الاكثر قراءةترجماتغير مصنف

نهايات محتملة للحرب بين (إسرائيل) وإيران تشمل السيناريوهات المطروحة

تراجع إيران أو انسحاب (إسرائيلي) أو تصعيداً يتحول إلى صراع إقليمي أوسع نطاقاً

بقلم: إيسلين برادي ودانييل بايمن

ترجمة: صفا مهدي عسكر/ مركز حمورابي للبحوث الدراسات الإستراتيجية

تحرير: د. عمار عباس شاهين/ مركز حمورابي للبحوث والدراسات الاستراتيجية

 

     الحرب بين (إسرائيل)** وإيران في مراحلها الأولى، فقد أعلن رئيس الوزراء (الإسرائيلي) بنيامين نتنياهو أن العمليات العسكرية ستستمر “لأي عدد من الأيام يتطلبه الأمر” في إشارة إلى نية (إسرائيل) مواصلة الضربات لعدة أسابيع بهدف إضعاف البرنامج النووي الإيراني وتدمير القدرات العسكرية لطهران، من جانبها ردّت إيران بإطلاق طائرات مسيّرة وصواريخ باليستية على (إسرائيل) كما تمتلك خيارات انتقامية أخرى وإن كانت محدودة، وعلى الرغم من أن التصعيد وسفك الدماء يبدو مرجحًا بل حتميًا فإن التفكير في مسارات خفض التصعيد وسيناريوهات إنهاء الصراع يظل ضروريًا منذ الآن.

أحد هذه السيناريوهات يتمثل في أن تنفذ إيران عدة ضربات عسكرية بارزة تستهدف الداخل (الإسرائيلي) وتعلن لشعبها أنها نجحت في الرد وألحقت الضرر بالعدو، ثم تسارع إلى قبول الجهود الأميركية والدولية للتوصل إلى وقف لإطلاق النار، هذا السيناريو يمثّل فعليًا نوعًا من الاستسلام المشروط، يترافق مع محاولة حفظ ماء الوجه أمام الداخل الإيراني.

وقد شهدنا نموذجًا مشابهًا مع حزب الله اللبناني الحليف الوثيق لإيران عندما خضع لوقف إطلاق نار عقب الحملة (الإسرائيلية) المكثفة ضده في شهري ايلول وتشرين الأول، وتشبه الحملة (الإسرائيلية) الحالية في إيران إلى حد كبير تلك العمليات السابقة ضربات دقيقة للبنى التحتية العسكرية واغتيالات ممنهجة واستهداف لقيادات بارزة وهو ما يكشف عن اختراق استخباراتي (إسرائيلي) عميق للدوائر العليا في طهران، ورغم امتلاك حزب الله ترسانة ضخمة من الصواريخ وعشرات الآلاف من المقاتلين فقد قبل بوقف إطلاق النار بشروط (إسرائيلية) دون أن يتمكن من شن هجوم مضاد فعّال.

وقد تجد إيران نفسها اليوم في وضع مشابه، فالهجمات التي شنتها باستخدام الطائرات المسيّرة والصواريخ في عام 2024 لم تحقق الأهداف المرجوة كما أن العديد من وكلائها وفي مقدمتهم حزب الله باتوا أضعف من أي وقت مضى ما يضعف من قدرة إيران على الردع، كما أن استهداف (إسرائيل) للقيادات العليا في إيران قد أضعف قدرة النظام على التنسيق واتخاذ القرارات في الوقت الفعلي رغم محاولات طهران السريعة لتعويض الخسائر القيادية، إلا أن فعالية القيادة الجديدة في خضم العمليات العسكرية لا تزال موضع شك في ظل استعداد (إسرائيل) لاستهداف كل من يخلفهم على الفور، وفي ضوء ذلك قد تجد طهران أنه من الأنسب الحفاظ على ما تبقى من قوتها والتخطيط لمواجهة لاحقة بدلًا من الاستمرار في التعرض لضربات موجعة.

أما السيناريو الثاني هو أن تتمكن إيران من الصمود لفترة أطول وتوجه بعض الضربات المحدودة (لإسرائيل) – سواء عبر عمليات متنوعة أو اختراق صاروخي دفاعات (إسرائيل) أو بوسائل أخرى – في الوقت الذي تتصاعد فيه الضغوط الدولية على تل أبيب لإنهاء العمليات العسكرية، وفي هذا السياق قد تتعرض المنشآت النووية الإيرانية مثل نطنز لأضرار، إلا أن طهران قد تنجح في إصلاحها بسرعة نسبية.

غالبًا ما تحظى الضربات (الإسرائيلية) بدعم دولي محدود الأمد إذ سرعان ما تتحول الأصوات الأميركية والأوروبية إلى المطالبة بوقف التصعيد حتى وإن كانت (إسرائيل) لا تزال تنفذ عملياتها، وقد دعت فرنسا والمملكة المتحدة بالفعل إلى التهدئة، ورغم أن (إسرائيل) قد لا تأبه كثيرًا للمواقف الأوروبية – التي تدعو إلى وقف الحرب في غزة منذ شهور – إلا أنها تبدي اهتمامًا أكبر بردود الفعل الأميركية لا سيما موقف الرئيس دونالد ترامب، فإذا مارس ترامب ضغوطًا فعلية على نتنياهو فقد تختار (إسرائيل) إنهاء عملياتها معتبرة أن ما أحرزته من أضرار كافٍ في المرحلة الراهنة.

غير أن جدوى هذا السيناريو من حيث الدفع نحو تسوية دبلوماسية لا تزال غير واضحة، فقد حاولت إدارة ترامب في السابق التوصل إلى اتفاق تفاوضي بشأن البرنامج النووي الإيراني – رغم أن المقترحات المطروحة لم تكن تختلف كثيرًا عن الاتفاق النووي لعام 2015 الذي انسحب منه ترامب، وكانت طهران تتعامل مع تلك المفاوضات بجدية مع ما بدا أنه دعم من القيادة العليا رغم استمرار الخلافات حول مستويات تخصيب اليورانيوم. وقد دعا ترامب مؤخرًا إلى استئناف المفاوضات عقب الضربات (الإسرائيلية)، وكتب عبر منصة “تروث سوشال “على إيران أن تعقد اتفاقًا قبل ألا يبقى شيء، وتنقذ ما كان يُعرف بالإمبراطورية الفارسية، لا مزيد من الموت لا مزيد من الدمار، فقط افعلوها قبل فوات الأوان”.

مثل هذا الطرح قد يغري طهران خصوصًا في ظل أزمتها الاقتصادية الخانقة حيث يبدو تخفيف العقوبات أمرًا مغريًا، كما أن الحملة (الإسرائيلية) المدمرة قد تضع إيران في موقف تفاوضي أقل كلفة من حيث التنازلات، إلا أن الانخراط في مفاوضات كهذه تحت وقع القصف (الإسرائيلي) يمثل تحديًا سياسيًا داخليًا حيث سيصوّر ترامب أي تنازل إيراني على أنه انتصار شخصي ما قد يظهر إيران بمظهر الدولة المنهارة تحت الضغط – وهو تقييم لا يخلو من صحة.

ثمّة سيناريوهات أكثر قتامة تبدو محتملة بل وربما أكثر ترجيحًا، أحدها أن تتوسّع الحرب بين (إسرائيل) وإيران إلى صراع إقليمي شامل، فقد هدّدت إيران قبل الضربات (الإسرائيلية) باستهداف منشآت أميركية في (الشرق الأوسط) – وهي تهديدات إن تحققت سترفع بشكل كبير من احتمالية دخول الولايات المتحدة على خط المواجهة المباشرة. إن التعاون الأمني الطويل الأمد بين الولايات المتحدة و(إسرائيل) والدعم الأميركي المتواصل لتل أبيب في مجالات مثل الدفاع الجوي قد يقنع طهران بأن واشنطن شريكة فعلية في الحرب ضدها، وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة نفت مشاركتها في الضربات، إلا أن إيران قد ترى في المفاوضات الجارية غطاءً لتمهيد عسكري أميركي–(إسرائيلي) مشترك، فمع أن المسؤولين (الإسرائيليين) والأميركيين حذروا سابقًا من أن رفض إيران للاتفاق النووي سيؤدي إلى تحرك عسكري، إلا أن الرئيس دونالد ترامب أكّد قبل ساعات فقط من بدء العمليات التزام بلاده بالمسار الدبلوماسي ونفى أن تكون هناك هجمات وشيكة، وإذا رأت طهران في تلك التصريحات غطاءً للخداع فقد تعتبر أن المنشآت الأميركية باتت أهدافًا مشروعة ضمن ما تصفه بردٍّ انتقامي.

