تحليلات واراءسلايدر

السلطة التقديرية لمجلس النواب في وقت التعديل والتشريع

(تعليق على تعديل قانون المحكمة الاتحادية العليا بدلا عن تشريع قانونها)

حسين الحاج حمد

متخصص في القانون الدستوري

يتمتع المشرع بسلطة تقديرية عند ممارسة اختصاصه التشريعي يكون جوهرها تحديد مضمون القانون، ووقت صدوره، ومدى ملاءمته للمعطيات التي دعت إلى تشريعه، وفقا للسياسة التشريعية المعتمدة.

وبقدر تعلق الأمر بأحد مضامين السلطة التقديرية التي يتمتع بها المشرع، وهو وقت صدور التشريع، فإن القاعدة العامة التي تحكم ذلك هي استقلال المشرع بتقدير وقت تشريع القانون، حيث يستقل المشرع باختيار الوقت الملائم للتشريع وفقا للاعتبارات السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية من دون رقيب عليه، ما لم يحدد الدستور وقتا معينا أو ظرفا ما يتعين على المشرع الالتزام به، وإلا عدّ مخالفا للدستور.

ويترتب على ذلك امتناع القاضي الدستوري عن التعرض لبحث ملاءمة وقت التشريع؛ كونه من عناصر السياسة التشريعية المتبناة من المشرع التي يمتنع على القاضي الدستوري التدخل فيها.

فالرقابة التي يجريها القاضي الدستوري رقابة فنية ذات طابع قانوني تستهدف مطابقة النص التشريعي مع نصوص الدستور، ولا تتعداها إلى تقدير ملاءمة وقت صدور القانون، ما لم يحدد المشرع الدستوري وقتا معينا أو ظرفا ما لصدوره.

وبالرجوع إلى مسألة وقت صدور قانون المحكمة الاتحادية العليا وفقا لما رسمته المادة (92) من الدستور، فالملاحظ على المشرع الدستوري عدم تحديده وقتا معينا لصدور ذلك القانون، مما يترك سلطة تقديرية لمجلس النواب في تحديد الوقت الملائم للتشريع، فالدستور وإن خصّ المجلس بتشريع قانون المحكمة إلا أن تنفيذ ذلك الالتزام يستقل المشرع بتقدير وقت القيام به.

وبغض النظر عن الالتزام الملقى على عاتق مجلس النواب بضرورة استكمال البناء القانوني للمحكمة الاتحادية العليا بأسرع وقت، فضلا عن حالة الامتناع التشريعي التي تحققت طيلة المدة القائمة من صدور دستور 2005 وحتى تشريع قانون التعديل الأول لقانون المحكمة، فإنه لا يمكن الحكم بعدم دستورية ذلك التعديل بسبب لجوء مجلس النواب إلى تعديل قانون المحكمة النافذ بدلا عن تشريع قانون جديد لها، فتقدير اللجوء إلى التعديل، والعزوف عن التشريع إلى وقت آخر أمر يستقل مجلس النواب بتقديره، دون أن يخضع لرقابة القاضي الدستوري.

فإذا كان مجلس النواب يملك سلطة تقديرية قوامها المفاضلة بين البدائل التي يقدر مناسبتها لتنظيم المحكمة سواء أكان بتعديل قانونها النافذ أم بتشريع قانون جديد لها وفقا للاعتبارات التي يرجحها المجلس، فإن ذلك يبعد شائبة عدم الدستورية عن قانون التعديل الأول لقانون المحكمة الاتحادية العليا من هذه الناحية فقط.

فلو افترضنا قيام مجلس النواب بتنظيم المحكمة عن طريق تعديل قانونها النافذ دون أن يصدر قانونا جديدا بالكامل مع التزامه بالمادة (92) من الدستور – كما سيأتي لاحقا – فإن ذلك يؤكد دستورية التعديل مادام مضمونه يتفق مع الدستور.

إلا أن الإقرار بدستورية قانون التعديل لا يستوعب المخالفات الأخرى التي تضمنها القانون، حيث يلاحظ عليه مخالفته للدستور من الناحية الشكلية والموضوعية.

فقد تبين سابقا أن تعديل قانون المحكمة الاتحادية العليا لا يكون إلا باللجوء إلى تطبيق المادة (92/ ثانيا) وما تستلزمه من اجراء شكلي يتمثل بضرورة حصول التعديل على أغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب، وهو ما خالفه المجلس عندما أصدر التعديل بالأغلبية البسيطة وفقا للقاعدة العامة الواردة في المادة (59/ثانيا) الأمر الذي يتعارض مع نص المادة (92/ثانيا) التي حددت الأغلبية المطلوبة لتشريع قانون المحكمة، والتعديلات التي يمكن أن تجرى عليه أو على قانونها النافذ.

زيادة على ذلك فإن قانون التعديل قد خالف الدستور من الناحية الموضوعية عندما أبقى تشكيل المحكمة مقتصرا على القضاة فقط، خلافا لما حددته المادة (92/ثانيا) من ضرورة تكوين المحكمة من القضاة، وخبراء الفقه الإسلامي، وفقهاء القانون.

وإن القول بخلاف ذلك يهدم أساس المحكمة، فإذا كان دستور 2005 قد أعترف بوجود المحكمة الاتحادية العليا المشكلة وفقا لقانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية 2004، وأقر نفاذ قانونها رقم (30) لسنة 2005 فإن أي تعديل على ذلك القانون لا يكون إلا من خلال المادة (92)، إلا إذا كانت المحكمة التي يقصدها القانون غير تلك التي أشار لها الدستور، مما يجعل مقصود الأول محلا لشائبة عدم الدستورية، مستوجبا للإلغاء من المحكمة التي قد لا يقتنع أعضاؤها بذلك بعد أن كان قانون التعديل أساسا لعضويتهم فيها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق