الاكثر قراءةتحليلات و آراءغير مصنف

معركة طوفان الاقصى واثارها على القضية الفلسطينية

بقلم: الباحث نوار العبد الرزاق الحسن الثامر

 

 

شكلت معركة “طوفان الاقصى” التي اندلعت فجر السابع من  تشرين الاول عام  2023 نقطة تحول كبرى في مسار الصراع (العربي الفلسطيني من جهة – والغربي (الاسرائيلي) من جهة )، ليست فقط من حيث حجم العمليات العسكرية غير المسبوقة التي قامت بها فصائل المقاومة الاسلامية الفلسطينية، بل ايضا ما احدثته من تداعيات استراتيجية اعادت تشكيل البيئة الدولية والاقليمية المحيطة بالقضية الفلسطينية.

لقد اعادت هذه المعركة- بكل ما حملته من مآسي واحزان وصبر وصمود- القضية الفلسطينية الى مركز الاهتمام الشعبي الاقليمي والعالمي بعد سنوات طويلة من التراجع والتهميش والتمييع، وفرضت على كثير من القوى الاقليمية والدولية اعادة النظر في الكثير من مواقفهم وحساباتهم وسياستهم تجاه هذا الصراع الطويل.

 

اولا: السياق السابق للمعركة

قبل اندلاع “طوفان الاقصى” كانت القضية الفلسطينية تشهد انسدادا كاملا وتهميشا واضحا، متزامن مع انقساما داخليا فلسطينيا حادا، واختلافا في الرؤى الاساسية، وتضاربا في ابجديات القضية الفلسطينية، وتصاعد السياسات الصهيونية الجائرة القائمة على الضم والاستيطان المستمر والتهجير القسري، وحصار خانق على قطاع غزة مر عليه أكثر من 15 سنة من خلال التضييق والتشديد الامني والسيطرة الكاملة على المنافذ، اضافة الى الاقتحامات المتكررة للقدس الشريف والمسجد الاقصى المبارك.

كما بدأ مشروع “التطبيع” يسير على قدم وساق، في ظل تراجع وتحييد القضية الفلسطينية عن اي اجندات عربية واقليمية او دولية، اضافة الى القاء اللوم الكامل على الفلسطينيين في مأساتهم وما آلت اليه احوالهم. فان مثل هذه الوقائع لا بد لها ان تشكل وتوفر بيئة خصبة لاي انفجار محتمل، والانفجار مسألة وقت لا اكثر.

 

ثانيا: احداث المعركة واهدافها

انطلقت العملية فجر السابع من تشرين الاول  2023، بعملية مباغتة منسقة استهدفت مواقع عسكرية ومستوطنات صهيونية قرب حدود غزة، اعلنتها المقاومة اسم ” طوفان الاقصى” اشارة الى الدفاع عن القدس والمسجد الاقصى وفلسطين والامة ككل.

ربما لم تحقق المعركة جميع اهدافها، الا انها حققت اهمها استراتيجيا وعلى المديين المنظور والطويل، كما أعلن وبين قبل شهور عدة من المعركة قائدها بقوله ” بانه اما ان الاحتلال يفك الحصار الظالم على غزة وينهي اقتحام القدس والمسجد الاقصى والافراج عن الاسرى، ودولة فلسطينية، او ان نجعله يتصادم مع المجتمع الدولي ويعزله عزلا شديدا قويا”، وهذا ما حصل، هذا من جانب. من جانب اخر وهو اعادة اعتبار للقضية الفلسطينية كقضية عادلة وهي قضية تحرر حقة وليست نزاعا انسانيا واجتماعيا فقط.

رد الاحتلال الصهيوني بعنف غير مسبوق وبشكل بربري، وذلك عبر حملة عسكرية همجية استهدفت البشر والشجر والحجر، مما تسبب بإبادة جماعية وكارثة انسانية لم يرى العصر الحديث نظيرها!.

 

ثالثا: الاثار الاستراتيجية للمعركة

  1. اعادة القضية الفلسطينية الى الواجهة العالمية:

رغم الابادة والمأساة، فان المعركة نجحت في كسر حالة العمى العالمية تجاه فلسطين، بحيث عادت القضية لتعتلي صدارة النقاشات في جل المحافل الاقليمية والدولية، وأُعيد طرح اسئلة جوهرية حول شرعية الاحتلال واستمرار جرائمه.

  1. نهاية السرية الصهيونية:

منذ عقود طويلة وتستند السردية الصهيونية على المظلومية- الهولوكوست- وان الشعب اليهودي شعب مظلوم ومقهور، وذلك لنيل تعاطف المجتمع الدولي- ونجحت كثيرا-، وان (إسرائيل) دولة ديمقراطية وتراعي حقوق الانسان، الى ان جاءت معركة طوفان الاقصى لتضع حدا لهذا السردية الزائفة، وتقلبها راسا على عقب، لتصبح سردية محض سخرية ولم تعد تصدق ابدا.

  1. التأثير على مسار التطبيع العربي (الإسرائيلي):

ادت المعركة الى تباطؤ مشروع التطبيع، واعادت الحس الشعبي العربي الرافض للتقارب مع الاحتلال، كما واجهت الأنظمة العربية ضغوطا هائلة لإنهاء العلاقات مع (إسرائيل)، وستزداد هذه الضغوط اكثر يوميا  وستؤدي الى تغييرات كبيرة.

  1. اختلاف ميزان الردع:

اظهرت المعركة ضعف وهشاشة المنظومة الامنية والاستخباراتية للاحتلال، واثبتت المقاومة الاسلامية الفلسطينية انها باتت قادرة على تنفيذ عمليات نوعية مركبة تتجاوز حدود القطاع.

رغم الرد الصهيوني العنيف، فان مقولة “الجيش الذي لا يقهر” اصبحت من الماضي بتلقيها ضربة قاصمة على المستويين العسكري والنفسي. (واي جيش او مجتمع ينهزم نفسيا ومعنويا، هو الذي يخسر الحرب).

  1. البعد الاعلامي ووسائله:

لعب الاعلام وخصوصا وسائل التواصل الاجتماعي دورا محوريا في نقل الرواية الفلسطينية الى العالم وتحييد السردية الصهيونية التي لطالما هيمنت على الاعلام والرأي العام الغربي.

شهدنا ولأول مرة منذ احتلال فلسطين اي منذ ما يقارب الثمانين عاما حراكا شعبيا هائلا مؤيدا لفلسطين وقضيتها العادلة، خاصة بين بعض النخب السياسية والاعلامية والفنية، وبين الشباب في الجامعات والمعاهد مثل جامعة كولومبيا ومعاهد جورج واشطن وهارفرد وغيرها من الجامعات والمعاهد والمجتمعات المدنية الغربية.

 

خامسا: الداخل الفلسطيني

على المستوى الداخلي الفلسطيني، افرزت المعركة جملة متغيرات:

  • تعافي الروح الفلسطينية المقاومة تجاه الاحتلال رغم الانقسام القائم.

  • تجديد النقاش حول مشروع فلسطيني موحد بناءا على اساس مقاوم ومتكامل.

  • وجوب تحديث ادوات المقاومة والنضال السياسي والاعلامي ليجاري المتغيرات الحالية الاقليمية والدولية والتي ستحصل في القرن القادم.

 

سادسا: استشراف المستقبل

ان طوفان الاقصى معركة من جملة معارك تضمنها هذا الصراع الممتد منذ عقود وسيتضمن الكثير من المعارك في المستقبل، لكن مرحلة ما بعد “طوفان الاقصى” لن تعيد الامور الى ما كانت عليه سابقا، فقد افرزت واقعا جديدا ورسمت خارطة جديدة في المنطقة، وفتحت الباب على مصرعيه لصراع مفتوح، فاذا ما استغلت النخب السياسية(والكل الفلسطيني) هذه الاثار الاستراتيجية والزخم الشعبي والسياسي الذي ولدته المعركة الى مشروع فلسطيني موحد مدعوم بالقدر الكافي عربيا،  بحيث يقوم هذا المشروع على امرين: الاول اصلاح منظمة التحرير الفلسطينية، والامر الثاني توحيد الرؤى والافكار والوصول الى استراتيجية واحدة متكاملة تكون قادرة على ادارة الصراع بالوسائل السياسية والدبلوماسية الى جانب النضال والمقاومة الشعبية، والا فستضيع كل الثمرات والاثار المهمة التي جاءت بها معركة “طوفان الاقصى”، فضلا عن الدماء التي سالت والتضحيات التي بذلت.

 

الخاتمة

معركة “طوفان الاقصى” لم تكن مجرد مواجهة عسكرية عابرة، بل حدثا استراتيجيا فارقا وسيكون له ما بعده، -وربما يكون بداية حلول اللعنة على هذا الكيان المحتل- اعادة تشكيل موازين القوى الاقليمية والدولية، واعادة ايضا تشكيل وعي الشعوب في المنطقة.

فهي منحت القضية الفلسطينية حضورا عالميا متجددا، واكدت ان جذور الصراع لا يمكن باي حال من الاحوال تجاوزها عبر التطبيع او ادارة الازمات او المجيء بخطط ومبادرات لحظية، بل عبر حل عادل ينهي الاحتلال ويعطي الحقوق الفلسطينية المشروعة كاملة غير منقوصة كشعوب العالم الاخرى.

لقد فتحت هذه المعركة الباب امام مرحلة جديدة في مسار الصراع ( الفلسطيني-  الإسرائيلي)، وايضا الاقليمي والدولي، وسيكون لها تداعيات وارتدادات كثيرة وسيتبعها تغييرات في المنطقة كبيرة، قد شهدنا القليل منها وسنشهد الكثير منها (ان امد الله بعمرنا)، وقد خطت هذه المعركة عنوانا واضحا جليا للأجيال القادمة (بأن لا سبيل الا التحرر، ولا للتعايش مع الاحتلال).

 

Loader Loading...
EAD Logo Taking too long?

Reload Reload document
| Open Open in new tab

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى