الاكثر قراءةتحليلات و آراءغير مصنف

الطبقة البرجوازية السورية..  فاعل منقسم أم مركزي في إعادة التشكيل السياسي؟

بقلم: د. ساعود جمال ساعود

جامعة دمشق / سوريا

 

البرجوازية السورية وتجنباً لتشعب المفهوم، يُراد بها طبقة رجال الأعمال من أصحاب رؤوس الأموال الضخمة ومالكي الأصول المادية، الذين يستمدون قيمتهم الوجودية في سوريا اليوم، من إدراكهم لدورهم وللحاجة لمصادر قوتهم الفاعلة، ومن بروزهم كجماعات ضغط لها مسارها الموازي ورأيها الخاص في صنع القرار الخاص بمستقبل سوريا من منظور اقتصادي، ولا يمتد المفهوم لأكثر من النطاق المحدد والمشمول بالوصف، لكونهم فواعل تحت ثانوية، غير مؤثرين بموازين القوى على الساحة الداخلية في سوريا.

 

البرجوازية السورية على مفترق طرق مصيرية

بعد نجاح التسوية الدولية الروسية التركية وغيرهم من المنخرطين في الحرب على سوريا، في إسقاط المنظومة السابقة التي قادها بشار الأسد في سوريا لمدة 24 سنة، تبخرت بين ليلة وضحاها بما فيها الهيكلية المؤسساتية للدولة وفواعلها، وذلك خلال ساعات بفعل خيانة داخلية وانقلاب عسكري هو الأذكى بعالمنا المعاصر ودعم الجيش التركي ميدانياً للفصائل المسلّحة تعدّاه إلى مساندة سياسية ومالية خليجية- (إسرائيلية)- أمريكية،  وانتصار المعارضة المسلّحة بطابعها ” الديني” والمتعدد الأجناس والأعراق واستلامها للقيادة في سورية، التي تخرج إلى واقعها الجديد منهكة اقتصاديا وبحاجة إلى إعادة البناء من تحت الصفر، ويقابل غلبة الطابع الديني على الفصائل والتيارات والجماعات في الشارع السوري، غياب يثير الضحك والبكاء بالوقت ذاته للقوى المدنية والعلمانية عن الساحة السورية وعجز مقدرتهم على تشكيل طرح ذاتهم كمعادل موازن على الساحة الداخلية السورية.

في ظل هذه الظروف سعت الإدارة الانتقالية إلى استقطاب الطبقة البرجوازية التي تضم كبار رجال الأعمال إلى جانبهم، علماً أنّه كان لبعضهم علاقاته النفعية مع القيادة السابقة على عام 2024م، ما يطرح تساؤلات كثيرة يتعلق بعضها بالعمق السياسي لخفايا المجتمع السوري منها ما هو حول طبيعة هذه الطبقة ذات الجذور (الاقتصادية- الاجتماعية- السياسية)، بما لها من ثقل ودور سري وعلني، تؤثر- كما كانت في عهد النظام السابق- على معادلة الأمن والاستقرار في سوريا، إذ هي أحد أطراف المعادلة من المنظور الاقتصادي. الأمني، ومنها ما يطرح حول أدوار ومساهمات الطبقة البرجوازية للمشاركة ببناء سوريا اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا لإنقاذ سوريا من ” الممارسات المحظورة ” بمستقبل سوريا والسوريين (الأقليات)، والغير “قابلة للتنبؤ”، وكيف بإمكانهم المشاركة ببناء سوريا اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا؟

 

 

رجال الأعمال السوريين والتخندق السياسي والاقتصادي

انقسم رجال الأعمال انقسموا ما بين مؤيد للسلطة السابقة ومعارض لها، تبعاً للمصالح والترابطات التي تجمعهم بمصالحهم خارج سوريا وحلفائهم من الدول التي تبنت نهجاً غير ودي للنظام السابق، وكان لأموالهم دور في إسناده في ظل ما قدموه من دعم مادي ومؤازرة اقتصادية، فكانوا أحد أسباب صموده طيلة سنوات الحرب، في حين وقف بقية رجال الأعمال في الخندق المقابل داعمين للحراك العسكري ضد المنظومة الحاكمة السابقة، بدافع المصالح فقط بدليل أن قسماً منهم لم يعد إلى سوريا بعد 8/ كانون الأول، في فترة تقف فيها سوريا منهارة اقتصاديا بدون أية موارد ، ترزخ تحت العقوبات الأمريكية، في حين حاول رجال الأعمال كأقطاب للبرجوازية السورية، العودة وتسوية أوضاعهم لدرايتهم بالحاجة لتوظيف أموالهم، ولكن أدواتهم ووسطائهم اختلفوا، كما الحال بالنسبة لغاياتهم التي تراوحت بين العودة لمزاولة النشاط الاقتصادي وأخرين تابعوا دورهم في التحريض على الاقتتال الداخلي وفق المخطط الاتي:

 

  1. محمد حمشو: أحد رجال الأعمال السوريين، وكان ذو علاقات قوية مع القيادة السياسية السابقة، عاد إلى سوريا في كانون الثاني 2025 بعد وساطة خليجية، لحماية ممتلكاته وأصوله العينية والنقدية، ولكن المفاوضات مع الإدارة الانتقالية فشلت، فغادر سورية.

  2. سامر فوز: رجل أعمال سوري- تركي، هرب مؤقتاً بعد السقوط لكنه عاد في شباط 2025 للتفاوض، أصوله مجمدة، وهو مستهدف في تحقيقات الفساد، لكنه يسعى لاستعادة أعماله في العقارات والنفط دون تصريحات معادية للنظام الجديد.

  3. رجال أعمال آخرون: شخصيات مثل وليد الزعبي وياسر إبراهيم يتبعون نهج التسويات مع النظام الجديد للعودة والاستثمار، دون أي دليل على تخطيط للإسقاط.

  4. بالترافق مع ظهور إعلان تأسيس “المجلس السياسي لإقليم وسط وغرب سوريا”، الذي يطالب بفدرالية تشمل اللاذقية، طرطوس، حمص، وأجزاء من حماة، أعلن رجل الإعمال رامي مخلوف في نيسان 2025 وهو المقرب من عائلة الأسد، عن تشكيل ميليشيا تُسمى “القوات النخبوية” لحماية الساحل السوري، مدعياً أنها تهدف إلى تعزيز الأمن والتنمية الاجتماعية والاقتصادية، مع دعوات لإنشاء نظام سياسي وأمني جديد، ولم يذكر صراحة تشكيل مجلس سياسي أو ديني، ولكن هذه المبادرة قوبلت برفض واسع من المجتمع المحلي في الساحل ، حيث تم اعتبارها محاولة لإثارة التوترات الطائفية، مما قلل من تأثيرها.

 

على العموم، إنّ رجل الأعمال السوري يتبع مصالحه، ولا يعنيه مسألة الولاء لشخص محدد أو التمسك بنظام معين، في حين المتضررين حاولوا قلب الأوضاع تحت تسميات ودوافع سياسية ودينية خبيثة، ولكنها لم تنجح، كما أن جهود الوساطة والتفاوض مع العائدين من حضن النظام القديم إلى حضن الإدارة الجديدة، لم تنجح مساعيهم، مما سلط الضوء على التشابكات المصلحية بين رجال أعمال البرجوازية السورية والأنظمة السياسية المتعاقبة.

 

علاقات البرجوازيين السوريين بالسلطة والسلطويين: خطوط فصل التشابك

العودة إلى التاريخ السياسي لسوريا، يظهر الدور المحوري للطبقة البرجوازية في تشكيل الدولة السورية بعد الاستقلال في نهاية الأربعينيات من القرن الماضي، ودورها في إرساء النظام الديمقراطي الذي كان سائداً في تلك المرحلة، فقد أدرك النظام السابق أهمية هذه الطبقة وثقلها الاقتصادي ومقدرتها بالتأثير على مجريات الأوضاع السياسية والاجتماعية والأمنية، فعقد تحالفات معها، لما في كسب كبار التجار ورجال الأعمال وأرباب المصانع والحرف من مكاسب تدعّم السلطة وتطيل بقائها بدون منافسين أقوياء، وتحميها من التصدّعات والتقلّبات داخلياً وخارجياً، مع أتباع الإجراءات الكفيلة بعدم تمرد الطبقة البرجوازية ذاتها، ولكن تحالف أو تزاوج المال والسلطة بدافع المصالح المتبادلة وتسهيل تمريرها، انعكست سلباً على المجتمع والاقتصاد السوري نظراً لأن تحالفهما على حساب المجتمع والاقتصاد ذاتهما، ما يعني أن تحالف البرجوازية مع السلطة ليس دائماً في صالح الدولة، إذا ما غلبت المصالح الخاصة على حساب العامة اقتصاديا، وهو ما يجعل بعض التيارات السورية “المتخفية خلف الجدران” تنظر بقلق للقاءات الإدارة السورية الجديدة مع عدد من رجال الأعمال البارزين، خشية أن يتكرر الماضي بلبوس جديد، وهنا لا يمكن الحكم على هذا التوجس بالبطلان، كون معلومات اللقاءات حكراً على أطرافها، ولا يخرج منها إلى العلن إلا ما تكلف وسائل الإعلام بتسويقه، ولكن بالمقابل ليس الاجتماع لأبعاد اقتصادية فقط لكون الدولة السورية الأن بحاجة إلى أموال التجار البرجوازيين السوريين، وأن مساندتهم للإدارة الجديدة سيكون أحد عوامل نجاحها وكسب ثقة جزئية للشعب السوري عبر إخراجه من أوضاعه المتردية، فهذه الحسابات صحيحة ، ولكن يبرز اليوم عامل أخطر ألا وهو العامل الأمني واستدامته، بمعنى أن الإدارة الجديدة لها هواجسها الأمنية من ” ثورة مضادة” تهدد وجودهم وتعرقل مخططاتهم، الفعل الذي يستعصي على أي مكون أو شريحة في الداخل السوري باستثناء الطبقة البرجوازية القادرة على قلب الموازين ، والتي تشكّل خطراً على السلطة الجديدة كونهم يملكون قوة المال والسلاح الذي اشتروه من ضباط النظام السابق في الأنفاس الأخيرة، بالاستفادة من تدمير (إسرائيل) لترسانة الأسلحة الثقيلة والوسطى والتي بها إضعاف للسلطة الجديدة أيضاً التي لا تملك سوى الأسلحة الخفيفة، ليبقى عليهم مهمة التجنيد، “إيجاد الأدوات وتجنيدها” من الأشخاص المتضررين والناقمين، لتبرز هذه الطبقة بوصفها قوة مؤثرة نافذة على أرض الواقع السوري، وبالحد الأدنى جماعات ضغط قادرة على التلاعب بمجريات الأمور من وراء الستار، نظراً لأن معظمهم غادر سوريا بحكم ارتباط المصالح التي جمعتهم من النظام السابق، وقسم أخر لجأ إلى الهدنة من السلطة الجديدة، وقسم أخر يلتزم الصمت خوفاً على حياته وممتلكاته، دون استبعاد مطامعهم بالسلطة وتحيينهم للوقت المناسب، يساعدهم عامل خارجي هام، الخسارة القاتلة التي منيت بها إيران التي توحي تصريحات قادتها بأنهم يحضرون لشيء ما في أروقة الاستخبارات الإيرانية تجاه الوضع السوري المستجد الذي أودى بالكثير من مكاسبهم الجيوسياسية، بالاستفادة من حالة التعارض بين المحورين (الإماراتي – السعودي) والمحور الأخر(التركي- القطري)، وهذا ما يعتبر قاسماً مشتركاً بين القوى الثلاث إيران والإمارات والسعودية رغم الخلافات الأيديولوجية البنيوية بين هذه القوى، والجدير بالتنويه هنا أن مشروع ” التهام الجغرافيا وبعض الأعراق السورية” لم ينتهي بسقوط النظام بل إن التطبيق العملي لتقسيم سوريا بدأت عقب الخطوة الأولى “عملية الإسقاط الممنهج للنظام” بدعم اقليمي دولي.

 

الأدوار المركزية في إعادة التشكيل السياسي في سوريا

بالرغم من أن الطبقة البرجوازية في سوريا تأثرت سلباً بالحرب الأهلية والانهيار الاقتصادي، لا تزال تمتلك موارد مالية ومعرفية وعلاقات دولية يمكن أن تكون أساساً لإعادة الإعمار، هذه الطبقة، التي تشمل رجال الأعمال والمستثمرين والمهنيين والمثقفين، لديها القدرة على لعب دور جوهري في إعادة بناء الاقتصاد السوري. يمكنها، على سبيل المثال، إنشاء المصانع والمعامل الخاصة، والمباشرة بمشاريع استثمارية كبيرة اعتماداً على استثمار رأس المال المتبقي لديها في إعادة تأهيل البنية التحتية، ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي يمكن أن توفر فرص عمل للآلاف من العاطلين عن العمل، كما يمكنها العمل على جذب الاستثمارات الخارجية، سواء من الدول العربية أو الدولية، عبر بناء شبكات علاقات مع المؤسسات المالية العالمية ومنظمات الإغاثة والتنمية، هذه الاستثمارات يمكن أن تكون بمثابة حجر الأساس لإعادة بناء الاقتصاد السوري، الذي يعاني من انهيار شبه كامل بعد أكثر من عقد من الحرب.

 

  1. على الصعيد السياسي ” السلمي” القابل لإساءة الاستخدام وتحوير المضامين والأدوار: يمكن للطبقة البرجوازية أن تكون قوة دافعة نحو إعادة بناء الدولة السورية على أسس ديمقراطية وعلمانية، رغم العقلية الدينية للطرف المسيطر اليوم، إلا أن الطبقة البرجوازية يمكنها العمل على تشكيل تحالفات مع القوى المدنية والعلمانية المتبقية، ودعمها في بناء مؤسسات سياسية فاعلة وقادرة على مواجهة الاستبداد الجديد يمكنها أيضاً الدفع نحو تشكيل حكومة انتقالية تضم ممثلين عن جميع الأطياف السياسية والاجتماعية في سوريا، بما في ذلك الأقليات الدينية والعرقية، لضمان تمثيل جميع فئات المجتمع في عملية صنع القرار، هذا “النهج التشاركي” في حال حصلت المعجزة وتم كواقع، يمكن أن يساعد في بناء نظام سياسي أكثر شمولية واستقراراً، قادر على تجاوز الانقسامات العميقة التي خلفتها الحرب.

  2. اجتماعياً، وفي حال توفرت المساعي الصادقة لرأب الصدع المجتمعي بين السوريين: يمكن للطبقة البرجوازية أن تلعب دوراً مهماً في تعزيز التماسك الاجتماعي وبناء جسور الثقة بين المجتمعات المتنافرة، عبر دعم العديد من المبادرات مثل دعم تعزيز الحوار بين الأديان والمذاهب، ودعم المشاريع الثقافية والتعليمية، كما يمكنها العمل على دعم المنظمات غير الحكومية التي تعمل في مجالات الإغاثة والتنمية والمعنية بمعالجة ظواهر انتهاكات حقوق الإنسان، وتوفير الدعم المالي والمعنوي للاجئين والنازحين الذين عانوا من تبعات الحرب، هذه الجهود يمكن أن تسهم في إعادة بناء النسيج الاجتماعي السوري، الذي تعرض لتمزقات عميقة بسبب الصراعات السياسية والطبقية والطائفية والعرقية.

 

ورغم امتلاك المشكلين للطبقة البرجوازية السورية للمال، إلا أن الواقع الراهن ومشاكلة البنيوية لم تخدم مسألة السرعة بالإنجاز، فالإرث السلبي ليس وليد الحرب بل يمتد لما قبل الحرب، لذا إن دور الطبقة البرجوازية في إعادة بناء سوريا لن يكون سهلاً أو خالياً من التحديات والتي نذكر من جملتها:

  1. التحديات الأمنية بالدرجة الأولى، حيث أن البلاد لا تزال تعاني من عدم استقرار أمني بسبب وجود الجماعات المسلحة المنفلتة خارج كيان عسكري مؤسساتي ناظم لعملها والصراعات الداخلية.

  2. هناك تحديات اقتصادية، حيث أن الاقتصاد السوري يعاني من انهيار شبه كامل، مع انخفاض حاد في قيمة العملة المحلية وارتفاع معدلات التضخم والبطالة والأسعار المتقلبة من المواد الأساسية.

  3. هناك تحديات سياسية، حيث أن السيطرة “الجديدة” على السلطة تتم بقوة السلاح والشعب سلبي لدرجة أن دوره التصفيق والاحتفالات للذاهب والوافد للقاصي والداني رغم ادعاء الوعي السياسي، وقد لا يكون الحكم الجديد مستعداً لتقاسم السلطة مع القوى المدنية أو البرجوازية. وللتغلب على هذه التحديات، يجب على الطبقة البرجوازية أن تعمل بشكل استراتيجي ومدروس:

  4. يجب عليها أن تبني تحالفات قوية مع القوى الدولية والإقليمية التي يمكن أن توفر الدعم السياسي والمالي لإعادة الإعمار.

  5. يجب عليها أن تعمل على بناء شبكات علاقات داخلية مع القوى المدنية والعلمانية، ودعمها في بناء مؤسسات سياسية فاعلة.

  6. يجب عليها أن تعمل على تعزيز الشفافية والمحاسبة في إدارة الموارد المالية، لضمان أن الأموال التي يتم جمعها تستخدم بشكل فعّال في إعادة الإعمار.

 

وكنتيجة فرعية، يمكن القول أن الطبقة البرجوازية في سوريا لديها القدرة على لعب دورين متباينين، أحدهما دور بنّاء بالتعاون مع الإدارة الجديدة لإنقاذ البلاد من ظروفها الغير مستقرة وإعادة بنائها اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً، وأما الانب الأخر لدورها أن تقوم “البرجوازية الجديدة” بمالها وسلاحها بتغذية الأصوات المناوئة والنعرات الضيقة لقلب الموازين على الساحة الداخلية، وهذا ممكن ومستبعد حالياً، وبالنسبة للدور الإيجابي البنّاء فإن نجاحها فيه سيعتمد على قدرتها على التغلب على التحديات الكبيرة التي تواجهها، وعلى استعدادها للعمل بشكل تعاوني مع جميع القوى الفاعلة في المجتمع السوري، إذا تمكنت من القيام بذلك، فقد تكون قادرة على المساهمة في بناء سوريا جديدة، أكثر ديمقراطية واستقراراً وازدهاراً، وبكلا الدورين يمكن لهذه الطبقة المقتدرة أن تقلب الموازين الداخلية فيما لو استيقظت وشمّرت عن سواعدها أو كشرت عن أنيابها.

 

البرجوازية السورية وعوائق التحرك الفاعل والدور والتأثير:

لتحليل العوائق التي تحول دون قدرة الطبقة البرجوازية في سوريا على التحرك بمرونة وفقاً لأجندتها الخاصة التي قد تتقاطع مع توجهات الجدد أو تختلف، فإنه يجب النظر إلى مجموعة من العوامل الداخلية والخارجية التي تحد من تأثيرها، هذه العوائق ليست بسيطة، بل هي متشابكة ومعقدة، وتشكل تحديات كبيرة أمام أي محاولة لتغيير الوضع القائم.

 

 فيما يلي أبرز هذه العوائق مدعومة بالحجج المنطقية:

أولاً: فاعل منقسم: الانقسامات الداخلية داخل الطبقة البرجوازية:

  1. التشرذم وعدم التجانس: الطبقة البرجوازية في سوريا ليست كتلة واحدة، بل تتكون من عدة فئات (كبار رجال الأعمال، المستثمرين، المهنيين، وغيرهم) ذات مصالح وولاءات وانتماءات متضاربة، هذا التشرذم يجعل من الصعب عليها التحرك بشكل موحد أو اتخاذ قرارات جماعية.

  2. الولاءات المتباينة: بعض أفراد البرجوازية قد يكونون موالين للإدارة الجديدة بسبب مصالحهم الاقتصادية، بينما قد يفضل آخرون البقاء على الحياد أو حتى دعم قوى ” معارضة ” لم تتبلور هويتها بعد على أرض، يشجع هذا الطرح أن طبقة رجال الأعمال دعمت النظام السابق وتحالف معه، وبالنتيجة هذا التناقض يحد من قدرتها على تشكيل جبهة موحدة.

 

ثانياً: القيود الأمنية والسياسية:

  1. سيطرة الإدارة الجديدة على الأجهزة الأمنية “القيد التشكيل “: إذا كانت الإدارة الجديدة تسيطر على الأجهزة الأمنية والعسكرية المتمثلة بفصائل “عملية ردع العدوان”، فإنها ستكون قادرة على قمع أي محاولة لقلب الموازين، خاصة إذا كانت هذه المحاولة مدعومة من البرجوازية.

  2. الرقابة على النشاط الاقتصادي: الإدارة الجديدة تفرض قيوداً على تحركات رأس المال أو أنشطة الأعمال بالقوة العسكرية، مما يحد من قدرة البرجوازية على استخدام مواردها المالية للتأثير سياسيًّا.

 

ثالثاً: الوضع الاقتصادي المنهك:

  1. تدمير البنية التحتية: بعد أكثر من عقد من الحرب، تعاني سوريا من تدمير شامل للبنية التحتية، مما يجعل أي محاولة لاستخدام القوة الاقتصادية لإحداث تغيير سياسي أمراً صعباً خاصة في ظل التكلفة الباهظة لإعادة الإعمار التي قدرها البنك الدولي بـ 400 – 800 مليار دولار أمريكي.

  2. نقص السيولة المالية: حتى لو كانت البرجوازية تمتلك أصولًا، فإن تحويل هذه الأصول إلى سيولة مالية يمكن استخدامها في نشاط سياسي أو عسكري قد يكون صعبًا في ظل الأزمة الاقتصادية الحادة، كما أن قسم كبير من عناصر الطبقة البرجوازية قدم تم تجميد ما يملكون من أصول، ما دفعهم لمغادرة سورية وكثيرون منهم قالوا: “مبروك عليكم البلد”.

 

رابعاً: الخوف من العواقب (خسارة المكاسب):العديد من أفراد البرجوازية قد يخشون من خسارة ممتلكاتهم أو مصالحهم الاقتصادية إذا فشلت محاولة قلب الموازين، هذا الخوف يجعلهم يفضلون التعاون مع الإدارة الجديدة بدلًا من مواجهتها باستثناء حالة الدعم الدولي الذي لا يمكن نجاح أي محاولة انقلابية للطبقة البرجوازية بدونه.

 

 

خامساً: غياب الدعم الشعبي:

  1. انفصال البرجوازية عن الشارع: غالبًا ما يُنظر إلى البرجوازية على أنها طبقة نخبوية منفصلة عن هموم الشعب السوري العادي، هذا الانفصال يجعل من الصعب عليها حشد دعم شعبي واسع لأي محاولة لتغيير النظام إلا إذا استندت محاولات الحشد على الاستياء الشعبي العارم ومن ثم مصداقية الرغبة بالحشد والتحرك ليأتي دور الطبقة البرجوازية بالدعم المالي والتزويد بالسلاح، وبالأصل قيام البرجوازيين بمهمة قلب الموازين يعتمد على توقيت احتداد الاستياء الشعبي، والتماس محاولات التخلص من الإدارة السياسية الجديدة.

  2. السخط الشعبي ضد الفساد: إذا كانت البرجوازية مرتبطة بفساد النظام السابق، فقد تواجه مقاومة شعبية إذا حاولت لعب دور سياسي كبير، الأمر المرهون بوعي الشعب السوري التي تظهر المقاطع المفصلة من تاريخ سورية أنه يحتاج للمزيد من الوعي السياسي والثقافي، وأن زخم تحركاته لا يبلغ أشده إلا على المواقع الافتراضية الوهمية.

 

سادساً: التحديات الخارجية:

  1. الضغوط الدولية: المجتمع الدولي قد لا يدعم أي محاولة لقلب الموازين، خاصة إذا كانت الإدارة الجديدة تتمتع بشرعية دولية أو دعم من قوى إقليمية كبرى كما هو الحال بالنسبة لدعم قطر وتركيا وأمريكا للأدارة الحالية.

  2. التنافس الإقليمي: التنافس بين المحورين (الإماراتي-السعودي) و(التركي-القطري) قد يجعل من الصعب على البرجوازية الحصول على دعم خارجي موحد، خصوصاً بعد الفشل الروسي الإيراني في تحويل سوريا لساحة نفوذ لهم، وتحولهم نحو ساحات واستراتيجية أخرى.

 

سابعاً: ضعف الأدوات السياسية:

  1. غياب القوى المدنية الفاعلة: في ظل غياب قوى مدنية أو سياسية قوية يمكن أن تشكل بديلًا عن الإدارة الجديدة، قد تجد البرجوازية نفسها عاجزة عن تشكيل تحالفات سياسية فعالة.

  2. عدم وجود قيادة موحدة:  بدون قيادة سياسية موحدة، سيكون من الصعب على البرجوازية تنظيم أي تحرك كبير ضد الإدارة الجديدة.

 

ثامناً: الاعتماد على الإدارة الجديد:

  1. المصالح المشتركة: بعض أفراد البرجوازية قد يجدون أن مصالحهم الاقتصادية تخدمها الإدارة الجديدة، مما يجعلهم يفضلون التعاون بدلًا من المواجهة، ويلاحظ حرص الإدارة الجديدة على استقطاب رجال الأعمال، ما يعني محاولة عزل أمنية سياسية لنزع التفكير من رؤوس النخب المالية بمشروع قلب الموازين.

  2. الخوف من الفوضى: قد تفضل البرجوازية الاستقرار النسبي الذي توفره الإدارة الجديدة على المخاطر التي قد تنجم عن محاولة قلب الموازين، في ظل عوامل متعددة منها عدم وجود قيادة فاعلة لاستلام زمام القيادة، ومخاطر الوقوع بمستنقع الحرب الأهلية، النقطة الهامة التي تأخذها الطبقة البرجوازية بالحسبان قبل أي تحرك، قد تفكر بالقيام به لكونه حجر الأساس بأي خطوة مستقبلية بالنظر لمحاذيرها الخطيرة.

 

بالنتيجة النهائية للتحليل السابق للمشهد الراهن من منظور الرغبة بالبرجوازية في حال توفرت لقلب الموازين على الساحة السياسية في سورية يقول: رغم أن الطبقة البرجوازية في سوريا تمتلك موارد مالية ومعرفية وعلاقات دولية يمكن أن تجعلها قوة مؤثرة، إلا أن هناك عوائق كبيرة تحول دون قدرتها على قلب الموازين، هذه العوائق تشمل الانقسامات الداخلية، القيود الأمنية والسياسية، الوضع الاقتصادي المنهك، الخوف من العواقب، غياب الدعم الشعبي، التحديات الخارجية، ضعف الأدوات السياسية، والاعتماد على النظام الجديد، لذلك، يمكن القول إن قدرة البرجوازية على التأثير محدودة في الوقت الحالي، وأن أي محاولة لتغيير الوضع القائم ستواجه تحديات جسيمة قد تعيق نجاحها، وستنتهي بالفشل العاجل.

 

Loader Loading...
EAD Logo Taking too long?

Reload Reload document
| Open Open in new tab

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى