ترجمة: صفا مهدي عسكر/ مركز حمورابي للبحوث والدراسات الإستراتيجية
تحرير: د. عمار عباس الشاهين/ مركز حمورابي للبحوث والدراسات الاستراتيجية
من بين جميع الخطوات التي اتخذها الرئيس الأميركي دونالد ترامب في السياسة الخارجية والتي خالفت الإجماع لم تكن هناك خطوات أكثر إثارة للدهشة من إحيائه للمحادثات النووية مع إيران، فترامب في نهاية المطاف كان قد سحب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي المبرم عام 2015 المعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA) في عام 2018، وبعد أربع سنوات من فشل إدارة بايدن في التوصل إلى اتفاق بديل بدا أن احتمالات التوصل إلى اتفاق جديد ضئيلة للغاية، بل إن إيران خلال تلك السنوات السبع أنتجت ما يكفي من اليورانيوم المخصب بدرجة تقترب من الاستخدام العسكري لصنع عدة رؤوس نووية.
ومع ذلك وعلى الرغم من تاريخ العداء بين الطرفين أبدت كل من طهران وواشنطن اهتمامًا متبادلاً ومستمرًا بالتوصل إلى اتفاق منذ عودة ترامب إلى البيت الأبيض، وعلى مدى عدة جولات من المحادثات وضع الجانبان بالفعل أطرًا محتملة للاتفاق، فكلاهما لديه دوافع واضحة لإبرام صفقة: تسعى إدارة ترامب إلى استعادة قدر من الاستقرار الاستراتيجي في (الشرق الأوسط) كما أن ترامب شخصيًا معني بتعزيز صورته كصانع صفقات، أما إيران التي لا تزال تعاني من نظام العقوبات الأميركي فترغب في الحصول على تخفيف اقتصادي دائم وتهدئة في التوترات لا سيما بعد تراجع نفوذ العديد من وكلائها في المنطقة.
لكن وعلى الرغم من تصريحات ترامب بأنه يريد معالجة الملف النووي بسرعة وتأكيده أن التوصل إلى اتفاق بات وشيكًا فإن القضايا الجوهرية العالقة منذ زمن طويل بين الطرفين لا تزال تُعقّد العملية، فمخاوف الولايات المتحدة من برنامج التخصيب الإيراني وتمويل طهران لوكلائها الإقليميين ستظل من نقاط الخلاف الرئيسية وكذلك تردد إيران في تقليص برنامجها النووي وقلقها من عدم استدامة أي اتفاق مع واشنطن في ضوء انسحاب ترامب من الاتفاق السابق، وسيكون من الصعب على إيران أن تقدم تنازلات كافية تجعل الاتفاق النووي مجديًا بالنسبة للولايات المتحدة من دون أن تتجاوز خطوطها الحمراء.
حتى الاتفاق الذي يأتي بشروط مواتية للولايات المتحدة لن يكون خاليًا من المخاطر وسيتطلب أي اتفاق تنازلات صعبة من كلا الجانبين، ومع ذلك فإن اتفاقًا يمنح إشرافًا واسع النطاق على المواقع النووية الإيرانية المُعلَنة وغير المُعلَنة ويحدّ من تخصيب اليورانيوم مقابل بعض التخفيف من العقوبات قد يُعيد الفوائد التي حققها الاتفاق الأصلي، وإذا جرى التفاوض عليه بعناية ومنح ما يكفي من الوقت لإظهار نتائجه فإن مثل هذا الاتفاق يمكن أن يُصلح بعض الأضرار التي نجمت عن انسحاب واشنطن من الاتفاق السابق، ويمنع حدوث أزمة في المدى القريب ويُمهّد لبناء استقرار إقليمي في المستقبل.
أعراض الانسحاب
مثّل اتفاق خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)، الذي تم التوصل إليه في صيف عام 2015 برعاية إدارة الرئيس باراك أوباما خطوة بارزة نحو تقييد البرنامج النووي الإيراني من خلال فرض قيود صارمة على أنشطة التخصيب النووي وخضوعها لإشراف دولي معزز، وعلى الرغم من أن الاتفاق سمح لإيران بممارسة أنشطة نووية سلمية بما في ذلك تخصيب اليورانيوم إلا أنه أبقى طهران على مسافة زمنية تُقدَّر بعام واحد على الأقل من القدرة على امتلاك سلاح نووي، وبالرغم من أن بعض أحكام الاتفاق كانت مؤقتة وتنتهي في مراحل مختلفة خلال العقدين التاليين إلا أن إيران كانت ستخرج بحلول عام 2030 من تحت أكثر قيود الاتفاق صرامة مع احتفاظها ببرنامج نووي لا يختلف كثيرًا عن ذلك الذي كانت تمتلكه عام 2015.
مع ذلك لم يخلُ الاتفاق من الانتقادات خصوصًا من جانب التيار المتشدد في السياسة الأميركية لا سيما داخل الحزب الجمهوري، فقد رأى منتقدو الاتفاق أن فشله في تفكيك التقدم النووي الإيراني منح طهران فرصة للمضي قدمًا نحو السلاح النووي بطريقة تدريجية وصبورة، وذهبوا إلى أن من الأفضل للولايات المتحدة أن تواجه هذا التهديد في مرحلة مبكرة حينما تكون إيران لا تزال تحت وطأة العقوبات الاقتصادية بدلاً من تأجيل المواجهة لما بعد حصول طهران على سنوات من التخفيف، هذه الرؤية وجدت صدى لدى الرئيس دونالد ترامب الذي أعلن انسحاب بلاده من الاتفاق في ايار 2018، ما دفع إيران إلى استئناف البحث والتطوير في مجال أجهزة الطرد المركزي وتوسيع عمليات التخصيب ابتداءً من ايار 2019.
سعت إدارة الرئيس جو بايدن لاحقًا إلى إحياء الاتفاق النووي غير أن انعدام الثقة من جانب القادة الإيرانيين الذين كانوا يتوجسون من عودة ترامب إلى الحكم حال دون تحقيق تقدم ملموس، ومع تعثر المفاوضات الثنائية قررت إدارة بايدن عدم السعي لصياغة اتفاق جديد كليًا مفضلة احتواء التصعيد بدلاً من المجازفة الدبلوماسية، وقد أسفر هذا الإخفاق المتكرر من كلا الإدارتين الأميركيتين في صياغة بديل فعال لاتفاق 2015 عن تفاقم التحديات خصوصًا في ظل التقديرات الأخيرة التي تشير إلى اقتراب إيران من امتلاك كمية كافية من المواد الانشطارية لصنع أول سلاح نووي، إذا اختارت ذلك.
ومع أن العودة الكاملة إلى اتفاق 2015 قد لا تكون ممكنة إلا أن بعض عناصره الجوهرية لا تزال قابلة للتطبيق ضمن إطار تفاوضي جديد قد يحظى بتوافق داخلي أميركي أوسع لا سيما تلك المتعلقة بالشفافية وآليات التفتيش، فرغم أن النقاش العام يتركّز غالبًا على مستقبل التخصيب فإن الضمانة الأساسية لأي اتفاق مستدام تكمن في تفعيل نظام رقابي دقيق ومتقدم تقنيًا بإشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ومن دون منح المفتشين الدوليين صلاحية التحقق من سلمية البرنامج النووي الإيراني بما يشمل المواقع المعلنة وغير المعلنة فإن أي اتفاق سيكون عرضة للانهيار، لذلك ينبغي أن تضع الولايات المتحدة على رأس أولوياتها التوصل إلى ترتيبات تضمن أقصى درجات التفتيش والشفافية، وإذا امتنعت طهران عن الالتزام بمعايير اتفاق الضمانات الحالي أو البروتوكول الإضافي – الذي تم تطويره بعد الكشف عن البرنامج النووي العراقي في تسعينيات القرن الماضي – فمن مصلحة واشنطن الانسحاب من مسار التفاوض.
إلى جانب ذلك يتوجب على الولايات المتحدة الإصرار على استعادة الآليات الرقابية المرتبطة بأجهزة الطرد المركزي ومخزون اليورانيوم كما كانت مقررة في الاتفاق الأصلي، فقد وفّرت هذه الآليات للمجتمع الدولي قدرة واضحة على رصد مواقع وقدرات التخصيب الإيرانية وهو أمر ضروري لمنع طهران من تطوير برنامج نووي سري بالتوازي مع تعهداتها العلنية، وفي ضوء التطورات التقنية التي شهدها البرنامج النووي الإيراني خلال السنوات السبع الماضية بما في ذلك تصنيع أجهزة طرد متقدمة وتقليص الزمن اللازم للوصول إلى القدرة النووية باتت الحاجة ملحّة لتكثيف الرقابة على خط إنتاج أجهزة الطرد ومواقع تصنيعها وتخزينها، ومن دون ذلك فإن حتى تفكيك المنشآت المعلنة لن يمنع إيران من استئناف نشاطها سراً، وبالتالي فإن إعادة تفعيل حقوق التفتيش التي نص عليها اتفاق 2015 من شأنها أن تُعيد شيئاً من التوازن إلى المعادلة النووية.
مع ذلك فإن جوانب بعينها من نظام التفتيش السابق لم تكن كافية ويجب تطويرها في أي اتفاق جديد خاصة ما يتعلق بالبُعد التسليحي للبرنامج النووي، ففي حين نصّت الفقرة T من الاتفاق على التزام إيران بعدم الانخراط في أنشطة مرتبطة بتصنيع الأسلحة النووية أو استخدام تقنيات تمكّن من ذلك إلا أنها لم تُلزَم بالكشف عن المعدات القائمة التي قد تُستخدم في عملية التسليح كما لم تُمنح الوكالة الدولية صلاحية الوصول الروتيني إليها مما جعل عملية التحقق شبه مستحيلة، وبينما قبلت واشنطن بهذه الثغرة عام 2015 فقد تغيرت المعطيات اليوم خصوصًا بعد قيام (إسرائيل)** بالكشف عن وثائق من الأرشيف النووي الإيراني عام 2018 والتي أظهرت أدلة على نشاطات تسليحية سرّية، ومنذ ذلك الحين كشفت تقارير رسمية أميركية عن استمرار إيران في تنفيذ أعمال ذات طابع مزدوج يمكن توظيفها عسكريًا، كما أصبح التهديد النووي يُطرح علنًا من قبل بعض المسؤولين الإيرانيين.
لذلك يجب أن يتضمن أي اتفاق جديد التزامًا صريحًا من طهران بالإفصاح عن أي مواد أو معدات ذات صلة بتسليح نووي وفقًا لتعريفات “مجموعة موردي المواد النووية” (NSG)، إلى جانب منح الوكالة الدولية للطاقة الذرية صلاحية التحقق الكامل من استخدام تلك المعدات والمواد، ويجب أن يتضمّن الاتفاق آلية واضحة تُجيز للولايات المتحدة الانسحاب إذا واجه مفتشو الوكالة أي عرقلة، وينبغي أن يشمل ذلك على نحو صريح السماح بالوصول إلى المواقع العسكرية.
باختصار، إن إحياء الاتفاق النووي على أسس أكثر صرامة وشفافية لا يزال ممكنًا، ولكنه يتطلب توافقًا سياسيًا أميركيًا واسعًا، وتنازلات متبادلة مدروسة، واستعدادًا لفرض عواقب حقيقية حال الإخلال بالالتزامات.
تشبّع التخصيب
تُعد الشفافية الدولية شرطًا أساسيًا لأي اتفاق نووي جديد لكنها وحدها لا تكفي لضمان فعاليته واستدامته ويتعيّن على الولايات المتحدة أن تطالب أيضًا بتعديلات جوهرية في البرنامج النووي الإيراني نفسه، بعض هذه التعديلات قد يكون من السهل على طهران تقبّلها فعلى سبيل المثال وافقت إيران بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA) على تعطيل أي إمكانية قريبة الأجل لصناعة قنبلة تعتمد على البلوتونيوم، من خلال تعديل مفاعلها القادر على إنتاج البلوتونيوم المستخدم في الأسلحة، والامتناع عن أي أنشطة لمعالجة الوقود المستهلك.
غير أن التعديلات الأخرى وخصوصًا تلك المتعلقة ببرنامج تخصيب اليورانيوم ستكون أكثر صعوبة على إيران، فقد أحرزت طهران منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق في ايار 2018 تقدمًا تقنيًا كبيرًا جعل العديد من القيود المفروضة سابقًا في اتفاق 2015 غير فعالة، في ذلك الوقت كانت إيران تعتمد على أجهزة طرد مركزي من الجيل الأول والتي كانت بمثابة نموذج أولي محدود الكفاءة قادرة على أداء المهمة ولكن ليس بكفاءة عالية، لذا كان تقييد البحث والتطوير في أجهزة الطرد مكسبًا كبيرًا للولايات المتحدة آنذاك، أما اليوم فقد أصبحت إيران قادرة على تحقيق إنتاج أكبر باستخدام عدد أقل من الأجهزة.
بإمكان إيران أن تُبدد مخاوف العالم بشأن نواياها النووية السرية من خلال تفكيك كامل لبرنامج التخصيب الخاص بها مع السماح بالتحقق الدولي مما يُسهّل اكتشاف أي أنشطة نووية خفية، وبالنظر إلى الاتفاق القائم مع روسيا لتزويد مفاعل بوشهر بالوقود النووي ومع غياب أي خطط قريبة الأمد لبناء مفاعلات جديدة تتطلب وقودًا محليًا فإن البرنامج النووي الإيراني لا يتمتع حاليًا بقيمة اقتصادية تُذكر، ورغم أن إدارة ترامب كثيرًا ما تسيء فهم دوافع الدول لتخصيب اليورانيوم – إذ أن عدة دول تقوم بذلك لأغراض توليد الطاقة وليس لتصنيع الأسلحة – إلا أن بإمكان إيران تأمين احتياجاتها من الوقود المخصب عبر الأسواق الدولية إن دعت الحاجة.
ومع ذلك فإن إيران دأبت على التأكيد رغم الضغوط والتهديدات والمبادرات الدبلوماسية المتعددة، على أنها لن تتخلى عن برنامجها للتخصيب مدعية أن حجم الاستثمارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي ضُخَّت فيه يجعل التراجع عنه أمرًا مستحيلاً، علاوة على ذلك فإن احتفاظها بمخزونات من اليورانيوم المخصب يمنحها خيارًا مستقبليًا محتملاً في حال قررت امتلاك سلاح نووي.
وقد طُرحت مقترحات معقدة لتجاوز هذه المعضلة من بينها إنشاء مشروع مشترك للتخصيب بين إيران والسعودية أو تشكيل كونسورتيوم إقليمي يضم دولًا أخرى في (الشرق الأوسط) أو ربط مستوى تخصيب اليورانيوم الإيراني مباشرة بعدد المفاعلات التي تبنيها إيران، أو حتى اعتماد ترتيبات معقدة لتوفير الوقود تتضمن تحويل إيران لليورانيوم إلى غاز ثم تصديره لتخصيبه في الخارج قبل أن يُعاد استيراده، إلا أن هذه المقترحات رغم تعقيدها قد تسمح في النهاية لإيران بالاحتفاظ بآلاف أجهزة الطرد المركزي كما أنها قد تُفضي إلى وجود عدد كبير من المفتشين الدوليين داخل المنشآت الإيرانية، وهو ما يمكن أن يُستخدم كـ”دروع بشرية فعلية” تصعّب أي تحرك عسكري دولي إذا ما قررت إيران انتهاك التزاماتها النووية.
لا يزال بالإمكان التوصل إلى ترتيبات أكثر عملية عبر المفاوضات لكن في نهاية المطاف قد تضطر واشنطن إلى التعايش مع قدر معين من المخاطرة، ومع ذلك فإن التوصل إلى اتفاق بشأن تخصيب اليورانيوم من شأنه أن يحقق هدفًا استراتيجيًا لكلا الطرفين إذ يمكن للولايات المتحدة القبول بمستوى معين من التخصيب الإيراني مقابل فرض قيود أكثر صرامة، في حين تستطيع إيران القبول بهذه القيود من دون أن تبدو وكأنها رضخت بالكامل لعدوها اللدود.
المزيد من المال المزيد من المشكلات
يفتح الطموح الإيراني للحصول على إعفاءات أوسع من العقوبات تفوق تلك التي أتاحها الاتفاق النووي لعام 2015 (JCPOA)، بابًا للمفاوضات، ولذلك ينبغي على الولايات المتحدة أن تصوغ إطارًا تدريجيًا لتخفيف العقوبات، يربط بين مدى تخفيض إيران لنشاطها في تخصيب اليورانيوم وحجم الإعفاءات التي تُمنح لها.
فعلى سبيل المثال إذا أصرت الولايات المتحدة على التوقف الطويل الأمد أو الدائم لأنشطة تخصيب اليورانيوم داخل إيران فيمكنها أن تعرض على طهران ليس فقط إعفاءات من العقوبات الثانوية (التي تستهدف الكيانات الأجنبية المتعاملة مع إيران) بل أيضًا تخفيفًا لبعض عناصر الحظر الأميركي المباشر، وقد يتضمن هذا الاتفاق رفع العقوبات عن التجارة في المشاريع الصناعية المدنية وقطاع الطاقة مع الإبقاء على العقوبات المفروضة على التكنولوجيا العسكرية أو ذات الاستخدام المزدوج والأنشطة المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني ووكلائه الإقليميين، سيكون ذلك تحركًا جريئًا شبيهًا بقرار إدارة ترامب تعليق جميع العقوبات الأميركية المفروضة على سوريا على أمل أن تفي الحكومة السورية الجديدة بوعودها المتعلقة بالإصلاحات السياسية والتعددية، وتتمتع إدارة ترامب بهامش سياسي أوسع لتقديم مثل هذا العرض مقارنة بإدارتي أوباما وبايدن بفضل الدعم الحزبي الجمهوري لسياسته الخارجية.
وتكمن مصلحة إيران الكبرى في الحصول على إعفاءات شاملة من العقوبات إذ تسببت العقوبات الأميركية في إلحاق أضرار جسيمة باقتصادها عبر تقويض قدرتها على التجارة والتعاملات المصرفية الدولية وضرب قطاعاتها الصناعية والبنية التحتية الحيوية، وقد أدت إلى صعوبات في توفير الكهرباء والغاز الطبيعي مما أضعف القاعدة الصناعية للبلاد، وبالتالي فإن تخفيف العقوبات من شأنه أن يعزز الطاقة الإنتاجية لإيران ويفتح المجال أمام الاستثمارات الأجنبية المالية والتكنولوجية اللازمة لإنعاش اقتصادها المنهك.
ومع ذلك فإن تخفيف العقوبات – evenبشكل محدود – قد يأتي على حساب جهود الولايات المتحدة المستمرة لكبح نفوذ إيران في (الشرق الأوسط)، فمن المرجح أن تستغل طهران جزءًا من العائدات الجديدة لإعادة بناء “محور المقاومة” التابع لها والذي تعرض لضربات متتالية من قبل (إسرائيل) خلال الأشهر الثمانية عشر الماضية، كما قد توظف تلك العائدات لتعزيز قدراتها في العمليات السرية وقواعدها العسكرية الداخلية، بما في ذلك برامج الصواريخ وقواتها البحرية – التي قد تُستخدم لتهديد حركة الملاحة الإقليمية.
ورغم أن العقوبات الأميركية التي فُرضت بعد الانسحاب من الاتفاق النووي لم تمنع إيران من تمويل وكلائها، الذين أظهروا قدرة على تحقيق نتائج كبيرة بموارد محدودة فإنه سيتعين على الولايات المتحدة تقبّل احتمال أن يؤدي تخفيف العقوبات، إذا اقترن بتنازلات إيرانية كبيرة إلى إعادة تسليح جماعات لطالما سعت واشنطن إلى تفكيكها.
ولتفادي هذا السيناريو ينبغي أن تُصرّ الولايات المتحدة على أن يتضمن أي اتفاق مع إيران قيودًا صارمة على تصدير أو نشر الصواريخ والطائرات المسيّرة وغيرها من وسائل الهجوم بعيدة المدى خارج الأراضي الإيرانية، كما يمكن أن تطالب طهران بعدم التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة، ومع أن إيران على الأرجح لن تلتزم فعليًا بهذه التعهدات فإن أي انتهاك مستقبلي يمكن أن يُستخدم كمسوّغ لاتخاذ إجراءات مضادة لاحقًا.
تحقيق تقدم
منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي (JCPOA)، حققت إيران تقدمًا نوويًا كبيرًا يشكل خطرًا حقيقيًا، فطهران باتت الآن على أعتاب أن تصبح دولة نووية ومع تدمير جزء كبير من الجهات المسلحة التي تدعمها قد تشعر بأنها مضطرة لعبور هذا الخط، لعقود من الزمن كانت السياسة الأميركية سواء تحت إدارة الديمقراطيين أو الجمهوريين تهدف بشكل صحيح إلى منع حدوث هذا السيناريو واستخدام القوة إذا استدعى الأمر ذلك، والآن تقترب واشنطن من لحظة الحقيقة.
لكن الاستعداد لاستخدام القوة لمنع إيران من امتلاك أسلحة نووية لا يعني بالضرورة أن الخيار العسكري هو الأفضل أو الأكثر رغبة، فاستهداف البرنامج النووي الإيراني قد يؤدي إلى اندلاع صراع أوسع نطاقًا حيث تقوم (إسرائيل) والولايات المتحدة بمطاردة المواقع النووية الإيرانية السرية فيما ترد طهران في (الشرق الأوسط) وخارجه، لذلك ينبغي على الولايات المتحدة أن تستثمر نفوذها إلى جانب قبضة ترامب الحازمة على الحزب الجمهوري لإبرام اتفاق – ولو كان غير مثالي – طالما أن ذلك لا يزال ممكنًا، بل يمكن لترامب أن يفي بوعده الذي قطعه عام 2018، وهو التوصل إلى اتفاق أفضل من الاتفاق النووي الأصلي، إذ كان اتفاقه سيشمل توسيع صلاحيات التفتيش وتقييد الأعمال المتعلقة بتسليح الأسلحة النووية والحد من الدعم الإيراني للوكلاء، وعلى نحو غير متوقع تملك الإدارة فرصة ذهبية للتوصل إلى اتفاق ويجب أن تنتهزها.
** لمقتضيات الأمانة العلمية، وضرورات الترجمة الدقيقة، تم الإبقاء على كلمة (إسرائيل)، وهو لا يعني اعتراف المركز بها، وما هو مكتوب يمثل راي وأفكار المؤلف.