الاكثر قراءةتحليلات و آراءغير مصنف

الدوافع الاستراتيجية (الإسرائيلية) الامريكية وراء دعوة سكان طهران الى مغادرتها

بقلم: ا. د. سعد عبيد السعيدي/ مدير مركز حمورابي للبحوث والدراسات الاستراتيجية

     منذ يومين تصاعدت دعوات (إسرائيلية) سواء من قبل وزير الدفاع (الإسرائيلي) او من قبل رئيس الوزراء ا(لاسرائيلي) نفسه نتنياهو، لتهجير سكان العاصمة الايرانية عبر دعوتهم الى اخلائها، وقد ايد الرئيس الامريكي دونالد ترامب هذه الدعوات عبر تصريح ادلى به اليوم الثلاثاء 17 /6/ 2025 ودعى سكان طهران الى مغادرتها فورا تحت مبرر الحفاظ على سلامتهم من العمليات العسكرية.

غير ان حقيقة هذه الدعوات التي تستند الى معاني استراتيجية تختلف جوهريا عما يروج له الامريكان و(الإسرائيليين) ويمكن تلخيص البعض منها بالنقاط الاتية:

أولاً: سياسيا

    يرغب القادة الامريكان والمستوى السياسي في الحكومة (الإسرائيلية) بتهجير سكان طهران لاظهارعجز سياسي متصاعد في القيادة الايرانية من خلال تصويرها على انها غير قادرة على توفير الحماية لشعبها في أكثر مدنها اهمية وامانا الا وهي العاصمة، مما يفضي وفقا لتصوراتهم الى فقدان تدريجي للثقة بالنظام السياسي الايراني من قبل الشعب الايراني تمهيدا لتنفيذ مراحل اخرى من الحرب على إيران.

ثانياً: تنفيذ سياسة الاذلال القومي

    لا يمكن ان نتصور ان العداء (الإسرائيلي) والامريكي للدولة الايرانية يستهدف النظام السياسي بمفرده، فهذا النظام السياسي بالنتيجة يحظى بدعم شعبي كبير ولا يمكن وفقا للتجارب التاريخية الحديثة ان لا يأخذ الامريكان و(الإسرائيليين) هذا التأييد الشعبي بنظر الاعتبار عند تعاملهم مع الشعب الايراني.

فهناك رغبة جامحة (إسرائيلية) وامريكية للانتقام من الشعب الايراني عبر اذلاله بطريقة او باخرى، ومن بين اهم هذه الطرق هي تهجير سكان العاصمة البالغ عددهم اكثر من 15 مليون مواطن  وتركهم اما بالعراء في ظل استهداف (إسرائيلي) لمؤسسات واجهزة الدولة وانشغال المستويات العليا للقيادة الايرانية بحرب طاحنة وشرسة، واما لجوئهم الى مدن ايرانية اخرى لا تقوى على ايوائهم جميعا، واما اضطرارهم للهروب الى الحدود مع الدول المجاورة التي ربما تغلق حدودها مع ايران  بشكل تدريجي، وبالنتيجة ستفضي موجة النزوح الى احلال كارثة انسانية وانتشار للفقر والمرض والشعور بالاذلال والافتقار للامن الداخلي، وهو ما تريد ان تحققه الحكومة (الإسرائيلية) والأمريكية، لترسيخ شعور بالندم من قبل الايرانيين على معاداة الاحتلال (الإسرائيلي) والهيمنة الامريكية العالمية وفقا لما يتصوره مخططي السياسة (الإسرائيليين) والامريكان، وقد توظف الحكومتين الامريكية و(الإسرائيلية) هذا الوضع الذي يمتاز بشعور شعبي سيء لتوجيه رسالة لباقي شعوب المنطقة بأن مقاومة الهيمنة الامريكية و(الإسرائيلية) نتيجتها كارثية على الشعوب وعلى الانظمة.

ثالثاً: اسباب تتعلق باستهداف النظام السياسي الايراني

    قد يمثل تهجير سكان العاصمة طهران مؤشر على تدخل امريكي وشيك لاستهداف النظام السياسي الايراني ومحاولة تقويضه، اذ انه مما لا شك فيه ان تفريغ العاصمة من السكان يسهل من مهمة (الإسرائيليين) والامريكان في متابعة القيادة الايرانية والاجهزة والمؤسسات الفاعلة للنظام السياسي الايراني بشكل عام واستهدافها وتدميرها واغتيال كبار القادة وتدمير الوحدات العسكرية المسؤولة عن امن وحماية العاصمة، وقد يكون ذلك تمهيدا لعمليات تخريبية داخل العاصمة من قبل عملاء سريين او انزال وحدات خاصة  تحت وطأة كثافة النيران الجوية لتنفيذ مهام معينة الغرض منها اظهار التفوق (الإسرائيلي) والقدرة على تنفيذ مهام عسكرية في قلب الدولة الإيرانية، او التمهيد لانزال قوات مسلحة من المعارضة الايرانية للسيطرة على العاصمة طهران بدعم امريكي – (إسرائيلي).

رابعاً: أسباب تتعلق بتشديد الضغط السياسي على القيادة الإيرانية، لدفعها تقديم تنازلات في مجريات الحرب او التفاوض لاحقا حول البرنامج النووي عبر وضعها تحت ضغط حاجات السكان ووضعهم المأساوي، حيث يعتقد الامريكان و(الإسرائيليين) ان استمرار النظام السياسي الايراني قائم على اساس التأييد الشعبي بالاخص في طهران، واذا ما تم تغيير ولاء سكان العاصمة الذين سيشعرون بنوع من الالم والاذلال بسبب تهجيرهم فأن بقاء النظام السياسي في المستقبل سيكون محط شك وفقا للإدراك الامريكي – (الإسرائيلي)، وهذا ما قد يدفع القيادة الايرانية الى العمل على الاستجابة للشروط الامريكية – (الإسرائيلية) من اجل انهاء الحرب والعمل على استعادة ثقة الشعب الايراني عبر توفير الخدمات الاساسية المتعلقة بحق الحياة والسكن.

خامساً: اسباب تتعلق بالضغط على قدرات الحكومة الايرانية واجهزتها المختلفة عبر خلق ازمات ثانوية لاشغالها واستنزافها ماديا وسياسياً لتشتيت التركيز على صد الهجوم (الإسرائيلي) – الامريكي.

سادساٍ: اسباب امنية تكتيكية

    من المعروف ان عملية النزوح الكبيرة قد لا تتم بشكل سلس ومنتظم انما بشكل عشوائي ولا تجري باتجاه واحد ومسار محدد، بشكل يخلق نوع من الاضطراب والسيولة السكانية العشوائية قد تسمح بتوظيفها من قبل اجهزة الاستخبارات المعادية لتسهيل حركة العملاء وتنفيذ مهامهم بعد الفقدان الجزئي للحكومة الايرانية لسيطرتها على حركة السكان والتفاعل الاجتماعي الداخلي.

سابعاً: أسباب افتراضية تتعلق بقصف امريكي – (إسرائيلي) كبير محتمل ان يتم في نهاية هذا الاسبوع يستهدف القيادة الايرانية وكبار القادة العسكريين والسياسيين باسلحة ذات تدمير شامل قد تفضي الى قتل المئات من الايرانيين إذا ما بقوا في العاصمة، حيث يمهد الامريكان و(الإسرائيليين) الطريق لتشكيل راي عام دولي قوامه انهم حريصين على سلامة المدنيين الايرانيين وانهم نصحوهم بالابتعاد عن مراكز وجود النظام السياسي ومراكز القيادة العليا المتمركزة في العاصمة.

ثامناً: أسباب تتعلق بالحرب النفسية – السياسية التي قد تفضي الى نتائج مميزة

    فقد يفكر المستوى السياسي (الإسرائيلي) وبدعم من الادارة الامريكية بتنفيذ عمليات نفسية كبرى ليس ضد المواطنيين الايرانيين فقط انما ضد القيادة الايرانية نفسها عبر اظهار التصميم والعزم على توجيه ضربات كبرى تستهدف النظام السياسي والقيادة لتصفيتها، مما قد يدفع القيادة الايرانية وفقا للاعتقاد (الإسرائيلي) – الامريكي الى مغادرة العاصمة سرا واللجوء الى اماكن اخرى لإدارة الحرب والمقاومة، وهو غاية ما يرغب به الجانب (الإسرائيلي) – الامريكي.

فأنسحاب القيادة الايرانية الى خارج العاصمة سيعتبره الطرف الامريكي – (الإسرائيلي) نصرا جوهريا وقد يمهد لمرحلة اخرى من الهجوم (الإسرائيلي) الامريكي عبر محاولة اسقاط النظام في العاصمة وتفكيك الجيش والامن والحرس الثوري خارج العاصمة تمهيدا لمرحلة اخرى من تنفيذ الخطط (الإسرائيلية) – الامريكية في إيران.

تاسعاً: اسباب تتعلق بأستفزاز القيادة الايرانية لتوسع ردودها الانتقامية

    فالدعوات (الإسرائيلية) لتهجير سكان العاصمة طهران وبتاييد من الادارة الامريكية والتي تتزامن مع دعم امريكي كبير للجانب (الإسرائيلي) عبر تقديم وسائل دفاع جوي متطورة واتصالات ودعم لوجستي قد تستفز القيادة الايرانية للقيام بردود فعل انتقامية ضد القواعد الامريكية المتواجدة في المنطقة وبشكل قد تنتهي بدخول الولايات المتحدة رسميا الى الحرب بما يتيح تسهيل استخدام الولايات المتحدة لقنابل GBU57  التي تعد اقوى قنابل في العالم لاستهداف المناطق المحصنة وتحملها طائرات B52  او طائرات  B-2 الامريكية  ويمكن استخدامها في قصف مفاعل فوردو الذي تم انشاءة بعمق 100 متر  تحت جبل صخري لا يمكن للأسلحة (الإسرائيلية) تدميره، والذي يعد الهدف النهائي للهجوم (الإسرائيلي) على المفاعلات النووية الإيرانية، فبدون تدميره قد لا تتوقف الهجمات (الإسرائيلية)  هذا من جهة، اما من جهة اخرى فأنها تهدف الى  تغير موقف دول المنطقة من محايد او داعم سياسيا للموقف الايراني ومنها دول الخليج العربي الى مؤيد للجانب الامريكي الذي سيصور الهجوم الايراني على انه استهداف لأراضي  وسيادة هذه الدول ويمثل تهديد حقيقي لها، والوصول بالنتيجة الى تنفيذ عزلة سياسية اقليمية ضد ايران لتبرير الهجوم (الإسرائيلي) – الامريكي على انه ضرورة لكبح جماح دولة لا تحترم جيرانها.

إن هذه الاسباب وغيرها تبقى نسبية الى حد كبير وقابلة للتحول والتغير في اي لحظة مع تغير مجريات الحرب وتقدير الموقف الناجم عن التطورات الميدانية والسياسية والعسكرية، وقد تتغير دوافع (الإسرائيليين) والامريكان في اي لحظة او قد تكون هناك اسباب خفية لا يعلمها الا عدد محدود جدا من المسؤولين (الإسرائيليين) والامريكان، كما انها رهينة بالقدرات الايرانية على احباط  المخططات (الإسرائيلية) – الامريكية، حيث يجب ان نتذكر ان الخطط (الإسرائيلية) والامريكية تتعلق بدولة اقليمية كبيرة ومنظمة وتمتلك قدرات متنوعة وقيادة متماسكة تحظى بتأييد شعبي كبير وشعب صبور ويعتنق عقيدة مقِاومة، فهذا الشعب خضع لعقوبات  دولية منذ اكثر من ثلاثة عقود واستطاع ان يتعايش معها وبالتالي ليس من السهل تنفيذ الخطط (الإسرائيلية) – الامريكية على ارض الواقع رغم التفوق العسكري الواضح لا سيما في مجال سلاح الجو الذي اتاح للطرف (الإسرائيلي) عنصر المبادءة والهجوم والتحكم بمجريات الحرب عبر سيطرته على الاجواء وتنفيذ هجمات متتالية بمرونة تمنحه ميزة التفوق الجوي المطلق، فرغم هذا التفوق الجوي تمتلك ايران قدرات صاروخية كبيرة جدا لها القدرة على استهداف كل مكان في (إسرائيل) والحاق بالغ الضرر في البنى المادية والاقتصادية والسياسية (الإسرائيلية)، كما ان نزوح كامل سكان طهرات على الرغم من كل انواع التدمير الذي تمارسه (إسرائيل) امر مشكول فيه بشكل كبير حيث سيفضل غالبية سكان العاصمة الموت داخلها على النزوح او السماح (للإسرائيليين) والامريكان تحقيق اهدافهم.
Loader Loading...
EAD Logo Taking too long?

Reload Reload document
| Open Open in new tab

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى