الاكثر قراءةتحليلات و آراءغير مصنف
عوامل تشكيل سياسة إيران الخارجية

بقلم :بختيار احمد صالح
تعيش السياسة الخارجية الإيرانية تحولاً ملموساً، مدفوعاً بجملة من العوامل الداخلية والخارجية. ففي ظل أزمات اقتصادية خانقة، وتزايد الاحتجاجات الشعبية، وتغير التوازنات الإقليمية، تسعى طهران إلى إعادة تموضع استراتيجي أكثر براغماتية. تحلل هذه الورقة خمسة محاور رئيسية تُشكّل أساساً لإعادة تشكيل السياسة الخارجية الإيرانية في الفترة الحالية.
أولاً: البراغماتية الاقتصادية والدبلوماسية مع الولايات المتحدة
تشير الدلائل إلى تحوّل في الخطاب الإيراني نحو تطبيع اقتصادي مع الولايات المتحدة، برز بوضوح في مقال وزير الخارجية عباس عراقجي المنشور في واشنطن بوست، الذي عرض فيه فكرة انفتاح السوق الإيرانية مقابل تخفيف العقوبات1. وقد مثّل تعيين رجال أعمال أمريكيين كمبعوثين، كستيف ويتكوف، إشارة إلى أن طهران تريد تحويل العلاقة من صراع أيديولوجي إلى شراكة اقتصادية. رغم ذلك، لا تزال هذه البراغماتية سطحية في ظل استمرار القمع الداخلي، مما يضع حدوداً أمام إمكانية التحول العميق.
ثانياً: الانفراج مع السعودية كإدارة مخاطر
الوساطة الصينية عام 2023 أدت إلى استئناف العلاقات بين طهران والرياض، وهي خطوة تعكس مقاربة إيرانية جديدة تقوم على إدارة المخاطر لا على بناء تحالف طويل الأمد2. زيارة وزير الدفاع السعودي إلى طهران في أبريل 2025 ولقاءاته مع الحرس الثوري تكشف عن حرص سعودي على قراءة النوايا العسكرية الإيرانية مباشرة. أما في إيران، فالبعض يشتبه في تنسيق سعودي-أمريكي خلف الكواليس، مما يزيد من الحذر الإيراني ويجعل هذا الانفراج هشاً ومشروطاً.
ثالثاً: التوجه شرقاً وحدود الشراكات مع روسيا والصين
في ظل العقوبات الغربية، تسعى طهران لتوثيق علاقاتها مع موسكو وبكين عبر أطر مثل منظمة شنغهاي للتعاون و”بريكس”3. إلا أن الشراكة مع روسيا تفتقر إلى التناسق الاستراتيجي، خاصة في ملفات مثل سوريا، بينما لا تزال طهران تشك في نوايا موسكو الحقيقية، في ظل دعمها غير المباشر لبعض الأطراف الإقليمية مثل أذربيجان4. بالمقابل، تُعتبر العلاقة مع الصين اقتصادية بحتة، ولا ترقى إلى تحالف سياسي حقيقي، ما يعكس أن التوجه شرقاً هو خيار اضطراري لا استراتيجي.
رابعاً: الضغوط الداخلية كمحرك لتغيير السياسات
تواجه إيران تحديات داخلية جسيمة، منها انهيار العملة، أزمة المياه، واحتجاجات مستمرة منذ عام 2022. وقد أدى نجاح دول الخليج، وخاصة السعودية، في تبنّي إصلاحات اقتصادية وانفتاح عالمي، إلى مقارنة داخلية دفعت النخب الإيرانية إلى التساؤل حول جدوى السياسات الأيديولوجية المتشددة5. هذه الديناميكيات تعزز من التيار البراغماتي داخل إيران، الذي يرى أن البقاء في السلطة يتطلب تغييراً في النهج، لا في الشعارات فقط.
خامساً: تآكل استراتيجية الحروب بالوكالة
أظهرت مؤشرات عديدة أن إيران بدأت بإعادة تقييم استراتيجيتها القائمة على دعم الميليشيات، نتيجة لزيادة الضغط الأمريكي وتورط أطراف دولية مثل روسيا في مسرح الوكلاء، مما يقلص من تأثير طهران6. سحب بعض القوات الإيرانية من اليمن، وتوجيه رسائل تهدئة إلى الحوثيين والمليشيات العراقية، يعكسان اتجاهاً نحو تقليص المغامرات الخارجية لصالح تعزيز الاستقرار الداخلي.
الخاتمة
إيران أمام خيارين: الاستمرار في نهج أيديولوجي كلفها العزلة والفقر، أو تبني سياسات مرنة قائمة على المصالح الاقتصادية والانفتاح الدبلوماسي. رغم أن الفرصة التاريخية قائمة، إلا أن نجاحها مرهون بتراجع هيمنة التيار المتشدد، وبناء توافق داخلي حول ضرورة الإصلاح، ليس فقط على مستوى السياسات، بل على مستوى البنية الحاكمة نفسها.
المراجع
-
عراقجي، عباس. “إيران مستعدة لفصل جديد مع أمريكا — من خلال التجارة.” واشنطن بوست، 8 أبريل 2025.
-
فاتانكا، أليكس. “5 عوامل رئيسية تشكل حسابات السياسة الخارجية الإيرانية.” معهد الشرق الأوسط، 1 مايو 2025.
-
احتشامي، أنوشيروان. إيران والصين: شراكة جديدة؟ روتليدج، 2022.
-
كوجانوف، نيكولاي. “العلاقات الروسية-الإيرانية في ظل الحرب في أوكرانيا.” مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي،
-
الرشيد، مضاوي. الملك الابن: الإصلاح والقمع في المملكة العربية السعودية. مطبعة جامعة أكسفورد، 2021.
-
مجموعة الأزمات الدولية. “شبكة النفوذ الإيرانية في الشرق الأوسط.” تقرير مجموعة الأزمات الدولية،