الاكثر قراءةتقدير موقفغير مصنف

تحولات الردع وتحالفات جديدة في صراع إيران – الكيان الصهيوني

بقلم: حنين محمد الوحيلي / باحثة في مركز حمورابي للبحوث والدراسات الاستراتيجية

في تطور استراتيجي غير مسبوق، باتت الحرب بين إيران والكيان الصهيوني تتجاوز كونها مواجهة ثنائية إلى صراع إقليمي ودولي مفتوح على احتمالات كبرى. فعلى وقع التصعيد المتبادل، أسقطت الكثير من المسلمات الأمنية التي حكمت المنطقة منذ عقود، وتكشف عجز الكيان الصهيوني عن إدارة حرب طويلة دون غطاء خارجي.

في المقابل أعادت إيران تثبيت موقعها كقوة إقليمية مركزية مدعومة من قوى دولية تسعى لإعادة تشكيل النظام العالمي، لا تقل فاعلية عن المعسكر الغربي.

أولاً: الدعم الباكستاني الرسمي… لحظة كسر الاصطفاف التقليدي

أقر مجلس الشيوخ الباكستاني رسمياً وبالإجماع دعم إيران في حربها ضد الكيان الصهيوني، ما يمثل نقطة تحول استراتيجية في الموقف الباكستاني تجاه صراعات المنطقة، ويخرج باكستان من موقع الحياد التقليدي إلى موقع الاصطفاف العلني مع محور مقاوم للهيمنة الغربية و(الإسرائيلية).

هذا التصويت لم يكن مجرد تعبير رمزي، بل يشكل غطاء سياسياً كاملاً لأي تحرك أمني أو لوجستي أو حتى نووي قد يتخذ لاحقاً. والأهم أنه يضفي الشرعية الداخلية على التهديدات السابقة التي نسبت إلى إسلام آباد، والتي تضمنت تحذيراً من أن أي ضربة نووية (إسرائيلية) لإيران ستقابل برد نووي باكستاني على الكيان.

إن هذا التحول يعكس قناعة راسخة لدى باكستان بأن سقوط إيران في هذا الصراع سيكون له تداعيات مباشرة على أمنها القومي، وخاصة في ظل العلاقة الاستراتيجية المتصاعدة بين الهند والكيان الصهيوني. كما أن باكستان تسعى لترسيخ مكانتها كقوة إسلامية نووية مؤثرة في النظام الدولي، بعدما جرى تهميشها لسنوات في ملفات الأمن الإقليمي.

ثانياً: الصين تدخل الميدان… دون بيانات

في موازاة هذا الاصطفاف العلني شرعت الصين بإرسال شحنات دعم عسكري إلى إيران، عبر طائرات شحن تخترق المجال الجوي الإيراني المغلق. ورغم أن طبيعة هذه الشحنات لم يكشف عنها رسمياً حتى الآن، إلا أن التقارير الاستخباراتية تؤكد أن بكين بدأت في تفعيل دعم عملياتي مباشر لإيران.

هذه الخطوة تؤشر إلى انخراط صيني محسوب في المعركة، ليس من منطلق التحالف العسكري، بل لحماية التوازنات الدولية التي تستثمر فيها الصين على المدى الطويل، لا سيما في إطار مبادرة “الحزام والطريق”. بكين تدرك أن هزيمة إيران تعني انكشافاً استراتيجياً لآسيا الوسطى وتآكل وزن القوى الشرقية أمام التمدد الأميركي.

ثالثاً: تل أبيب… من ضربة استباقية إلى طلب الاستغاثة

الكيان الصهيوني، الذي بدأ المعركة بضربة استباقية على العمق الإيراني دخل الآن طور الانكشاف الاستراتيجي. الضربة فشلت في تحييد القدرات الإيرانية، بل حفزت رداً صاروخياً واسعاً ومحكماً شل بعض المنشآت الجوية، وأحدث حالة إرباك سياسي وأمني غير مسبوقة.

وبدل أن تحسم الحرب في ساعات كما خطط، وجدت تل أبيب نفسها في حالة حصار بحري وجوي واقتصادي متدرج، وباتت تطلب التدخل الخارجي للخروج من المأزق.

وقد كشفت شبكة NBC الأميركية عن اجتماع طارئ في وزارة الدفاع الأميركية بطلب من تل أبيب للانضمام رسمياً إلى الحرب، بينما أعلنت صحيفة هآرتس أن “(إسرائيل) تحتاج إلى أميركا للخروج من هذا الوضع”. هذا الطلب الرسمي هو اعتراف واضح بأن الكيان لم يعد يملك القدرة على إدارة حرب واسعة النطاق ضد خصم بحجم إيران دون دعم مباشر من حلفائه.

