الاكثر قراءةتحليلات و آراءغير مصنف
الشرق الأوسط الجديد
الفوضى الخلاقة كأداة أمريكية-إسرائيلية لإعادة التموضع الجيوسياسي

بقلم: وليد حميد حسين الدليمي / كلية العلوم سياسية -جامعة الفلوجة
شهدت العقود الأخيرة تحولات جيوسياسية عميقة في(الشرق الأوسط) ، بدءًا بالتدخل العسكرى فى العراق عام 2003 وصولاً الى الحرب (الإسرائيلية) على ايران، اذ برز في قلب تفسير هذه التحولات مفهوم “الفوضى الخلاقة” (Creative Chaos) ليس فقط كظاهرة عابرة، بل كأستراتيجية تهدف لإعادة بناء المنطقة بشكل يتوافق مع المصالح الغربية و(الإسرائيلية) ووفق رؤيتهما ، يستند مفهوم الفوضى الخلاقة على استراتيجية مفادها (التفكيك لإعادة البناء) أي تدمير البنى السياسية والاجتماعية القائمة ، هو مقدمة ضرورية لخلق نظام جديد “أفضل” يُفترض أنه أكثر ديمقراطية وانسجاما مع المصالح الغربية و(الإسرائيلية) في السياق (الشرق أوسطي)، تعني هذه الفوضى: تفكيك الدول وتفتيتها (مثل العراق، لبنان ، اليمن ، وسوريا) العمق الاستراتيجي للجمهورية الإسلامية في ايران إلى كيانات أصغر (طائفية، عرقية، إقليمية) يسهل التحكم بها أو التأثير عليها لتصبح المنطقة أكثر تقبلاً للتدخلات الخارجية المباشرة وغير المباشرة ولتطبيق حلول مصممة خارجيا من الغرب. إضافة الى إضعاف القوى الإقليمية المنافسة أي تقليص نفوذ القوى التي تشكل تحديا للمشروع الأمريكي-) الإسرائيلي (أو تعرقل الهيمنة (الإسرائيلية). بعد صعود إيران كقوة إقليمية مناهضة للهيمنة الأمريكية ومهددة بشكل وجودي (لإسرائيل)، تحولت “الفوضى الخلاقة” إلى استراتيجية.
أولا: تطويق الجمهورية الاسلامية او الهجوم عليها، وإضعاف أو تفتيت الدول العربية التي تمثل البُعد الجيوسياسي والأمني لأيران (سوريا، اليمن، العراق، لبنان) لقطع خطوط اتصالها البري او ما يعرف ب “الهلال الشيعي” عن طريق جرّها إلى صراعات بالوكالة وحروب أهلية مكلفة لاستهلاك مواردها وإضعافها داخلياً و تصويرها كمصدر للفوضى لتبرير العقوبات وحشد دول الجوار السنية ضدها. من خلال تشجيع ودعم “الحلف العربي” (السعودية، الإمارات، مصر) كجدار صد ضد الجمهورية الاسلامية وتسهيل وتدشين “اتفاقيات إبراهيم” للتطبيع بين (إسرائيل) ودول خليجية، حيث كان الخوف من إيران محركاً رئيسياً لهذه الدول، مما حقق (لإسرائيل) اختراقاً استراتيجياً دون تقديم تنازلات. السياسات المتناقضة وبالمقابل، فإن الرؤية الأمريكية-(الإسرائيلية) ترى أن الحد من النفوذ الإيراني لن يتأتى إلا من خلال زعزعة الاستقرار وضرب بنيتها التحتية، سواء من خلال استهداف قادتها ميدانياً كما حدث مع الشهداء (قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس)، او شن حرب عليها مثلما حدث في الايام القليلة الماضية واستهداف قدراتها النووية والصاروخية والاقتصادية واغتيال قيادات عسكرية عليا وعلماء نوويين ، أو من خلال شن ضربات على المراكز اللوجستية والعسكرية المرتبطة بها، كل ذلك أضر بالسمعة الأمريكية وزاد الشكوك في حلفائها. كما عززت سياسة الضغط القصوى لإيران على تطوير برنامجها النووي والصاروخي كضمان أمني. في المجمل، يشكل استهداف حلفاء إيران في المنطقة، وتبني استراتيجية الفوضى الخلاقة أدوات تكتيكية لإحداث تحولات استراتيجية واسعة النطاق، تضعف منافسي واشنطن و(تل أبيب) الإقليميين، وتفسح المجال لصعود منظومة أمنية واقتصادية إقليمية تقاد من (تل أبيب) وتدور في فلك واشنطن. غير أن مدى ديمومة هذه الرؤية يبقى مرهوناً بالديناميكيات المتغيرة داخلياً وخارجياً، إذ أن مسار الأحداث يثبت أن الفوضى قد تولد أحياناً مخرجات مختلفة عمّا كان مخططاً لها.
ثانيا: الاستراتيجية كمشروع مستمر حيث تحولت “الفوضى الخلاقة” من تكتيك مؤقت إلى مشروع استراتيجي مستدام يتم تطبيقه وتطويره تبعًا للمتغيرات، بهدف رسم ملامح (الشرق الأوسط) بما يخدم مصالح القوى الغربية على المدى الطويل. وتتمثل أهداف الاستدامة الاستراتيجية:
– الحفاظ على حالة التمزق حتى لا يظهر مشروع إقليمي موحد.
-إبقاء القوة العربية مجزّأة وغير قادرة على تهديد مصالح الغرب.
-ضمان الأمن (الإسرائيلي) طويل الأجل من خلال إضعاف الجيوش النظامية العربية وتحجيم قدراتها.
-إنشاء بيئات إقليمية منقسمة ومشتتة داخليًا.
– الإدارة بالأزمات بدلاً من حلها أي الإبقاء على الأزمات بدون حل جذري حتى يتم التدخل عند الحاجة.
-الاستفادة من صراعات دائمة لتمرير سياسات أمنية واقتصادية وإقليمية تُدار بذكاء وتخطيط دقيق وليس حدثًا عابرًا. فهي مشروع استراتيجي يتجدد ويتكيف مع المتغيرات، هدفه النهائي إبقاء المنطقة في حالة عدم توازن، بحيث يكون التدخل الخارجي ضروريًا ومرحبا به، وتظل القوة الحقيقية بيد الجهات التي رسمت الاستراتيجية منذ البداية.
ثالثا: الآفاق المستقبلية لاستراتيجية “الفوضى الخلاقة”
في ظل الديناميكيات الجيوسياسية المتسارعة التي يشهدها (الشرق الأوسط)، من المتوقع أن تأخذ استراتيجية “الفوضى الخلاقة” مسارات مختلفة، يمكن تلخيصها ضمن عدة سيناريوهات محتملة:
-
استمرار حالة اللااستقرار المُدارة:
تستمر القوى الكبرى في توظيف الصراعات الإقليمية (السياسية والطائفية) لتحقيق مصالحها، مع الإبقاء على الدول العربية منقسمة داخليًا وضعيفة مؤسسيًا. ضعف التعاون العربي المشترك، وتفكك أطره التقليدية بضمان استمرار التدخلات الخارجية باسم “محاربة الإرهاب” و”دعم الاستقرار”.
-
صعود قوى إقليمية بديلة هنا، تدخل قوى إقليمية أخرى – مثل، السعودية او قطر وربما تركيا – لتملأ الفراغ الاستراتيجي، ساعيةً إلى فرض رؤيتها للمنطقة.
النتيجة المتوقعة:
-
صراعات بالوكالة أعمق وأطول أمدًا.
-
إعادة رسم موازين القوى الإقليمية بمعزل عن المصالح الأمريكية التقليدية.
-
تعزيز تحالفات مؤقتة وتشكُّل أحلاف جديدة مبنية على المصالح أكثر من الإيديولوجيا.
-
تراجع الاستراتيجية بسبب التداعيات السلبية
في حال أدركت القوى الكبرى حجم الكلفة الباهظة للاستراتيجية على الأمن الدولي والاقتصاد العالمي، فقد يجري تقليص أو تعديل نهجها.فالنتيجة المتوقعة:
-
تبني نهج دبلوماسي أكثر براغماتية قائم على الحوار بدلاً من التدخل العسكري.
-
دعم مبادرات إقليمية لإعادة الإعمار والبناء المؤسسي.
-
التزام دولي أعمق بمنع انهيار الدول الفاشلة ومكافحة الإرهاب والتطرف من جذوره.