الاكثر قراءةتحليلات و آراءغير مصنف

الفوضى العالمية ونهاية الهيمنة

كيف يُعيد العالم تشكيل نفسه؟

بقلم: عُلا عبدالله الوائلي

 تشهد الساحة السياسية الدولية اليوم حالة عميقة من عدم الاستقرار والفوضى، تثير تساؤلات جدية حول مستقبل النظام العالمي الجديد، لم تعد هذه الفوضى مجرد اضطرابات عابرة، بل هي انعكاس لتحولات هيكلية كبرى تُعيد رسم خريطة القوى والنفوذ، ففي الوقت الذي نشهد فيه تراجع نفوذ دول كانت محورية، يبرز على الساحة صعود قوى عالمية جديدة تتحدى التوازنات القائمة وتطالب بمقعدها على طاولة القيادة الدولية،

ولعل أخطر ما في هذه المرحلة هو غياب التعاون الدولي و ضعف اللغة الدّبلوماسيّة و الدور التقليدي للأطراف والمنظمات الدولية، التي كانت تُعد ركائز للاستقرار ومعالجة الأزمات، فالمؤسسات مثل الأمم المتحدة ومجلس الأمن، التي صُممت لتهدئة الأوضاع  وحل الازمات ومنع التصعيد، تبدو اليوم مكبلة وعاجزة عن احتواء الصراعات المتفاقمة، هذا الفراغ في الحوكمة العالمية أفرغ الساحة لمنطق “الحكم للأقوى”، حيث تتلاشى القواعد والمعايير الدولية ليحل محلها المصالح و النفوذ المباشر والقوة للدول للتحكم في مصير النظام العالمي،

إن المتابع للمشهد الراهن لا يسعه إلا أن يستعيد قول من قال إن “التاريخ يعيد نفسه”، فالظروف التي سبقت اندلاع الحروب العالمية الأولى والثانية تبدو وكأنها تتجسد من جديد من فوضى عارمة، عدم استقرار متزايد، أزمات متعددة الأوجه، وموجة من الانقلابات والنزاعات، هذه الإشارات مجتمعة تُلمح إلى أننا قد نكون بالفعل على أعتاب “حرب عالمية ثالثة”، ليس بالضرورة بشكلها التقليدي، ولكن كصراع حتمي سيُعيد تشكيل النظام القائم،

الهدف من هذا التحول، أو نتيجته، هو الانتقال نحو نظام عالمي متعدد الأقطاب، حيث تتقاسم القوى الكبرى النفوذ وتُعيد تعريف قواعد اللعبة، هذا النظام الجديد ستقوده حتمًا تلك الدول التي أثبتت قدرتها على التأثير الفعال سواء على المستوى الاقتصادي أو السياسي، لتُعلن بذلك نهاية حقبة وبداية عصر جديد في العلاقات الدولية،

 

الأسباب الرئيسية للفوضى العالمية:

أولا: غياب التعاون  الدولي  وتصاعد التنافس:

إن المشهد الدولي الراهن، الذي يعج بالفوضى وعدم الاستقرار، لا يمكن فصله عن مجموعة من الأسباب المتشابكة التي أدت إلى تآكل أسس النظام العالمي السابق، لعل أبرز هذه الأسباب تتجلى في غياب التعاون الدولي الفعّال واللغة الدبلوماسية المشتركة، بالإضافة إلى التنافس المتزايد في مجالات الاقتصاد والتكنولوجيا وسباق التسلح.

لقد تراجع دور الدبلوماسية التقليدية في حل النزاعات ومنع التصعيد، حيث باتت المصالح الضيقة تتقدم على المصلحة الجماعية، هذا الغياب للغة الحوار البنّاء أدى إلى تفاقم الأزمات وتحويل نقاط الخلاف إلى صراعات مفتوحة، فبدلًا من البحث عن أرضية مشتركة، نرى الدول تزداد انغلاقًا على ذاتها، وتتخذ قرارات أحادية الجانب، مما يقوض أي فرصة لبناء الثقة أو إيجاد حلول مستدامة للقضايا العالمية الملحة،

بالتوازي مع ذلك، يشهد العالم تنافسًا شرسًا في المجال الاقتصادي والتكنولوجي، لم تعد السيطرة على التكنولوجيا الحديثة مجرد ميزة تنافسية، بل أصبحت أداة للتحكم والنفوذ الجيوسياسي. هذا السباق المحموم للسيطرة على سلاسل الإمداد العالمية، والابتكار في الذكاء الاصطناعي، وتقنيات الفضاء، يخلق توترات جديدة ويُعيد تشكيل التحالفات الدولية، الدول الكبرى تتسابق لفرض هيمنتها التكنولوجية والاقتصادية، مما يؤدي إلى ظهور كتل اقتصادية متنافسة قد تزيد من الانقسام العالمي،

أما سباق التسلح المتجدد، فهو أحد أخطر مؤشرات هذا التنافس، مع تراجع الاتفاقيات الدولية للحد من الأسلحة وتطوير أنواع جديدة من الأسلحة الفتاكة، يتزايد خطر المواجهة العسكرية، هذا السباق لا يقتصر على القوى الكبرى فحسب، بل يمتد ليشمل قوى إقليمية تسعى لتعزيز قدراتها العسكرية، مما يزيد من تعقيد الصراعات القائمة ويُمهد لظهور صراعات جديدة، إن غياب آليات رادعة وفعالة لوقف هذا التسلح يضع العالم على حافة الهاوية،

باختصار، إن تضافر هذه العوامل – غياب التعاون الدبلوماسي، والتنافس الاقتصادي والتكنولوجي، وسباق التسلح – يمثل ركائز أساسية للفوضى التي نعيشها اليوم، ويجعل من استشراف مستقبل مستقر مهمة أكثر صعوبة وتعقيدًا.

ثانيا: الصراعات الجيوسياسية كمرآة للفوضى العالمية

تتجلى الفوضى العالمية بشكل ملموس في سلسلة من الصراعات الجيوسياسية الإقليمية التي تعكس تراجع النظام القائم وتزايد التنافس على النفوذ والموارد. هذه النزاعات، سواء كانت تاريخية الجذور أو مستجدة، تُشكل نقاط احتكاك تُساهم في زعزعة الاستقرار وتأجيج التوترات الدولية.

  1. تركيا وقبرص: تُمثل قضية قبرص، والانقسام المستمر بين شطريها التركي واليوناني، مثالاً صارخًا على تعقيدات الصراعات الجيوسياسية. التدخل التركي في عام 1974، والذي أدى إلى إقامة “جمهورية شمال قبرص التركية”، هو نتيجة لتاريخ طويل من التوترات العرقية والسياسية، ويعكس سعي تركيا لضمان مصالحها الأمنية وحماية القبارصة الأتراك، هذه القضية لا تزال نقطة خلاف رئيسية في العلاقات التركية-الأوروبية، وتؤثر على ديناميكيات الطاقة والأمن في شرق البحر الأبيض المتوسط، مما يضيف طبقة أخرى من عدم اليقين إلى هذه المنطقة الاستراتيجية.

  2. العراق والكويت وخور عبد الله: يُعد النزاع حول خور عبد الله بين العراق والكويت نموذجاً آخر للصراعات على السيادة والموارد، والتي قد تبدو إقليمية لكن تداعياتها يمكن أن تتجاوز الحدود، هذا الخور المائي، الحيوي للملاحة والتجارة، شهد توترات تاريخية بين البلدين، تعكس حساسية تحديد الحدود البحرية وتوزيع الثروات في مناطق النوترال، على الرغم من الجهود الدبلوماسية والقانونية لتسوية هذا النزاع، إلا أنه يظل نقطة ضعف محتملة قد تتجدد مع أي تغيرات في الظروف الإقليمية أو مع صعود أجندات وطنية معينة.

  3. روسيا وأوكرانيا: تُعد الحرب الروسية-الأوكرانية المثال الأبرز للفوضى العالمية المعاصرة، هذه حرب بين رؤيتين مختلفتين للنظام الأمني الأوروبي والعالمي، تتجاوز تداعياتها الجغرافيا الإقليمية لتؤثر على أسعار الطاقة والغذاء، وتُعيد تشكيل التحالفات الدولية، وتُظهر محدودية دور المؤسسات الدولية في منع صراعات القوى الكبرى، على الرغم من بذل الجهود الدولية و اقامة عدة جولات دبلوماسية لأنهاء الحرب  لكن الى الان لم تحل بل إنها تجسيد حي لغياب نظام رادع فعال، وتُشير إلى مرحلة جديدة من المنافسة الجيوسياسية الشرسة بين روسيا التي تسعى الى اعادة امجاد الاتحاد السوفيتي و بين الولايات المتحدة و الدول الأوربية التي تسعى الى فرض سيطرتها على الدول.

  4. الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي: جوهر عدم الاستقرار في الشرق الأوسط:

   يظل هذا الصراع أحد أقدم وأعمق الجروح في النظام العالمي، ومصدرًا دائمًا لعدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط الحيوية،بسبب تعدد الاطراف و الجبهات و حروب الوكالة الذي يطيل من امد الحرب و، تصاعد العنف الأخير في غزة وتداعياته على الأمن الإقليمي والدولي، بما في ذلك التوترات في البحر الأحمر و الهجمات المتكررة من قبل الحوثيين يزيد المشهد تعقيداً، و يُبرز فشل الحلول التقليدية و ضعفويسلط الضوء على استمرار العوامل التاريخية والدينية والجيوسياسية في تغذية هذه الفوضى، مع تأثير مباشر على الأمن العالمي وسلاسل التجارة، و الارتفاع في الاسعار.

  1. السودان، ليبيا، اليمن: ازمات مستمرة وصراعات بالوكالة: تُمثل هذه الدول أمثلة حية لدول فاشلة أو على وشك الفشل، حيث تتداخل الصراعات الداخلية مع التدخلات الإقليمية والدولية، النزاعات في السودان وليبيا واليمن ليست مجرد حروب أهلية، بل هي مسارح لصراعات بالوكالة بين القوى الإقليمية والدولية التي تسعى لتعزيز نفوذها، مما يُغرق هذه الدول في دوامة من العنف والأزمات الإنسانية، ويُظهر هشاشة بنية الدولة الحديثة في ظل غياب نظام عالمي مستقر.

  2. دول أفريقيا والصراعات الداخلية: تُعاني العديد من الدول الأفريقية، وخاصة في منطقة الساحل، من موجات من الانقلابات العسكرية وصعود الجماعات المتطرفة والنزاعات الداخلية على الموارد والسلطة، هذه الاضطرابات تُعقد جهود التنمية، وتُفاقم أزمات النزوح والهجرة، وتُشكل بؤراً للفوضى قد تنتشر لتؤثر على الأمن القاري والعالمي.

  3. الهند وباكستان وكشمير: النزاع المستمر حول إقليم كشمير بين قوتين نوويتين، الهند وباكستان، هو تذكير بخطر التصعيد الكامن، على الرغم من أن التوترات قد تخفت أحيانًا، إلا أن جذور الصراع العميق والنزعة القومية المتصاعدة في كلا البلدين تُبقي شبح المواجهة النووية قائماً، مما يضع هذه المنطقة الاستراتيجية على حافة التوتر الدائم، ويُبرز غياب آلية دولية فعالة لفرض حلول دائمة، وان وجدت حلول فهي لتهدئة الاوضاع لأن الحرب بين الدولتين تعد حرب دينية التي تعُد من أخطر الحروب مما يصعب ايجاد حل دائم.

ثالثا: صعود اليمين المتطرف في أوروبا: تهديد للوحدة والقيم الديمقراطية

لا تقتصر الفوضى العالمية على الصراعات المسلحة والنزاعات الإقليمية فحسب، بل تتجلى أيضًا في التحولات السياسية الداخلية التي تشهدها دول كبرى، إن صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة إلى الحكم أو تعزيز نفوذها في دول أوروبية كبرى مثل ألمانيا، فرنسا، وإيطاليا، يُمثل تحديًا كبيرًا للنظام الديمقراطي وقيم الاتحاد الأوروبي لما تحمل هذه الاحزاب من افكار متطرفة تهدد السلم و الامن الداخلي للدول، تُغذي هذه الظاهرة عوامل متعددة، منها القلق الاقتصادي، ومخاوف الهجرة، والشعور بفقدان الهوية، مما يدفع الناخبين نحو خطاب قومي متشدد ومعادٍ للمؤسسات القائمة يُهدد هذا الصعود بتقويض التضامن الأوروبي، وإحياء النزعات الانعزالية، وقد يؤثر على التوازنات الجيوسياسية من خلال تبني سياسات خارجية أكثر عدائية أو انعزالية، إنه يعكس تراجعًا في الثقة بالمؤسسات التقليدية، ويُشير إلى فوضى فكرية وسياسية قد تُعيد تشكيل الخارطة السياسية للقارة الأوروبية والعالم.

رابعا: التوترات النووية: بين إيران  من جهة  و الولايات المتحدة  واسرائيل من جهة اخرى

تُعدّ التوترات المتصاعدة بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، لا سيما بشأن الملف النووي، أحد الأسباب الرئيسية للفوضى العالمية الراهنة، فعلى الرغم من جولات المحادثات المتعددة، غالبًا ما باءت بالفشل،  وهو الامر الذي افضى الى اندلاع حرب كبرى بين الطرفين والمستقبل ينذر بمزيد من التوتر والصراع والفوضى بسبب هذا الملف وغيره من الملفات

لا يما ان إيران تعتبر امتلاكها للطاقة النووية، أو حتى القدرة على تطويرها، حقًا سياديًا وضرورة قصوى لحماية أمنها ومصالحها.

إن المنطق الذي تستند إليه إيران، وتشاركه دول أخرى، هو أن امتلاك السلاح النووي أصبح رادعًا قويًا لأي دولة تفكر في شن حرب، ففي عالم تتزايد فيه التهديدات، يُنظر إلى القوة النووية على أنها ضمانة للأمن القومي ووسيلة للحفاظ على توازن القوى،

لكن هذا الطموح الإيراني يصطدم بالمخاوف الأمريكية والدولية من سعي إيران لامتلاك سلاح نووي، الأمر الذي قد يؤدي إلى زعزعة استقرار المنطقة والعالم، وفي ظل هذه الرؤى المتضاربة، تبقى العلاقة بين طهران وواشنطن في حالة توتر دائم، ما يُغذّي حالة عدم اليقين ويُلقي بظلاله على الاستقرار العالمي.

خامسا: التكنولوجيا وقود الصراع في عصر الفوضى:

لم تعد التكنولوجيا مجرد أداة للتطور والتقدم، بل تحولت إلى محرك رئيسي وفعّال في تأجيج الصراعات، بل وخلقها من العدم، ففي ظل التطور الهائل الذي يشهده عالمنا اليوم، تغلغلت التكنولوجيا في جميع جوانب الحياة، من العسكرية والاقتصادية إلى الاجتماعية، لتُعيد تعريف مفهوم الحروب والأزمات،

على الصعيد العسكري، أصبحت التكنولوجيا حجر الزاوية في صناعة الأسلحة المتطورة، من الطائرات المسيّرة الفتاكة التي تسرّع حسم المعارك وتُكبّد العدو خسائر هائلة، إلى الأمن السيبراني والهجمات الإلكترونية، هذه الهجمات تلعب دورًا محوريًا في تسريب الملفات الحساسة، وكشف المواقع الاستراتيجية، والتجسس لمعرفة أسرار الدول، مما يمنح الطرف المهاجم ميزة حاسمة في أي مواجهة،

لكن خطورة التكنولوجيا لا تتوقف عند ساحات المعارك المادية، فقد امتدت إلى الفضاء الافتراضي عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لتصبح أداة قوية في الحرب النفسية وتشكيل الرأي العام. من خلال بث الأخبار المضللة والكاذبة، يمكن لأطراف معينة كسب تعاطف الرأي العام لقضية ما، أو تشتيته عن قضايا أهم وأكثر إلحاحًا، هذا التضليل لا يقتصر على صراعات الدول، بل يستخدم داخليًا من قبل أجندات معينة لتشويه سمعة شخصيات مستهدفة أو تسقيطها، سواء كانت هذه الأجندات داخلية أم خارجية،

وعلى الجانب الآخر، تُستخدم منصات التواصل الاجتماعي لتنظيم الاحتجاجات والوقفات ضد قوانين معينة أو رفض قضايا حساسة، مما يعكس قدرتها على حشد الجموع وتأجيج السخط الاجتماعي، هذا الواقع الذي نعيشه الآن، حيث تتشابك التكنولوجيا مع الصراعات العسكرية والاجتماعية، أصبح جزءًا لا يتجزأ من ديناميكيات العديد من الدول، إن لم يكن جميعها، ليُظهر كيف أصبحت التكنولوجيا سيفًا ذا حدين يُمكّن من التطور بقدر ما يُمكّن من الفوضى.

سيناريو الحرب الباردة وتداعياته الإقليمية

من وجهة نظر واقعية، أرى أن الدولتين قد تتجهان نحو سيناريو حرب باردة بعد ان خاضا حروب متقطعة ، يراد من هذه الحرب أن تضعف النظام السياسي الإيراني، و في هذا السياق، ستستمر الولايات المتحدة في تشديد العقوبات على إيران، وربما تسعى لخفض نفوذها في المنطقة،

ففي سوريا، ومع سعي الحكومة السورية الجديدة للحفاظ على استقرارها وإعادة بناء علاقاتها الإقليمية والدولية، قد تجد نفسها مضطرة لإعادة تقييم العلاقة مع الفصائل الموالية لإيران داخل أراضيها، هذا التوجه يأتي من رغبة سوريا في عدم العزلة وتجنب المزيد من الصراعات التي تعيق تعافيها،

أما في العراق، فالوضع أكثر تعقيدًا بكثير، فوجود العديد من الفصائل المسلحة والأحزاب السياسية القريبة من السياسة الايرانية يجعل من الصعب والمُعقّد تقليص النفوذ الإيراني، حيث ان  طبيعة المشهد السياسي والأمني العراقي تفرض تحديات كبيرة أمام أي محاولة لفرض تغييرات جذرية بهذا الشأن،

إن هذه الأمور معقدة ولا يمكن حلها إلا عبر الطرق الدبلوماسية، يجب على الأطراف المعنية أن تتخلى عن المصالح الضيقة وتتجه نحو المصالح العامة الأوسع لضمان إقامة الأمن والسلام الدوليين، هذا النهج وحده كفيل بمنع حدوث حرب عالمية أو تجنب أي تصعيد خطير يؤثر سلبًا على الاقتصاد العالمي، لذا لا يوجد حل مستدام لهذه الأزمة إلا من خلال اللغة الدبلوماسية وتقديم التنازلات المتبادلة من جميع الأطراف من أجل الوصول إلى سلام دائم ومستقر.

تحديات النظام الدولي الراهن:

ضعف دور الأمم المتحدة ومجلس الأمن:

يشهد العالم اليوم فوضى عارمة وعدم استقرار متزايد، تتجلى معالمه في تراجع الدور التقليدي للمنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة ومجلس الأمن، فلم تعد هذه المؤسسات قادرة على احتواء الصراعات المتفاقمة، ويعود ذلك إلى غياب التعاون الدبلوماسي الفعال واستخدام حق النقض (الفيتو) الذي يعرقل اتخاذ القرارات الحاسمة،

تتفاقم هذه الأزمة بسبب عدم حيادية المنظمات في تطبيق القانون الدولي وفرض العقوبات، حيث تُطبق معايير مزدوجة تُقوّض الثقة في عدالة النظام الدولي وتغذي شعورًا بالظلم،

يتجلى هذا الضعف أيضًا في التنافس الشرس على الساحة الدولية، سواء في المجال الاقتصادي والتكنولوجي أو في سباق التسلح المتجدد، فالدول الكبرى تتسابق لفرض نفوذها، مما يخلق توترات جديدة ويزيد من مخاطر المواجهة العسكرية،

إن هذا الفراغ في الحوكمة العالمية، مقرونًا بالتنافس وغياب الحيادية، يدفع العالم نحو منطق “الحكم للأقوى”، ويُشير إلى أننا قد نكون على أعتاب مرحلة جديدة تُعيد تشكيل النظام القائم، تتطلب إصلاحات جذرية لاستعادة السلم والأمن الدوليين.

انعكاس الفوضى العالمية على الاقتصاد والأسواق: اضطراب وتضخم

لا تقتصر تداعيات الفوضى العالمية على الصراعات السياسية والإنسانية فحسب، بل تمتد لتُلقي بظلالها الثقيلة على الاقتصاد العالمي والأسواق المالية، مُحدثةً اضطرابات واسعة النطاق، تُغذي حالة عدم اليقين الجيوسياسي ارتفاعاً حاداً في أسعار السلع الأساسية والطاقة، حيث تُهدد الصراعات ومناطق التوتر سلاسل الإمداد العالمية، مما يُعيق حركة التجارة ويُرفع تكاليف الشحن والتأمين. هذا الاضطراب لا يُسهم فقط في نقص بعض المنتجات، بل يُعد أيضاً محركاً رئيسياً لموجات التضخم التي تُثقل كاهل المستهلكين حول العالم، ومع تراجع الثقة والاستقرار، تُقلل هذه الفوضى من زيادة فرص الاستثمار، وتُدفع رؤوس الأموال نحو مشاريع آمنة، ما يُبطئ من وتيرة النمو الاقتصادي ويُعيق التنمية المستدامة.

رؤيا مستقبلية للفوضى العالمية

يشهد عالمنا اليوم فوضى عارمة، وصراعات مستمرة، وأزمات داخلية عميقة، مما يدفعنا إلى التساؤل عن مساره المستقبلي من وجهة نظري، يتجه العالم نحو نظام متعدد الأقطاب، حيث تتلاشى هيمنة القطب الواحد ليحل محلها توازن قوى جديد، ومع هذا التحول، تبرز مخاطر جسيمة تتعلق بـالتغيرات المناخية الخطيرة، والتي قد تتفاقم بفعل التجارب النووية،

أرى أننا قد لا نشهد حربًا نووية مدمرة بالمعنى التقليدي، وذلك لأن السلاح النووي لم يعد كما كان في السابق حكرًا على قلة من الدول، اليوم، تمتلك العديد من القوى هذا النوع من الأسلحة، مما يجعلها بمثابة رادع فعال أكثر منها أداة للاستخدام المباشر، فالحرب النووية تعني دمارًا شاملًا لا يقتصر على الدولة المستهدفة فحسب، بل تمتد تأثيراتها لتفوق التوقعات، وتهدد الغلاف الجوي بتداعيات طويلة الأمد،

في الوقت الذي نحن فيه بأمس الحاجة إلى تنقية غلافنا الجوي وحمايته وتقليل الانبعاثات التي تزيد من خطر التغيرات المناخية، فإن أي تجارب نووية تضاف إلى هذا العبء البيئي الهائل، ولعل هذا الواقع سيفسح المجال لصراع من نوع آخر: صراع اقتصادي محموم، ففي ظل هذا التوازن النووي الدقيق، ستصبح القوة الاقتصادية والتكنولوجية هي المحرك الحقيقي للنفوذ والتأثير، وستشكل ساحة التنافس الرئيسية بين القوى الصاعدة في النظام العالمي الجديد.

Loader Loading...
EAD Logo Taking too long?

Reload Reload document
| Open Open in new tab

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى