الاكثر قراءةترجماتغير مصنف

هل ستصمد سياسة دول الخليج تجاه إيران في ظل الحرب؟

أم أنّ واشنطن مجبرة على اتخاذ خيار بين رؤى الخليج و(إسرائيل) لدور إيران في المنطقة؟

بقلم: منى يعقوبيان/ مديرة برنامج (الشرق الأوسط) في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS)

ترجمة: صفا مهدي عسكر/ مركز حمورابي للبحوث والدراسات الاستراتيجية

تحرير: د. عمار عباس الشاهين/ مركز حمورابي للبحوث والدراسات الإستراتيجية

 مع تصاعد النزاع بين (إسرائيل)** وإيران تواجه واشنطن خياراً حتمياً يتمثل في اختيار أحد تصورين متناقضين لمستقبل (الشرق الأوسط)، فقد اتجهت الدول العربية في السنوات الأخيرة نحو سياسة دمج إيران في الإطار الإقليمي بدلاً من مواجهتها في حين ترفض (إسرائيل) هذا الخيار جملةً وتفصيلاً معتبرة أن وجود إيران كقوة إقليمية مدمجة يمثل تهديداً لا يمكن قبوله، في هذا السياق يراهن حلفاء الولايات المتحدة في الخليج على دور أميركي يساهم في تخفيف حدة التوتر، بينما تسعى (إسرائيل) إلى دعم أميركي مباشر في مواجهتها مع طهران.

لقد سبقت الهجمات (الإسرائيلية) غير المسبوقة في 13 حزيران سلسلة من المحاولات الهادفة إلى تعزيز التكامل الإقليمي والتي يصعب تحديد بداية واضحة لها غير أن حادثة الهجوم على منشآت النفط السعودية في أبقيق والخُرَيْص بتاريخ 14 أيلول 2019، شكّلت نقطة تحول محورية، إذ أدى الهجوم الذي نفذته انصار الله الحوثي المدعومة من إيران إلى تعطيل نحو نصف إنتاج النفط السعودي وكان عدم رد الفعل الأميركي عليه بمثابة لحظة فاصلة في إدراك دول الخليج أنها قد لا تجد في الولايات المتحدة حماية كافية ضد تهديدات إيرانية محتملة، هذا الاعتقاد قاد إلى عملية دبلوماسية توجت بإعادة العلاقات بين السعودية وإيران في 10 أذار 2023، واستمرت هذه العلاقات في التحسن ببطء رغم تصاعد التوترات بين (إسرائيل) وإيران بعد 7 تشرين الاول 2023، ووسط مخاوف من دعم إيران للفصائل الإقليمية.

استمرت هذه الدينامية الإيجابية في تعزيز التقارب رغم تصاعد التوترات بين (إسرائيل) وإيران حيث شهدت المنطقة مؤشرات على تعاون وتفاعل دبلوماسي وعسكري بين الرياض وطهران، من حضور شخصيات بارزة لمراسم جنازة رئيس إيراني إلى زيارات رسمية ومناورات بحرية مشتركة وصولاً إلى جهود دبلوماسية للحفاظ على مسار المفاوضات النووية الأميركية – الإيرانية بعيداً عن محاولات (إسرائيلية) لعرقلتها.

على الصعيد الاقتصادي والسياسي يهدف هذا المسعى الخليجي إلى إقامة نظام إقليمي يستند إلى خفض مستويات العنف وتعزيز النمو الاقتصادي وتنويع الاقتصادات المحلية وتوسيع الروابط الاقتصادية بين دول المنطقة وخارجها، وتعتبر إدارة الصراع مع إيران سواء من خلال تقليص حدته أو من خلال تعزيز المشاركة الإيرانية في الشؤون الإقليمية ركيزة أساسية في هذه الرؤية، بناءً على ذلك استنتجت دول الخليج أن سنوات التقارب الأخيرة مع إيران قد جلبت فوائد أكثر من ثلاثة عقود من سياسة العزلة. ويُعد الاتفاق النووي الأميركي – الإيراني المتجدد حجر الأساس في هذه السياسة، حيث كانت الجهود الخليجية موجهة نحو إنجاح المفاوضات النووية، والتي شهدت تفاؤلاً متزايداً مع زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى المنطقة، وطرح احتمالات اتفاق يتضمن بنوداً اقتصادية واستثمارية واسعة.

وقد انعكس هذا التوجه في انتقادات خليجية شديدة للهجوم (الإسرائيلي) في حزيران 2024، حيث اعتبرته السعودية والعديد من دول الخليج اعتداءً “وحشياً” على “الجمهورية الإسلامية الشقيقة”، مظهرة بذلك اختلافاً واضحاً مع مواقفها السابقة التي كانت تشجع على تصعيد الضغوط على إيران. إلا أن دول الخليج تظل حذرة من الانزلاق في صراع أوسع بين (إسرائيل) وإيران، خصوصاً مع المخاطر المتزايدة على البنية التحتية للطاقة في المنطقة، والتهديدات المحتملة للأمن البحري واحتمال انخراط الولايات المتحدة في مواجهة مباشرة قد تستهدف المصالح الأميركية في الخليج. لذا تضغط دول الخليج بقوة من أجل تسوية دبلوماسية تستند إلى مصالحها الاقتصادية وأولوياتها الأمنية، مع دعم وسطاء إقليميين تقليديين مثل عمان وربما السعودية، لاستحداث حلول دبلوماسية مبتكرة تُمكّن الأطراف من إيجاد مخرج آمن للصراع، مستفيدين من علاقات الإمارات السرية نسبياً مع (إسرائيل) كقناة اتصال خلفية.

في المقابل ترى (إسرائيل) أن الهجوم على إيران يشكل امتداداً لنجاحاتها السابقة في إضعاف حزب الله وتعزيز ضعف نظام الأسد وتمهيد الطريق لتغييرات جوهرية في لبنان وسوريا، من منظور (إسرائيلي) تهدف العمليات العسكرية ضد إيران إلى استبعادها من الحسابات الإقليمية بشكل نهائي، ويعكس ذلك تصريحات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بشأن احتمال تغيير النظام الإيراني.

على الجانب الآخر تعبر العديد من الدول العربية عن رفضها لاستخدام القوة (الإسرائيلية) معتبرة أن ذلك يقوض أسس القانون الدولي ويعيق بناء نظام إقليمي مستقر يعتمد على السلام والتنمية الاقتصادية، وتُسلّط هذه الدول الضوء على ما تعتبره (إسرائيل) مصدراً رئيسياً لعدم الاستقرار من خلال تدخلاتها العسكرية المتكررة في عدة دول عربية، كما يعتبر اغتيال (إسرائيل) لعلي شمخاني المسؤول الإيراني المركزي في جهود التقارب مع السعودية محاولة لتعطيل مشروع الدمج الإقليمي الإيراني. في نهاية المطاف يعتمد مستقبل النظام الإقليمي في (الشرق الأوسط) على ما إذا كان الصراع الراهن سيشهد تصعيداً أو انحساراً، هل ستحقق (إسرائيل) نصرها وتعيد تشكيل ميزان القوى، أم ستنجح إيران في البقاء في ظل استمرار مساعي الخليج نحو التكامل؟

يمثل كل خيار تحديات وفرصاً تتطلب مستويات متفاوتة من التدخل الأميركي، فعلى الرغم من أن الحد من الطموحات النووية الإيرانية يتماشى مع أهداف الأمن القومي الأميركي، فإن تفكيك البرنامج النووي الإيراني بالكامل سيستلزم تدخلاً عسكرياً عميقاً قد يتحول إلى حرب مستمرة، أما خيار تغيير النظام فسيستلزم حملة عسكرية واسعة مع نهاية غير مضمونة.

في المقابل يوفر الخيار الدبلوماسي فرصة لتجنب الانخراط العسكري المباشر، ويشكل مساراً لتخفيف التوترات وتحقيق استقرار طويل الأمد لكنه يتطلب القبول باندماج إيران في النظام الإقليمي، وحتى في حال نجاح المفاوضات قد تبقى المسألة النووية عالقة مما يضع حدوداً لهذا التكامل.

حتى الوقت الراهن تمكنت واشنطن من تجنب اتخاذ قرار حاسم بين مصالح حلفائها المتعارضة، لكنها باتت الآن مضطرة لاتخاذ موقف واضح وحاسم بشأن مستقبل السياسة الأميركية في المنطقة.

* Mona Yacoubian, Can the Gulf’s Iran Policy Survive the War? Israel and the Gulf have rival visions for Iran’s role in the region. Now Washington has to pick one, FOREIGN POLICY, June 17, 2025.

**  لمقتضيات الأمانة العلمية، وضرورات الترجمة الدقيقة، تم الإبقاء على كلمة (إسرائيل)، وهو لا يعني اعتراف المركز بها، وما هو مكتوب يمثل راي وأفكار المؤلف.

Loader Loading...
EAD Logo Taking too long?

Reload Reload document
| Open Open in new tab

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى