الاكثر قراءةدراساتغير مصنف
أزمة المياه في العراق لعام 2025: تحديات واستراتيجيات في مواجهة الابتزاز التركي

بقلم: الباحث عبد الهادي مجيد عبيد
كلية العلوم السياسية/ جامعة بغداد
المقدمة
يواجه العراق اليوم أزمة مائية خانقة تُعد من أخطر التحديات التي تهدد مستقبلها الاقتصادي والاجتماعي، إذ لم تعد المشكلة مقتصرة على الجفاف أو التغيرات المناخية، بل امتدت لتشمل ما يُعرف بالابتزاز المائي التركي من خلال التحكم بمنابع نهري دجلة والفرات. هذه الأزمة المتفاقمة أثّرت بشكل مباشر في الأمن الغذائي، والزراعة، وسبل العيش للملايين من العراقيين. ومع استمرار تراجع الموارد المائية، تبرز الحاجة الماسة إلى البحث في استراتيجيات فعالة لإدارة المياه وضمان استدامتها. ومن هنا، يتناول هذا المقال واقع أزمة المياه في العراق لعام 2025، والتحديات الناتجة عن السياسات التركية، والتداعيات الاجتماعية والاقتصادية، وصولاً إلى مقترحات عملية لمواجهتها.
أولاً : واقع أزمة المياه في العراق 2025
أمام العراق في 2025 أزمة مائية متعددة الأبعاد تنبثق من تداخل عوامل طبيعية وسياسية وإدارية أهمها([1]).
-
العامل الطبيعي: تُعزى ظاهرة تقلُّص منسوب المياه في نهري دجلة والفرات، وهما المصدران الرئيسيان للمياه السطحية، إلى انخفاض معدلات الأمطار واستمرار موجات الجفاف المتكرر، وهو ما يرتبط ارتباطاً وثيقاً بتغير المناخ العالمي. ونتيجة لذلك، يواجه المخزون المائي الوطني انخفاضاً حاداً إلى مستويات تاريخية غير مسبوقة، مما يؤثر سلباً على الموارد المائية المتجددة في الحوض النهري ويُقلل من تدفق المياه الطبيعية. علاوة على ذلك، تُسهم التغيرات المناخية، خاصة ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض معدلات الهطول المطري، في تقليل قدرة النظام البيئي المائي على التوازن، حيث تؤدي موجات الجفاف المتكررة إلى تراجع منسوب المياه وانخفاض مستويات الأكسجين الذائب فيها، وهو ما يُخل بالتوازن البيئي ويؤثر مباشرة على جودة البيئة المائية والنظم البيئية المتصلة بها. من جهة أخرى، يبرز تأثير نقص الهطول المطري بوضوح في تقليص تغذية الأنهار والطبقات الجوفية، الأمر الذي يؤدي بدوره إلى تفاقم شدة الجفاف وتدهور نوعية مياه الأنهار بالإضافة إلى ذلك، تلعب ظاهرتا التعرية والتصحر دوراً محورياً، حيث تُسهم الظروف المناخية القاسية من قلة الأمطار وارتفاع درجات الحرارة في زيادة معدلات التصحر، مما يؤدي إلى فقدان خصوبة التربة وتحول الأراضي الزراعية إلى أراضٍ صحراوية، وبالتالي يؤثر ذلك تأثيراً مباشراً على تدهور الموارد المائية والنظام البيئي المحيط بالأنهار.
وعلى المستوى المحلي، تزداد حدّة المشكلة بسبب العوامل البيئية مثل ارتفاع معدلات التبخر بفعل درجات الحرارة المرتفعة، وكذلك تراكم الأملاح في التربة، مما يؤثر سلباً على جودة المياه والتربة المجاورة للنهريْن. وفي سياق متصل، وعلى الرغم من أن السياسات البيئية لدول المنبع لا تُعتبر عوامل طبيعية بحتة، إلا أن بناء السدود وتحويل مجاري الأنهار من قبل دول مثل تركيا وإيران يُقلل من كمية المياه التي تصل إلى العراق، مما يزيد من تفاقم مشكلة الجفاف ويُعرقل التدفق الطبيعي للمياه.
وبناءً على ما سبق، فإن هذه العوامل الطبيعية مجتمعة تُعد السبب الأساسي في الانخفاض الملحوظ في مستويات المياه في نهري دجلة والفرات، حتى أصبح من الممكن رؤية قاع النهرين وعبور بعض المناطق مشياً على الأقدام نتيجة للجفاف الشديد، كما أن ذلك أدى إلى تدهور نوعية المياه، وهو ما يؤثر سلباً على صحة وتنمية الأحياء المائية والزراعة في مناطق الأهوار والمناطق المنخفضة في العراق.
-
العامل السياسي العابر للحدود: لعامل السياسي، لا سيما الذي يتعلق بالبعد العابر للحدود، يعد عاملاً حاسماً في جفاف نهري دجلة والفرات. تقوم دول المنبع، وخصوصاً تركيا في إطار مشروعها الجوي العملاق (GAP)، ببناء وتشغيل سدود ضخمة تحجز كميات كبيرة من المياه وتقليص التدفقات الداخلة إلى العراق. هذا النقص في المياه تسبّب في توترات بين بغداد وأنقرة، مما أدى إلى احترازات دبلوماسية وتهديدات تهدد استقرار الإمداد المائي. في العام 2025، قامت بغداد بخطوات تفاوضية شملت اتفاقيات أولية مع تركيا بهدف تأمين مياه مستقبلية([2]).من خلال مشاريع بنية تحتية ومقترحات تمويلية، وسط جو من عدم الاستقرار المائي الذي يصنف كأشد جفاف منذ عقود.
في الجانب الآخر، توجد تحديات داخلية تمثلت في سوء إدارة الموارد المائية ذاتياً في العراق، وقلة التنسيق مع دول الجوار لضمان حصص عادلة من مياه الأنهار العابرة للحدود. التوترات السياسية الإقليمية، خاصة بين العراق وتركيا وإيران، تعمل كعقبة إضافية أمام الحلول الدبلوماسية، حيث تستغل تركيا أحياناً أزمة المياه لتوسيع نفوذها وتقليل قدرة العراق الزراعية، مما يعزز من تعقيد الأزمة.
هذه العوامل، جنبا إلى جنب مع التغيرات المناخية وزيادة الطلب السكاني، أدت إلى تراجع كبير في تدفق المياه، وهذا خلق أزمة مياه حادة تسبب في تهديدات خطيرة للأمن الغذائي والبيئي في العراق، أدت إلى نزوح شعبي وانتكاسات اقتصادية واجتماعية واسعة النطاق، مع توقع استمرار تفاقم المشكلة إذا لم يتم التوصل إلى حلول شاملة ومتوازنة على المستوى الإقليمي والدولي.
-
العامل الإداري
يرتبط ضعف البُنى التحتية والإدارة المائية الداخلية، التي تتمثل في تسربات شبكات التوزيع التي تقدر بخسائر تصل إلى 30% من المياه الموزعة، والتبذير المائي الناتج عن استخدام تقنيات ري غير فعالة، فضلاً عن التلوث الصناعي والزراعي الناجم عن إدخال مياه ملوثة إلى أنظمة الري، بتعميق الأزمة المائية. هذا التعميق أسفر عن تقليل القدرة التكيفية للعراق إلى مستويات دون الحد المطلوب وفقًا لتقارير الجهات الحكومية والدولية. ومن ثم، تمخض ذلك عن تداعيات صحية واقتصادية واجتماعية واضحة تمثلت في تراجع المحاصيل الزراعية بنسبة تتجاوز 40% في بعض المناطق، وفقدان دخل مزارعين يعولون آلاف الأسر، وتصاعد معدلات الأمراض المنقولة عبر المياه بنسبة تجاوزت 25%، فضلاً عن نزوح داخلي كبير من المناطق الريفية إلى الحضر.
وعلى صعيد إدارة أزمة المياه، يتضح أن سوء الإدارة يُعد أحد العوامل الجوهرية في التسبب بأزمة الجفاف المتكررة في العراق، حيث إن هذه الأزمة ترتبط بفشل إداري جلي في إدارة الموارد المائية من قبل الجهات المختصة. فمثلاً، وعلى الرغم من وجود مخزون مائي جيد نسبياً في بداية فصل الصيف، تشير البيانات إلى أنه تمت إهدارات كبيرة لهذا المخزون بسبب ممارسات زراعية غير مدروسة، مثل زراعة الشلب التي استنزفت ما يزيد عن 50% من الإجمالي المخزون المائي. إضافة إلى ذلك، أفضى سوء التخطيط إلى استهلاك مفرط للمياه في القطاع الزراعي، بالرغم من توافر كميات جيدة من الأمطار في بعض المواسم، مما يشير إلى أن الأزمة تمثل مزيجاً من العوامل المناخية والإدارية على حد سواء([3]).
وتتجلى مظاهر سوء الإدارة في تجاهل تبني سياسات علمية دقيقة ومستندة إلى دراسات فنية لإدارة الموارد المائية، وعدم تنفيذ مشاريع تطويرية تهدف إلى تحسين نوعية المياه واعتماد تقنيات ترشيد الاستخدام. هذا بالإضافة إلى انتشار الفساد الذي أدى إلى الاستهلاك غير المستدام لهذه الموارد الحيوية. من ناحية أخرى، تؤثر مشاريع السدود الكبرى في دول الجوار مثل تركيا وإيران على الحصص المائية المخصصة للعراق، إلا أن الخلل الإداري الداخلي، وعدم وجود خطة مركزية متكاملة لإدارة المياه يشكلان العائق الأكبر أمام تحسين الوضع. ومن أبرز النتائج السلبية لهذا الإخفاق تراجع مساحة الأراضي الزراعية بنسبة تقدر بحوالي 35% خلال العقد الماضي، وتدهور الثروات الحيوانية والسمكية، وانخفاض جودة التربة الزراعية نتيجة لمظاهر التصحر، فضلاً عن زيادة حالات النزوح السكاني من المناطق الريفية بسبب تفاقم هذه الأزمة([4]).
وعليه، يتبين أن أزمة الجفاف في العراق تُعزى جزئياً إلى التغيرات المناخية العالمية والإقليمية، غير أن عوامل الإدارة الضعيفة، ونقص التخطيط الاستراتيجي، وانتشار الفساد المؤسسي، والاستخدام المفرط وغير المستدام للمياه كانت السبب الأكثر تأثيراً في تكرار الأزمة وتفاقمها، مما حال دون التوصل إلى حلول جذرية حتى الوقت الراهن.

ثانياً: تحديات الابتزاز المائي التركي ودوره في تفاقم الأزمة.
أن تحديات الابتزاز المائي التركي ودوره في تفاقم أزمة المياه في العراق يتمثل في عدة نقاط جوهرية تعكس تعقيد الموقف وتأثيره الكبير على الأمن المائي والسيادة الوطنية العراقية والتي سنلخصها في ما يلي.
-
تركيا تمارس سياسة تقليص الإطلاقات المائية من نهري دجلة والفرات، حيث تستخدم المياه كورقة ضغط وابتزاز سياسي واقتصادي ضد العراق. هذا الابتزاز المائي يدفع العراق إلى حالة من الجفاف التاريخي يهدد الأمن الغذائي ويؤثر سلباً على الزراعة والقطاعات الحيوية في البلد، خصوصاً مع تصاعد نسب الجفاف وشح المياه داخلياً.
-
المشاريع الضخمة التي تبنيها تركيا كسدود وخزانات على مجرى الأنهار تحجز كميات كبيرة من المياه خلفها وتهدد بخفض تدفق المياه إلى العراق، مما يؤدي إلى تدهور الوضع المائي والبيئي في العراق بانخفاض موارد المياه المتاحة.
-
غياب حلول جذرية واتفاقيات ملزمة مع تركيا يعمق الأزمة، مع استمرار استخدام ملف المياه كورقة ضغط سياسية بين البلدين. وقد تحول هذا الملف من مسألة فنية وتقنية إلى قضية سيادية وطنية معقدة.
-
تترافق هذه التحديات مع ضغوط داخلية في العراق تتعلق بسوء إدارة الموارد المائية، الحاجة إلى تحسين سياسات الري، وضرورة تطوير استراتيجيات لترشيد استهلاك المياه والحفاظ على الموارد المتاحة.
-
الطلبات والافكار المطروحة لتدويل القضية ورفعها إلى المحاكم الدولية يعكس حجم الأزمة وغياب الحلول الدبلوماسية المباشرة حتى الآن، مما يشير إلى أن الابتزاز التركي يفاقم من مشاكل المياه ويجعلها معركة مستمرة تتطلب تحركاً وطنياً ودولياً جاداً.
بالتالي، الابتزاز المائي التركي يشكل تحدياً استراتيجياً حيوياً يفاقم أزمة المياه في العراق، ويهدد استقرار البلاد ورفاهية مواطنيها بسبب تحكم تركيا في كمية المياه الحيوية الواصلة من المنبع، ما يستوجب تبني استراتيجيات متعددة الأبعاد تشمل الضغط الدبلوماسي والقانوني والتقني من أجل حماية الحقوق العراقية في المياه.
ثالثاً: التداعيات الاجتماعية والاقنصادية لأزمة المياه في العراق
التداعيات الاجتماعية والاقتصادية لأزمة المياه في العراق شديدة ومتعددة، وترتبط ارتباطًا وثيقًا بمحدودية الموارد المائية الناجمة عن عوامل مناخية وبشرية وإدارية. الأزمة تؤثر بشكل مباشر على حياة السكان واقتصاد البلاد، وتقود إلى تغيرات اجتماعية واقتصادية جذرية لها أبعاد بيئية وإنسانية متعددة والتي سنبينها في عدة نقاط أهمها([5]).
-
التداعيات الاقتصادية لأزمة المياه في العراق
-
تراجع الإنتاج الزراعي: تعتبر الزراعة من الركائز الاقتصادية الهامة في العراق، لكن نقص المياه أدى إلى انخفاض كبير في إنتاج المحاصيل الرئيسية مثل القمح والشعير، مما أثر على الأمن الغذائي الوطني وزاد من الاعتماد على الاستيراد>
-
ارتفاع تكاليف الاستيراد: بسبب نقص المياه المحلية، يضطر العراق لاستيراد كميات كبيرة من مياه الشرب والمنتجات الغذائية، مما يثقل كاهل الميزانية العامة ويستنزف العملات الأجنبية.
-
انخفاض إنتاج الطاقة الكهربائية: يعتمد العراق على السدود لتوليد الكهرباء، وتراجع منسوب المياه يقلل من القدرة الكهرومائية، ما يؤثر سلبًا على القطاعات الصناعية والخدمية.
-
زيادة معدلات البطالة والفقر: فقدان الوظائف الزراعية يدفع إلى ارتفاع معدلات البطالة والفقر في المناطق الريفية، مما يضع ضغوطًا أكبر على الخدمات الحكومية والاقتصاد الوطني.
-
التداعيات الاجتماعية لأزمة المياه في العراق
-
نزوح السكان: أدى تدهور الأراضي الزراعية وندرة المياه إلى نزوح آلاف العائلات من الريف إلى المدن، مما يفاقم الضغط على البنية التحتية الحضرية، ويزيد من تحديات الإسكان والصحة والتعليم.
-
تصاعد النزاعات الاجتماعية: نقص المياه وأزمات الجفاف أثرت على العلاقات الاجتماعية، واندلعت اشتباكات بين المزارعين ومربي المواشي بسبب تناقص الموارد المائية، مما يهدد الاستقرار الاجتماعي.
-
تدهور الأمن الغذائي والمائي: نقص المياه يفاقم خطر انعدام الأمن الغذائي والمائي، خصوصًا بين الفئات الأكثر هشاشة من المجتمع، ما يزيد من الهشاشة الاجتماعية ويهدد حقوق الإنسان.
-
تفاقم الفقر وانعدام التنمية المستدامة: الأزمة المائية تزيد من الفقر وعدم المساواة، وتشكل عائقًا أمام التنمية الاقتصادية المستدامة، مما يعزز حلقة الفقر ويحد من فرص تحسين مستوى المعيشة.
-
أبعاد بيئية وأمنية مترابطة
-
تدهور البيئة وتصحر الأراضي: نقص المياه يؤدي إلى تدهور التربة وتوسع ظاهرة التصحر، مما يفاقم الأثر البيئي ويفاقم فقدان الأراضي الصالحة للزراعة.
-
خطر الأزمات الأمنية والجيوسياسية: أزمة المياه تمثل تهديدًا جيوسياسيًا بسبب اعتماد العراق على المياه العائدة من دول الجوار، وتؤدي إلى توترات وصراعات محتملة نتيجة المنافسة على الموارد المائية.
وعليه، أزمة المياه في العراق لها تداعيات اجتماعية واقتصادية عميقة تشمل نزوح السكان، زيادة الفقر والبطالة، تراجع الإنتاج الزراعي والطاقة، استمرار النزاعات الاجتماعية، وتدهور البنية التحتية. كما تؤدي إلى تهديد الأمن الغذائي وتعقيد الأزمات البيئية والجيوسياسية، مما يجعل الحاجة إلى حلول شاملة ومستدامة أمرًا ملحًا لضمان استقرار العراق وتنميته المستقبلية بأمان.
رابعاً: استراتيجيات مواجهة الأزمة وإدارة الموارد المائية بفعالية.
استراتيجيات مواجهة أزمة المياه وإدارة الموارد المائية بفعالية في العراق تعتمد على عدة محاور رئيسية تشمل تطوير التقنيات، التعاون الإقليمي، إدارة الموارد الحكومية، وتحسين البنية التحتية، إلى جانب التوعية المجتمعية([6]).
-
تطوير تقنيات المياه وإدارة الزراعية فعالة
يُعَدّ الاستثمار في تقنيات الري الحديثة مثل الري بالتنقيط والرش من أبرز الاستراتيجيات لتوفير المياه، حيث تعمل هذه الأساليب على تحسين كفاءة استهلاك المياه في الزراعة، وهو القطاع الأكبر استهلاكًا لها في العراق. كذلك، يوجد توجه نحو تبني الزراعة العضوية التي تتطلب كميات أقل من المياه، وتخفيف استخدام الأسمدة الكيميائية التي تستهلك المياه بشكل كبير.
-
التعاون الإقليمي والدبلوماسية المائية
تعتبر الدبلوماسية المائية مع دول المنبع (تركيا، إيران، سوريا) من الضرورات لتأمين حصة العراق من مياه الأنهار المشتركة، مع ضرورة الوصول إلى اتفاقيات ملزمة تعتمد على القانون الدولي. الحكومة العراقية تسعى لتعزيز هذه الجهود مع دعم المجتمع الدولي لضمان التوزيع العادل للمياه.
-
تحسين البنية التحتية للمياه
تشمل الاستراتيجية تحديث مشاريع معالجة المياه وتحليتها، نقلها وتخزينها بطرق تقلل من الفاقد والتبخر. وفتح المجال للقطاع الخاص للمشاركة في تطوير هذه المشاريع يعد من الخطوات المهمّة للمساهمة في حل الأزمة.
-
الإدارة الحكومية والإحصائيات الدقيقة
وضع نظم إحصائية دقيقة لإدارة الموارد المائية ضروري لرصد الاستخدام والتخطيط بشكل فعّال، إضافة إلى إصلاحات إدارية تهدف إلى تعزيز الكفاءة في استخدام المياه ومراقبة الاستهلاك.
-
التوعية المجتمعية والتعليمية
إطلاق حملات توعية لتثقيف المواطنين والمزارعين حول أهمية ترشيد استهلاك المياه والحفاظ عليها، ودمج موضوعات استدامة المياه في المناهج التعليمية بهدف بناء ثقافة مستدامة بين الشباب.
-
التكيف مع تغير المناخ وخطط الطوارئ
وضع استراتيجيات وطنية للتكيف مع آثار تغير المناخ التي تؤثر على الموارد المائية، بالإضافة إلى تعزيز خطط الطوارئ والاستجابة السريعة لتقليل الأضرار الناجمة عن نقص المياه.
باختصار، مواجهة أزمة المياه في العراق تتطلب تبني استراتيجيات شاملة ومترابطة تشمل التقنيات الحديثة، التعاون الإقليمي، تطوير البنية التحتية، الإدارة الحكومية، التوعية المجتمعية، وخطط التكيف مع المناخ لضمان الاستخدام المستدام لهذه الموارد الحيوية.
خامساً: الاتفاقية المائية العراقية التركية الأخيرة حول تقاسم المياه: الدوافع والنتائج المتوقعة.
-
الخلفية والدوافع:
-
الخلفية: تُعَبر الاتفاقية المائية العراقية التركية الأخيرة عن استجابة للأزمة المائية الحادة التي يمر بها العراق، والتي ازدادت حدتها وتأثيرها السياسي والاقتصادي في عام 2025. تأتي هذه الاتفاقية في سياق تحسن العلاقات بين بغداد وأنقرة، وما صاحبه من تقارب سياسي وتنامي في التنسيق الدبلوماسي والتعاون التجاري، خاصة بعد عودة تدفقات النفط وتبادل المصالح الاقتصادية. وعلى الرغم من ذلك، فإن الخلفية الأساسية لهذه الاتفاقية تعود إلى استمرار أزمة المياه في العراق، والتي بلغت ذروتها في عام 2025 نتيجة لانخفاض معدلات الهطول، وارتفاع درجات الحرارة، بالإضافة إلى بناء السدود الكبرى على نهري دجلة والفرات، لا سيما سد إيليسو وسد أتاتورك ضمن مشروع الغاب التركي، مما أدى إلى تقليل كبير في تدفقات المياه إلى العراق، الأمر الذي تسبب في جفاف واسع في الأهوار الجنوبية، وزيادة الملوحة في مياه شط العرب بالقرب من البصرة، بالإضافة إلى انتهاكات جدية للأمن الزراعي ومياه الشرب، خاصة في ظل ضعف إدارة الموارد المائية الوطنية([7]).
-
أما من ناحية الدوافع، فإن الجانب التركي يسعى إلى تحقيق مجموعة من المظاهر، تتضمن ضمان مصالح اقتصادية من خلال استثمار فرص شركاته في مشاريع البنى التحتية المائية، فضلاً عن تعزيز مصالحه السياسية لتحويل ملف المياه إلى أداة للتعاون الإقليمي، وأداة ضغط تفاوضي. بالمقابل، فإن الجانب العراقي كان مدفوعًا بالضغوط الداخلية المتمثلة في ضرورة تأمين إمدادات المياه للمياه الصالحة للشرب والزراعة، بالإضافة إلى الحاجة الماسة لتمويل مشاريع البنى التحتية العاجلة، والتي تتكامل مع أهدافه في مواجهة أزمة المياه الموسعة. وعلى هذا الأساس، يمكن تلخيص دوافع الاتفاق إلى السعي لمواجهة النقص الحاد في المياه واستقرار الإمدادات، بالإضافة إلى رغبة تركيا في توسيع نفوذها الاقتصادي والإقليمي عبر إدارة الموارد المائية، والضغط الداخلي والخارجي لإيجاد حلول عملية للأزمة التي تهدد حياة ملايين السكان العراقيين([8]).
-
البنود الأساسية والمضمون العملي للاتفاقية
وفيما يخص البنود الأساسية، فإن الاتفاقية تروج لآلية التمويل عبر مبدأ «نفط مقابل مشاريع»، حيث يتم تخصيص جزء من عائدات النفط العراقي لتمويل مشاريع مائية تنفذ من قبل شركات تركية تحت إشراف عراقي. وتشمل المشاريع الأولية حزمًا إنشائية مثل إنشاء سدود صغيرة وجمع مياه، محطات للتحلية ومعالجة المياه، إلى جانب مشاريع لاستصلاح الأراضي الزراعية بهدف تعزيز الأمن الغذائي وجودة الاقتصاد الوطني. كما تتضمن الاتفاقية نصوصًا إطارية لإدارة الحصص والإطلاقات من السدود التركية، مع وضع مؤشرات مستهدفة لتدفقات المياه، إلا أن هذه النصوص تظل قابلة للتفسير، وتفتقر إلى توقيعات نهائية ملزمة. إضافةً إلى ذلك، تشكل آلية الإشراف المشترك عبر تشكيل لجان فنية وتنفيذية، عنصرًا رئيسيًا لضمان مراقبة وتنفيذ المشروع بشكل فعال.
-
نقاط الضعف والمخاطر الرئيسية للاتفاقية
هناك عدة نقاط ضعف ومخاطر محتملة تتعلق بالاتفاقية وهي كما يلي:
-
قيود السيادة والقبول الشعبي: ربط عائدات نفطية بتنفيذ مشاريع تركية أثار احتجاجات ونقاشات حول السيادة والشفافية، وقد يؤدي لرفض شعبي أو برلماني سيقف حجر عثرة أمام التنفيذ الكامل.
-
اعتماد على تحويلات نفطية وآليات تنفيذ معقدة: أي تعطّل في صادرات النفط أو نزاع على العوائد يوقف تمويل المشاريع فوراً.
-
محدودية ضمانات تركيا لإطلاق المياه: الاتفاقية إطارية مع آليات قابلة للتأويل؛ تركيا أظهرت في مناسبات سابقة تذبذباً في الإطلاقات، وحتى عقب الاتفاقات قد تحجم عن الإفراج عن كميات كافية إذا رأت شروطها غير مُحَقَّقة. تقارير لاحقة ذكرت حالات امتناع عن إطلاق المياه أو تأخيرها.
-
نقص آليات شفافية ومراقبة بيئية مستقلة: غياب رقابة مواطنية أو طرف ثالث مستقل قد يؤدي لسوء تنفيذ أو تحيّز في اختيار الم.
-
توصيات عملية لتعزيز فرص نجاح الاتفاق بالنسبة للعراق
-
تقوية بند الشفافية والحوكمة: توثيق عقود المناقصات، نشر جداول زمنية لدفعات النفط، وإشراك منظمات رقابية وطنية ومحايدة لمتابعة الأداء. (يحمي من اعتراض شعبي ويقلل مخاطر سوء التنفيذ).
-
تأمين آليات بديلة للتمويل الطارئ: إنشاء صندوق احتياطي داخلي أو شراكات مع مؤسسات تمويل دولية (البنك الدولي، المصارف الإقليمية) لتغطية فراغ التمويل في حال تأخّر التحويلات النفطية.
-
بنود ملزمة لإطلاق المياه مع جداول زمنية قابلة للقياس: تحويل أجزاء من البنود الإطارية إلى التزامات ملموسة بكميات وزمن محدد مع آلية تحكيم دولي مُتفق عليها تحسباً للخلافات. (هذا يقلّل من قدرة الطرف الآخر على استخدام المياه كورقة ضغط).
-
تنويع الحزمة الفنية: ألا تقتصر المشاريع على بنى تحتية تركية وحسب، بل فتح مشاركة لشركات دولية ومحلية مع شروط نقل تقنية وبناء قدرات عراقية.
-
خطة طوارئ وطنية للمياه: تنفيذ إجراءات داخلية للترشيد، تحلية محلية حيث ممكن، وتعويضات للمزارعين المتضرّرين مؤقتاً لتخفيف التبعات الاجتماعية أثناء التنفيذ.
الخاتمة
تشكل أزمة المياه في العراق تحدياً استراتيجياً يتطلب تضافر الجهود الوطنية والإقليمية. يفاقم الابتزاز المائي التركي المشكلة، مما يستلزم تعزيز الدبلوماسية والقانون الدولي للحفاظ على الحقوق الوطنية. إلى جانب ذلك، يُعد تحسين الإدارة الداخلية وتطوير البنية التحتية ضرورياً لضمان استدامة الموارد المائية. كما يجب تبني سياسات متكاملة تراعي تغير المناخ وتحقق الأمن الغذائي والتنمية المستدامة. في النهاية، يعتمد مستقبل العراق على قدرة الدولة والمجتمع الدولي على العمل المشترك لحماية مصادر المياه الحيوية وعليه، يتضح أن أزمة المياه في العراق لعام 2025 تمثل تحدياً بنيوياً يتطلب تنسيقاً وطنياً وجهداً دبلوماسياً منظماً لضمان استدامة الموارد المائية. وتبقى فعالية الاستراتيجيات والاتفاقيات مرهونة بقدرة الدولة على تحويلها إلى التزامات تنفيذية واضحة تعزز أمنها المائي على المدى الطويل.
التوصيات
-
تعزيز التعاون الإقليمي والدبلوماسية الفعّالة مع دول المنبع لضمان حصص عادلة من المياه وفقاً للقانون الدولي.
-
تحسين الإدارة الداخلية للموارد المائية من خلال تحديث البنية التحتية وتقنيات الري وترشيد استهلاك المياه في القطاعات المختلفة.
-
تبني استراتيجيات علمية قائمة على دراسات فنية لمراقبة وإدارة الموارد المائية بشكل مستدام.
-
تطوير برامج توعية مجتمعية لتعزيز ثقافة الحفاظ على المياه وترشيد استخدامها بين المواطنين والمزارعين.
-
إعداد خطط وطنية للتكيف مع التغيرات المناخية، تشمل خطط طوارئ واستجابات سريعة للحد من الآثار السلبية لأزمات نقص المياه.
المصادر
-
إيفان كاظم صالح، تقييم تأثير تغيير المناخ على بحيرة دوكان والغطاء النباتي المحيط بها باستخدام تقنيات تحليلية متقدمة، المجلة العراقية للجيولوجيا والتعدين، المجلد 21، العدد 1، 2025، ص 426.
-
حيدر شكري، أزمة المياه في العراق: جيران أقموا السدود وقادة اخفقو في المعالجة، مقال، متاح على الرابط التالي: https://www.chathamhouse.org/2025/08/iraqs-water-
-
احمد مجباس العيساوي، الأزمة المائية في العراق وتأثيرها على الأمن القومي، مقال، مركز حمورابي للبحث والدراسات الاستراتيجية، متاح على الرابط التالي: https://www.hcrsiraq.net/2025/07/19/%D8%A7%D
-
سالم اذعار الرويلي، دراسة تحليلية لتحقيق استدامة الموارد المائية: التحديات والفرص، بحث، المجلة الدولية للسياسات العامة، العدد 3، 2025، ص17.
-
معهد السلام الدولي، حقائق المناخ والسلام في العراق، متاح على الرابط التالي: https://www.sipri.org/sites/default/files/2023-10/23_fs_iraq.pdf?utm_source=chatgpt.com
-
عبدالرزاق حمزة عبدالله، أزمة المياه في العراق: التحديات واشكالية الحلول، بحث، مجلة مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية – جامعة بغداد، العدد 90، 2024، ص260.
-
تقرير تركي، متاح على الرابط التالي: https://aljeebal.com/posts/7142?utm_source=perplexity
-
ساري عبدالعزيز، الأمن المائي في العراق 2025، مقال، متاح على الرابط التالي: https://www.ecomena.org/water-security-in-iraq-ar/
([1]) إيفان كاظم صالح، تقييم تأثير تغيير المناخ على بحيرة دوكان والغطاء النباتي المحيط بها باستخدام تقنيات تحليلية متقدمة، المجلة العراقية للجيولوجيا والتعدين، المجلد 21، العدد 1، 2025، ص 426.
([2]) حيدر شكري، أزمة المياه في العراق: جيران أقموا السدود وقادة اخفقو في المعالجة، مقال، متاح على الرابط التالي: https://www.chathamhouse.org/2025/08/iraqs-water-crisis-dammed-neighbours-failed-leaders
([3]) احمد مجباس العيساوي، الأزمة المائية في العراق وتأثيرها على الأمن القومي، مقال، مركز حمورابي للبحث والدراسات الاستراتيجية، متاح على الرابط التالي: https://www.hcrsiraq.net/2025/07/19/%D8%A7%D
([4]) سالم اذعار الرويلي، دراسة تحليلية لتحقيق استدامة الموارد المائية: التحديات والفرص، بحث، المجلة الدولية للسياسات العامة، العدد 3، 2025، ص17.
([5]) معهد السلام الدولي، حقائق المناخ والسلام في العراق، متاح على الرابط التالي: https://www.sipri.org/sites/default/files/2023-10/23_fs_iraq.pdf?utm_source=chatgpt.com
([6]) عبدالرزاق حمزة عبدالله، أزمة المياه في العراق: التحديات واشكالية الحلول، بحث، مجلة مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية – جامعة بغداد، العدد 90، 2024، ص260.
([7]) تقرير تركي، متاح على الرابط التالي: https://aljeebal.com/posts/7142?utm_source=perplexity
([8]) ساري عبدالعزيز، الأمن المائي في العراق 2025، مقال، متاح على الرابط التالي: https://www.ecomena.org/water-security-in-iraq-ar/