لكن في المقابل يبدو أن واشنطن مترددة حتى اللحظة، فالدخول في هذه الحرب يعني مواجهة حتمية مع قوى نووية شرق أوسطية (إيران وباكستان)، وتورطاً قد يشعل منطقة غرب آسيا برمتها، في لحظة تعاني فيها الولايات المتحدة من استنزاف استراتيجي على جبهات أخرى كأوكرانيا وآسيا.

رابعاً: التوازن الردعي الجديد

لم تعد المعركة تدار بمنطق الصاروخ والرد عليه فقط، بل بمنطق إعادة تعريف التوازنات الاستراتيجية في المنطقة. إذ تشكلت للمرة الأولى ثلاثية ردع فاعلة تجمع إيران، وباكستان، والصين، في مواجهة اصطفاف (إسرائيلي)، أميركي مأزوم ومتردد.

وأصبحت صورة الكيان الصهيوني تتآكل من الداخل والخارج، في ظل اهتزاز صورته كقوة “لا تقهر”، وهي الصورة التي طالما مثلت العمود الفقري لردعه السياسي والعسكري.

هذا التوازن الجديد لا يقوم فقط على الردع الصاروخي بل أيضاً على تفكيك عزلة إيران الدولية، وإدخالها في حزام دعم دولي علني. كما أن أي مغامرة (إسرائيلية) باستخدام السلاح النووي الاستراتيجي أو التكتيكي ستقابل برد فوري نووي من باكستان، وبدعم عسكري صيني لإيران، وهو ما يعني أن خيارات تل أبيب تتقلص بمرور الوقت.

خامساً: التوقعات الاستراتيجية

في ظل المعطيات المتسارعة بات من الواضح أن الحرب بين إيران والكيان الصهيوني تجاوزت حدودها الثنائية، وباتت مفتوحة على سيناريوهات إقليمية ودولية متعددة، أبرزها:

  1. توسع الحرب إلى صراع إقليمي متعدد الجبهات

دخول أطراف من محور المقاومة أو من دول إقليمية أخرى على خطوط النار، مع تصعيد على أكثر من جبهة (اليمن، لبنان، العراق) ما ينقل المواجهة إلى نمط حرب شاملة لا يمكن احتواؤها بسهولة.

  1. 2. تدخل عسكري أميركي مباشر

في ظل طلب الكيان العلني للدعم وتأكيد وسائل إعلام أميركية انعقاد اجتماعات طارئة في البنتاغون، يبرز احتمال انخراط واشنطن بغطاء مباشر أو بقوات محدودة، خاصة في حال انهيار فعلي لقدرات الردع (الإسرائيلية)، أو تعرض المصالح الأميركية الإقليمية للخطر.

  1. اتفاق تهدئة مشروط يعيد رسم توازنات المنطقة

تتجه القوى الكبرى إلى فرض تهدئة عسكرية على الطرفين مقابل تغييرات سياسية واستراتيجية تعترف ضمناً بمكانة إيران، وتمنح الكيان فرصة للانسحاب دون إعلان هزيمة، مما يضمن الحد الأدنى من الاستقرار دون كسر كامل لأحد الطرفين.

  1. لجوء الكيان الصهيوني إلى الخيار النووي التكتيكي

في حال وصلت القيادة (الإسرائيلية) إلى مرحلة العجز قد تلجأ إلى استخدام ضربات نووية محدودة (أو غير تقليدية)، في محاولة لكسر الحصار وتغيير مسار المعركة. لكن هذا الخيار محفوف بردود كارثية لا سيما مع جاهزية الرد الباكستاني ووجود دعم دولي غير مسبوق لطهران.

استناداً إلى مجمل المؤشرات الميدانية والسياسية يرجح السيناريو الثالث أي الوصول إلى اتفاق تهدئة مشروط يعكس تغير موازين القوة، ويكرس موقع إيران الإقليمي المتصاعد ويفرض على الكيان قبول الواقع الجديد دون تحقيق أهدافه المعلنة من الضربة الاستباقية.

ما يجري ليس مجرد تصعيد تقليدي، بل هو لحظة انكشاف إستراتيجي لمنظومة الهيمنة الغربية في المنطقة، وتحول نوعي في توازنات الردع.

لقد فرض على القوى الكبرى أن تتعامل مع إيران باعتبارها فاعلاً إقليمياً بدعم دولي، بينما تآكلت صورة الكيان الصهيوني كقوة مهابة، وبات مرتهناً إما بالاستغاثة أو بالمخاطرة الكبرى.

Loader Loading...
EAD Logo Taking too long?

Reload Reload document
| Open Open in new tab

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى