الاكثر قراءةترجماتغير مصنف

لمنع تفاقم الصراع واندلاع حرب شاملة يجب على الولايات المتحدة أن تسعى جاهدة لإبرام اتفاق نووي مع إيران

بقلم: علي فايز

ترجمة: صفا مهدي عسكر

تحرير: د. عمار عباس محمود

مركز حمورابي للبحوث والدراسات الاستراتيجية

 

      في 13 حزيران شنّت (إسرائيل)** سلسلة من الغارات الجوية وعمليات سرية استهدفت مواقع نووية ومسؤولين عسكريين إيرانيين في حملة معقدة ومتعددة الأوجه أُطلق عليها اسم “عملية الأسد الصاعد”، جاءت هذه الحملة بعد أيام من التكهنات حول هجوم وشيك، وحتى الآن ألحقّت الهجمات أضرارًا بمواقع نطنز وأصفهان النووية وأسفرت عن مقتل عدد من العلماء الإيرانيين. كما أدت إلى مقتل عشرات المدنيين وإصابة العشرات وتدمير مبانٍ سكنية وتفجير أجزاء من البنية التحتية للطاقة في إيران، وفي الوقت نفسه اضطر (الإسرائيليون) للهرولة إلى الملاجئ بعد أن تعرضت مدنهم لهجمات صاروخية.

حتى اللحظة لا توجد مؤشرات على توقف القتال، أبدى كل من إيران و(إسرائيل) استعدادًا للاستمرار في توجيه الضربات، وهدد وزير دفاع (إسرائيل) بأن “طهران ستحترق” إذا لم تتوقف الهجمات، أما الولايات المتحدة فلم تبذل جهودًا جادة لوقف النزيف حيث أرسل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إشارات متضاربة بشأن رغبته في إنهاء القتال، فقد تمركزت قوات أمريكية في المنطقة ووفقًا لتقارير متعددة تساعد القوات الأمريكية (إسرائيل) في إسقاط طائرات ومسيّرات إيرانية.

ورغم التردد الظاهر أكد ترامب أنه لا يزال يرغب في التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران في حين أبقت طهران الباب مفتوحًا للحوار شريطة أن تخفف (إسرائيل) من ضرباتها، لذا قد تتوفر فرصة لإدارة ترامب لإبرام اتفاق، إذا كان ترامب يرغب في تفادي حرب أمريكية مع إيران فعليه أن يستغل هذه الفرصة. فقد ألحقّت (إسرائيل) أضرارًا كبيرة لكنها ليست كافية لتدمير كامل البرنامج النووي الإيراني وحتى لو استمر القتال فمن غير المرجح أن يتمكن من القضاء عليه بالكامل، فبعض مكونات البرنامج النووي الإيراني مدفونة بعمق تحت الأرض مثل موقع التخصيب في (فردو) وربما تجد القيادة الإيرانية حافزًا أكبر من أي وقت مضى لبناء ردع نهائي، وهذا يعني أنه إذا توقف القتال دون اتفاق فقد تسعى طهران للحصول على سلاح نووي قد تؤخره فقط الضربات الأمريكية الثقيلة والمركزة على الأقل في المدى القريب، وحتى في هذه الحالة لضمان الحد من التهديد بشكل حقيقي ستحتاج الولايات المتحدة إلى وجود عسكري على الأرض أو إلى تنفيذ ضربات عسكرية مستمرة تعتمد على معلومات دقيقة وشاملة حول عمليات إيران النووية.

ويمثّل الحل الدبلوماسي أفضل وأضمن طريق لتجنب ترامب حدوث إيران نووية أو تورط عسكري أمريكي طويل الأمد، وفي الواقع قد يكون الحل الوحيد لتفادي نتيجة غير مقبولة.

إدارة الأزمة

     منذ استئناف رئاسته في كانون الثاني 2025، أشار الرئيس ترامب إلى رغبته في التوصل إلى اتفاق مع إيران بشأن برنامجها النووي، ومع ذلك أبدت (إسرائيل) تفضيلها لحل عسكري ما لم تقدم إيران تنازلات كاملة بشأن هذا البرنامج، وأكدت (إسرائيل) أن الوقت قد حان للتحرك مستندة إلى أن القدرات الدفاعية لطهران لم تتعاف بعد من الضربات الدقيقة التي شنتها (إسرائيل) في تشرين الاول الماضي. كما لا تزال الجماعات الموالية لإيران بما في ذلك حزب الله تعاني آثار الهجمات (الإسرائيلية) المستمرة على مدى الأشهر الماضية مما أتاح (لإسرائيل) فرصة مهمة لإضعاف خصمها، تتميز الحملة (الإسرائيلية) الحالية ضد إيران باتساع نطاقها مقارنة بالحملات السابقة حيث شنت نحو 200 طائرة (إسرائيلية) ضربات استهدفت حوالي 100 موقع شملت منشآت نووية وقواعد عسكرية خلال الموجة الأولى من الهجمات الأسبوع الماضي، كما نفذت وكالة الاستخبارات (الإسرائيلية) (الموساد) عمليات سرية استهدفت قيادات إيرانية أسفرت عن مقتل مسؤولين بارزين في الحرس الثوري وعلماء نوويين، مع تصاعد وتيرة المواجهات بين الطرفين وردت إيران بهجمات بطائرات مسيرة وصواريخ ما أدى إلى توسيع نطاق الأهداف المتبادلة.

إن شمولية الهجوم (الإسرائيلي) دفع القادة الإيرانيين إلى الاعتقاد بأن (إسرائيل) لا تسعى فقط إلى تعطيل برنامجهم النووي بل تستهدف النظام الإيراني بأكمله، ورغم محدودية القدرات الإيرانية مقارنة (بإسرائيل) خاصة في مجالات الاستخبارات والقوة الجوية شعرت طهران بأنها مضطرة للرد بقوة، وعلى الرغم من أن المواجهة الحالية لا تزال ثنائية الجانب إلا أن إيران قد تلجأ إلى تعميم تداعيات الصراع عبر استهداف قواعد أمريكية في المنطقة والبنية التحتية للطاقة في الخليج وممرات الشحن الحيوية في مضيق هرمز ما قد يفضي إلى اضطرابات إقليمية واسعة النطاق، ومن خلال هذه الخطوات قد تسعى إيران إلى دفع الولايات المتحدة للضغط على (إسرائيل) من أجل التهدئة.

في حال توسع نطاق النزاع قد تجد الولايات المتحدة نفسها في مواجهة مباشرة مع إيران لا سيما إذا تعرضت مصالحها وأصولها لهجمات، وقد حذرت الولايات المتحدة مراراً طهران من مغبة اتخاذ مثل هذه الخطوات مؤكدة أن الرد الأمريكي سيكون حازماً وغير مسبوق، وإذا أسفرت الهجمات الإيرانية أو تلك التي ينفذها شركاؤها غير الدوليين عن سقوط ضحايا أمريكيين فسيزداد الضغط على الإدارة الأمريكية لاتخاذ إجراءات حاسمة وربما الدخول في الصراع بشكل مباشر. حتى في حال تجنب الولايات المتحدة الانخراط المباشر في هذه الأزمة فإن غياب اتفاق شامل يعرّضها لاحتمال الانزلاق إلى صراعات مستقبلية، فعلى الرغم من النجاحات العسكرية (الإسرائيلية) في الأشهر الأخيرة ضد حزب الله وإيران تشير التقديرات إلى أن (إسرائيل) قد تؤخر تقدم البرنامج النووي الإيراني لبضعة أشهر أو سنة كحد أقصى، ولن يكون بالإمكان القضاء على القدرة الإيرانية على تطوير السلاح النووي إلا من خلال تدخل عسكري أمريكي مكثف وربما يتطلب ذلك تغيير النظام الإيراني بأكمله. ويعكس ذلك دعوات بعض المسؤولين (الإسرائيليين) الصريحة لتغيير النظام مع غياب رؤية واضحة لما قد يحل مكان الجمهورية الإسلامية مما قد يؤدي إلى فترة من عدم الاستقرار أو إلى قيام نظام عسكري يسعى للحصول على الردع النووي، في هذا السياق يجب على الرئيس الأمريكي الذي يطمح إلى دور الوسيط والصلح أن يولي أهمية قصوى لهذه التطورات. إذ يعارض قطاع واسع من مؤيديه أي تصعيد عسكري جديد في (الشرق الأوسط) بينما سيؤدي اندلاع حرب واسعة إلى ارتفاع أسعار النفط، ما يزيد من الأعباء على المستهلك الأمريكي في ظل تحديات التضخم الحالية، لذلك فإن توقف العمليات العسكرية يصب في مصلحة الإدارة الأمريكية، في حين أن توسع نطاق الصراع سيؤدي إلى تداعيات سلبية جسيمة على الصعيدين الداخلي والإقليمي.

فن التفاوض

     يبدو أن ترامب يراهن حالياً على أن الأضرار الاقتصادية والعسكرية المتزايدة التي تلحق بإيران ستجبر الحكومة الإيرانية على الموافقة على تفكيك برنامجها النووي، غير أن عرضًا “كل شيء أو لا شيء” من الولايات المتحدة من غير المرجح أن يجد صدى لدى نظام رفض مثل هذه الشروط لأكثر من عقدين من الزمن بما في ذلك خلال خمس جولات من المفاوضات مع إدارة ترامب، فالقيادة الإيرانية ترى أن الاستسلام لشروط أميركا يشكل خطرًا أكبر على بقائها من المعاناة التي تسببت بها القنابل (الإسرائيلية)، ومن المتوقع أن تدفع الحملة الحالية إيران للاستمرار في الرد بعنف حتى تجد على الأقل مخرجًا يُرضيها بشكل نسبي.

ولتجنب السيناريوهات الأسوأ يحتاج ترامب إلى تبني مقاربة مختلفة، يجب أن يقنع إيران أولاً بأنه ليس مجرد واجهة لرئيس الوزراء (الإسرائيلي) بنيامين نتنياهو من خلال الضغط على (إسرائيل) لوقف القتال، يمكنه تحقيق ذلك عن طريق التهديد بتعليق المساعدات العسكرية (لإسرائيل) وهو أهم ورقة ضغط تمتلكها واشنطن، إذ سيكون من الصعب على (إسرائيل) مواصلة حملاتها العسكرية بدونه. لم يستخدم الرؤساء الأميركيون السابقون بمن فيهم جو بايدن هذا التهديد في الضغط على (إسرائيل) (فعلى سبيل المثال رفض بايدن استخدامه لإجبار (إسرائيل) على السماح بزيادة المساعدات الإنسانية إلى غزة)، لكن الآن وفي ظل تعريض حياة الأميركيين وسمعة ترامب للخطر قد يختلف ترامب عن سلفه إذا رأى أن مصلحة بلاده تقتضي احتواء الأزمة بدلاً من تأجيجها، كما ينبغي على ترامب استمالة إيران. فطهران التي تفوقها (إسرائيل) قوةً عسكريةً وتعرضت نفوذها النووي للتراجع قد تكون مستعدة للعودة إلى طاولة المفاوضات لإنقاذ نفسها وبالأخص للحفاظ على ماء الوجه، ينبغي للبيت الأبيض أن يحذر طهران من أن التصعيد المستمر قد يؤدي إلى سقوط ضحايا أميركيين ويجر الولايات المتحدة إلى الصراع لكنه يجب أن يعرض عليها في المقابل اتفاقًا نوويًا معقولًا يتضمن تخفيفًا كبيرًا ومستدامًا للعقوبات. من الممكن، مثلاً أن يعد ترامب بتخفيف العقوبات الأميركية المتعلقة بالبرنامج النووي ورفع الحظر التجاري الأساسي إذا وافقت إيران على دمج برنامج تخصيب اليورانيوم في إطار تحالف متعدد الجنسيات مع السعودية لهذا الغرض – وهو ما أبدت طهران استعدادها له قبل الهجمات (الإسرائيلية)، هذا التحالف قد يوفر الوقود اللازم للمفاعلات النووية في المنطقة ويمنع إيران من الحصول على المواد الانشطارية اللازمة لصنع سلاح نووي.

وهناك سوابق أميركية في ممارسة مثل هذا الضغط. ففي 1982 ضغط الرئيس رونالد ريغان على (إسرائيل) لوقف قصف بيروت وفي 1988 تدخل بنجاح في حرب إيران والعراق لإقناع طهران بقبول وقف إطلاق النار.

بالطبع لن يكون هذا المسار سهلاً على ترامب إذ يتطلب التزامًا دبلوماسيًا صعبًا في مواجهة معارضة شديدة في واشنطن من سياسيين وجماعات مصالح يرون في حملة (إسرائيل) انتقامًا مستحقًا لأحد ألد أعداء الولايات المتحدة، لكن إذا كان ترامب ملتزمًا بمنع إيران من امتلاك السلاح النووي فإن أفضل خيار أمامه هو دفع الإيرانيين و(الإسرائيليين) إلى وقف الحرب وإعادة طهران إلى طاولة المفاوضات، وبدون اتفاق يبدو أن الحكومة الإيرانية التي تعيش في حالة من الخوف ستسعى على الأرجح للحصول على السلاح النووي بمجرد تهيئة الظروف لذلك، في هذه الحالة سيتوجب على ترامب إما قبول وجود إيران نووية أو الانخراط في هجوم (إسرائيلي) آخر مما يعرضه تمامًا للخطر الذي وعد بتجنبه تورط كارثي في (الشرق الأوسط).

**  لمقتضيات الأمانة العلمية، وضرورات الترجمة الدقيقة، تم الإبقاء على كلمة (إسرائيل)، وهو لا يعني اعتراف المركز بها، وما هو مكتوب يمثل راي وأفكار المؤلف.

Loader Loading...
EAD Logo Taking too long?

Reload Reload document
| Open Open in new tab

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى