تحليلات واراءسلايدر

موقف الدستور والقانون الأمريكي من اغتيال قادة النصر في مطار بغداد الدولي

الدكتور مصدق عادل

كلية القانون- جامعة بغداد

مركز حمورابي للبحوث والدراسات الاستراتيجية

أثيرت في الآونة الأخيرة العديد من التساؤلات من المختصين في الشؤون الدستورية والقانونية عن مدى مخالفة رئيس الولايات المتحدة الامريكية (دونالد ترامب) لنصوص الدستور الأمريكي لسنة 1787 والقوانين النافذة في الولايات المتحدة الامريكية ومنها قانون صلاحيات الحرب لسنة 1973 عند إعطائه الأمر الخاص بتنفيذ جريمة المطار بطائرات مسيرة التي أدت إلى استشهاد نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي ورئيس الأركان القائد (أبو مهدي المهندس) بتاريخ 3/1/2020 مع عدد من ضيوفه ورفاقه نتيجة القصف الصاروخي في محيط مطار بغداد الدولي؟

وبالرجوع إلى الدستور الأمريكي نجد فانه اعتنق مبدأ الفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وقام بتوزيع الاختصاصات الدستورية بين الكونجرس من جهة وبين الرئيس الأمريكي من جهة أخرى، اذ منحت المادة (1) من الدستور سلطة إعلان الحرب إلى الكونجرس بالنص على أنْ (تكون للكونغرس سلطة:11- إعلان الحرب، والتفويض برد الاعتداء والاستيلاء على السفن والبضائع، ووضع قواعد تتعلق بالاستيلاء على غنائم في البر والبحر).

وبهذا يتضح أنَّ المادة أعلاه جاءت بصورة مطلقة فيما يتعلق بإعلان الحرب، يستوي في ذلك الحرب الهجومية أو الحرب الدفاعية أو الاستباقية، ومن ثم فإنَّ المبدأ العام في إعلان الحرب وفق الدستور الأمريكي، هو أنَّ النص المطلق يجري على اطلاقه طالما لم يرد نص يقيده.

وبالمقابل تنص الفقرة (الثانية) من المادة (2) من الدستور الأمريكي على أنه (1-يكون الرئيس قائداً أعلى لجيش وبحرية الولايات المتحدة، ولمليشيات مختلف الولايات عندما تدعى إلى الخدمة الفعلية لدى الولايات المتحدة).

يتضح من المادة أعلاه أنَّ الدستور أعطى للرئيس الأمريكي صفة القائد العام للقوات المسلحة الامريكية بصورة مطلقة، باستثناء إعلان حالة الحرب، ومن ثم يختص وفقاً لنصوص الدستور والقوانين النافذة باتخاذ أي قرار يتعلق بالقيادة العامة للقوات المسلحة، يستوي في ذلك داخل الولايات المتحدة أو خارجها، ولا يستثنى من ذلك سوى إعلان الحرب بنوعيها الهجومية والدفاعية.

أما بالنسبة إلى موقف القانون الأمريكي فانه بالرجوع إلى قانون صلاحيات الحرب لسنة 1973[1]نجد أنَّ المادة (1) منه جاءت ليؤكد الأحكام المنصوص عليها في الدستور المتعلقة بسلطة إعلان الحرب، فضلاً عن النص على وجوب قيام الرئيس بإخطار وابلاغ الكونجرس في غضون (48) ساعة من إلزام القوات المسلحة بالعمل العسكري خارج الولايات المتحدة أو في حالة الطوارئ الوطنية التي تتحقق بأي هجوم ضد الولايات المتحدة سواء على أراضيها أو ممتلكاتها أو قواتها المسلحة[2].

وعلى الرغم من قيام رئيس مجلس النواب بالتلويح في وسائل الإعلام عن عدم قانونية قيام الرئيس الأمريكي بتوجيه الضربة العسكرية في محيط مطار بغداد الدولي، وذلك لعدم استحصال موافقة الكونجرس على هذه الضربة التي تُعدّ بمثابة إعلان الحرب ضد العراق وايران، غير أنَّ الرئيس في محاولة لتدارك الأمر قام يوم السبت 4 المصادف 4/1/2020 بتوجيه إخطاراً رسمياً إلى الكونجرس بشأن الضربة الجوية الأمريكية في الأراضي العراقية التي استشهد فيها قادة النصر ورفاقهما.

وعلى الرغم مما تقدم غير أنَّ الكونجرس لم يعطِ الضوء الأخضر للرئيس الأمريكي وبالأخص بعد ضرب القاعدة الامريكية في قاعدة عين الأسد في محافظة الانبار بتاريخ 9/1/2020، وتعداه الأمر إلى قيام مجلس الشيوخ بتبني المبادرة في تشريع يحد من صلاحيات الرئيس لإعلان الحرب أو استخدام القوة العسكرية[3]، وتلاه في ذلك موافقة مجلس النواب على هذا القانون بتاريخ 11/3/2020 بأغلبية (227) عضواً مع القانون و(186) ضده من أصل (435) عضواً، ومن ثم تم إحالته إلى البيت الأبيض لتنفيذه، فما كان من الرئيس إلا أنَّ استخدم الفيتو(الاعتراض) ضد هذا القانون في 6/5/2020، والذي قام الكونجرس بتجاوزه وفقاً للأغلبية الدستورية اللازمة لذلك.

وبهذا يتضح أنَّ الرئيس الأمريكي لم يلتزم بنصوص الدستور الأمريكي التي تشترط موافقة الكونجرس بمجلسيه على إعلان الحرب، إذ إنَّ الضربة العسكرية في محيط مطار بغداد الدولي لا تُعدّ عملاً دفاعياً، بل يمكن تكييفها من الناحية القانونية على أنها عملاً من أعمال العدوان المُحرم دولياً بموجب مقاصد ميثاق الأمم المتحدة لعام 1949 التي منعت استخدام القوة المسلحة في غير المصلحة المشتركة[4]، فضلاً عن أنها تشكل انتهاكاً ومخالفة صريحة لقانون صلاحيات الحرب الأمريكي لسنة 1973 الذي لم يجز للرئيس القيام بمثل هكذا أعمال عدوانية.

وحتى إذا ما تجاوزنا هذه الحجج وانتقلنا إلى اتفاقية الإطار الاستراتيجي لعلاقة صداقة وتعاون دائم بين جمهورية العراق وبين الولايات المتحدة الامريكية المصادق عليها من مجلس النواب بالقانون رقم (52) لسنة 2008 فإنَّ القسم الثالث منها المعنون (التعاون الدفاعي والأمني) لم يجز للولايات المتحدة الامريكية توجيه الضربات العسكرية داخل حدود جمهورية العراق، إذ ينص هذا القسم (تعزيزاً للأمن والاستقرار في العراق، وبذلك المساهمة في حفظ السلم والاستقرار الدوليين، وتعزيزاً لقدرة جمهورية العراق على ردع كافة التهديدات الموجهة ضد سيادتها وأمنها وسلامة أراضيها، يواصل الطرفان العمل على تنمية علاقات التعاون الوثيق بينهما فيما يتعلق بالترتيبات الدفاعية والأمنية دون الإجحاف بسيادة العراق على أراضيه ومياهه وأجوائه. ويتم هذا التعاون في مجالي الأمن والدفاع وفقاً للاتفاق بين الولايات المتحدة الأميركية وجمهورية العراق بشأن انسحاب قوات الولايات المتحدة من العراق وتنظيم أنشطتها خلال وجودها المؤقت فيه).

وهو الأمر الذي يمكن معه القول بانتهاك الرئيس الأمريكي لنصوص اتفاقية الإطار الاستراتيجي، يستوي في ذلك بالنسبة إلى النص المذكور أعلاه أو النصوص الأخرى المتعلقة بالسيادة العراقية الواردة في ديباجة الاتفاقية[5].

وبناء على ما تقدم نرى وجوب مساءلة الرئيس الأمريكي وفقاً لنصوص الدستور والقانون اللذان لم يمنحانه أي حصانة عن الأعمال التي يقوم بها أثناء ممارسة مهامه أو بسببها.

لذا فإننا ندعو إلى اتخاذ الإجراءات القانونية الآتية:

1- ندعو رئيس مجلس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة إلى توجيه الجهات المعنية بإقامة الشكوى الدولية ضد الولايات المتحدة الامريكية، عن الأضرار المادية والمعنوية التي تسببت بها الضربة العسكرية في محيط مطار بغداد الدولي، وفق قواعد المسؤولية الدولية، كونها شكلت اعتداءً سافراً على سيادة العراق وأمنه المحميان بموجب المواد (1) و(50) و(109) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005، وديباجة ميثاق الأمم المتحدة، فضلاً عن انتفاء وجود النص الدستوري والقانوني الذي يُجيز للرئيس الأمريكي القيام بمثل هكذا ضربات عسكرية في دولة ثانية دون موافقة الكونجرس أو استحصال موافقته على هذه الضربة العسكرية التي تهدد السلم والأمن الدوليين في منطقة الشرق الأوسط عموماً وفي العراق خصوصاً.

2- ندعو وزارة الخارجية إلى تسليم السفير الأمريكي في بغداد مذكرة احتجاج رسمية تتضمن المطالبة بعدم استخدام الأجواء والأراضي العراقية كمقر أو ممر ضد أي دولة ثانية.

3- ندعو ممثل العراق الدائم في الأمم المتحدة إلى استكمال الإجراءات القانونية المنصوص عليها في الرسالة والبلاغ المؤرخ في 6/1/2020 المقدم إلى الأمين العام للأمم المتحدة وإلى مجلس الأمن عن جريمة اغتيال قادة النصر في محيط مطار بغداد الدولي.

4- ندعو لجنة العلاقات الخارجية النيابية إلى متابعة موضوع البلاغ المقدم من ممثل العراق الدائم لدى الأمم المتحدة بشأن إدانة عمليات القصف والاغتيال التي تُعد (إعداماً خارج نطاق القضاء) دون اتخاذ أي إجراءات قانونية رادعة من الأمم المتحدة ومن مجلس الأمن.

5- ندعو رئيس مجلس النواب ورئيس لجنة الأمن والدفاع النيابي وأعضاء مجلس النواب إلى القيام بالدور الرقابي وفق المادة (61/ثانياً) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 وقانون مجلس النواب وتشكيلاته رقم (13) لسنة 2018 في مطالبة رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية بتقديم المستندات التي تثبت إقامة الشكوى الدولية أمام الأمم المتحدة ومجلس الأمن وفقاً للبند (4) من القرار النيابي الصادر في 5/1/2020 وإصدار بيان رسمي من مجلس النواب بذلك وفقاً لأحكام النظام الداخلي لمجلس النواب.

6- ندعو القائد العام للقوات المسلحة إلى تشكيل فريق دولي من كل (الأمانة العامة لمجلس الوزراء – وزارة العدل – وزارة الخارجية – هيأة الحشد الشعبي- نقابة المحامين- ممثل عن ذوي الشهداء) تتولى تقديم الشكوى الدولية أمام المحاكم الأمريكية، وذلك من أجل المطالبة بإصدار قرار بإدانة الرئيس الأمريكي ومعاقبته وفق قانون العقوبات الأمريكي، فضلاً عن قيام الفريق المذكور بالمطالبة بالتعويضات عن الأضرار المادية والمعنوية التي لحقت بالشهداء وبالحكومة العراقية جراء هذا الاعتداء الأمريكي.

 

الهوامش:

[1] صدر هذا القانون بموجب القرار (50 U.S.C. 1541-1548)، ويهدف إلى تحديد سلطة الرئيس في ادخال الولايات المتحدة في نزاع مسلح دون موافقة الكونجرس في صورة قرار مشترك، ومن ثم يعتبر بمثابة الإذن القانوني للحرب، أو في حالة الطوارئ الناتجة عن حصول هجوم على أراضي الولايات المتحدة أو ممتلكاتها أو قواتها المسلحة.وللمزيد حول نصوص هذا القانون ينظر الرابط الالكتروني الاتي: https://www.thecre.com/fedlaw/legal22/warpow.htm

[2] انقسمت الآراء بين مؤيد ومعارض لسلطات الرئيس في توجيه الضربة العسكرية خارج الولايات المتحدة الامريكية، إذ ان هناك مشكلتين تتعلق بقانون سلطات الحرب، أولها: القيام بعمل عسكري منفرد فإنه يبلغ الكونجرس في غضون 48 ساعة، غير أنه يمكنه تنفيذ العمليات العسكرية لمدة 90 يوماً بدون موافقة الكونجرس. أما المشكلة الثانية فتتمثل بإمكانية قيام الرئيس بخوض حرب دون إبلاغ الكونجرس أو استشارته كما يتطلب الدستور وقانون سلطات الحرب، ويتم التحايل على ذلك من خلال تشكيل التحالفات الدولية أو يتم الاستناد إلى قرارات من مجلس الأمن التي تخول الولايات المتحدة الامريكية بخوض الحرب خارج أراضيها. للمزيد ينظر عمرو عبد العاطي، تنازع الرئيس الأمريكي والكونجرس على سلطات الحرب: خلفية الجدل الراهن وآفاقه، مقالة منشورة بتاريخ 4 فبراير 2020 على موقع مركز الامارات للدراسات على الرابط الاتي: https://epc.ae/ar/topic/dispute-between-us-president-and-congress-regarding-war-powers-background-and-horizons-1

[3] يتضمن القانون طلب سحب القوات الأمريكية من أي عمليات عدائية ضد إيران إلا في حالة إعلان الكونجرس الحرب أو اقراره قانوناً يتيح استعمال القوة.

[4] عرف قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 3314 في 14/12/1974العدوان بأنه (استعمال القوة المسلحة من قبل دولة ما ضد سيادة دولة أخرى أو سلامتها الإقليمية أو استقلالها السياسي، أو بأية صورة أخرى تتنافى مع ميثاق الأمم المتحدة وفقاً لنص هذا التعريف).

[5] جاء في ديباجة اتفاقية الإطار الاستراتيجي (إنَّ جمهورية العراق والولايات المتحدة الأميركية:1. إذ تؤكدان الرغبة الصادقة لبلديهما في إقامة علاقة تعاون وصداقة طويلة الأمد استناداً إلى مبدأ المساواة في السيادة والحقوق والمبادئ الواردة في ميثاق الأمم المتحدة والمصالح المشتركة لكليهما.5.وإذ تؤكدان مجدداً على أنَّ مثل هذه العلاقة طويلة الأمد في المجالات الاقتصادية والدبلوماسية والثقافية والأمنية من شأنها أنْ تساهم في تعزيز وتنمية الديمقراطية في العراق، ومن شأنها كذلك تأمين قيام العراق بتحمل كامل المسؤولية عن أمنه، وعن سلامة شعبه والمحافظة على السلام داخل العراق وبين بلدان المنطقة، قد اتفقتا على ما يلي… تقوم هذه الاتفاقية على عدد من المبادئ العامة لرسم مسار العلاقة المستقبلية بين الدولتين وفق ما يلي:1. تستند علاقة الصداقة والتعاون إلى الاحترام المتبادل، والمبادئ والمعايير المعترف بها للقانون الدولي وإلى تلبية الالتزامات الدولية، ومبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية، ورفض استخدام العنف لتسوية الخلافات.2. إنَّ وجود عراق قوي قادر على الدفاع عن نفسه أمر ضروري لتحقيق الاستقرار في المنطقة.3. إنَّ الوجود المؤقت لقوات الولايات المتحدة في العراق هو بطلب من حكومة العراق ذات السيادة، وبالاحترام الكامل لسيادة العراق.4. على الولايات المتحدة أنْ لا تستخدم أراضي ومياه وأجواء العراق منطلقاً أو ممراً لشن هجمات على بلدان أخرى وأنْ لا تطلب أو تسعى لأنْ يكون لها قواعد دائمة أو وجود عسكري دائم في العراق).

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *