الاكثر قراءةتحليلات و آراءغير مصنف

كفى نفاقاً يا واشنطن: ارفعوا أيديكم عن السودان

بقلم: الباحث محمد مكي الطاهر/ السودان

 

شهدت العلاقات الأمريكيةالسودانية توتراً حاداً في الأيام الأخيرة مع إعلان واشنطن فرض عقوبات جديدة على الحكومة السودانية الشرعية والمعترف بها دولياً، في خطوة مفاجئة ومثيرة للجدل. تتهم واشنطن الحكومة السودانية والجيش الباسل باستخدام الأسلحة الكيميائية خلال الحرب العدوانية الدائرة، لكن تحليل هذه العقوبات يكشف تناقضات صارخة بين المزاعم الأمريكية والواقع الملموس على الأرض، ويطرح تساؤلات مشروعة حول الدوافع الحقيقية لهذه العقوبات وتوقيتها المشبوه.

 

المزاعم الأمريكية والأدلة المقدمة

  1. طبيعة الاتهامات الرسمية: في 23 مايو 2025، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية على لسان تامي بروس المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية، عن فرض حزمة عقوبات شاملة على السودان بموجب قانون مكافحة الأسلحة الكيميائية والبيولوجية (CBW Act)، مستندة في ذلك إلى تقرير استخباراتي سري زعمت أنه يحتوي على أدلة قاطعة تزعم أن الجيش السوداني استخدم غاز الكلور في هجمات ضد مليشيا الدعم السريع المتمردة (RSF) في دارفور أواخر 2024. وأن هناك أدلة دامغةعلى انتهاك السودان لالتزاماته بموجب اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية (CWC).
  2. نقاط الضعف في الرواية الأمريكية: رغم خطورة الاتهامات الأمريكية، فإن الأدلةالمقدمة من واشنطن تعاني من ثغرات جوهرية وتناقضات فاضحة، مما يقوض مصداقيتها بشكل كبير:

غياب التحقيق الدولي المستقل: لم تُشرك واشنطن منظمة حظر الأسلحة الكيميائية (OPCW) في التحقيق، رغم أنها الجهة الدولية المخولة قانونياً بتقييم مثل هذه الادعاءات الخطيرة. والاعتماد المطلق على تقارير استخباراتية غير معلنة يضعف مصداقية الادعاءات الأمريكية، خاصة مع التاريخ الأسود للولايات المتحدة في تقديم أدلة مزورةلتبرير عدوانها على دول أخرى، كما حدث في العراق عام 2003.

شهادات موثوقة من منشقين عن مليشيا الدعم السريع المتمردة تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن هذه الميليشيات هي من استخدمت الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين الأبرياء، في جرائم حرب موثقة. تناقضات في سردية الهجمات لم تُحدد واشنطن المواقع الدقيقة أو التواريخ المحددة للهجمات المزعومة، مما يعيق أي تحقق مستقل من صحة هذه الادعاءات.

تقارير ميدانية موثوقة من دارفور تشير إلى أن مليشيا الدعم السريع المتمردة هي من استخدمت الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين الأبرياء، وهي جرائم موثقة أيضاً من قبل منظمات حقوقية دولية مثل منظمة هيومن رايتس ووتشفي تقريرها الصادر في مارس 2025.

الرد السوداني والثغرات في المزاعم الأمريكية

  1. الموقف الرسمي للحكومة السودانية: رفضت الحكومة السودانية بأقوى العبارات الاتهامات الأمريكية ووصفتها بـ أكذوبة سياسية، مؤكدة أنها تأتي في سياق حملة ممنهجة لتشويه سمعة السودان وتقويض جهوده في مكافحة الإرهاب وتحقيق الاستقرار في المنطقة. وأكد المتحدث باسم الجيش السودانينبيل عبداللهعلى ما يلي: الجيش السوداني يلتزم التزاماً كاملاً بالقانون الدولي ولا يمتلك أي أسلحة كيميائية. العقوبات الأمريكية تستهدف في المقام الأول تقويض الانتصارات المتتالية التي يحققها الجيش السوداني في معارك الخرطوم ودارفور ضد مليشيا الدعم السريع المتمردة ومن يدعمها من قوى خارجية.
  2. سابقة تاريخية (درس مصنع الشفاء): يذكر التاريخ بحادثة مماثلة في عام 1998، حين قصفت الولايات المتحدة مصنع الشفاء للأدوية في الخرطوم بدعوى كاذبة بأنه ينتج أسلحة كيميائية، لكن لجنة تحقيق دولية لاحقة برأت المصنع تماماً، واضطرت واشنطن تحت ضغط الحقائق إلى رفع العقوبات عن مالكه عام 2002 –هذه السابقة الموثقة تدعم وتؤكد الادعاءات الأمريكية الحالية المشبوهة إلى أبعد الحدود مع تكرار السيناريو ذاته في محاولة يائسة لتشويه سمعة السودان.

 

التوقيت المشبوه للعقوبات

  1. تزامن العقوبات مع تحولات ميدانية: جاء الإعلان عن العقوبات الأمريكية في توقيت بالغ الحساسية، حيث: حقق الجيش السوداني الباسل انتصارات استراتيجية حاسمة في معركة الخرطوم، وكبد مليشيا الدعم السريع المتمردة خسائر فادحة.وبدأت مليشيا الدعم السريع المتمردة تتراجع بشكل ملحوظ في كردفان ودارفور بعد خسارة مواقع حيوية كانت تحتلها، في إشارة واضحة إلى قرب هزيمتها. والعقوبات الأمريكية تبدو محاولة سافرة لـ حرمان الجيش السوداني من زخمه العسكري ووقف تقدمه، وإطالة أمد الحرب؛ خدمة لأجندات خارجية خبيثة.
  2. صراع النفوذ في الكونغرس الأمريكي: كشفت وثائق مسربة أن توقيت فرض العقوبات الأمريكية تزامن مع: ضغوط متزايدة من أعضاء في الكونغرس الأمريكي (خاصة من الحزب الديمقراطي) لفرض عقوبات على دولة الإمارات العربية المتحدة بسبب دعمها السخي والمتواصل للدعم السريع المتمردة. محاولة من الإدارة الأمريكية لتحويل الانتباه عن دور حليفتها الإمارات في تأجيج الصراع السوداني، وذلك عبر استهداف السودان بعقوبات لا أساس لها من الصحة.

 

الأجندة الخفية للعقوبات

  1. حماية المصالح الأمريكية في المنطقة: السودان يحتل موقعاً استراتيجياً بالغ الأهمية على البحر الأحمر، حيث تسعى واشنطن جاهدة لمواجهة النفوذ المتنامي لروسيا والصين في المنطقة.وإضعاف الجيش السوداني والحكومة يخدم الأطماع الأمريكية، ويفتح الباب أمام نفوذ إماراتيإسرائيلي أكثر ومتزايد في المنطقة، وهو ما يهدد الأمن القومي السوداني.
  2. ازدواجية المعايير الأمريكية: بينما تستهدف واشنطن الحكومة السودانية والجيش الوطني بعقوبات ظالمة، تتغاضى بشكل فاضح عن: الجرائم الوحشية التي ترتكبها مليشيا الدعم السريع المتمردة ضد المدنيين الأبرياء، بما في ذلك التطهير العرقي وعمليات التجنيد القسري للأطفال. الدعم السخي والمتواصل الذي تقدمه الإمارات وإسرائيل للميليشيات المتمردة، والذي يغذي الصراع ويطيل أمد الحرب.

 

تداعيات العقوبات على السودان

  1. التأثير الاقتصادي المدمر: شملت العقوبات الأمريكية الجائرة: تجميد أصول المؤسسات السودانية في الولايات المتحدة، في انتهاك صارخ للقانون الدولي. حظر التعامل مع البنك المركزي السوداني، وهو ما يقوض قدرة الدولة على إدارة اقتصادها ويزيد منها تبعية أكثر للإمارات العربية المتحدة وإمكان استغلال الأخيرة لوضع البلاد. فأن هذه الإجراءات التعسفية تفاقم الأزمة الإنسانية التي يعاني منها الشعب السوداني، حيث يواجه 25 مليون سوداني خطر انعدام الأمن الغذائي والمجاعة.
  2. التأثير العسكري المحدود: قد تعيق العقوبات قدرة الجيش السوداني على شراء بعض المعدات الطبية والإنسانية الضرورية، لكنها لن توقف بأي حال من الأحوال عملياته العسكرية المشروعة ضد المتمردين والإرهابيين. الأثر الأكبر للعقوبات سيكون سياسياً، حيث تهدف إلى تقويض شرعية الحكومة الانتقالية الشرعية والمعترف بها دولياً، والتدخل السافر في الشؤون الداخلية للسودان.

العقوبات الأمريكية على السودان تستند إلى ذرائع هشة ومختلقة، وتكشف بوضوح عن أجندة سياسية خبيثة تهدف إلى استنزاف الجيش السوداني القوي لصالح مليشيا الدعم السريع المتمردة المدعومة إماراتياً وإسرائيلياً. ازدواجية فاضحة في المعايير الأمريكية في التعامل مع انتهاكات حقوق الإنسان في المنطقة، حيث يتم التغاضي عن جرائم الميليشيات المتمردة وتجاهل الدعم الخارجي لها. تجاهل متعمد للتدخلات الخارجية السافرة التي تغذي الصراع في السودان وتعمل على تدمير الدولة السودانية من الداخل.

 

Loader Loading...
EAD Logo Taking too long?

Reload Reload document
| Open Open in new tab

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى