الاكثر قراءةتحليلات و آراءغير مصنف

تأييد احتلال تركيا لشمال قبرص ومستقبل منظمة الدول التركية

بقلم: الباحث بختیار أحمد صالح

 

أصبحت العلاقات بين دول آسيا الوسطى وتركيا تمر بمرحلة حرجة بعد التحولات السياسية الأخيرة، وخاصة بعد إعلان دول آسيا الوسطى التزامها بقرارات مجلس الأمن الدولي التي تدين الاحتلال التركي لشمال قبرص. هذا التطور يثير تساؤلات جدية حول مستقبل منظمة الدول التركية، التي سعت تركيا من خلالها إلى لعب دور محوري في العالم التركي. تهدف هذه الورقة إلى تحليل الخلفيات والأسباب وراء هذا التحول، واستشراف الآفاق المستقبلية للعلاقات داخل المنظمة.

أولا: نشأة وتطور منظمة الدول التركية

تأسست منظمة الدول التركية (سابقًا مجلس التعاون للدول الناطقة بالتركية) عام 2009 خلال قمة نخجوان، بهدف تعزيز التعاون الثقافي بين الدول التركية غير أن تغيير اسم المنظمة عام 2021 إلى منظمة الدول التركية يعكس رغبة أنقرة في توسيع نطاق التعاون إلى مجالات سياسية وجيوسياسية، ومحاولة خلق تكتل إقليمي تركي الهوية تحت قيادتها. تركزت عضوية المنظمة على تركيا، أذربيجان، كازاخستان، قرغيزستان، أوزبكستان، بالإضافة إلى تركمانستان كعضو مراقب.

ثانيا: قبول قبرص الشمالية كعضو مراقب

في عام 2022، وافقت الدول الأعضاء، بدفع تركي قوي، على قبول جمهورية شمال قبرص التركية كعضو مراقب في المنظمة، رغم أنها كيان غير معترف به دوليًا (باستثناء تركيا). أثار هذا القرار ردود فعل غاضبة من الاتحاد الأوروبي، خصوصًا من قبرص واليونان، واعتُبر تحديًا مباشراً للقانون الدولي ولقرارات مجلس الأمن (541 و550). وكان لهذا القرار آثار بعيدة المدى على علاقات الدول الأعضاء مع أوروبا، إذ رأت الأخيرة أن هذه الخطوة تهدد استقرار شرق المتوسط وتقوض الجهود الدبلوماسية لحل قضية قبرص.

ثالثا: التزام دول آسيا الوسطى بقرارات الأمم المتحدة

خلال القمة الأوروبية–الآسيوية التي عُقدت بسمرقند في أبريل 2025، وقّعت كازاخستان، قرغيزستان، وأوزبكستان على بيان مشترك أكد الالتزام بقرارات مجلس الأمن 541 و550، دون الإشارة صراحة إلى قبرص الشمالية. هذه الخطوة فسرت عمليا كتراجع عن دعم محاولة تركيا لشرعنة احتلال شمال قبرص. ويمثل هذا التغير الدبلوماسي تعبيراً عن رغبة دول آسيا الوسطى في تجنب الاصطفاف مع أي طرف في قضايا خلافية، والحفاظ على علاقات متوازنة مع الاتحاد الأوروبي وغيره من الفاعلين الدوليين.

رابعا: تآكل الدور القيادي التركي داخل المنظمة

تركيا كانت تأمل أن تقود العالم التركي عبر منظمة الدول التركية، باعتبارها الأخ الأكبر اقتصادياً وعسكريا وثقافيا. لكن دول آسيا الوسطى لم تكن تنظر إلى تركيا سوى كشريك اقتصادي مهم، وليس كقائد سياسي أو جيوسياسي. ازداد هذا التباين مع تشدد تركيا في قضايا إقليمية أخرى مثل التدخل العسكري في سوريا والعراق، حرب قره باغ، التوترات مع مصر وإسرائيل في شرق المتوسط، وتصاعد النزاع مع اليونان. دول آسيا الوسطى التي تعتمد سياسة تنويع شركائها الدوليين (روسيا، الصين، أمريكا، الاتحاد الأوروبي، وحتى إيران)، باتت ترى أن الانخراط العميق مع تركيا في مشاريع سياسية قد يضر بمصالحها الاستراتيجية.

خامسًا: مستقبل منظمة الدول التركية

على الرغم من هذه التوترات، من المتوقع أن تستمر منظمة الدول التركية في العمل، لكنها ستعود إلى التركيز على الجوانب الثقافية والاقتصادية التي كانت أهدافها الأصلية. ومن المرجح أن تمتنع الدول الأعضاء عن إصدار بيانات سياسية مشتركة قد تضعها في مواقف صعبة مع شركائها الدوليين الآخرين. وبذلك، ستتحول المنظمة إلى منصة للتعاون الناعم في مجالات مثل التعليم، الثقافة، النقل، والاستثمار الاقتصادي الإقليمي.

التحديات المستقبلية

  1. الحد من الطموحات الجيوسياسية التركية داخل المنظمة.
  1. تعزيز التوازن في العلاقات الدولية بين دول آسيا الوسطى والقوى الكبرى الأخرى.
  2. إعادة تعريف أولويات المنظمة بعيدًا عن الملفات الإشكالية كقبرص أو أزمات شرق المتوسط.

إن التزام دول آسيا الوسطى بقرارات الأمم المتحدة حول قبرص يمثل نقطة تحول في علاقتها مع تركيا، ويؤشر على بداية مرحلة جديدة في عمل منظمة الدول التركية. فبينما تسعى تركيا إلى تأكيد قيادتها، تسعى بقية الدول إلى المحافظة على استقلاليتها الاستراتيجية وعدم الانجرار وراء أجندات قد تعرض علاقاتها مع القوى الكبرى للخطر. مستقبل المنظمة سيكون مرهونا بقدرة أعضائها على إدارة توازنات دقيقة بين الطموح القومي التركي ومتطلبات السياسة الخارجية المتعددة الأطراف لدول آسيا الوسطى.

 

المصادر

  1. Falahy, E. (2025). تایید اشغالگری ترکیه در قبرس و سرنوشت سازمان دولت‌های ترک. تحلیل کوتاه. آسیای میانه.
  1. United Nations Security Council. (1983). Resolution 541 (Cyprus). Retrieved from https://undocs.org/S/RES/541(1983)
  2. United Nations Security Council. (1984). Resolution 550 (Cyprus). Retrieved from https://undocs.org/S/RES/550(1984)
  3. EU–Central Asia Summit. (2025). Joint Statement of the First EU-Central Asia Summit, Samarkand.
Loader Loading...
EAD Logo Taking too long?

Reload Reload document
| Open Open in new tab

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى