الاكثر قراءةتحليلات و آراءغير مصنف

موعد إجراء الانتخابات بين مطرقة النصوص الدستورية وسندان التفسيرات القضائية

بقلم: د. مصدق عادل

كلية القانون – جامعة بغداد

 

 

يعد موضوع تحديد موعد إجراءات الانتخابات النيابية من اهم مراحل العملية الانتخابية، وذلك باعتباره يشكل نقطة الانطلاقة الحقيقية بين الاعمال التحضيرية للانتخابات وبين الاعمال التنفيذية لها، وما يترتب على ذلك من تشكيل السلطتين التشريعية والتنفيذية.

وبالنظر لأهمية موعد إجراء الانتخابات النيابية نجد أن دستور جمهورية العراق لسنة 2005 اختار منهج المعالجة الدستورية الصريحة له ضمن نصوصه، منعاً من الاجتهادات والتفسيرات التي قد تؤدي بالعملية الانتخابية أو قد تمس بالتداول السلمي للسلطة.

وبناء على ما تقدم تم تحديد موعد اجراء الانتخابات النيابية للدورة النيابية السادسة بتاريخ 11/تشرين الثاني/2025، غير أنَّ هناك بعض الآراء الدستورية والقضائية قد ذهبت إلى عدم دقة التحديد المذكور، ومن اجل الوقوف على الاحكام الدستورية والقضائية المنظمة لهذا الموضوع سنتناول ذلك تباعاً كالآتي:

 

أولاً: موقف دستور جمهورية العراق لسنة 2005 من تحديد موعد اجراء الانتخابات النيابية

بالرجوع الى دستور جمهورية العراق لسنة 2005 نجد ان المادة (56) منه تنص ” أولاً: تكون مدة الدورة الانتخابية لمجلس النواب (أربع) سنواتٍ تقويميةٍ، تبدأ بأول جلسةٍ له، وتنتهي بنهاية السنة الرابعة.

ثانياً: يجري انتخاب مجلس النواب الجديد قبل (خمسةٍ واربعين) يوماً من تاريخ انتهاء الدورة الانتخابية السابقة”.

يتضح من المادة أعلاه أن المشرع الدستوري قد وضع معيار زمني محدد لتحديد موعد اجراء الانتخابات، بأن يصار الى تحديده قبل (45) يوماً من تاريخ انتهاء الدورة الانتخابية السابقة.

وبهذا فلا يجوز تحديد هذا الموعد قبل التأريخ المذكور أو بعده، ولك بسبب كون هذه المدة تعد من المدد الدستورية الآمرة التي لا تستطيع أي من السلطات تعديلها، حيث ان تعديل هذه المدد بالزيادة أو النقصان يترتب على انتهاك دستوري يستوجب المساءلة.

بعبارة أخرى فان المبدأ العام يتمثل في ان مدة تحديد موعد إجراء الانتخابات النيابية تعد من المدد الامرة وليس المدد التنظيمية، حيث أن مبدأ سمو نصوص الدستور وعلوها على غيرها من نصوص القوانين وعلى السلطات العامة وفق المادة (13) من الدستور تمنع من إمكانية تعديل موعد اجراء الانتخابات وفق التحديد الدستوري المحدد في المادة (56/ثانياً) من الدستور الا باتباع إجراءات تعديل الدستور المنصوص عليها في المادة (142) أو (126) منه.

 

وتجدر الإشارة بهذا الصدد إلى ان دستور جمهورية العراق لسنة 2005 لم يحدد الجهة المختصة بتحديد موعد اجراء الانتخابات، وهو الامر الذي يفهم منه احالته الى القوانين التي يصدرها مجلس النواب.

 

ثانياً: موقف قانون انتخابات مجلس النواب ومجالس المحافظات والاقضية رقم (12) لسنة 2018 المعدل من تحديد موعد اجراء الانتخابات النيابية

سار المشرع العراقي ممثلاً بمجلس النواب على هدي ما سارت عليه نصوص الدستور بشان تحديد موعد إجراء الانتخابات النيابية، فبالرجوع الى قانون انتخابات مجلس النواب ومجالس المحافظات والاقضية رقم (12) لسنة 2018 المعدل بالقانون رقم (4) لسنة 2023 نجد ان المادة (6) منه تنص (اولاً: ج- تجري الانتخابات للدورات الجديدة لمجلس النواب ومجالس المحافظات والاقضية قبل (45) خمسة وأربعين يوماً من تاريخ انتهاء الدورات التي سبقتها).

 وبهذا يتضح من المادة أعلاه وجوب تحديد موعد إجراء الانتخابات النيابية قبل (45) يوماً من انتهاء الدورة النيابية السابقة، أي ان المشرع العراقي قد كرر الاحكام الدستورية ذاته بشان موعد اجراء الانتخابات النيابية.

أما بشان الالية التي يتم بموجبها تحديد موعد اجراء الانتخابات النيابية فتجدر الإشارة الى سكوت قانون انتخابات مجلس النواب عن بيان هذه الالية، غير ان هذا القانون نص على الالية المتبعة بشان تحديد موعد اجراء الانتخابات لمجالس المحافظات وفقاً لاحكام المادة (6/اولاً/أ و ب) من القانون التي توجب على مجلس الوزراء بالتنسيق مع المفوضية تحديد موعد انتخابات مجالس المحافظات في هذا العام، وبعد انتهاء الدورة الانتخابية الحالية لمجالس المحافظات يحدد موعد الانتخابات بقرار من مجلس النواب بالتنسيق مع المفوضية.

وبالقياس على ما تقدم فإنه نستطيع القول ان مجلس الوزراء يختص بتحديد موعد اجراء الانتخابات النيابية بدلالة المادة أعلاه في ظل غياب النص الدستوري والقانوني الصريح.

 

 

 

 

ثالثاً: موقف قانون المفوضية العليا المستقلة للانتخابات رقم (31) لسنة 2019 من تحديد موعد اجراء الانتخابات النيابية.

بالرجوع الى قانون المفوضية العليا المستقلة للانتخابات نجد انه احتوى على نقص تشريعي بشان عدم ايراد نص صريح يحدد الجهة المختصة بتحديد موعد اجراء الانتخابات النيابية أو إجراءات تحديد هذا الموعد، وهو الامر الذي يتوجب مع الرجوع الى القوانين النافذة الأخرى بشأن ذلك.

 

رابعاً: موقف المحكمة الاتحادية العليا من تحديد موعد اجراء الانتخابات النيابية

قبل التطرق لموقف المحكمة الاتحادية العليا من تحديد موعد اجراء الانتخابات النيابية يُثار التساؤل الاتي: هل يملك مجلس الوزراء أو مجلس النواب تأجيل مُدة إجراء الانتخابات خلافاً للنص المذكور، بأنْ يصار إلى احتفاظ أعضاء مجلس النواب بصفتهم التمثيلية لحين انتخاب الشعب ممثليه الجدد وعلى غرار حكومة تصريف الأعمال رغم عدم النص في الدستور على ذلك صراحة؟

 

نصوص الدستور لا تسعفنا في الإجابة صراحة على هذا الفرض، وعلى الرغم من ذلك نرى من جانبنا ان تكييف المُدة الدستورية المتعلقة بإجراء الانتخابات تُعد من المُدد الآمرة، أي: إنَّ المُدة الدستورية المتعلقة بتحديد موعد الانتخابات تُعد من المُدد الآمرة والتي يتوجب عدم انتهاكها أو مخالفتها.

 

 

ولقد تجسد موقف القضاء العراقي من خلال قرار المحكمة الاتحادية العليا المرقم 24/اتحادية/2010 الصادر في 14/آذار/2010 الذي جاء فيه (وجد أنَّ المحكمة الاتحادية العليا سبق وأنْ أصدرت قرارها المرقم 39/اتحادية/2009 في 13/أيار/2009 بناء على طب رئيس مجلس النواب العراقي بكتابه المرقم م/ر/12 والمؤرخ في 3/أيار/2009 الذي طب بيان الراي عن مُدة الدورة الانتخابية لمجلس النواب وبداية أول جلسة وانتهائها على وفق المادة (56) من الدستور وكان قرار المحكمة الاتحادية العليا المشار إليه انفاً يتضمن (إنَّ مفهوم السنة التقويمية الوارد ذكرها في المادة (56/اولاً) من الدستور ينصرف إلى السنة الميلادية ومدتها (365) ثلاثمائة وخمسة وستون يوماً(م9) من القانون المدني وبناء عليه يكون تاريخ انتهاء الدورة الحالية لمجلس النواب التي تم عقد أول جلسة له في 16/آذار/2006 فيكون تاريخ انتهاء الدورة الانتخابية الحالية لمجلس النواب هو 15/آذار/2010 والتاريخ المحدد لإجراء الانتخابات لمجلس النواب الجديد هو 30/كانون الثاني/2010. ومما تقدم فإنَّ ما ورد من التعليلات الواردة في كتاب المجلس المشار إليه موضوع الطلب تكون غير مستندة إلى سند من الدستور مما يتعذر تحديد الدورة البرلمانية خلافاً لما جاء في قرار المحكمة الاتحادية العليا المشار إليه انفاً والاشعار إلى مجلس النواب العراقي بذلك وصدر القرار بالاتفاق في 14/آذار/2010).

فيتضح من القرار المذكور أعلاه أنَّ المحكمة الاتحادية العليا اعتبرت أو كيفت مُدة الدورة الانتخابية على أنها من المُدد الآمرة التي ليس بالإمكان مخالفتها، ومن ثم ليس بالإمكان تمديد مُدة عمل البرلمان السابق أو تأجيل أمد الانتخابات، وذلك لعدم وجود السند الدستوري لذلك، فضلاً عن أنَّ إرادة المشرع الدستوري قد اتجهت صراحة إلى وجوب التقيد بالمُدة المحددة لإجراء الانتخابات وانتهاء الدورة الانتخابية.

وقد تواتر قضاء المحكمة الاتحادية العليا في السير على هذا النهج في تحديد المُدة الدستورية المذكورة أعلاه في العديد من القرارات التي أصدرتها منها قرارها المرقم 11/اتحادية/2010 الصادر في 14/حزيران/2010، إذ جاء فيه (على أنْ لا يمس ذلك الإجراءات المتخذة لانتخاب أعضاء مجلس النواب لعام 2010 لمصادفة يوم 7/آذار/2010 موعداً لإجراء الانتخابات المذكورة ولانتهاء الفصل التشريعي الأخير لمجلس النواب الحالي في 15/آذار/2010).

 

خامساً: موقف مجلس القضاء الأعلى من تحديد موعد اجراء الانتخابات في 11/تشرين الثاني/2025

ذهب رئيس مجلس القضاء الأعلى في احد الدراسات الى القول (ان الموعد الدستوري المفترض لاجراء الانتخابات يجب ان يكون في 24 (تشرين الثاني) 2025. عليه فان تحديد 11 تشرين الثاني 2025 موعداً لاجراء الانتخابات البرلمانية يمثل مخالفة صريحة، لانه لا يستند الى أي نص دستوري أو قانوني)([1]).

وأول ما يلاحظ بهذا الصدد رجاحة الأسس التي تم الاستناد إليها في هذا الراي، حيث أن انصراف إرادة المشرع الدستوري الى تحديد مدة (45) يوماً فانه يتوجب معها احتساب هذه المدة بصورة دقيقة لا تقبل الزيادة أو الانقاص، والقول بخلاف ذلك معناه التجاوز على إرادة الإباء المؤسسين للدستور، فلا يملك مجلس الوزراء او المفوضية العليا المستقلة للانتخابات تحديد مواعيد لاجراء الانتخابات النيابية في غير المواعيد والمدد الدستورية المحددة، وبخلافه يكون هناك انتهاك لنصوص الدستور واحكامه.

ونؤيد من جانبنا هذا الراي، حيث أن التفسير الدستوري والقانوني والقضائي السليم يتوجب معه تحديد موعد اجراء الانتخابات النيابية في 24/تشرين الثاني/2025 وذلك بالاستناد الى المعيار الزمني المحدد ف يالمادة (56/ثانياً) من الدستور، حيث ان مدة الدورة النيابية السابقة ابتدأت في الجلسة الأولى لمجلس النواب المنعقدة في 9/كانون الثاني/2022، وتنتهي بنهاية السنة الرابعة وهو 8/كانون الثاني/2026 وفقاً لاحكام المادة (56/اولاً) من الدستور، ومن ثم يكون الموعد الدستوري الدقيق الذي كان يتوجب على مجلس الوزراء والمفوضية العليا المستقلة للانتخابات تحديده لاجراء الانتخابات هو 24/تشرين الثاني/2025.

أما عن الأثر المترتب على انتهاك هذه المدد الدستورية الامرة فتجدر الإشارة الى عدم وجود نص دستوري يجيز مساءلة مجلس الوزراء والمفوضية العليا المستقلة للانتخابات، غير أنه ذلك لا يمنع دون إمكانية تطبيق احكام المادة (329) من قانون العقوبات رقم (111) لسنة 1969 المعدل باعتبار ان تعطيل احكام القوانين ينطوي ضمناً على تعطيل احكام الدستور.

اما بالنسبة لاثر عدم التحديد الدستوري لموعد إجراءات الانتخابات فتجدر الإشارة الى تعدد الخيارات المطروحة، حيث بإمكان أي شخص متضرر ان يطعن بعدم دستورية نتائج الانتخابات امام المحكمة الاتحادية العليا وفقا ًلأـحكام المادة (93) من الدستور، وذلك لمخالفة احكام المادة (56/ثانياً) من الدستور، ومن ثم تكون الكلمة الفصل للمحكمة الاتحادية العليا بشأن ابطال الانتخابات من عدمه.

 

 

([1])  ينظر: فائق زيدان، التوقيتات الدستورية لتشكيل السلطتين التشريعية والتنفيذية في العراق، دراسة منشورة في صحيفة الشرق الأوسط بتاريخ 8 نوفمبر 2025.

 

Loader Loading...
EAD Logo Taking too long?

Reload Reload document
| Open Open in new tab

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى