الاكثر قراءةتحليلات و آراءغير مصنف
الأبعاد الاستراتيجية لقرار تجميد أصول حZب الله والحوثـ ـ يين في العراق – ج 2

الجزء الثاني
بقلم: د. مصدق عادل
كلية القانون / جامعة بغداد
سبق وان بينا في الجزء الأول من دراستنا الموقف القانوني من قرار لجنة تجميد أموال الإرهـ ــابــ ـيين رقم (61) لسنة 2025 المتخذ ضد حZب الله اللبناني والحوثـ ـ يين في العراق، وقمنا بتقييم الإجراءات القانونية المتخذة وناقشنا مدى قانونية البيانات الصادرة بهذا الشأن، وإمكانية العدول عن هذا القرار وتصحيح النشر في الجريدة الرسمية.
والنظر لوجود العديد من الابعاد والتداعيات القانونية او الاستراتيجية لهذا القرار على المستوى الدولي والإقليمي والوطني، لذا سنتناول بيان ذلك تباعاً كالاتي:
أولاً: الابعاد والتداعيات الدولية لقرار تجميد أموال واصول حZب الله والحوثـ ـ يين
على الرغم من استناد قرار لجنة تجميد أموال الإرهــ ــابـ يين في العراق رقم (61) لسنة 2025 على قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهـ ــاب رقم (39) لسنة 2015 ونظام تجميد أموال الإرهــ ــابــ يين رقم (6) لسنة 2023، غير أنه بالمقابل يجب عدم انكار السند القانوني الدولي الذي استند اليه قرار لجنة العقوبات في مجلس الامن الدولي بصورة عامة وقرار لجنة تجميد أموال الإرهــ ــابــ يين في العراق بصورة خاصة، والذي يتمثل بقرار مجلس الامن رقم (1373) لسنة 2001 بشان قرار تجميد أصول واموال حZب الله اللبناني والحوثـ ـ يين في اليمن.
وبهذا يعتبر قرار مجلس الامن رقم (1373) لسنة 2001 السند الدولي المباشر الذي يحدد ابعاد وتداعيات قرار التجميد، حيث تضمن القرار تصرف مجلس الامن بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وذلك من خلال فرضه على جميع الدول منع ووقف تمويل الاعمال الإرهــ ـــابــ ية، وتجريم قيام رعايا هذه الدول عمداً بتوفير الأموال او جمعها باي وسيلة او في ارضها لكي تستخدم في اعمال إرهــ ــابــ ية او في حالة معرفة انها تستخدم في اعمال إرهــ ــابــ ية، فضلاً عن فرضه واجب امتناع الدول عن تقديم أي شكل من اشكال الدعم الصريح او الضمني، واتخاذ الخطوات اللازمة لمنع ارتكاب الاعمال الإرهــ ــابــ ية، وعدم توفير الملاذ الامن لمن يمولون الاعمال الإرهـ ـابـ ية او يديرونها او يدعموها او يرتكبوها، فضلاً عن الطلب من الدول التعاون وتبادل المعلومات وغيرها من الإجراءات الأخرى([1]).
وبناء على ما تقدم يتضح ان قيام لجنة تجميد أموال الإرهـ ـابـ يين في العراق بتنفيذ قرار لجنة العقوبات في مجلس الامن يجيئ تنفيذاً للالتزامات الدولية المفروضة على العراق باعتباره جزء من ميثاق الأمم المتحدة وملتزم بقرارات الشرعية الدولية.
وعلى الرغم مما تقدم غير أننا نرى خلاف ذلك، حيث ان هذا القرار شكل انعطافاً جوهرياً في مسار العلاقات الدولية والسياسة الخارجية للعراق، كون القرار فرض قيوداً دولية مالية بشان التعامل والتعاطي مع أموال واصول حZب الله اللبناني والحوثـ ـ يين، وان عدم تنفيذ هذا القرار الاممي من قبل العراق قد يعرضه الى العقوبات الدولية من قبل مجلس الامن تارة أو الخزانة الامريكية تارة أخرى.
وبهذا يقف العراق أمام مفرق الطرق، فاما يكون الداعم للشرعية الدولية التي تتجلى بتنفيذ قرار لجنة العقوبات في مجلس الامن بتجميد أموال حZب الله والحوثـ ـ يين بعيداً عن المصالح الاستراتيجية الوطنية والإقليمية للعراق، أو الاستمرار في تأييد سياسات وممارسات التشكيلين المقاومين باعتبارهما جزءاً من الجبهة الداخلية التي يشهدها الواقع العراقي من خلال بعض الأنشطة والممارسات التي تقوم بها بعض فصائل المقاومة الإسلامية في العراق.
ويمكن القول ان تنفيذ قرار التجميد يحمل في طياته رسائل متعددة للمجتمع الدولي بصورة عامة والولايات المتحدة الامريكية بصورة خاصة بانضمام العراق الى المجتمع الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، والذي يستند على معارضة النفوذ الإيراني وانشطته في المنطقة وبضمنها العراق، ولهذا فان من سعوا لتنفيذ قرار التجميد قد اثروا السير في سياسة المحاور، كون نيتهم انصرفت نيتهم الى انضمام العراق الى سياسة المحور الأمريكي والغربي.
وبناء على ما تقدم فقد انعطف العراق عن سياسة التوازن الدولي، وفقد الحيادية التي اتسمت بها السياسة الخارجية طيلة الفترة السابقة، حيث ان قرار لجنة تجميد أموال الإرهـ ـابـ يين في العراق رقم (61) لسنة 2025 جسد الميل الواضح لتنفيذ المطالب الامريكية بشأن الجماعات المسلحة، حيث نقل قرار تجميد أموال حZب الله والحوثـ ـ يين الحكومة العراقية من وصفها حكومة محايدة باتجاه سياسة التخندق مع المحور الأمريكي المسيطر على القرار العراقي السيادي على المستويين المالي والعسكري.

ثانياً: الابعاد والتداعيات الإقليمية لقرار تجميد أموال واصول حZب الله والحوثـ ـ يين
إلى جانب الابعاد الدولية هناك العديد من الابعاد والتداعيات الإقليمية، لعل من أهمها رسم علاقة العراق ضمن العلاقات الإقليمية في منطقة )الشرق الأوسط( عموماً والوطن العربي خصوصاً، حيث ان تبني العراق قرار تجميد أموال واصول حZب الله اللبناني والحوثـ ـ يين في اليمن يتضمن إعادة تخندق ورسم ملامح علاقات إقليمية جديدة في المنطقة، تقوم على أساس التقارب العراقي مع دول الخليج وإظهار العراق بمظهر المعارض للنفوذ الإيراني في المنطقة، حيث يتضمن قرار التجميد استكمال حلقات تنفيذ العقوبات الاقتصادية الامريكية ضد الجمهورية الاسلامية في ايران، وما يترتب على ذلك من خلق المزيد من الضغوط الاقتصادية والإقليمية ضد الجمهورية الاسلامية في ايران عموماً ولبنان واليمن خصوصاً.
ويمكن القول ان قيام لجنة تجميد اموال الإرهـ ـابـ يين في العراق بتنفيذ قرارها رقم (61) لسنة 2020 بتجميد أموال واصول حZب الله والحوثـ ـ يين يشكل جزءاً لا يتجزء من حلقات استكمال النفوذ الأمريكي في المنطقة، ويشكل صورة من صور البدء الفعلي بتنفيذ القانون الأمريكي (قانون تحرير العراق من ايران( رقم (H.R.2658) في3 نيسان 2025.
وبهذا فان قرار التجميد يعيد بناء الخارطة الإقليمية الجديدة التي تقوم على أساس التقارب الخليجي العراقي بعيداً عن العلاقات الإيرانية العراقية، وذلك من خلال إعادة تشكيل الهوية الاستراتيجية للدولة العراقية([2])، وهو الامر الذي سيؤدي الى إعادة ترتيب العلاقات التجارية والاقتصادية بين العراق والدول المذكور، وذلك انسجاماً مع تنفيذ قرار التجميد المذكور أعلاه.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فانه يمكن قراءة قرار التجميد في انه يشكل صورة من صور التعاون غير المباشر مع (اسرائيل)، على الرغم من سبق تشريع مجلس النواب العراقي قانون تجريم التطبيع مع (اسرائيل) رقم (1) لسنة 2022، حيث ان قرار التجميد من شأنه فرض مزيداً من الضغوط المالية والاقتصادية على حZب الله اللبناني من اجل استكمال حلقات تمكين (اسرائيل) وتنفيذ دولته المزعومة في المنطقة.
يضاف لما تقدم ان قرار التجميد سياسهم في تطبيق السياسات الامريكية والصهيونية في العراق من خلال تسهيل عملية نشر الديانة الابراهيمية كبديل عن محور المقاومة الإسلامية، وهو ما سيساهم في تحقيق المصالح الامريكية والصهيونية الكبرى في العراق.
فضلاً عن ذلك فان قرار تجميد أموال حZب الله اللبناني والحوثـ ـ يين ساهم في كشف الغطاء الرسمي الحكومي عن جميع الأنشطة المالية المباشرة وغير المباشرة لهذين التشكيلين داخل العراق، وبالأخص اذا ما علمنا ان قرار لجنة العقوبات في مجلس الامن يستوجب تنفيذه دون ابطاء خلال (24) ساعة من تاريخ صدوره ونشره في موقع اللجنة الدولية، وهو الامر الذي قامت بموجبه السلطات المالية العراقية بارسال البيانات والأصول المالية للتشكيلين بمجرد نشر القرار في الموقع الرسمي للجنة العقوبات في مجلس الامن الدولي، مما ساهم في كشف جميع مصادر القوة والضعف لهذين التشكيلين.
ويمكن القول أنه ترتب على قرار التجميد خفض رأسمال المقاومة في العراق، من خلال خلق بيئة طاردة للمشروع العابر للحدود في العراق، ومن ثم تحويل المقاومة من عنوان حماية للمصالح الشيعية الى ملف اتهام تلقى عليه التهم جزافاً دون وجود ادلة قطعية ثابتة، ودون إجراءات تحقيقية وقضائية تثبت هذه التهم الارهابية.
ثالثاً: الابعاد والتداعيات الوطنية لقرار تجميد أموال واصول حZب الله والحوثـ ـ يين
ان الاثار الوطنية لقرار تجميد أموال واصول حZب الله والحوثـ ـ يين تفوق الاثار الدولية والإقليمية، حيث ان القرار يشكل تحولاً في مسار القوى القابضة على السلطة في العراق، فعلى الرغم من ان الواقع السياسي يشير الى استئثار المكون الشيعي بمنصب رئيس مجلس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة، غير أن صدور هذا القرار دون عرضه على انظار رئيس مجلس الوزراء او الوزراء المختصين الذين يمثلون الأغلبية الشيعية قد حمل ابعاد ودلالات خطيرة تتضمن عدم الدراية والاحاطة بالإجراءات والتدابير والقرارات الدولية، وعدم وجود جهات حكومية تعنى بدراسة جدوى تنفيذ القرارات الدولية وقياس مدى اثارها الاستراتيجية على الواقع السياسي والعسكري في العراق، وهو ما تجلى بعدم علم رئيس مجلس الوزراء أو قادة الكتلة النيابية الأكثر عدداً التي شكلت الوزارة الحالية بمضمون قرار التجميد أو تداعياته في العراق، وهو الامر الذي يدلل على غياب التنسيق والرؤية المتكاملة لادارة ملفات الدولة العراقية على المستوى الدولي نتيجة غياب الرقابة الفاعلة على التشكيلات الوطنية التي لها مساس بالاجهزة والهيئات الدولية.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فان قرار التجميد يمكن اعتباره بمثابة مؤشر لتفاعلات البيئة العراقية على المستويين السياسي والجماهيري، حيث ان ادراج حZب الله اللبناني الذي شارك في عمليات تحرير العراق من تنظيم داعش الإرهـ ـابـ ـي شكل رسالة صريحة لبعض فصائل المقاومة الإسلامية التي اشتركت أو ساندت تشكيل الحكومة الحالية، ولهذا فان تنفيذ قرار التجميد من قبل لجنة تجميد أموال الإرهـ ـابـ يين في العراق بموجب القرار رقم (61) لسنة 2025 قد تضمن رسائل بإمكانية تنفيذ قرار التجميد ضد فصائل المقاومة الإسلامية في العراق مستقبلاً بمعزل عن التاثير السياسي والعسكري الذي تحظى به هذه الفصائل على المستويين العسكري والجماهيري.
أما على المستوى الجماهيري فان تنفيذ قرار التجميد وتزامنه بعد اعلان نتائج انتخابات مجلس النواب التي أجريت في 11 تشرين الثاني 2025 وبالأخص مع فوز الأغلبية الشيعية المؤيدة والمناصرة لمحور المقاومة الإسلامية يحمل في طياته دلالات واضحة على الرفض الدولي للقوى السياسية المهيمنة على المشهد السياسي الحالي، والذي حاول رئيس وأعضاء لجنة تجميد أموال الإرهـ ـابـ يين في العراق ايصاله لهذه القوى السياسية والعسكرية الفائزة في الانتخابات من خلال الموافقة على القرار رقم (61) لسنة 2025.
فضلاً عن ذلك فان اثار وابعاد قرار التجميد على المستوى الجماهيري تتمثل بضرب جمهور المقاومة الإسلامية في العراق، حيث تضمن القرار تنصلاً من التضحيات التي قدمها حZب الله اللبناني بالتضامن مع العراقيين من أبناء الحشد الشعبي والقوات المسلحة والأجهزة الأمنية اثناء عمليات تحرير العراق من دنس تنظيم د1عش الإرهـ ـابـ ي، وهو الامر الذي حاول قرار التجميد احداث تغيير في أواصر التلاحم والترابط الجماهيري بين الشعبين اللبناني والعراقي، غير أن الرفض الجماهيري ساهم في إيقاف هذه المحاولة.
نخلص مما تقدم الى ان قرار تنفيذ قرار تجميد حZب الله والحوثـ ـ يين لم يكن نتيجة أخطاء او سهو من قبل رئيس واعضاء لجنة تجميد أموال الإرهـ ـابـ يين في العراق، وانما جاء تنفيذاً لرسائل أمريكية ودولية الى الفاعل السياسي العراقي القابض على السلطة باستخدام الأدوات القانونية العراقي والتي تمثل في قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهـ ـاب رقم (39) لسنة 2015، ونظام تجميد أموال الارهـ ـابـ يين رقم (6) لسنة 2023.
وتجدر الإشارة في الختام الى التأكيد على ان هدف قرار لجنة العقوبات في مجلس الامن قد تم تحقيقة حتى في حالة الوعود والبيانات التي اطلقتها لجنة تجميد أموال الإرهـ ـابـ يين والبنك المركزي العراقي، حيث تم كشف السرية على المعلومات المالية والأصول التي قامت لجنة تجميد أموال الإرهـ ـابـ يين بها نتيجة الاعمام المسبق لقرار لجنة العقوبات في مجلس الامن على المؤسسات المالية، وبالأخص في ظل الالتزام المفروض على هذه المؤسسات المالية والاعمال والمهن غير المالية المحددة بتقديم كشف بالمعلومات بحجم أموال الإرهـ ـابـ يين حسب الجداول المرسلة مسبقاً من مكتب مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهـ ـاب رقم 7/1/ب د/اعمام/1 في 20 شباط 2025.
بناء على ما تقدم ومن اجل معالجة الإشكاليات والتداعيات الناجمة عن قرار التجميد ندعو رئيس مجلس الوزراء الى الزام مكتب غسل الأموال وتمويل الإرهـ ـاب بارسال جميع قرارات لجنة العقوبات في مجلس الامن الى مكتب رئيس الوزراء لغرض الاطلاع عليها قبل تنفيذها باعتباره المسؤول التنفيذي المباشر عن السياسة العامة للدولة وفقا ًللمادة (78) من الدستور.
كما ندعو مجلس النواب ومن خلال اللجنة المالية الى اجراء مراجعة لجميع قرارات مكتب غسل الأموال وتمويل الإرهـ ـاب ولجنة تجميد أموال الإرهـ ـابـ يين.
وفي الوقت ذاته ندعو اللجنة التحقيقية التي شكلها رئيس مجلس الوزراء الى تحديد مدة لعمل لجنة تجميد أموال الإرهـ ـابـ يين، واستبدال رئيس وأعضاء اللجنة الحاليين باخرين وإخضاع أعمالهم للرقابة والتدقيق من قبل الجهات الرقابية العليا لضمان مطابقتها للقوانين النافذة وعدم تأثيرها على السياسة العامة للدولة.
كما ندعو مجلس النواب الى تعديل قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهـ ـاب رقم (39) لسنة 2015 لغرض ايراد نص يسمح للجنة تجميد أموال الإرهـ ـابـ يين الامتناع عن تنفيذ قرار لجنة العقوبات في مجلس الامن بما يحافظ على السيادة الوطنية، فضلاً عن ايراد نص يجيز لرئيس مجلس الوزراء الطلب من لجنة تجميد أموال الإرهـ ـابـ يين ولمرة واحدة فقط تأجيل اتخاذ القرار بشان تجميد الأموال والأصول بناء على مقتضيات المصلحة العامة والعليا للدولة.
كذلك ندعو مجلس الوزراء والبنك المركزي العراقي الى تعديل نظام تجميد أموال الإرهـ ـابـ يين رقم (6) لسنة 2023 بالشكل الذي يتضمن إجراءات تفصيلية بشان تجميد الأموال والأصول، ومنحه سلطة رفض تنفيذ قرارات لجنة العقوبات في مجلس الامن في حالة عدم وجود قضية منظورة أمام القضاء أو تقديم مستندات مؤيدة لقرار التجميد.
([1] ) ينظر البنود (1) و(2) و(3) من قرار مجلس الامن الدولي رقم (1373) لسنة 2001 المتخذ في الجلسة 4385 في 28 أيلول 2001.
[2]) ) د. عناد النائلي، العراق وخريطة إعادة التموضع: قراءة استراتيجية في قرار تجميد أصول حZب الله والحوثـ ـ يين وحماس.



