الاكثر قراءةتحليلات و آراءغير مصنف

أسلحة ذكية في صراع قديم

دور الذكاء الاصطناعي في الحرب بين الجمهورية الاسلامية في إيران و(إسرائيل)

بقلم: زينة مالك عريبي 

لم يعد الذكاء الاصطناعي اليوم محصوراً في ميادين التطور التكنولوجي او الابتكار الأكاديمي فقد دخل بكل ثقله في ساحات القتال حتى انه أصبح عنصراً مركزيًا وفاعل مباشر في عمليات الرصد والاستهداف والقتل وهذا يعني ان الهدف الاهم من تنافس الدول في صناعة الذكاء الاصطناعي هو الجانب العسكري بالدرجة الاساس ونرى ذلك التطور التكنولوجي العسكري في الحرب بين الجمهورية الاسلامية في ايراني و (اسرائيل).

يشهد الصراع بين الجمهورية الاسلامية في ايران و(إسرائيل) تحولات نوعية مع دخول الذكاء الاصطناعي (AI) ساحة الحروب الحديثة، حيث أضحت الأسلحة الذكية جزءًا لا يتجزأ من استراتيجيات الدول الساعية للهيمنة أو الدفاع عن مصالحها الحيوية، وفي ظل التصعيد المستمر بين طهران و(تل أبيب)، لم يعد الصراع مقتصرًا على الضربات العسكرية التقليدية أو الحرب السيبرانية فحسب، بل اتجه نحو توظيف أنظمة ذاتية التشغيل تتخذ قراراتها بمساعدة الذكاء الاصطناعي، ما ينذر بإعادة تشكيل موازين القوى في المنطقة، بالتالي يمكن القول أن الصراع بين الجمهورية الاسلامية في ايران و(إسرائيل) يشهد تحوّلاً جذرياً مع دمج الذكاء الاصطناعي في الأسلحة الحديثة، لا سيّما الطائرات المسيرة والصواريخ الفرط صوتية مما أثار تساؤلًا مركزياً: كيف يغيّر تطوّر الأسلحة الذكية المدعومة بالذكاء الاصطناعي معادلات الصراع بين الدولتين؟

اولا: الذكاء الاصطناعي في الاستراتيجية العسكرية (الإسرائيلية)

يعد جيش الاحتلال من أوائل الجيوش التي دمجت تقنيات الذكاء الاصطناعي في منظومتها العسكرية، مستفيدة من قطاعها التكنولوجي المتقدم وشراكاتها الدفاعية مع الولايات المتحدة، إذ يعتمد الجيش (الإسرائيلي) بشكل متزايد على الطائرات بدون طيار المسلحة، التي يمكنها تنفيذ ضربات دقيقة بناءً على تحليل بيانات آنية باستخدام الذكاء الاصطناعي، كما طورت (إسرائيل) منظومة “القبة الحديدية” الدفاعية، التي تستخدم تقنيات AI للتنبؤ بمسار الصواريخ المعادية واعتراضها بمستوى جيد نسبياً.

إلى جانب ذلك، يعزز الذكاء الاصطناعي القدرات الاستخباراتية (الإسرائيلية)، حيث يستخدم لتحليل كميات هائلة من البيانات الميدانية والاستخباراتية، لرصد تحركات خصومها، بما في ذلك المنشآت النووية في الجمهورية الاسلامية في ايران. تسعى (إسرائيل) من خلال هذه التطويرات إلى الحفاظ على تفوقها العسكري والتكنولوجي في وجه الجمهورية الاسلامية في إيران، التي تسعى بدورها إلى سد هذه الفجوة عبر وسائل مختلفة.

قالت هاداس لوربر، مسؤولة الأبحاث التطبيقية في الذكاء الاصطناعي بمعهد حولون للتكنولوجيا في (إسرائيل)، والمديرة السابقة لمجلس الأمن القومي (الإسرائيلي) “إن الحاجة الملحة للتعامل مع الأزمة سرعت وتيرة الابتكار، الذي اعتمَد في معظمه على الذكاء الاصطناعي”، وأضافت “لقد أدى ذلك إلى ابتكار تقنيات غيرت قواعد اللعبة في ساحة المعركة، ومزايا أثبتت أهميتها في القتال”، لكن هذه التقنيات تثير أيضا تساؤلات أخلاقية خطيرة واستخدامها بطريقة وحشية، بما معناه ان التطور الهائل في تقنيات الذكاء الاصطناعي في المجال العسكري يعتبر خرقاً فادحاً للقانون الدولي واتفاقيات حقوق الانسان وانزلاقا خطيراً الى ما يمكن ان نسميه ب” تكنولوجيا الابادة” بسبب استخدام هذه التقنيات بقصد ازاحة المسؤولية الاخلاقية عن كاهل الجيش وتحميلها للخوارزمية وكأن القرار يتم اتخاذه في فراغ تقني بعيد عن البشر.

ثانياً: الجمهورية الاسلامية في إيران والذكاء الاصطناعي: الوسيلة لتعويض الفجوة

تدرك إيران الفارق الكبير في القدرات العسكرية التقليدية مقارنة بـ(إسرائيل)، لذلك لجأت إلى استراتيجيات غير متماثلة تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتعويض هذا الخلل، حيث طورت إيران أسطولًا من الطائرات بدون طيار، بعضها قادر على تنفيذ مهام هجومية ذاتية، مستفيدة من تقنيات الذكاء الاصطناعي في الملاحة، والتعرف على الأهداف، والتفجير الدقيق.

وقد كشفت المؤسسة العسكرية الايرانية عن أحدث إنجازاتها العسكرية في وقت سابق، منها صواريخ وطائرات مسيرة ومضادات جوية وقاعدة لتخزين الصواريخ والزوارق فائقة السرعة، مؤكدة أن “بعض هذه القطع البحرية قادرة على ضرب سفن ومدمرات أميركية”، وبعدها بفترة قصيرة اعلنت عن وجود لقاعدة بحرية جديدة تحت الأرض تحتوي على مئات الصواريخ المجنحة القادرة على مواجهة الحرب الإلكترونية، وقد اعلنت وزارة الدفاع الايرانية في بداية عام 2025 عن “أحدث صاروخ باليستي” تحت عنوان “اعتماد” بمدى 1700 كيلومتر، إلى جانب عرضها 3 أقمار صناعية محلية الصنع باسم “ناوك”، و”بارس 1″، و”بارس 2”.

وعلى وقع الاحتفال بالذكرى الـ46 لانتصار الثورة الاسلامية عام 1979 أعلن الجيش الايراني عن الاستعاضة عن سلاحه التنظيمي “جي 3” القديم ببندقية “مصاف 2” المحلية، وكشف ايضاً عن جيل مطور لمنظومة “باور 373” للدفاع الجوي، موضحا أن منصات إطلاق المنظومة أصبحت مزودة برادار للتتبع والتحكم، وذلك بعد أن كانت تعتمد على رادار مركزي لاعتراض الأهداف وتدميرها في نسختها السابقة.

في مجال الحرب السيبرانية، ايران تقدمًا ملحوظًا من خلال عمليات قرصنة وهجمات إلكترونية استهدفت بنى تحتية (إسرائيلية) وغربية، سواء بشكل مباشر او من خلال حلفاءها في المنطقة (كحزب الله في لبنان، والحوثيين في اليمن)، تسعى الجمهورية الاسلامية في ايران إلى توسيع نطاق استخدام هذه الأسلحة الذكية، ما يفتح الباب أمام اشتباكات غير مباشرة مع (إسرائيل) في عدة جبهات، ومثال ذلك ما يجري من هجمات سيبرانية ايرانية خلال الحرب التي شنتها علها (اسرائيل)  في الايام السابقة بلغت نسبتها حوالي700% مقارنة بما قبل الحرب ، وهذه الهجمات تقودها جماعات قراصنة تابعة  لإيران وجهات حكومية عسكرية ايرانية، وتشمل الهجمات عمليات الحرمان من الخدمة ، واختراق البنية التحتية الحيوية، وسرقة البيانات ونشر البرمجيات الخبيثة، وقد احدثت هذه الهجمات خللاً تقنياً في منظومة القبة الحديدية مما ادى الى تعطلها وعدم قدرتها على التصدي للصواريخ الايرانية فضلاُ عن فشل بعض صواريخها وسقوطها فور انطلاقها.

ثالثاً:-الحرب الجديدة ومخاطر تحولها الى حرب نووية

في 13 يونيو 2025، أطلقت (إسرائيل) عملية سمتها ب”عملية الأسد الصاعد – Operation Rising Lion”، والتي مثلت ضربة جوية مفاجئة استهدفت منشآت نووية وعسكرية في ايران، بالتوازي مع هجمات عن طريق طائرات مسيرة موجهة قام بها عناصر استخبارات داخل الجمهورية الاسلامية لاستهداف دفاعاتها الجوية، ما مهد لشنّ هجوم واسع عبر الطائرات المأهولة والغير مأهولة  .

ردّت إيران فورًا بإطلاق أكثر من 150 صاروخًا باليستيًا وأكثر من 100 طائرة مسيرة نحو الأراضي الفلسطينية المحتلة في عملية أُطلق عليها اسم “الوعد الصادق –”،مما أدى إلى دخول النظام الجوي (الإسرائيلي) في اختبار كبير، رغم اعتراض جزء من الصواريخ.

في اليومين الأخيرين استمر القتال

  • شنّت (إسرائيل) ضربات جوية استهدفت 80 موقعًا إستراتيجيًا، بما في ذلك وزارة الدفاع الايرانية ومنشآت نفطية كما استهدفت التلفزيون الرسمي الايراني.

  • ردّت الجمهورية الاسلامية بإطلاق موجات جديدة من الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة التي أصابت مدنًا كتل أبيب، حيفا، ويافا.

  • في 15 حزيران، أطلقت إيران صاروخًا باليستيًا موجّهًا من طراز “حاج قاسم” كعرض قوة متطور.

  • تشير الاعلانات (الاسرائيلية) الى انهم حققوا حرية عمل جزئية في السماء الايرانية والتي تحققت عن طريق عمليات خاصة للموساد داخل الجمهورية الاسلامية في ايران، تضمنت انشاء قواعد طائرات بدون طيار لتدمير الدفاعات الجوية الايرانية ما مكّن السرب الملازم للطائرات (الإسرائيلية) من تنفيذ غاراته الجوية بسهولة اكبر .

هذا التصعيد الليلي المتواصل، على امتداد عدة أيام متتالية، يعتبر الأخطر في تاريخ النزاع بين الجمهورية الاسلامية في ايران و(إسرائيل)، حيث دُمرت مرافق مدنية وعلمية واغتيال قادة وعلماء نوويين وسط ضغوط دبلوماسية دولية خجولة لوقف التدهور أُعلنت تسجيل أعداد متزايدة من الخسائر في صفوف( الإسرائيليين) ومئات الشهداء في ايران، بينهم علماء نوويون وقيادات عسكرية عليا، واستهداف عدد من المنشآت النووية ومراكز الابحاث العلمية ، وان تكثيف الاستهداف  حاليا ومستقبلا  قد يحول الحرب من تراشق بالقصف الجوي والصاروخي المتبادل الى حرب نووية لاسيما اذا تمكنت الجمهورية الاسلامية في ايران من الوصول الى مستوى التخصيب اللازم لصناعة اول رأس نووي وهو ما يمنع (الاسرائيليين) من تطبيق خيار (شمشون) في عقيدة الردع الخاصة بهم بعد ان تكتشف ان الجمهورية الاسلامية امتلكت بالمقابل سلاحا نوويا.

أثبت التصعيد الأخير أن الذكاء الاصطناعي أعاد رسم معادلات القوة في المنطقة، عبر:

  1. تعظيم دقة الضربات وتقليل الاعتماد على العنصر البشري.

  2. تمكين هجمات خاطفة تتفادى أنظمة الدفاع التقليدية.

  3. زيادة خطر التصعيد غير المحسوب، خاصة مع استهداف منشآت نووية.

وعلى الرغم من وقف إطلاق النار، غير ان الوضع يبقى شديد التقلب، خاصة بعد انسحاب الجمهورية الاسلامية من مفاوضات الحد من الأسلحة النووية. السيناريو المستقبلي الأسوأ هو حرب شاملة تُستخدم فيها الأسلحة الذكية والنووية، مما يُهدد ليس فقط المنطقة، بل والاستقرار العالمي. الذكاء الاصطناعي، بقدر ما يُعزز القوة، قد يكون شرارة الكارثة القادمة.

Loader Loading...
EAD Logo Taking too long?

Reload Reload document
| Open Open in new tab

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى