الاكثر قراءةترجماتغير مصنف

نهاية الاستثناء “الإسرائيلي” نحو مقاربة أميركية جديدة

بقلم: أندرو بي. ميلر

ترجمة: صفا مهدي

تحرير: د. عمار عباس شاهين

مركز حمورابي للبحوث والدراسات الاستراتيجية

 

على مدى العقود الثلاثة الماضية حافظت الولايات المتحدة و(إسرائيل)* على علاقة شديدة المتانة والاستثنائية، فقد وقفت واشنطن إلى جانب تل أبيب خلال سنوات مفاوضات السلام في تسعينيات القرن الماضي مع منظمة التحرير الفلسطينية مروراً بالانتفاضة الثانية التي اندلعت عام 2000 واستمرت خمس سنوات وصولاً إلى سلسلة الحروب المتتابعة في غزة ولبنان خلال العقدين التاليين، واستمرت هذه العلاقة في ذروتها حتى بعد الهجوم الذي شنته حركة حماس في 7 تشرين الأول 2023 وما أعقبه من حرب واسعة في غزة حيث قدمت إدارتان أميركيتان دعماً دبلوماسياً وعسكرياً شبه غير مشروط (لإسرائيل).

إلا أنّ حرب غزة كشفت في الوقت ذاته حجم التكلفة المترتبة على استمرار هذا النمط من العلاقات الثنائية، فباستثناءات محدودة– أبرزها وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ مطلع تشرين الاول 2025– واجهت واشنطن صعوبات واضحة في التأثير على سلوك (إسرائيل) خلال الحرب، وهذا الإخفاق لم يكن حالة استثنائية بل نتيجة بنيوية لطبيعة العلاقة بين الطرفين. فبينما توصف العلاقة الأميركية– البريطانية بأنها “خاصة” يمكن توصيف العلاقة الأميركية– (الإسرائيلية) بأنها “استثنائية” حيث تحظى (إسرائيل) بمعاملة لا يحظى بها أي حليف آخر، فصفقات السلاح التي تُبرم مع بقية الدول تخضع لقوانين تنظيمية صارمة بينما لم تُجبر (إسرائيل) قط على الالتزام بها بشكل فعلي، كما أنّ الشراكات التقليدية مع واشنطن تستدعي عدم الانحياز الحزبي داخل الولايات المتحدة في حين لم تتردد القيادة (الإسرائيلية) في إظهار تفضيلات سياسية داخلية دون تبعات، أضف إلى ذلك أنّ الولايات المتحدة لا تدافع عادة عن سياسات تتعارض مع توجهاتها ولا تعرقل الانتقادات المعتدلة داخل الهيئات الدولية باستثناء تعاملها مع (إسرائيل).

وقد ألحق هذا الاستثناء ضرراً بمصالح الطرفين فضلاً عن الأذى الهائل الذي لحق بالفلسطينيين، فبدلاً من ضمان أمن (إسرائيل)– وهو الهدف المعلن– أسهم الدعم الأميركي غير المشروط في تعزيز نزعات متشددة داخل القيادة (الإسرائيلية)، وكانت الحصيلة اتساع رقعة الاستيطان غير القانوني وتصاعد عنف المستوطنين في الضفة الغربية وتفاقم الخسائر البشرية في غزة إلى مستويات كارثية وصولاً إلى المجاعة في بعض المناطق، كما شجّع الدعم الأميركي على اندفاع عسكري (إسرائيلي) متوسع في المنطقة ما ضاعف المخاطر الوجودية على (إسرائيل) ذاتها وفي الداخل الأميركي أدى استمرار الحرب إلى تراجع غير مسبوق في التأييد الشعبي (لإسرائيل) عبر الطيف السياسي وارتفاع المؤشرات السلبية تجاهها إلى مستويات تاريخية.

إن نمط العلاقة الحالي لا يمكن استمراره إلى ما لا نهاية إذ تبرز الحاجة إلى نموذج جديد يتسق مع أسلوب تعامل واشنطن مع شركائها بما في ذلك أقرب حلفائها المرتبطين معها بمعاهدات دفاعية، ويقتضي هذا النموذج وضع توقعات واضحة وحدود مُلزمة وربط الدعم باحترام القانون الأميركي والدولي، وفرض شروط عند تعارض السياسات (الإسرائيلية) مع المصالح الأميركية ووقف التدخل في السياسات الداخلية بما يحوّل العلاقة إلى صيغة أكثر “طبيعية” واعتيادية. ومن منظور الولايات المتحدة فإن إعادة هيكلة العلاقة باتت ضرورة استراتيجية وسياسية وأخلاقية، فالتوجه نحو علاقة طبيعية– بدلاً من العلاقة الاستثنائية الحالية– من شأنه أن يحقق نتائج أفضل في ملفات حساسة كمنع ضم الضفة الغربية ووضع استراتيجية مشتركة لاحتواء البرنامج النووي الإيراني، أما الإبقاء على الوضع القائم فينذر بتراجع النفوذ الأميركي عالمياً وتعميق عزلة (إسرائيل) عن المجتمع الدولي والرأي العام الأميركي، بل وربما انهيار البنية المجتمعية الفلسطينية في غزة ثم في الضفة الغربية لاحقاً.

من ثمّ فإن تعديل مسار السياسة الأميركية تجاه (إسرائيل)، قبل أن تصبح تكلفة الاستمرار في النهج الحالي غير قابلة للمعالجة، يمثل مصلحة مشتركة للأطراف الثلاثة الأميركيين و(الإسرائيليين) والفلسطينيين على حد سواء.

 

غياب الفجوة

على الرغم من خصوصية العلاقة التي جمعت الولايات المتحدة و(إسرائيل) منذ تأسيس الأخيرة فإنها لم تتخذ بشكل دائم صورتها الاستثنائية الراهنة، فحتى إدارة الرئيس بيل كلينتون لم يكن الدعم الأميركي بمثابة “شيك مفتوح” إذ لم يتردد الرؤساء الأميركيون سابقاً في إعلان خلافاتهم مع الحكومة (الإسرائيلية) علناً أو فرض إجراءات ضغط لتعديل سلوكها، كما دعمت إدارات أميركية متعاقبة قرارات في مجلس الأمن– أو امتنعت عن التصويت عليها– تضمنت انتقادات واضحة للممارسات (الإسرائيلية) خصوصاً في ما يتعلق بالاستيطان، وخلال حرب السويس عام 1956 وحرب تشرين الاول 1973 والحروب (الإسرائيلية) في لبنان خلال السبعينيات والثمانينيات وكذلك أثناء الانتفاضة الأولى في أواخر الثمانينيات وبداية التسعينيات لوّحت واشنطن بفرض عقوبات أو حجب شحنات سلاح عن (إسرائيل).

غير أنّ نهاية الحرب الباردة والانتصار الأميركي الحاسم في حرب الخليج الأولى خلقا شعوراً بأن الظروف باتت مواتية لتحقيق تسوية شاملة في (الشرق الأوسط)، وفي إطار هذا التصور قدّمت إدارة كلينتون دعماً شبه غير مشروط (لإسرائيل) انطلاقاً من قناعة مفادها أن (إسرائيل) قوية مدعومة بلا تحفظ ستكون أكثر استعداداً لاتخاذ خطوات مجازِفة نحو السلام، وحرصت الإدارة على تجنب أي مظهر للاختلاف العلني مع تل أبيب فالمواقف الأميركية الاعتراضية على الاستيطان خُففت مفردات مثل “الاحتلال” اختفت عملياً من الخطاب الرسمي، كما استُخدم الدعم العسكري كحافز لتقديم تنازلات وليس كأداة ضغط وتم تجنّب الإجراءات القسرية بغض النظر عن السلوك (الإسرائيلي).

استند هذا النهج إلى أربعة افتراضات رئيسة: أولا: تطابق المصالح الأميركية–(الإسرائيلية) أو تقاربها بدرجة كبيرة وفي مقدمتها السعي لسلام تفاوضي بين (إسرائيل) والفلسطينيين وجيرانها. وثانيا: أن (إسرائيل) أدرى بتهديدات بيئتها الإقليمية وقدرتها على حماية مصالحها في مواجهة خصوم يمتلكون قوة مماثلة. ثالثا: أن الخلاف العلني بين الحليفين يضعف (إسرائيل) ويشجع خصومها، وبالتالي يجب حل الخلافات بشكل غير معلن. وأخيرا: أن (إسرائيل) ستراعي المصالح الأميركية في نهاية المطاف حفاظاً على دعمٍ تعتبره أساسياً لأمنها وبقائها.

وبُني على هذه الركائز نموذج علاقة فريد في طبيعته ومعاييره وآليات عمله ساهم في استمراره تأثير جماعات الضغط المؤيدة (لإسرائيل) في الولايات المتحدة، ولا تزال واشنطن تُظهر قدراً كبيراً من الامتثال للاحتياجات السياسية الداخلية في (إسرائيل) وقرارات قادتها مع تقديم مساعدات عسكرية ضخمة غير مشروطة، فمذكرة التفاهم الموقعة عام 2016 نصّت على 3.8 مليارات دولار سنوياً أي ما يعادل أكثر من 10 ملايين دولار يومياً من أموال دافعي الضرائب الأميركيين إضافة إلى زيادات دورية يقرّها الكونغرس كما يُتوقع من واشنطن ليس فقط الامتناع عن انتقاد تل أبيب علناً بل الدفاع عنها في المؤسسات الدولية غالباً عبر استخدام حق النقض ضد قرارات تدينها حتى عندما تتوافق هذه القرارات مع التوجهات الأميركية المعلنة، في المقابل نادراً ما تُطبّق على (إسرائيل) القيود القانونية الأميركية المرتبطة بانتهاكات حقوق الإنسان خلافاً لما يحدث مع بقية متلقي الدعم الأميركي.

أدّى هذا الدعم غير المشروط إلى خلق مخاطر أخلاقية للطرفين (فإسرائيل) لا تجد مبرراً للتجاوب مع المخاوف الأميركية ما دامت تكلفة الرفض معدومة بل باتت تتبنى نهجاً توسعياً يضرّ أحياناً بالمصالح المشتركة، ورغم أنّ الدعم الأميركي ساعد في ردع خصوم (إسرائيل) ووفّر غطاءً لمواجهة أعداء مشتركين فإن الفارق الكبير في ميزان القوى دفع (إسرائيل) إلى تبني سياسات متشددة وثقة مفرطة بالنفس مستندة إلى ضمان استمرار الدعم الأميركي مهما كانت النتائج، وفي المقابل يدفع هذا الانحياز واشنطن إلى تحمل تبعات السلوك (الإسرائيلي) بما في ذلك التعرض لردود عسكرية مباشرة أحياناً فيما تشعر (إسرائيل) بالضيق من الانتقادات الشعبية الأميركية رغم الاستفادة الواسعة من المساعدات. كما أن قادة (إسرائيل) ليسوا بمنأى عن الأخطاء التقديرية فالتاريخ أظهر أن التركيز المفرط على النجاة الآنية قد يحجب الرؤية الاستراتيجية الأوسع، وهو ما تجلى في أكبر إخفاقين استخباراتيَين (لإسرائيل) حرب تشرين الاول 1973 وهجوم السابع من تشرين الاول 2023 إذ لم يكن الخطأ في نقص المعلومات بل في تجاهل تقديرات استراتيجية مغايرة أدت إلى التقليل من حجم الخطر، ولا يتعيّن على الولايات المتحدة تجاهل تقييمات شركائها (الإسرائيليين) لكنها كذلك لا ينبغي أن تستبدل بها تقييماتها الخاصة.

لقد أمكن التخفيف من عيوب هذه العلاقة في مراحل كان فيها قادة الطرفين ملتزمين فعلاً بخيار السلام فعلى سبيل المثال أدرك إسحق رابين خلال ولايته الثانية (1992–1995) أن تحدي واشنطن لن يضر بالعلاقة فوراً لكنه قد يخلّف آثاراً تراكمية، واعتبر أن المخاوف الأميركية نابعة من هدف مشترك هو تحقيق السلام رغم الاختلاف حول تفاصيله ورغم مسؤوليته عن توسع الاستيطان ظلّ شريكاً متجاوباً نسبياً ووقّع اتفاق أوسلو مع ياسر عرفات عام 1993 في خطوة أيدها أكثر من 60% من (الإسرائيليين) وكانت تمهيداً نحو الدولة الفلسطينية، حتى وإن لم يعلن ذلك صراحة.

في المقابل يعتبر بنيامين نتنياهو العلاقة الاستثنائية أداة للاستغلال السياسي أكثر منها شبكة أمان فشعار “لا فجوة” في العلاقة مع واشنطن بالنسبة له التزام أحادي الجانب يوظفه عندما يخدم مصالحه، وقد ظهر ذلك عندما هاجم إدارة بايدن بسبب التباطؤ في شحن بعض الأسلحة وعندما وقف أمام الكونغرس عام 2015 لمعارضة الاتفاق النووي مع إيران، وتزامن ذلك مع تحوّل كبير في المزاج العام داخل (إسرائيل) نحو اليمين إذ أظهرت استطلاعات (بيو) في حزيران 2025 أن 21% فقط من (الإسرائيليين) يرون إمكانية التعايش مع دولة فلسطينية كما عكس انضمام حزبَي بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير– المعروفَين بخطاب عنصري وعنيف– إلى الائتلاف الحكومي هذا التحول الأيديولوجي، وهكذا تجد الولايات المتحدة نفسها أمام حكومة لا تتبنى قيماً ديمقراطية راسخة ولا تُبدي رغبة في تسوية عادلة للنزاع مع الفلسطينيين ولا تبدي التزاماً موازياً للمحافظة على صحة العلاقة الثنائية.

 

 

المعاملة الاستثنائية

أظهرت تداعيات هجوم حركة حماس في 7 تشرين الاول بجلاء مكامن الخلل الجوهرية في طبيعة العلاقة الاستثنائية بين الولايات المتحدة و(إسرائيل)، فقد واجهت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن صعوبة واضحة في التأثير على سلوك حكومة بنيامين نتنياهو خلال الحرب على غزة وفي ساحات أخرى بالمنطقة، إذ لم تسعَ واشنطن إلى صياغة تفاهم رسمي أو غير رسمي مع (إسرائيل) يحدد ماهية الدعم العسكري والسياسي وشروط صرفه والأهداف العملياتية المرتبطة به ورغم أن موقف الإدارة الأميركية الداعم للرد العسكري (الإسرائيلي) عكس تضامناً مفهوماً مع شريك يواجه هجوماً غير مسبوق، إلا أن غياب الضوابط والاشتراطات أتاح لنتنياهو التعامل مع الدعم وكأنه تفويض مفتوح. منذ الأسابيع الأولى للعمليات العسكرية (الإسرائيلية) اتسمت المقاربة الأميركية بمزيج من الضغط الحذر والتفهم المفرط، فقد كان واضحاً أن الجيش (الإسرائيلي) لم يضع حماية المدنيين الفلسطينيين في دائرة الاهتمام الكافية، ورغم أن إدارة بايدن عبّرت– على نحو متكرر ولكن في الغرف المغلقة– عن قلقها إزاء أنماط القصف وشدة النار فإن تصريحاتها العلنية اكتفت بإبداء الأسف على سقوط الضحايا دون توجيه اتهام مباشر (لإسرائيل)، ما أفقد التحركات الدبلوماسية كثيراً من أثرها.

كما امتنعت الإدارة الأميركية خلال المراحل الأولى من الحرب عن تعليق إرسال الأسلحة فيما فسرت دول عديدة استخدام واشنطن لحق النقض في مجلس الأمن لعرقلة قرارات وقف إطلاق النار– لأسباب من بينها عدم تضمين دور حماس– بوصفه ضوءاً أخضر للاستراتيجية العسكرية (الإسرائيلية)، ومع تصاعد الانتقادات الداخلية بدا لنتنياهو أنه قادر على تجاهل الاستياء داخل الإدارة لأنها ستواصل منح (إسرائيل) هامش حركة واسعاً حتى لو كان ذلك على حساب تقليل الخسائر بين المدنيين.

حققت جهود الوساطة الأميركية تقدماً مهماً في تشرين الثاني 2023 بإبرام وقف إطلاق نار أفضى إلى إطلاق سراح 105 رهائن غير أن عامًا كاملاً مضى دون تجديد الاتفاق وخلال تلك الفترة أصبحت الرسائل الأميركية أكثر صراحة وحزماً لكنها لم تُقرن بتهديد فعلي بقطع الدعم، فلم يُستخدم المساعدات العسكرية كورقة ضغط كما علّقت عملياً تطبيق “قوانين ليهي” التي تحظر تقديم الدعم للوحدات العسكرية المتهمة بانتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان رغم عدم وجود استثناءات قانونية لذلك، ولم تُقدم الإدارة على تعليق شحنات أسلحة إلا في ايار 2024 بعد بدء عملية رفح ورغم تعديل (إسرائيل) لخطتها لاحقاً فقد جاء الضغط الأميركي متأخراً وضعيف الأثر. أما على صعيد المساعدات الإنسانية فقد تمكنت واشنطن نسبياً من انتزاع تنازلات من (إسرائيل) بعد أن فرضت الأخيرة حصاراً كاملاً على غزة في بداية الحرب، وقد أسفرت ضغوط بايدن– عبر اتصالات مباشرة ورسائل رسمية– عن إدخال مساعدات بصورة محدودة لكن بطرق متقطعة وغير كافية لتلبية الاحتياجات الأساسية وفي مناسبتين خلال عام 2024 لوّحت الإدارة بتقليص الدعم العسكري إن لم تُحسن (إسرائيل) وصول الإغاثة فاستجابت الأخيرة بشكل مؤقت، غير أن الضغط لم يُستدام ولم تُستخدم أدوات قانونية متاحة مثل المادة 620I من قانون المساعدات الخارجية التي تمنع دعم أي دولة تعيق إيصال المساعدات الأميركية، وكان يمكن تفعيل هذه المادة لإحداث ردع أو إصدار إدانة معلنة على الأقل ما قد يدفع (إسرائيل) لتخفيف القيود كذلك جاء تقرير الالتزام (الإسرائيلي) بمعايير المساعدات في ايار 2024 ليقرّ بأن (إسرائيل) “جديرة بالثقة” في تسهيل المساعدات وهو ما شكك فيه كثير من المتابعين.

وعلى الجانب الإقليمي نجحت إدارة بايدن في احتواء التمدد العسكري للنزاع ومنعت تحوله إلى حرب متعددة الجبهات رغم تورط إيران ولبنان وسوريا واليمن بصورة متفاوتة، كما حشدت تحالفاً دفاعياً دولياً نجح في اعتراض الهجمات الإيرانية على (إسرائيل) في نيسان وتشرين الاول 2024 لكن قدرة واشنطن على ضبط العمل العسكري (الإسرائيلي) كانت محدودة إذ قادت عمليات (إسرائيل) في دمشق– رغم عدم تبريرها للهجوم الإيراني– إلى أول تصعيد مباشر، ومع شعور (إسرائيل) بالأمان نتيجة المظلة الدفاعية الأميركية ازداد اندفاعها نحو عمليات أكثر مخاطرة.

ومنذ عودة الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض اتسمت سياسته تجاه (إسرائيل) بالتذبذب بين المعاملة الاستثنائية والضغط الجاد والمقاربة المعاملاتية المباشرة فقد ساهم في البداية في دفع نتنياهو لقبول اتفاق وقف إطلاق النار في كانون الثاني 2025 لكنه ما لبث أن منح (إسرائيل) مساحة أوسع للتحرك دون قيد، وبعد خرق الهدنة من جانب (إسرائيل) بضربات جوية في آذار دعم ترامب تلك الضربات وتجاهل الحصار الكامل الذي فرضته (إسرائيل) لأكثر من شهرين ما أدى إلى مجاعة في أجزاء من غزة، ثم ساعد لاحقاً في وضع آلية توزيع جديدة للمساعدات خارج النظام الأممي لكنها أثبتت فشلها وأودت بحياة أكثر من ألف فلسطيني أثناء محاولتهم الوصول إلى نقاط التوزيع. كما شجع التراخي الأميركي (إسرائيل) على توسيع عملياتها في سوريا ولبنان، وصولاً إلى اندلاع حرب مع إيران في حزيران ومع تطور الضربات بما اعتُبر نجاحاً عسكرياً أولياً، أيد ترامب العملية ثم أمر بضرب مواقع نووية إيرانية وهو ما كان يطمح إليه نتنياهو.

وفي ايلول 2025 وبعد ارتفاع عدد الضحايا الفلسطينيين إلى ما يقارب 20 ألفاً منذ انهيار هدنة كانون الثاني وفق تقديرات الأمم المتحدة، اتخذ ترامب موقفاً حازماً عقب محاولة (إسرائيل) اغتيال قادة من حماس داخل قطر– الدولة الحليفة والراعية لأهم قاعدة أميركية في المنطقة– ما اعتُبر تجاوزاً يهدد مصداقية واشنطن، فجمعت الإدارة تحالفاً مع دول عربية وإسلامية للضغط على الطرفين لوقف الحرب، وربط ترامب لقاءه بنتنياهو في البيت الأبيض بقبول خطة السلام ولم يترك له مجالاً للمناورة حتى وافق الأخير على توقيع المقترح والاعتذار لقطر. وحتى تشرين الثاني 2025 ظل وقف إطلاق النار الذي بدأ في 10 تشرين الاول قائماً رغم خروقات متكررة من الطرفين، وشهد خطوات مهمة باتجاه تسوية الا أن هذا التطور لا يُعد دليلاً كافياً على تحول العلاقة بين واشنطن وتل أبيب نحو نمط طبيعي، فثمة احتمال كبير أن أي خطوات تالية أكثر تعقيداً لإنهاء الحرب قد تفشل إذا تراجع الاهتمام الأميركي أو عادت واشنطن إلى نهج التمكين المطلق (لإسرائيل).

 

نتائج غير استثنائية

 

أثبتت السياسة الأميركية القائمة على تمكين (إسرائيل) أن نتائجها كانت سلبية على جميع الأطراف ويظهر ذلك بصورة أوضح في المجتمع الفلسطيني داخل قطاع غزة الذي أنهكته حربٌ مستمرة منذ عامين.

 

فمع دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في تشرين الاول قدّرت لجنة الإنقاذ الدولية أن ما لا يقل عن 90% من سكان القطاع أصبحوا نازحين داخلياً كما أكد خبراء الأمم المتحدة أن أكثر من 600 ألف فلسطيني– بينهم 132 ألف طفل– يواجهون المجاعة وسوء التغذية فيما تعرض 78% من مباني غزة للدمار الكلي أو الجزئي، ورغم أنّ خطر تكرار هجوم بحجم 7 تشرين الاول قد تراجع على المدى المنظور فإن القضاء على حركة حماس بصورة مستدامة– وهو هدف يرحب به عدد كبير من سكان غزة– لا يمكن تحقيقه إلا من خلال حل سياسي يتيح للفلسطينيين إدارة شؤونهم بإقامة دولة مستقلة دون هيمنة حماس، إلا أن كلاً من الحكومة (الإسرائيلية) والحركة لا تبديان رغبة في السير بهذا الاتجاه.

ورغم أن الأضرار التي لحقت (بإسرائيل) من العلاقة الاستثنائية مع الولايات المتحدة أقل وضوحاً فإنها واقعية ولا تقل أهمية، فعلى المدى القصير أدى تراجع قدرات حماس وحزب الله إلى جانب الضربات التي وجهتها (إسرائيل) والولايات المتحدة لبرنامج إيران النووي والصاروخي إلى تعزيز أمن (إسرائيل)، إلا أن هذا المكسب يجب موازنته مع التكلفة السياسية والاستراتيجية التي ترتبت عنه. فالعزلة الدولية التي واجهتها (إسرائيل) بسبب الحرب على غزة باتت تشكل تهديداً مباشراً لها فقد أعلن قادة هولندا وإسبانيا وسويسرا استعدادهم لاعتقال نتنياهو إذا دخل أراضيهم كما بدأت دول مثل ألمانيا والمملكة المتحدة– اللتين زودتا (إسرائيل) بالسلاح لعقود– في تقييد المبيعات العسكرية، والأكثر إثارة للقلق بالنسبة (لإسرائيل) هو التحول الواضح في الرأي العام الأميركي فوفق استطلاع نيويورك تايمز/ جامعة سيينا في ايلول تجاوزت نسبة الأميركيين الرافضين لتقديم دعم عسكري واقتصادي إضافي (لإسرائيل) النصف فيما بلغت النسبة أكثر من 70% بين من هم دون الثلاثين، كما يعتقد 40% من الأميركيين– وثلثا من تقل أعمارهم عن 30 عاماً– أن (إسرائيل) تستهدف المدنيين الفلسطينيين عمداً ويظهر الأميركيون دون 45 عاماً تعاطفاً مضاعفاً مع الفلسطينيين مقارنة بالتعاطف مع (إسرائيل)، ورغم أن هذا التحول لم ينعكس بعد على مستوى السياسات فإنه مسار لا يمكن (لإسرائيل) الاعتماد على استمراره طويلاً.

ورغم النجاحات العسكرية (الإسرائيلية) الحالية يبقى احتمال تراجعها قائماً فقد يدفع تآكل الردع التقليدي الإيراني طهران لزيادة سعيها نحو تطوير السلاح النووي، وإذا وصلت إيران إلى امتلاك قنبلة بدائية أو اقتربت من ذلك دون رقابة دولية فلن يعد من الممكن اعتبار الحرب في حزيران نجاحاً استراتيجياً كذلك وفي ظل غياب إدارة فلسطينية فعالة في غزة قد تجد (إسرائيل) نفسها بين خيارين أحلاهما مر (احتلال مكلف أو مجاورة كيان منهار)، أما تراجع نفوذ حزب الله في لبنان فليس ضمانة لمسار دائم إذ قد تنقلب المعادلة لصالح سيناريو أكثر خطورة. وتخفي الهيمنة العسكرية (الإسرائيلية) مخاطر داخلية لا تقل وزناً فإصرار نتنياهو على تعديل النظام القضائي بما يقلص الرقابة على السلطة التنفيذية يهدد ركائز الديمقراطية (الإسرائيلية)، كما أن التحولات الديموغرافية خاصة نمو شريحة اليهود المتدينين المتشددين بدأ يقلل من معدلات المشاركة الاقتصادية والعسكرية وتوافق النخب السياسية على استمرار الاستيطان غير المقيد في الضفة الغربية مع غياب آليات المحاسبة لاعتداءات المستوطنين قد يشعل انتفاضة جديدة ويجعل إقامة دولة فلسطينية أمراً شبه مستحيل، كما أدت حرب غزة إلى إضعاف فرص التطبيع مع دول عربية وإسلامية وأوقفت مسار الاندماج الإقليمي الذي كانت تراهن عليه (إسرائيل) وكل هذه التطورات تعززها مظلة الدعم الأميركي غير المشروط منذ 7 تشرين الاول ما أتاح لنتنياهو تبني سياسات تفاقم الأزمات بدلاً من احتوائها – مهددة بذلك مستقبل “(إسرائيل) الآمنة والديمقراطية” وهو الهدف الذي تعلنه واشنطن ومعظم (الإسرائيليين). كما تسببت هذه العلاقة الاستثنائية في أعباء سياسية واستراتيجية على الولايات المتحدة نفسها فإلى جانب إضعاف قدرتها على تحقيق أهدافها في الملف (الإسرائيلي) أضرّت الحرب بمكانة واشنطن الدولية واستثمرت قوى منافسة مثل الصين وروسيا هذا التراجع لتعزيز صورتها أو لتشتيت الانتباه عن ممارساتها في مناطق أخرى، كما ترتبت عن الدعم الواسع (لإسرائيل) تكلفة الفرصة البديلة إذ إن كل مجموعة حاملات طائرات تُرسل لحماية (إسرائيل) هي مجموعة غير متاحة لردع الصين في المحيطين الهندي والهادئ، إضافة إلى ذلك ساهمت الحرب وصورة التواطؤ الأميركي فيها في تأجيج الاستقطاب الداخلي وزيادة موجات معاداة السامية وتطرف الإسلام داخل الولايات المتحدة.

 

حاملة طائرات أميركية

 

العودة إلى الوضع الطبيعي

إن استمرار الولايات المتحدة في إظهار التقدير المفرط لتفضيلات الحكومة (الإسرائيلية) وتقديم الدعم السياسي والعسكري غير المشروط وتجنب الاحتكاك العلني سيواصل تمكين القيادات (الإسرائيلية) من اتباع أسوأ سلوكياتها، وهذا يهدد أمن (إسرائيل) واستقرارها ويزيد معاناة الفلسطينيين ويقوض المصالح الأميركية العالمية لذلك فإن حماية مصالح (إسرائيل) والفلسطينيين والولايات المتحدة تتطلب إنهاء العلاقة الاستثنائية، يجب على واشنطن تطبيع سياساتها تجاه (إسرائيل) وجعلها متوافقة مع القوانين والقواعد والتوقعات التي تحكم العلاقات الأميركية مع باقي الدول في إطار علاقة أكثر طبيعية ستكون لدى الولايات المتحدة المرونة لتعديل سياساتها لتحقيق توازن أفضل بين الهدف المشروع المتمثل في حماية (إسرائيل) ومخاطر تمكينها، وبقدر ما يشبه الدعم الأميركي (لإسرائيل) دعمها لدول أخرى سيكون من الأسهل على صناع السياسات الدفاع عن العلاقة أمام الجمهور الأميركي. ليست جميع العلاقات الخارجية الأميركية “عادية” بنفس الدرجة فالولايات المتحدة و(إسرائيل) تتمتعان بالحرية لتحديد مدى قرب العلاقة بينهما، لذلك قد يكون تطبيع العلاقة مقبولاً لكل من المؤيدين والمتشددين في تعزيز الروابط وهو واقع يمكن أن يسهم في تعزيز هذا النموذج أو قد يعرقله فقد يصور أشد المدافعين عن (إسرائيل) في الولايات المتحدة نهاية المعاملة الاستثنائية على أنها تخلي أميركي عن (إسرائيل) ومكافأة لمنفذي هجوم 7 تشرين الأول، بينما قد يرى أشد المنتقدين أن علاقة “عادية” ستكون سخية للغاية تجاه دولة تنتهك القانون الدولي بشكل صارخ بما في ذلك أعمال تصنفها العديد من الدراسات القانونية على أنها إبادة جماعية.

لكن إذا كان الافتراض صحيحاً بأن العلاقة الحالية غير قابلة للاستمرار فإن التصرف الأكثر مسؤولية يتمثل في إدارة هذا الانتقال بعناية ودقة فالبديل المتمثل في انهيار العلاقة بسبب تراجع الدعم الشعبي الأميركي (لإسرائيل) أو تحرك (إسرائيلي) متسرع مثل ضم الضفة الغربية سيؤدي على الأرجح إلى نتائج كارثية، ومن شأن اتخاذ خطوات متعمدة نحو التطبيع أن يتيح للولايات المتحدة وضع شروط تقلص نطاق التعديل مثل مطالبة (إسرائيل) بنقل المزيد من المسؤوليات الإدارية في الضفة الغربية إلى الفلسطينيين ومحاسبة المستوطنين المتطرفين الذين يرتكبون أعمال عنف كشرط أساسي للمضي قدماً نحو علاقة ثنائية طبيعية لكنها لا تزال “خاصة”، هذه هي جوهرية فكرة التطبيع التي تضع الحكومة الأميركية في موقع يمكنها من ممارسة النفوذ بفعالية أكبر.

 

أولاً: يجب على الولايات المتحدة تغيير طريقة إدارة العلاقة جذرياً ويبدأ ذلك بالتوصل إلى تفاهم حول الأهداف المشتركة والمتباينة وما يستعد كل طرف للقيام به لدعم مصالح الآخر وما هي الإجراءات التي قد تعرض هذا الدعم للخطر- أي تحديد التوقعات والحدود.

ثانياً: ينبغي للولايات المتحدة تطبيق قوانينها ومعاييرها الدولية على (إسرائيل) كما تفعل مع باقي الدول بما في ذلك قوانين ليهي المتعلقة بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وقانون المساعدات الخارجية وقوانين النزاعات المسلحة التي تلزم التمييز بين المدنيين والمقاتلين في العمليات العسكرية على سبيل المثال يجب تحميل أي وحدة عسكرية (إسرائيلية) تنتهك حقوق الفلسطينيين المسؤولية أمام القضاء (الإسرائيلي) وحتى يتم ذلك لا ينبغي أن تتلقى هذه الوحدة أي مساعدات أميركية، هذه ممارسة أميركية قياسية مع أي دولة أخرى بما في ذلك حلفاء الدفاع المشترك، إذ إن الإفلات من العقاب يشجع على الانتهاكات حتى بين الحلفاء.

ثالثاً: يجب أن يصبح التقييد الشرطي سمة من سمات العلاقة الأميركية- (الإسرائيلية)، ربط الدعم أو السياسات الأميركية بالامتثال لأهداف الولايات المتحدة قد لا يكون فعالاً دائماً لكنه يمكن أن ينجح، لا يجب أن يكون الضغط القسري الخيار الأول للمسؤولين الأميركيين لكنه ينبغي أن يكون متاحاً إذا فشلت الأساليب الأخرى، فحتى أقرب الحلفاء قد لا تتأثر بالنداءات الودية أو تاريخ الدعم وفي هذه الحالة يمكن لشرطية المساعدات الأميركية أن تفرض أو تهدد بفرض تكلفة ملموسة على من يتصرف ضد مصالح واشنطن مما يزيد احتمال تعديل السلوك أو على الأقل يبرئ واشنطن من تبعاته إذا لم يحدث ذلك.

رابعاً: تمتلك الولايات المتحدة أدوات متعددة لوضع شروط (لإسرائيل) على سبيل المثال انتهاء مذكرة التفاهم الأميركية- (الإسرائيلية) لعام 2016 حول المساعدات الأمنية في 2028 سيكون فرصة مناسبة لإعادة تقييم مساهمة أموال دافعي الضرائب الأميركيين في دولة غنية تنافس حالياً الشركات الأميركية المصنعة للأسلحة في الأسواق الخارجية، كما يمكن لواشنطن ربط مواقفها في مجلس الأمن الدولي بالإجراءات (الإسرائيلية) أو كما فعلت في الماضي تقييد المساعدات بحسب حجم الانحراف عن السياسات الأميركية، مثل تخفيض الدعم بما يعادل ما تنفقه (إسرائيل) على المستوطنات.

أخيراً: يجب على واشنطن التأكيد على عدم تدخل أي طرف في الانتخابات أو السياسة الحزبية للطرف الآخر فقد تورط نتنياهو مراراً في السياسة الأميركية لتعزيز أجندته مثل دعمه شبه الكامل للمرشح الجمهوري ميت رومني في 2012 وخطابه أمام الكونغرس في 2015 للهجوم على الاتفاق النووي الإيراني، ورغم تدخل بعض الإدارات الأميركية في السياسة (الإسرائيلية) إلا أن ذلك كان أقل تكراراً مثل محاولة إدارة كلينتون دعم شيمون بيريز ضد نتنياهو في انتخابات 1996 بدعوة بيريز إلى البيت الأبيض قبل الانتخابات مباشرة، المشكلة لا تكمن في التعبير عن الرأي أو الاجتماع مع معارضة سياسية بل في القيام بذلك لتعزيز حزب بعينه. ولم ولن تتسامح أي إدارة أميركية مع تدخل من هذا النوع من أي شريك آخر لأنه يتعارض مع روح التعاون بين الحلفاء وقد أضر بالعلاقة الثنائية نفسها، إذ إن ميل نتنياهو الواضح لدعم الجمهوريين مكّن من تقويض سياسات يحظى أغلب الأميركيين بدعمها وساهم في تراجع دعم الديمقراطيين (لإسرائيل)، ومن ثم فإن إقامة علاقة دبلوماسية أكثر طبيعية غير ممكنة مع تصرف أحد الطرفين كعامل سياسي حزبي.

 

تطبيق السياسة على أرض الواقع

إن تطبيع العلاقة الأميركية-(الإسرائيلية) لن يعرقل ولا ينبغي أن يعرقل التعاون القيم بين البلدين في مجالات الاستخبارات والتكنولوجيا والتجارة، ولن يعفي السياسيين الفلسطينيين من مسؤوليتهم في إصلاح السلطة الفلسطينية ولن يعفي حماس من مسؤوليتها عن الجرائم المروعة في 7 تشرين الاول التي أدت إلى اندلاع الحرب في غزة، ومع ذلك فإن التطبيع سيمهد الطريق لتحقيق نتائج سياسية أفضل.

أولاً: ستصبح الولايات المتحدة في موقف أقوى لمنع (إسرائيل) من ضم الضفة الغربية وهو تحرك يتعارض مع مصالح واشنطن وحقوق الفلسطينيين، وسيستلزم ذلك نقاشاً استباقياً لتوضيح تعريف الولايات المتحدة للضم وتحديد كيفية استجابتها إذا مضت (إسرائيل) في ذلك، كما أن التوصل إلى تفاهم مشترك يقضي بأن واشنطن ستنظر بجدية في خيارات سياسية أشد مثل توجيه اللوم العلني أو خصم مبالغ من مساعداتها العسكرية (لإسرائيل) قد يساعد في ردع الضم. وفي الوقت نفسه فإن تعليق تقديم المساعدات العسكرية للوحدات (الإسرائيلية) المشاركة في بناء المستوطنات في الضفة الغربية سيكون دليلاً على التزام الولايات المتحدة بالقانون الدولي، الذي يحظر على الدولة المستعمرة إقامة مستوطنات لسكانها المدنيين في الأراضي المحتلة، وكلما كانت العلاقة الأميركية-(الإسرائيلية) أكثر طبيعية ازدادت التكاليف التي ستتكبدها (إسرائيل) حال محاولة ضم الضفة الغربية، ما يقلل احتمالية اتخاذ هذه الخطوة.

ثانياً: يمكن للعلاقة الطبيعية أن تسمح بجهد مشترك أكثر استدامة لمنع إيران من امتلاك سلاح نووي، وقد يصبح من الممكن استئناف المفاوضات النووية مع إيران إذا تمكنت واشنطن من الحصول على موافقة (إسرائيل) على الامتناع عن أنواع معينة من العمليات العسكرية مع التعهد بالانضمام إلى (إسرائيل) عسكرياً إذا تجاوزت إيران الحد المتفق عليه، ويمكن أن تلعب الشروط دوراً بنّاءً في هذه السياسة فواشنطن يمكن أن تعلق مبيعات الأسلحة في حال شن (إسرائيل) هجوماً دون موافقتها أو أن تعد بتقديم دعم إضافي للدفاع الصاروخي إذا أعادت إيران بناء برنامجها النووي أو الصاروخي، وقد يصبح من الأسهل أيضاً بناء دعم حزبي ثنائي لمواجهة إيران بقوة إذا امتنعت (إسرائيل) عن التدخل في النقاشات السياسية الأميركية بهذا الشأن.

لقد أدى الدعم الأميركي غير المشروط (لإسرائيل) على مدى عقود إلى تقويض بدلاً من تعزيز السلام والاستقرار في (الشرق الأوسط)، وقد كان الفلسطينيون هم الضحايا الرئيسيون لهذه الفشل الا أن الولايات المتحدة و(إسرائيل) أيضاً تكبدتا تكلفة كبيرة، وحتى يتم حل المشكلة الجوهرية في العلاقة الثنائية سيستمر هذا الثمن في التزايد وستحتاج الولايات المتحدة و(إسرائيل) إلى التكيف إذا أرادتا الحفاظ على العلاقة بالانتقال من تعاون استثنائي لكنه مدمر للذات، إلى علاقة أكثر طبيعية يمكن أن تشكل أساساً للتحالف. وبقدر ما ظل ترامب في المكتب البيضاوي ونتنياهو وائتلافه المتطرف في موقع القيادة للعلاقة فإنه من غير المرجح أن تلتزم واشنطن بشكل كامل بنهج جديد متسق ومؤسسي، ومع ذلك لم يفت الأوان بعد لبدء تقييم ما حدث من أخطاء ومناقشة سبل تصحيحها، وإذا فاتت الفرصة التالية لإعادة ضبط العلاقة الأميركية- (الإسرائيلية) المتزايدة الهشاشة، فسيكون ذلك على حساب الأميركيين و(الإسرائيليين) والفلسطينيين على حد سواء.

 

* Andrew P. Miller, The End of the Israel Exception A New Paradigm for American Policy, FOREIGN AFFAIRS, December 5, 2025.
**  لمقتضيات الأمانة العلمية، وضرورات الترجمة الدقيقة، تم الإبقاء على كلمة (إسرائيل)، وهو لا يعني اعتراف المركز بها، وما هو مكتوب يمثل راي وأفكار المؤلف.

 

Loader Loading...
EAD Logo Taking too long?

Reload Reload document
| Open Open in new tab

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى