعد انسحاب الشركات الغربية تدريجيًا بسبب انعدام الأمن وغياب بيئة استثمارية مستقرة، ما أفسح المجال لدخول الصين وروسيا إلى السوق العراقية، خصوصًا في الجنوب. وفي الوقت ذاته، ظلّ إقليم كردستان يحتفظ بهامش من الاستقلالية في التعاقد مع شركات أجنبية، ما زاد من تعقيد المشهد.

ثانيًا: البعد الاقتصادي للسباق على النفط

العراق يمتلك 145  مليار برميل من الاحتياطي المثبت، وهو خامس أكبر احتياطي في العالم، مع تقديرات غير مؤكدة تصل إلى 246 مليار برميل. هذا يجعله هدفًا طبيعيًا لاستثمارات الطاقة الضخمة. لكن التحدي يكمن في البنية التحتية المتهالكة، الفساد المستشري، والاعتماد على الغاز والكهرباء من إيران.

لمواجهة هذه التحديات، شرعت الحكومة العراقية بتنفيذ مشاريع استراتيجية ضخمة، منها:

1. مشروع نقل مياه الخليج (CSSP) الذي تشرف عليه شركة  Total Energies، لضمان ضغط الحقول النفطية.

2. مشاريع غربية في الجنوب والشمال لإعادة تنشيط الحقول القديمة (مثل الرميلة وكركوك).

كل هذه المشاريع تُمهد الطريق لتوسيع القدرة التصديرية للعراق وتوفير أمن الطاقة الداخلي.

ثالثًا: استراتيجية الغرب في العراق وإقليم كردستان

تشمل عودة الغرب إلى الساحة العراقية:

أعلنت الولايات المتحدة أن هذه الاستثمارات تُعد جزءًا من استراتيجية مواجهة نفوذ إيران وروسيا والصين في العراق، كما أكّد وزير الطاقة الأمريكي أن واشنطن لن تترك بغداد تقع بالكامل في يد خصومها الجيوسياسيين^.(1)

رابعًا: الصين وروسيا في المشهد العراقي

من جهة أخرى، تسعى الصين وروسيا لاحتواء التمدد الغربي عبر عدة مسارات:

1. تقديم قروض ومساعدات للعراق ضمن مبادرة “الحزام والطريق”.

2. العمل على إعادة دمج إقليم كردستان ضمن هيكل الدولة المركزية، ما يسهل إزاحة الشركات الغربية من الشمال.

3. استثمارات طويلة الأجل في مشاريع البنى التحتية مقابل عقود نفطية طويلة المدى.

تصريح لمسؤول روسي بارز نُشر في Oil Price: “نهاية هيمنة الغرب في (الشرق الأوسط) تبدأ من العراق وبإخراجه من قطاع الطاقة فيه.”⁽²⁾

خامسًا: إقليم كردستان كمنطقة تماس جيوسياسي

يشكل إقليم كردستان نقطة صراع مركزي بين الكتلتين. فواشنطن تحاول إبقاء الإقليم في نطاقها الاقتصادي والسياسي، بينما تضغط الصين وروسيا لتعزيز دور بغداد المركزي، وبالتالي الحدّ من اتفاقيات أربيل المستقلة.

1. تحالفات أربيل مع الشركات الأمريكية تعزز من استقلالية قراراتها النفطية.

2. في المقابل، تدعم بكين وموسكو فكرة تقنين توزيع الإيرادات النفطية عبر الحكومة المركزية.

سادسًا: أهمية مشروع الرميلة كنموذج للصراع

يُعدّ حقل الرميلة أكبر مشروع مشترك بين شركة نفط البصرة وBP البريطانية وPetro China، وتم التعاقد مؤخرًا مع Halliburton لحفر 15 بئرًا جديدة، بهدف رفع الإنتاج من 1.2 إلى 2.1 مليون برميل يوميًا. نجاح المشروع مرتبط بشكل مباشر بتنفيذ مشروع CSSP الخاص بتوفير المياه، ما يبرهن على تشابك البنية الجيولوجية مع المعادلات السياسية والاقتصادية^{. (3)}

سابعا: مشروع CSSP – العمود الفقري لاستراتيجية العراق النفطية

يمثل مشروع نقل مياه الخليج (CSSP) ركيزة أساسية في خطة العراق لزيادة إنتاجه من النفط إلى أكثر من 7 ملايين برميل يوميًا. المشروع لا يُعدّ فقط مبادرة فنية هندسية ضخمة، بل هو في جوهره مشروع جيوسياسي واستراتيجي له تأثير بالغ في تمكين العراق من الاستقلال الطاقوي وتقليل تبعيته لدول اخرى منها ايران في مجال استيراد الغاز والكهرباء.

ما هو مشروع CSSP؟

CSSP هو اختصار لـ “مشروع توفير المياه المشتركة من الخليج” (Common Seawater Supply Project)، ويهدف إلى ضخ مياه الخليج العربي المعالجة إلى الحقول النفطية العراقية، لا سيما القديمة منها، بهدف الحفاظ على ضغط المكامن وزيادة كفاءة الاستخراج. تتولى الإشراف الكامل على تنفيذ المشروع من قبل شركة Total Energies  الفرنسية يُنفذ بشراكة مع شركات عالمية مثل Schlumberger  وWeatherford، وتدعمه وزارة النفط العراقية.

أهداف المشروع

1. حقن المياه لتعويض التراجع الطبيعي في الضغط داخل المكامن.

2. رفع الإنتاج في الحقول المتقادمة مثل الرميلة (منذ 1950) وكركوك (منذ 1920).

3. تحقيق الاكتفاء الذاتي في الطاقة وتقليل الاعتماد على الغاز الإيراني.

4. دعم استقرار سوق الطاقة العراقي وزيادة الجاذبية الاستثمارية.

 التكلفة والتوقعات

1. الكلفة التقديرية تتراوح بين 6 و10 مليارات دولار.

2. المشروع يُمول كجزء من استثمارات Total Energies التي تبلغ 27 مليار دولار في جنوب العراق.

المكونات التقنية

1. محطات ضخمة لتحلية مياه الخليج في البصرة.

2. أنابيب بطول يفوق 300 كم لنقل المياه إلى الحقول.

3. محطات ضخ ومعالجة وتوزيع مزودة بأنظمة مراقبة وتحكم متقدمة.

التحديات

1. الوضع الأمني جنوب البلاد.

2. الروتين الإداري والفساد المؤسسي.

3. التأثيرات البيئية الناتجة عن استخدام المياه المالحة.

4. التجاذبات السياسية مع الفاعلين الإقليميين (إيران، تركيا).

 البُعد الاستراتيجي

 CSSP ليس مجرد مشروع دعم تقني للإنتاج، بل هو رهان استراتيجي على المدى الطويل، يُمكّن العراق من:

1. الاستفادة الكاملة من احتياطاته النفطية.

2. تأمين الطاقة داخليًا في ظل العقوبات المفروضة على الاستيراد من إيران.

3. تقوية العلاقة مع الشركات الغربية وإعادة تموضعها كفاعل رئيس في سوق النفط.

تتحوّل الساحة العراقية إلى ما يشبه “شطرنج الطاقة” بين الشرق والغرب. نجاح العراق في تحقيق أهدافه التنموية مرهون بإدارته الذكية لهذا الصراع. فإذا استطاع العراق الموازنة بين المصالح، وتنمية موارده بعيدًا عن الاستقطاب الحاد، فسيكون له موقع متقدم في سوق الطاقة العالمية خلال العقد القادم. أما في حال فشل في ضبط معادلات النفوذ، فقد يتحول ثروته النفطية إلى لعنة جيوسياسية جديدة  .ويعدنجاح CSSP شرطًا أساسيًا لنجاح باقي المشاريع النفطية الغربية في العراق، كونه العامل التقني الأهم لرفع الإنتاج في الحقول الحالية. كما أنه أداة حيوية في توازن القوى بين الغرب وخصومه في العراق، ما يجعل هذا المشروع محورًا تقاطعيًا بين الطاقة، السيادة، والتحالفات الدولية.

المراجع

1. Oil Price. (2025). Iraq’s Oil Expansion Plans Face Global Power Struggles. Retrieved from https://oilprice.com

3. Total Energies Press Release. (2025). CSSP Water Project for Southern Iraq. Retrieved from https://totalenergies.com

Loading...

Taking too long?

Reload document

| Open in new tab