كما أن الولايات المتحدة قد تصعّد لأسبابها الخاصة، فقد ترى أن (إسرائيل) قد أنجزت نصف المهمة وتتحرّك لاستكمالها من خلال قصف منشأة فوردو النووية باستخدام ذخائر خارقة للتحصينات، أو استهداف ما تبقى من المنشآت الإيرانية بعد الضربات (الإسرائيلية).

من جانبها من المرجح أن تلجأ إيران إلى حلفائها في العراق ولبنان واليمن وغيرها لمهاجمة (إسرائيل) وربما توسيع نطاق الهجمات لتشمل أهدافًا أميركية في حال تورطت واشنطن عسكريًا مهما كانت المبررات، وقد تجد الولايات المتحدة نفسها مضطرة لاستهداف مواقع في اليمن – وهو خيار غير جذّاب بعد أن انتهت عملية “رايدرز القاسية” ضد الحوثيين بوقف لإطلاق النار – فضلًا عن احتمالية امتداد العمليات إلى العراق ودول أخرى .

ومن السيناريوهات الممكنة وإن كانت غير مرجحة في الوقت الراهن دخول الحلفاء العرب للولايات المتحدة على خط الأزمة، فقد أعلنت القوات المسلحة الأردنية بالفعل أنها اعترضت صواريخ وطائرات مسيّرة إيرانية دخلت مجالها الجوي في 13 حزيران، في تكرار لحادثة مماثلة عام 2024 عندما اعترضت عمّان صواريخ كانت موجهة نحو (إسرائيل)، وعلى الرغم من أن تلك التحركات الأردنية يمكن تأطيرها ضمن إطار الدفاع عن النفس، إلا أن انخراط الولايات المتحدة في الحرب قد يدفعها إلى استخدام قواعدها في دول إقليمية متعددة أو الاعتماد عليها بشكل غير مباشر.

أما السيناريو الأخير فيتمثّل في ألا تنتهي الحرب أصلًا – على الأقل ليس بصيغة رسمية، فقد تتوقف موجات الضربات (الإسرائيلية) المكثفة في مرحلة ما لكن صراعًا منخفض الحدة قد يستمر لعدة أشهر، وقد تنفّذ (إسرائيل) بين حين وآخر هجمات صاروخية أو جوية ضد أهداف داخل إيران أو تنخرط في عمليات اغتيال وتخريب، وفي المقابل قد تردّ طهران بإطلاق صواريخ متفرقة أو بتنفيذ عمليات إرهابية وهجمات نوعية، بهذا الشكل لا يكون الصراع حربًا شاملة لكنه أيضًا لا يبلغ حدّ “السلام غير المستقر”.

وفي خضمّ هذا التصعيد المتبادل قد تُقدم إيران على تطوير برنامج نووي سرّي خارج إطار الالتزامات الدولية والرقابة المفروضة من الوكالة الدولية للطاقة الذرية – مستندة في ذلك إلى الضربات (الإسرائيلية) كمبرر، وإذا لم تنجح (إسرائيل) في تدمير جميع مواقع تخزين اليورانيوم المخصّب الثلاثة، فإن مهمة طهران في إخفاء جزء من برنامجها النووي ستكون يسيرة نسبيًا.

بالطبع لا يُستبعد أن تتداخل هذه السيناريوهات أو تتكامل، فقد يُفضي وقف إطلاق نار ترعاه الولايات المتحدة إلى فتح باب أوسع نحو اتفاق نووي جديد، وربما تقبل إيران بتنازلات آنية لكنها تحتفظ بخططها الانتقامية لما بعد من خلال تنفيذ هجمات  خلال الأشهر المقبلة، ما يحوّل الصراع إلى حرب انتقامية مستمرة تُدار تحت السطح دون إعلان رسمي أو نهاية واضحة.

 

**  لمقتضيات الأمانة العلمية، وضرورات الترجمة الدقيقة، تم الإبقاء على كلمة (إسرائيل)، وهو لا يعني اعتراف المركز بها، وما هو مكتوب يمثل راي وأفكار المؤلف.

Loader Loading...
EAD Logo Taking too long?

Reload Reload document
| Open Open in new tab

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى