الاكثر قراءةتحليلات و آراءغير مصنف
المصالح الفردية والانتخابات العراقية: هل تحجب الرؤية عن الاصلح؟

بقلم: الباحثة عُلا عبد الله الوائلي
تعدّ العملية الانتخابية الركيزة الأساسية للديمقراطية، لأنها قائمة على حرية الناخب في الاختيار دون أي قيود، وجوهرها، تعني حرية الإنسان وتمكينه دون إقصاء أو إلغاء دوره في ممارسة حقوقه السياسية، الا أن الواقع في العراق يكشف عن صورة منافية تمامًا لهذا المفهوم المثالي، فالديمقراطية تبدو وكأنها محصورة في نطاق النخبة السياسية الحاكمة، بعيدة عن التعبير الحقيقي لإرادة الشعب،
حيث يتم استغلال الناخبين الذين ليس لديهم وعي و ثقافة سياسية من قبل المرشحين من خلال شراء الأصوات مقابل وعود زائفة أو مقابل تلبية احتياجات فردية آنية، الذي من واجب النظام السياسي ان يعطي تلك الحقوق دون شراء الاصوات او استغلال المواطنين من اجل ان ينالوا تلك الحقوق، كما يتفاقم الأمر بتفضيل المصالح الفردية على حساب المصلحة العامة من قبل بعض السياسيين والناخبين على حد سواء، ونتيجة لذلك، تتضاءل حرية الشعب في اختيار الأصلح لقيادته، فعندما تطغى الاعتبارات الفردية الضيقة على المصلحة الجماعية، فإن ذلك يؤدي حتمًا إلى انتخاب مسؤولين غير أكفاء وغير قادرين على الاضطلاع بمسؤولية قيادة الدولة وتلبية حقوق الشعب على الأصعدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، فتشكل المنفعة الشخصية تحدي و عائق كبير امام مستقبل الديمقراطية في العراق،
ففي كل دورة انتخابية، نكرر ذات التجربة وننتظر نتائج مغايرة من قادة يفتقرون إلى الخبرة والمعرفة السياسية اللازمة، لأن اختيار المرشح تكون عملية متبادلة بين الناخب و المرشح فيعمل المرشح على تلبيه احتياجات ناخبيه فقط وليس العمل على الصالح العام مما يؤدي ضعف و تشتت النظام السياسي لأنه قائم على اساس المصالح الفردية و العمل على تفضيل مصالح نخبة معينة و تهميش المصلحة العامة، فعندما تغيب الاسس الحقيقية للمشاركة الواعية و المسؤولية لدى المواطنين فينحرف المسار الحقيقي للديمقراطية وتصبح اداة شكليه تستقل الناخبين بهدف الوصول الى السلطة و بالتالي يؤدي تفضيل تلك المصالح عن الرؤية الاصلح في اختيار المرشحين،
فهم دوافع الناخبين: لماذا يفضل البعض المصلحة الفردية على المصلحة العامة؟
العوامل التي تؤدي الى استغلال الناخبين
-
الواقع الاقتصادي
في مجتمع يعاني فيه الكثيرون من صعوبات اقتصادية وتحديات في تأمين متطلبات الحياة الأساسية، تتغير الأولويات بشكل جذري. يجد الناخب نفسه مضطراً لقبول عروض مالية بسيطة أو مساعدات عينية مقابل صوته، بدلاً من التفكير في البرامج الانتخابية طويلة الأمد أو تقييم المرشحين بناءً على كفاءتهم ورؤيتهم للمستقبل، هذا الوضع المتردي يخلق بيئة خصبة لاستغلال الناخبين من قبل بعض المرشحين الذين يستغلون حاجة الناس لتحقيق مكاسب شخصية.
-
غياب الوعي والثقافة السياسية
يعاني المجتمع العراقي من غياب واضح للوعي والثقافة السياسية، وهي ركائز أساسية لأي نظام ديمقراطي سليم. نقص الفهم لآليات العمل السياسي، وأهمية المشاركة الفعالة، ودور الناخب في اختيار القيادة، يضعف ثقة المواطن في العملية السياسية برمتها. هذا الغياب يعيق قدرة الناخب على التمييز بين المرشحين وتحديد الأصلح لقيادة الدولة، مما يجعله أكثر عرضة للتأثيرات الخارجية أو للتصويت بناءً على اعتبارات غير موضوعية.
-
انعدام الثقة في النظام السياسي
يمر العراق بوضع يعزز شعور الناخبين بـانعدام الثقة في النظام السياسي. يرى العديد من المواطنين أن الاهتمام بالسياسة أو المشاركة في الانتخابات أصبح أمراً عديم الفائدة، وأن صوتهم لن يحدث فرقاً حقيقياً في ظل الأوضاع الراهنة، هذا الشعور بالإحباط واليأس يدفع الناخبين إلى العزوف عن المشاركة، أو يجعلهم أكثر ميلاً لبيع أصواتهم كسبيل وحيد لتحقيق منفعة آنية، بدلاً من الانخراط في عملية لا يرون منها فائدة على المدى الطويل،
-
ضعف البرامج الانتخابية وتشتت الناخبين
يفتقر عدد كبير من المرشحين إلى امتلاك برامج انتخابية واضحة وجذابة يمكن أن تلهم الناخبين وتوجه خياراتهم. ففي ظل تزايد أعداد المرشحين دون وجود رؤى حقيقية أو حلول ملموسة لمشاكل المواطنين، يؤدي هذا إلى تشتت الناخبين، يصبح من الصعب عليهم التمييز بين المرشحين، مما يدفعهم أحياناً إلى التصويت بناءً على الولاءات العشائرية أو الطائفية، أو حتى الامتناع عن التصويت، بدلاً من اختيار من يمثل مصالحهم بصق
تشير الإحصاءات إلى أن 8 ملايين ناخب لم يحدثوا بطاقاتهم الانتخابية اذ تمثل جرس إنذار خطير لأنه ليس مجرد إهمال فردي، بل هو مؤشر واضح على انعدام عميق للثقة بالنظام السياسي القائم، ويدل على اتساع الفجوة بين الحكومة والمواطنين، بالتالي يدفعهم إلى العزوف عن الانتخابات وعدم الاهتمام بالعملية السياسية برمتها، هذا التجاهل الواسع للمشاركة الانتخابية يهدد ليس فقط شرعية النتائج، بل أيضاً مستقبل الديمقراطية ومسار بناء الدولة في العراق
إن الشعب العراقي اليوم في أمس الحاجة إلى تعزيز الثقافة السياسية وتنمية الوعي السياسي والوطني لديه هذا الوعي هو السبيل لتمكين المواطنين من اختيار الأصلح لتمثيلهم سياسيًا، والارتقاء بالعملية الديمقراطية من مجرد إجراء شكلي إلى تعبير حقيقي عن إرادة الشعب وتطلعاته نحو مستقبل أفضل.