تحليلات واراءسلايدر

قراءة تحليلية ناقدة في مشروع قانون الحماية من العنف الأسري لسنة 2020

(الجزء الثاني)

د. مصدق عادل

كلية القانون – جامعة بغداد

مركز حمورابي للبحوث والدراسات الاستراتيجية

سبق وأنْ قام مجلس الوزراء بإصدار قراره في 4/8/2020 المتضمن الموافقة على مشروع قانون الحماية من العنف الأسري وإرساله إلى مجلس النواب، لغرض تشريعه في ظل الأزمات الجماهيرية والاقتصادية والصحية في العراق.

ومن إجراء مراجعة سريعة لنصوص مشروع القانون نجد أنَّ الأفكار والمبادئ العامة التي جاء بها هذا المشروع تتعارض مع العديد من نصوص دستور جمهورية العراق لسنة 2005، ففيما يتعلق بالأساس الدولي لهذا المشروع فإنه محدد كما جاء في الأسباب الموجبة بأنه (وتماشياً مع الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها جمهورية العراق)، وتتمثل هذه الاتفاقيات الدولية بـاتفاقية إلغاء جميع اشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)[1]، والتي صادق عليها العراق بالقانون رقم (66) لسنة 1986[2].

وبالرجوع إلى المادة (8) من الدستور العراقي نجد أنها تنص على أنْ (يحترم العراق التزاماته الدولية)، مع الإشارة إلى أنَّ هذا الاحترام مقرون بمراعاة المبادئ الأساسية والنصوص الأخرى للدستور.

ومن أمعان النظر في المادة (2) من الدستور نجد أنها تنص على أنَّ (اولاً: الإسلام دين الدولة الرسمي: أ- لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام. ثانياً: يضمن هذا الدستور الحفاظ على الهوية الإسلامية لغالبية الشعب العراقي).

وبهذا يتضح التعارض بين المبدأ العام الذي استند اليه مشروع قانون الحماية من العنف الأسري واتفاقية سيداو المتمثل بإلغاء كافة القيود والحواجز السلوكية التي تميز الرجل عن المرأة وبين نصوص الدستور التي تؤكد على الهوية الإسلامية، وثوابت احكام الإسلام المتعلقة بقوامة الرجل على المرأة ومسؤولية الأب عن أبنائه.

ويمكن القول أنَّ مشروع هذا القانون قد تضمن الركيزة الأساسية من ركائز بناء الدولة العلمانية المدنية البعيدة عن الهوية الإسلامية دون التصريح عن ذلك صراحة، ومن ثم فإنَّ الفلسفة التي استند إليها هذا المشروع تشكل خروجاً صارخاً على فلسفة الدستور العراقي ذات الطبيعة الإسلامية، أي: إنه تم تعديل نصوص الدستور دون المرور بالإجراءات المحددة للتعديل المنصوص عليها في المادتين (126) و(142) من الدستور.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنّ مشروع القانون يتعارض مع المادة (29/اولاً) من الدستور التي تنص على أنَّ (أ- الأسرة أساس المجتمع وتحافظ الدولة على كيانها وقيمها الدينية والأخلاقية والوطنية)، إذ إنَّ القيم الدينية والأخلاقية التي أشارت إليها المادة تدور وجوداً وعدماً مع القيم الإسلامية فيما يتعلق بالعراقيين المسلمين، والقيم الدينية والأخلاقية المنصوص عليها في الديانات الأخرى بالنسبة للعراقيين غير المسلمين، ناهيك عن المخالفة الصريحة لبر الوالدين المنصوص عليها في المادة (29/ثانياً) من الدستور التي توجب على الأولاد حق الاحترام والرعاية، لذا فإنَّ مشروع قانون الحماية من العنف الأسري قد خالف المادة (29) من الدستور بعدم توفيره أي ضمانات لحماية هذا المبدأ الدستوري المهم.

كما يتعارض مشروع القانون مع المادة (41) من الدستور التي تنص على أنَّ (العراقيون أحرار في الالتزام بأحوالهم الشخصية، حسب دياناتهم أو مذاهبهم أو معتقداتهم أو اختياراتهم وينظم ذلك بقانون)، إذ إنَّ إقرار مشروع قانون الحماية من العنف الأسري معناه تعطيل حرية العراقي في الالتزام بأحواله الشخصية، مما يشكل مخالفة صريحة أخرى لأحكام المادة (46) من الدستور التي تنص على أنه (لا يكون تقييد ممارسة أي من الحقوق والحريات الواردة في هذا الدستور او تحديدها الا بقانون او بناء عليه، على ان لا يمس ذلك التحديد والتقييد جوهر الحق او الحرية)، وهو الأمر الذي يتوجب تطبيق حكم بطلان مشروع القانون وفقاً للمادة (13/ثانياً) من الدستور التي تنص على أنه (لا يجوز سن قانون يتعارض مع هذا الدستور، ويعد باطلاً كل نص يرد في دساتير الأقاليم او أي نص قانون آخر يتعارض معه).

وفضلاً عن ذلك فإنَّ مشروع القانون قد خالف حق التأديب، واستعمال الحق الشرعي المنصوص عليه في تعاليم الدين الإسلامي الحنيف المتمثل بإمكانية تأديب الأب البسيط لأبنه أو ابنته، وتأديب الزوج لزوجته وأولاده، بل يعد هذا المشروع مخالفاً لنصوص القران الكريم في العديد من المواضع ومنها (هجر الزوج لزوجته في المضاجع) كصورة من صور التأديب التي أجازتها الشريعة الإسلامية السمحاء، إذ إنَّ هذا الحق وفقاً لنصوص مشروع قانون الحماية من العنف الأسري يعد إيذاءً معنوياً ونفسياً يجيز للزوجة طلب اتخاذ الإجراءات القانونية ضد الزوج، وإدخال القضاء ودائرة الرعاية من العنف الأسري لغرض تعطيل النصوص القرآنية التي تجيز للزوج هجر زوجته.

كما أنَّ مشروع القانون بصيغته العامة يتعارض مع العديد من مواد قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969، ويتضمن تعديلاً ضمنياً له، ومنها المادة (41) التي تنص على انه (لا جريمة إذا وقع الفعل استعمالاً لحق مقرر بمقتضى القانون ويعتبر استعمالاً للحق:1 – تأديب الزوج لزوجته وتأديب الآباء والمعلمين ومن في حكمهم الاولاد القصر في حدود ما هو مقرر شرعاً  أو قانوناً  أو عرفاً)، كما يتعارض مع المادة (409) من قانون العقوبات التي تنص على انه (يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات من فاجأ زوجته  أو احد محارمه في حالة تلبسها بالزنا  أو وجودها في فراش واحد مع شريكها فقتلهما في الحال  أو قتل احدهما  أو اعتدى عليهما  أو على احدهما اعتداء افضى إلى الموت  أو إلى عاهة مستديمة. ولا يجوز استعمال حق الدفاع الشرعي ضد من يستفيد من هذا العذر ولا تطبق ضده احكام الظروف المشددة).

أما بالنسبة إلى الملاحظات التفصيلية على مشروع القانون فأول ما يلاحظ أنه لم يتضمن تعريف محدداً لجريمة العنف الأسري بالاعتماد على النماذج الجريمة لجرائم الأشخاص المنصوص عليها في قانون العقوبات، وهو بهذا قد خالف المادة (19) من الدستور والمادة (1) من قانون العقوبات المتعلقة بمبدأ الشرعية الجنائية (لا جريمة ولا عقوبة الا بنص)، وبالأخص فيما يتعلق بالعنف الأسري المعنوي والنفسي.

كما لا نؤيد ادراج جريمة الإكراه على التشرد ضمن جرائم العنف الأسري في مشروع هذا القانون، ونرى من جانبنا ضرورة إدراجها أما في قانون العقوبات رقم (111) لسنة 1969، أو في قانون رعاية الاحداث رقم (76) لسنة 1983.

فضلاً عن أنَّ تأسيس مديرية عامة في وزارة الداخلية بعنوان (دائرة الحماية من العنف الأسري) وفق المادة (3) من المشروع، وكذلك تأسيس (دور الايواء) التي ترتبط بوزارة العمل والشؤون الاجتماعية وفق المادة (5) من المشروع، وتأسيس (صندوق دعم ضحايا العنف الأسري) وفق المادة (15) من المشروع يرتب أعباءً مالية جديدة على عاتق الدولة العراقية في ظل الأزمة الاقتصادية والمالية التي يشهدها العراق، وقيام مجلس النواب بإصدار قانون الاقتراض المحلي والخارجي لسنة 2020 من اجل تمكين الحكومة من القيام بأعباء إدارة الدولة، وبهذا نؤيد رفض وزارة المالية العراقية المتضمن عدم تأييد مشروع القانون المذكور، وذلك بسبب قلة الموارد المالية المتاحة[3].

أما المادة (8) من مشروع القانون فإنها أجازت تقديم الإخبار عن جرائم العنف الأسري من أي شخص كان، وهو الأمر الذي من شأنه تفكيك الروابط الأسرية المقدسة وبالأخص في الخلافات والمشادات الكلامية العادية بين الزوج وزوجته، أو بين الاب وأبنائه من الذكور والاناث، وبهذا نرى أنَّ تمرير مسالة جواز الإخبار من أي شخص، معناه الإلغاء الضمني لقوامة الرجل على المرأة، وحق التأديب الممنوح شرعاً وقانوناً للزوج على زوجته أو الاب على ابنائه دون التصريح عن إلغاء ذلك، مما يخل من القيمة الاعتبارية والمعنوية لرب الأسرة يستوي في ذلك بالنسبة إلى الزوج  أو الاب الممنوحة له في مواجهة زوجته أو أولاده.

أما من الناحية الاجتماعية فنرى أنَّ الإخبار المقدم من أي شخص من شأنه هدم الثقة والرحمة بين الزوج وزوجته، فضلاً عن تزايد حالات الإخبار السري الكاذب من قبل عشيق الزوجة، مما قد يؤدي إلى تفكيك الأسرة من جهة، وتحويل الزوج إلى ضحية في الحالات المذكورة نتيجة اتخاذ الإجراءات القانونية ضده وفق المشروع، وبالأخص إذا ما علمنا أنَّ المادة (8/اولاً وخامساً) من مشروع القانون تبيح للمخبر عدم الكشف عن هويته وعدم اعتباره شاهداً في جرائم العنف الأسري.

وفضلاً عن ذلك فإنَّ المادتين (12/ثالثا) و(13) من مشروع القانون من شأنها أنْ تخدش سمعة العائلة عموماً وسمعة المرأة خصوصاً في ما يتعلق بالإيواء الطارئ خارج البيت (دار الايواء) لمدة (3) أيام وفي الأحوال الاعتيادية مدة لا تقل عن (30) يوماً ولا تزيد على (180) يوماً، إذ إنَّ غالبية المجتمع العراقي يصنفون من الأسر المحافظة، التي يكون للأعراف والاعتبارات العشارية والأخلاقية دورها الكبير في المجتمع والأسرة، ومن شان هذا الإيواء انْ يؤدي إلى زيادة حالات الطلاق والهجر الأسري والتشرد.

وفي الختام نرى أنَّ مشروع القانون لم يراعِ الطبيعة الخاصة لجرائم العنف الأسري، إذ اعتنق العقوبات المادية والمدنية دون أنْ يقر بالعقوبات المعنوية التي تكون أشد وطئاً على الاب أو الزوج المتهم بالتعنيف، ومن شأنها إصلاح ذات البين بعيداً عن السياسة الجنائية المشددة التي نص عليها مشروع القانون في المواد (18-20) منه، إذ إنذَ تحديد مدة الحبس بمدة لا تقل عن (3) أشهر، فضلاً عن الغرامة التي لا تقل عن مليون دينار من شانها تفكيك الأسرة العراقية، وتهديم هذه الرابطة الأسرية المقدسة.

لكل ما تقدم فإننا ندعو مجلس النواب إلى عدم ادراج مشروع هذا القانون ضمن جدول أعمال مجلس النواب واعادته إلى مجلس الوزراء، لغرض تشكيل العديد من اللجان الاجتماعية والقانونية والنفسية المختصة، مع تكليف مجلس الوزراء واللجان النيابية المختصة بعقد العديد من الورشات والدراسات لغرض بيان الجدوى القانونية والاجتماعية من تشريع هذا القانون، والاثار التي يحققها بالنسبة للمجتمع فيما يتعلق بالمحافظة على الأسر وتقليل حالات الطلاق وغيرها من الامراض التي تصيب الأسرة والعائلة والمجتمع العراقي.

وفضلاً عن ذلك ندعو مجلس الوزراء إلى مراعاة الأولوية في إعداد مشاريع القوانين المرسلة إلى مجلس الوزراء، وبما ينسجم مع المنهاج الوزاري الذي سبق التصويت عليه من مجلس النواب وبما ينسجم مع النصوص الدستورية.

كما ندعو إلى ضرورة مباشرة الشعب لرقابته على أعمال السلطتين التنفيذية والتشريعية باعتباره مصدر السلطات وفق المادة (5) من الدستور.

وفي الوقت ذاته ندعو رجال الأديان – على اختلافهم وتنوعاتهم – إلى نشر القيم السامية والأصيلة للأسرة بما ينسجم مع التعاليم الشرعية والقيم والأعراف الاجتماعية النبيلة التي تساهم في التقليل من الأمراض الاجتماعية الطارئة على المجتمع العراقي.

وفضلاً عن ذلك ندعو المختصين في العلوم القانونية والاجتماعية والنفسية والثقافية أنْ يدلوا بدلوهم من أجل المساهمة في منع تمرير مثل هكذا مشاريع مستوردة من شأنها التقليل من القيم الاجتماعية والأخلاقية السامية العراقية.

(1) اعتمدت هذه الاتفاقية وذلك بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة المرقم 34/180 بتاريخ 18/كانون الاول/ ديسمبر 1979.

(2) تنص المادة (2) من قانون التصديق على (أنَّ التصديق والانضمام إلى هذه الاتفاقية لا يجعل الجمهورية العراقية ملزمة بحكم المادة الثانية من الاتفاقية بفقرتيها (و) و(ز) وكذلك المادة التاسعة بفقرتيها والمادة (16) منها على ان يكون التحفظ المتعلق بهذه المادة دون الاخلال بما تكفله الشريعة الاسلامية من حقوق مقابلة لحقوق الزوج بما يحقق التوازن العادل بينهما، وكذلك التحفظ بشأن الفقرة (1) من المادة 29 من هذه الاتفاقية فيما يتعلق بمبدأ التحكيم الدولي حول تفسير او تطبيق هذه الاتفاقية).

(3) ينظر كتابا وزارة المالية المرقم 151379 في 14/11/2019 والمرقم 46044 في 12/12/2019.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *