تحليلات واراء

أوروبا الخائفة من الإرهاب تعيد النظر بسياستها تجاه سوريا

 سركيس ابو زيد

“التراجع عن الخطأ…فضيلة”، هذا ما فهمه بعض الأوروبيين مؤخراً نتيجة أحداث إرهابية حدثت في مناطق مختلفة في القارة الاوروبية وأهمها “حادثة صحيفة شارلي ايبدو”، التي شجعت بعض الساسة الأوروبيين معاودة النظر في خطواتهم وقراراتهم فيما يخص الأحداث الدائرة في سوريا والعراق، والتي انعكست سلبًا على أوروبا التي دقت ناقوس الخطر من “الإسلاموفوبيا”.

ربما تكون صحوة متأخرة، لكن، أن تأتي متأخرة خيراً من أن لاتأتي أبداً، وهذا التغيّر في المواقف السياسية الأوربية برز مع استضافة المستشارة الرئاسية السورية بثينة شعبان في منتدى أوسلو العالمي ،وتوسع نطاق حركة النرويج المكلفة على الأرجح من واشنطن بمھمة فتح خطوط العلاقة مع دمشق.

وتشير مصادر إلى أن دول الجنوب الأوروبي تمھّد الى استعادة حرارة العلاقات مع سوريا في جميع المجالات ويشمل ذلك إسبانيا وإيطاليا والبرتغال واليونان وقبرص، والموفدون من هذه الدول الذين زاروا دمشق، أكدوا على خطأ أمريكا الكارثي ومعها فرنسا وبريطانيا في شن الحرب على سوريا وبتقديم الدعم لفصائل القاعدة وجماعات التكفير الإرھابية التي تعاظم خطر ارتدادھا نحو الغرب.

ودائرة الوفود التي تزور دمشق توسعت لتشمل مجموعة الكومنويلث التي تشكل قاعدة منظومة الأنكلوسكسونية بقيادة الولايات المتحدة وتضم كندا وأستراليا وبريطانيا ونيوزيلندا.

في حين بقي الموقف الرسمي السوري ثابتًا على موقفه في شأن إفھام الزوار أن التعاون الأمني رھن التفاھم السياسي، وأن الدبلوماسية السرية لامكان لھا في القاموس السوري، وبالتالي فالتراجع العلني والصريح عن الانخراط في حلف العدوان على سوريا، واعتماد لغة سياسية جديدة حول الوضع السوري يمثّلان المقدمة الملزمة للتعاون الأمني في مكافحة الإرھاب. ومن نتائج هذا الحراك شرعت بعض الحكومات الأوروبية تمھّد الى إعادة فتح سفاراتھا في دمشق.

على الصعيد الفرنسي، زار وفد نيابي دمشق بعد ثلاثة أعوام تقريبًا من إغلاق السفارة الفرنسية في دمشق، فضلا عن حرب شعواء قادتھا فرنسا مع معسكر “أصدقاء سوريا“.

يرى البعض إن هذه الزيارة – على الرغم من الخلافات التي أثارتها داخل فرنسا – تأتي في ظل مراجعة للسياسة الخارجية الفرنسية في الشرق الأوسط، خصوصاً بعد سلسلة الھجمات الإرھابية التي شھدتھا فرنسا، والخوف من تھديدات الإرھابية جديدة والحاجة إلى التعاون مع سوريا،بالإضافة الى التوجّس الكبير من التبشير الوھابي في المساجد الفرنسية، الممول سعودياً. في ظل تقاعس تركيا في مواجھة موجة العائدين من سوريا، واستمرار عبور العشرات منھم عبر الحدود التركية، من دون أن تقوم الأجھزة التركية بالإبلاغ عنھم أو إيقافھم.

وفي رد على زيارة الوفد البرلماني الفرنسي لدمشق، بادرت دوائر الخارجية الفرنسية الى القول” أن هذه الزيارة جاءت بمبادرة شخصية ولاتمثل الموقف الرسمي الفرنسي، المتمسك باتفاقية جنيف-1، وبالدعوة إلى قيام سلطة انتقالية من خلال حوار بين النظام والمعارضة المعتدلة.”

كما وصلت تداعيات الزيارة إلى أعلى مستوياتها في الدولة الفرنسية كما وصفھا رئيس الحكومة مانويل فالس بـ”الغلطة الأخلاقية”، حتى إن رئيس الجمهورية أدانها في خلال زيارته الى مانيلا عاصمة الفلبين.

وبغض النظر عن الموقف الفرنسي المتأرجح، فإن الزيارة هذه تشكل مؤشرًا أوليًا على تصدع الموقف الأوروبي والفرنسي حيال الأزمة السورية، بعد مؤشرات ميدانية تشير الى تراجع دور ما يسمى بالمعارضة المعتدلة وإلى توزع الأرض بين قوات النظام وحلفائه من جھة وقوات “داعش” و”النصرة” وتنظيمات إسلامية من جھة ثانية.

الھجمات الإرھابية في أوروبا (فرنسا بلجيكا السويد…) أوجدت تھديدات أمنية جدية، دفعت باتجاه المطالبة بتفعيل التعاون الأمني مع الأجھزة السورية. لھذا التعاون نتيجة ستتمثّل بإعادة التواصل الدبلوماسي والسياسي.

والأهم من ذلك حالة التشوش والتذبذب في الموقف الأميركي حيال الأزمة السورية الذي لا تركن إليه أوروبا، خاصة بعد قرار البيت الابيض في تدريب المعارضة السورية المعتدلة التي حددت ھدفھا في محاربة “داعش” وليس النظام

من جهة أخرى ما يشغل اھتمام وتركيز الأوروبين حالياً هو أهم من الأزمة السورية التي أتعبتهم وأحبطتھم، هي الأزمة الليبية التي أقلقتهم وأفزعتھم لأنھا أوصلت “داعش” الى باب أوروبا.

 

لذلك توجه الأوربيون الى العمل وعلى مستويات عديدة لمحاربة الإرھاب في الداخل الأوروبي وفي دول الجوار السوري، وتبلور مؤسسات الاتحاد الأوروبي استراتيجيات مختلفة الأبعاد يبدو لبنان جزءًا أساسيًا منھا، والتي سيتضمن دعمها المستقبلي للجيش اللبناني من خلال تقوية نظامه اللوجستي، وتعزيز قدرات التخطيط وتنفيذ العمليات، وإنشاء دائرة تدريب للجيش ومساعدته على القيام بمھام أمن الحدود وإدارتھا، بالإضافة الى تحسين دور الجيش في مكافحة الإرھاب .

كما يذهب الاتحاد الاوروبي برغبته هذه الى أبعد من ذلك، من خلال تفعيل مشاريع التعاون الأمني، وخصوصًا مع البلدان التي تشكّل أراضيھا مقرًا أو ھدفا محتملًا للإرھابيين مثل لبنان والعراق وتركيا والأردن، ويترافق الشق الأمني مع تقوية البنى التحتية الخاصة بمواجھة الأزمات والتدخل السريع في حالات الطوارئ، بالإضافة الى مراقبة الحدود وأمن الطيران، والاتصالات الإستراتيجية.

وبناء على ما تقدم فإن لبنان أكد موافقته وتعاونه في الاستراتيجية الأوروبية لمكافحة الإرھاب والتي تضع نصب عينيھا مطاردة المقاتلين الأجانب (الأوروبيين) الذين يتدفقون من حوالي 12بلدًا أوروبيا للقتال في سوريا والعراق، والذي وصل عددهم الى أكثر من 4 ألاف مقاتل كما كشف مؤخرًا المنسق الخاص لشؤون مكافحة الإرھاب في الاتحاد الأوروبي جيل دي كرشوف في جلسة صحافيّة أعقبت مشاركته على رأس وفد أوروبي في اجتماعات مع رؤساء الأجھزة الأمنية والقضائية اللبنانية .

هل نشهد صحوة أوروبية وغربية عامة، تدفع حكوماتها الى إعادة النظر في سياساتها المغامرة في سوريا والمنطقة أم مجرد تحركات إعلامية تعكس الخلافات الداخلية في القارة العجوز ؟

نقلاً عن موقع العهد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *