الاكثر قراءةتحليلات و آراءغير مصنف
عقوبة حجب الأصوات الصحيحة من نتائج الانتخابات النيابية

بقلم: د. أكرم كريم خضير
الجامعة التقنية الجنوبية / ميسان
حرص المشرع على وضع قواعد وضوابط قانونية تضمن سلامة وأمن عملية الاقتراع، لا سيما مع طبيعتها التنافسية الحادة التي قد تصل إلى ذروتها، إذ يعتمد عليها سلامة العملية الانتخابية برمتها. لذلك، أكدت القوانين الانتخابية على تأطير هذه العملية بضمانات تكفل سيرها بشكل آمن ومنظم، بما يعزز الثقة والطمأنينة لدى المشاركين. ومن هذا المنطلق، جرى تجريم السلوكيات التي تُخل بأمن وسلامة الاقتراع أو تعطل سيره الطبيعي، لما لذلك من أثر في تغيير نتائجه أو إعادة العملية الانتخابية. وقد يُثار تساؤل مفاده: هل تصبح الأصوات الصحيحة التي حصل عليها المرشح بشكل مخالف للقانون أصواتًا نهائية تؤهله لنيل مقعد نيابي بعد فوزه وإعلان النتائج أو تدرج ضمن رصيد الحزب أو التنظيم السياسي؟ والإجابة على هذا التساؤل هي محور مقالنا، إذ لا تُحتسب هذه الأصوات حتى وإن كانت صحيحة ولم تُحجب بموجب قرار مجلس المفوضين في الإعلان الأولي للانتخابات. وهذا ما نصت عليه المادة (43/ ثانياً) من قانون انتخابات مجلس النواب ومجالس المحافظات والاقضية رقم (12) لسنة 2018 المعدل سنة 2023، وسيتناول هذا المقال أربعة محاور وخاتمة، وذلك على النحو الآتي:
اولاً: تعريف عقوبة حجب الأصوات الانتخابية الصحيحة: الحجب في اللغة: يُقال: حَجَبَ الشيءَ أي سَتَره، وحَجَبَ عنه الرؤية أي منَعها. كما يُقال: تمَّ حجبُ الثقة عن المسؤول أي سُحبت منه، وبذلك فإنَّ الحجب قد يعني المنع، وهو بذلك يُقارب الحظر باعتبار أنَّ الحظر نوعٌ من المنع، وقد يعني أيضًا الإلغاء أو الحذف. وبالتالي فإن حجب الأصوات يعني منعها أو الغائها.
ومن خلال تتبّعنا للقوانين العراقية ذات الصلة، يتبين أن المشرّع لم يقم بتعريف هذه العقوبة بشكل مباشر، بل اكتفى بوصفها وتحديد نطاق انطباقها، وتوضيح الجرائم التي تُفرض بموجبها، والجهة المختصة بفرضها، كما ورد في المادة (43/ ثانياً). أما المادة (30/ ثالثاً) فقد تناولت هذه العقوبة من خلال عبارة: (يحرم… واحتساب الأصوات…) ضمن أحكام قانون انتخابات مجلس النواب ومجالس المحافظات والاقضية رقم (12) لسنة 2018، المعدّل سنة 2023. أما اصطلاحاً فنعرف هذه العقوبة بأنها: جزاءٌ قانونيٌّ تتخذه المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، يتمثّل في إلغاء الأصوات الصحيحة المحتسبة لصالح الحزب أو التنظيم السياسي أو المرشح الفرد، وحرمانه منها نتيجةَ اقترافه إحدى الجرائم الموصوفة في القانون.
ثانياً: الأوصاف الجرمية للأفعال التي تفرض على أساسها عقوبة حجب الأصوات الانتخابية الصحيحة: أوردت المادة (43/ ثانياً) الحالات التي تُفرض على أساسها هذه العقوبة من خلال الإحالة إلى نصوص أخرى، وهي المواد (37/ أولاً، خامساً، سادساً، سابعاً) والمادة (38) من قانون انتخابات مجلس النواب ومجالس المحافظات والأقضية. وعند الرجوع إلى نصوص هذه المواد وفقراتها، نجد أن عقوبة حجب الأصوات الانتخابية الصحيحة تُفرض في الحالات التالية: استعمال القوة أو التهديد لمنع ناخب من ممارسة حقه، لإجباره على التصويت بطريقة معينة أو الامتناع عن التصويت، الدخول إلى المقر المخصص للانتخابات حاملًا سلاحًا ناريًا أو جارحًا مخالفًا لأحكام هذا القانون، السب أو القذف أو الضرب على لجنة الانتخابات أو أحد أعضائها أثناء عملية الانتخاب، وأخيرًا العبث بصناديق الاقتراع أو الجداول الانتخابية أو أي وثائق تتعلق بالعملية الانتخابية حسب فقرات المادة (38)، بدلالة المادة (43/ ثانياً)، وكذلك تُفرض عقوبة حجب الأصوات الانتخابية الصحيحة في حالة إخفاء أو إتلاف أو فساد أو الاستحواذ على أو سرقة أوراق الاقتراع أو جداول الناخبين أو التأثير على نتائجها بأي طريقة كانت، وهذه الحالة توجب صدور حكم قضائي من محكمة جزائية حسب نص المادة (38) بدلالة المادة (43/ ثانياً)، وتُحجب الأصوات أيضًا بموجب المادة (30/ ثالثاً) من هذا القانون، حيث يُحرم الحزب من الأصوات حال قيامه بإغلاق منطقة انتخابية بالقوة أو التهديد باستخدام القوة لصالحه أو ضد الآخرين. ونأسف لعدم إدراج جريمة شراء الأصوات الانتخابية من قبل المرشحين بأي وسيلة كانت، نظرًا لخطورة هذا الفعل على نزاهة العملية الانتخابية وقدرته على تغيير مسارها، مما يؤدي إلى فقدان مصداقيتها كوسيلة ديمقراطية حقيقية لضمان إرادة الناخبين.
وعودًا على ما سبق، أورد المشرع حالة تتعلق بالرشوة الانتخابية في نظام الحملات الانتخابية رقم (5) لسنة 2020، وتحديدًا في المادة (12)، التي نصت على: “يحظر ممارسة أي شكل من أشكال الضغط أو الإكراه، أو منح مكاسب مادية أو معنوية، أو الوعد بها بقصد التأثير على الناخبين ونتائج الانتخابات.” والجدير بالذكر أنه لا يمكن الركون إلى هذه المادة لكونها مخصصة لفترة الحملة الانتخابية، في حين أن شراء الأصوات يتم في وقت إجراء الانتخابات، بعد انتهاء فترة الحملة الانتخابية. كما أن هذا النص لم يتضمن نصًا ينص على حجب الأصوات، إذ اعتبر المشرع هذه الرشوة مجرد مخالفة انتخابية عادية في هذا النظام. أما بخصوص نص المادة (30/ اولاً) التي تتعلق بحظر التلويح بالمغريات او منح مكاسب مادية أو الوعد بها، فهي كذلك غير كافية لمواجهة شراء الأصوات أثناء التصويت، لكونها غير واضحة و لم تسند بعقوبة الحجب.
ثالثاً: الطبيعة القانونية لعقوبة عقوبة حجب الأصوات الانتخابية الصحيحة: تكون هذه العقوبة ذات طبيعة قضائية إذا ارتُكبت الجريمة الموجبة لحجب الأصوات، وفقًا لأحكام المادة (43/ثانيًا)، من قبل شخص يعمل لصالح الحزب أو التنظيم السياسي أو المرشح الفرد، إذ إن القول بخلاف ذلك يتنافى مع مبدأ العدالة والمساواة أمام القانون. والطبيعة الأخرى هي طبيعة مختلطة بين القضائية والإدارية، فمن حيث المعيار الشكلي، تُفرض هذه العقوبة من قبل جهةٍ إدارية، هي المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، بغضِّ النظر عن طبيعة الجهة داخل المفوضية التي تصدر هذه العقوبة، سواء أكانت مجلسًا أم لجنةً إدارية أم لجنةً قضائية. أما من حيث المعيار الموضوعي، فإن عقوبة الحجب تُصدر بقرارٍ قضائي يمكن الطعن فيه أمام الجهات القضائية الأعلى، وتكتسب المنازعة فيه الطابع القضائي.
ويستفاد من هاتين الطبيعتين ما يلي: إذا ارتكب فرد عادي إحدى الجرائم المنصوص عليها في المادة (43/ ثانياً) وتمت إدانته من قبل المحاكم الجزائية المختصة، يمكن لأي مرشح أو أي جهة تقديم اعتراض لدى مجلس المفوضية بشأن الحزب أو التنظيم السياسي أو المرشح الذي يتبعه مرتكب الفعل الموصوف، لحجب الأصوات الانتخابية حتى لو كانت صحيحة. أما الحالة الثانية، فيمكن لأي جهة تقديم طلب مباشر إلى مجلس المفوضية لحجب الأصوات الصحيحة عن حزب أو تنظيم سياسي أو مرشح منفرد، مع تقديم أدلة تثبت قيام أشخاص تابعين لهذه الجهات بارتكاب أحد الأفعال المنصوص عليها في المادة (43/ ثانياً).
رابعاً: الأثر الفعلي لعقوبة حجب الأصوات الانتخابية الصحيحة: إن الأثر الفعلي لعقوبة حجب الأصوات يتمثل في إلغاء الأصوات الانتخابية الصحيحة المحتسبة لصالح الحزب أو التنظيم السياسي أو المرشح الفرد، وذلك بما يلتزم بالأصل القانوني الذي يقوم على اعتبار هذه الأصوات أساسًا لاستحقاق المقعد النيابي. وبما أن هذه الركيزة الأساسية قد زالت نتيجة تطبيق العقوبة، فلا يمكن تطبيق آلية الاستبدال بين المرشحين أو النواب.ومن تبعات ذلك تغيير ترتيب الفائزين في الانتخابات بما يترتب على تغيير عدد الأصوات الانتخابية، حيث يمكن أن يتحول المرشح الذي كان خاسرًا إلى فائز، والعكس بالعكس.
الخاتمة
نقترح على المشرع العراقي إضافة حالة شراء الأصوات الانتخابية إلى أحكام المادة (38)، وإضافة الفقرة الأولى من المادة (30) ضمن الحالات التي نصت عليها المادة (43/ ثانياً)، وكذلك إدراج عبارة “أو الترغيب” في الفقرة (أولاً) من المادة (37)، وذلك بهدف تعزيز العدالة التشريعية وتحقيق فاعلية النصوص العقابية في قانون انتخابات مجلس النواب ومجالس المحافظات والاقضية، وضمان صيانة أحكامه التنظيمية. كما نقترح على المشرع العراقي تحديد الوقت الذي يمكن فيه حجب هذه الأصوات بشكل صريح، سواء قبل المصادقة عليها أم بعدها، مع ميلنا إلى عدم تحصين هذه الأصوات الفاسدة بالمصادقة، والدعوة إلى إمكانية حجبها حتى بعد المصادقة عليها.
حيث تُعدّ الأصوات التي يتم الحصول عليها عن طريق هذه الوسيلة “أصواتًا فاسدة”، ويستلزم القانون النص صراحةً على حجب هذه الأصوات ومنع احتسابها ضمن النتائج الانتخابية، باعتبارها تمس نزاهة العملية الانتخابية وتهدد مصداقية نتائجها. ويهدف هذا الإجراء إلى ضمان تكافؤ الفرص بين المرشحين وحماية إرادة الناخبين من أي تأثير غير مشروع أو ترغيب أو ضغط، وبالتالي الحفاظ على سلامة النظام الديمقراطي ومبادئ العدالة الانتخابية.
وفي الختام، يمكن تقديم طلب إلى مجلس المفوضين مرفقًا بكافة الأدلة التي تثبت قيام الحزب أو التنظيم السياسي أو المرشح الفرد بشراء الأصوات الانتخابية، وذلك لحجب هذه الأصوات عنه.



