الاكثر قراءةتحليلات و آراءغير مصنف

حظر انتقال النائب بين الكتل والاحزاب من المنظور الدستوري والقانوني

بقلم: د. مصدق عادل

كلية القانون / جامعة بغداد

 

اعتنق دستور جمهورية العراق لسنة 2005 النظام النيابي (البرلماني) الذي يقوم على وجود برلمان منتخب من قبل الشعب، ولهذا أقرّ الدستور اعتبار الشعب مصدر السلطات وشرعيتها يمارسها عبر الوسائل الديمقراطية ومنها الانتخاب([1]).

وعلى الرغم من اعتناق الدستور أنَّ النائب يمثل الشعب العراقي بأكمله وفق المادة (49/اولاً) من الدستور، فضلاً عن إقرار النظام الداخلي لمجلس النواب حرية التعبير والفكر بمعزل عن الاتجاه السياسي أو الحزبي الذي يعتنقه([2])، غير أن قانون انتخابات مجلس النواب ومجالس المحافظات والاقضية رقم (12) لسنة 2018 المعدل بالقانون رقم (4) لسنة 2023 قد حظر على النائب او الحزب او الكتلة المسجلة ضمن قائمة مفتوحة فائزة بالانتخابات من الانتقال الى ائتلاف او حزب او كتلة او قائمة أخرى الا بعد تشكيل الحكومة([3]).

 

 

 

وبالنظر لوجود العديد من الملابسات والاشكاليات الدستورية والقانونية المتعلقة بحظر انتقال النائب، ومن اجل توضيح هذه الاحكام لذا سنتناول ذلك تباعاً كالاتي:

أولاً: موقف دستور جمهورية العراق من انتقال النائب من ائتلاف أو حزب أو قائمة أخرى:

لئن تأملنا دستور جمهورية العراق لسنة 2005 لوجدنا أنَّه لم يرد فيه نصاً صريحاً او ضمنياً يمنع النائب أو الفائز بانتخابات مجلس النواب من الانتقال من حزب أو كتلة أو قائمة إلى أخرى، بل على العكس من ذلك نجد أنَّ المادة (49/اولاً) من الدستور قد اعتبرت النائب ممثلاً لكل الشعب العراقي، وهو الأمر الذي يدلل على انقطاع الوكالة التي كانت تربط المرشح بناخبيه بعد اعلان نتائج الانتخابات وأداء اليمين الدستورية كعضو في مجلس النواب، حيث ينتقل الفائز من تمثيل المصالح المحلية للناخبين الذين قاموا بترشيحه الى تمثيل جميع المواطنين.

ولهذا نؤيد ما ذهب اليه غالبية فقهاء القانون والسياسة الذين رفضوا فكرة الوكالة الإلزامية بين الناخب والنائب، فلا يجوز بعد فوز النائب بالمقعد النيابي اخضاعه لارادة الناخبين وتوجيهاتهم، كون ذلك ينتهك نصوص الدستور، وذلك لصراحة المادة (49/اولاً) من الدستور التي جعلت النائب ممثلاً لكل الشعب العراقي، فانتقل من نطاق التمثيل الجغرافي المحدد الى نطاق التمثيل الوطني الشامل.

 

وبناء على ما تقدم فقد اقر المختصين في القانون الدستوري وعلم السياسة وجود رابطة بين النائب والناخب اطلق عليها مجازاً (الوكالة النيابية)، حيث أنه بإمكان النائب بعد فوزه الدفاع عن حقوق الناخبين وتلبية طلباتهم بما ينسجم مع الدور التمثيلي الممنوح له، مع منح النائب حرية التعبير عن الراي والفكر بما ينسجم مع الدستور.

 ونرى من جانبنا ان علاقة النائب بالناخب هي مجرد اختيار، وهو ما ينسجم مع النظام الديمقراطي النيابي.

ومن اجراء موائمة بين نصوص دستور جمهورية العراق لسنة 2005 وبين المادة (19) من قانون انتخابات مجلس النواب ومجالس المحافظات والاقضية رقم (12) لسنة 2018 المعدل التي تنص “اولاً: لا يحق لاي نائب او عضو مجلس المحافظة أو حزب أو كتلة مسجلة ضمن قائمة مفتوحة فائزة بالانتخابات الانتقال الى ائتلاف او حزب أو كتلة أو قائمة أخرى الا بعد تشكيل الحكومة أو انتخاب المحافظ ونائبيه بعد الانتخابات مباشرة، دون ان يخل ذلك بحق القوائم المفتوحة أو المنفردة المسجلة قبل اجراء الانتخابات من الائتلاف مع قوائم أخرى بعد اجراء الانتخابات”.

 

يتضح لنا أنّ المادة أعلاه فرقت بين الحالتين الاتيتين:

الحالة الأولى: حالة انتقال النائب أو الحزب أو الكتلة: حيث منع وحظر الدستور الفئات المذكورة من الانتقال الى ائتلاف أو حزب أو قائمة أخرى غير التي تم الترشيح للانتخابات فيها، حيث يوصف الحظر المفروض بانه حظراً زمنياً مؤقتاً ينتهي بتشكيل الحكومة.

الحالة الثانية: حالة انتقال القائمة المفتوحة أو المنفردة: حيث إجازة المادة (19/اولاً) من القانون باحقية القائمة المفتوحة أو المنفردة من الانتقال للائتلاف مع قوائم أخرى بعد اجراء الانتخابات وإعلان نتائجها.

 

وبهذا يتضح عدم دستورية المادة أعلاه، للعديد من الأسباب الاتية:

  1. خلو الدستور من ايراد نص صريح بمنع الانتقال من قائمة أو ائتلاف انتخابي الى آخر، ومن ثم يتوجب تطبيق إرادة المشرع الدستوري في دستور جمهورية العراق لسنة 2005 التي لم تنصرف الى فرض هذا الحظر من قريب أو بعيد، ومن ثم يتوجب تطبيق القواعد العامة التي تقضي (الأصل في الأشياء الاباحة طالما لم يرد نص صريحاً بالمنع)، وحيث لم يرد نص صريح في الدستور بمنع انتقال النائب او الفائز في الانتخابات من قائمة الى أخرى، لذا فان نص المادة (19/أولاً) من قانون انتخابات مجلس النواب ومجالس المحافظات والاقضية رقم (12) لسنة 2018 تعد غير دستورية، وبدلالة المادة (13) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 التي منع تشريع أي قانون يتعارض مع احكام هذا الدستور.

  2. أما السبب الثاني لعدم دستورية المادة (19/اولاً) من قانون انتخابات مجلس النواب فيتمثل بانتهاكها مبدأ المساواة أمام القانون وفق المادة (14) من الدستور، التي تقر ان العراقيون متساوون امام القانون دون تمييز بسبب المعتقد او الراي، ومن ثم فان تمييز القانون بين القائمة المنفردة أو المرشح المنفرد والسماح له بالانتقال الى قائمة أو كتلة أخرى يقابلها حرمان المرشح ضمن ائتلاف انتخابي من الانتقال ينطوي على انتهاك صارخ لمبدأ المساواة امام القانون، فلا يوجد مبرر دستوري يجيز هذه التفرقة غير المبررة.

  3. اما السبب الرابع فتتمثل في التوسع الحاصل من قبل المشرع العادي في تطبيق المادة (49) من الدستور العراقي، ففي الوقت الذي أجاز فيه البند (ثالثاً) من هذه المادة تنظم بقانون شروط المرشح والناخب وكل ما يتعلق بالانتخاب، فضلاً عن ان البند (خامساً) من هذه المادة اجازت لمجلس النواب سن وتشريع قانون يعالج حالات استبدال أعضائه عند الاستقالة او الإقالة أو الوفاة، ولم يتم ذكر حالة انتقال النائب من كتلة أو قائمة انتخابية الى أخرى ضمن حالات الاستبدال، وهو الامر الذي يمكن معه القول أنَّ إحالة الدستور الى القانون تنظيم شروط المرشح والناخب وحالات استبدال الأعضاء لا يمكن التوسع فيها، واضافة أحكام تتعارض مع التمثيل النيابي لجميع أبناء الشعب العراقي وفق المادة (49/اولاً) من الدستور، وان القول بذلك ينطوي على اهدار وانتهاك صريح لنصوص الدستور، مما يشكل انحرافاً دستورياً واحلالاً لارادة المشرع العادي (مجلس النواب) محل (إرادة الإباء المؤسسين) لدستور جمهورية العراق لسنة 2005، مما يمكن معه القول بعدم دستورية حظر أو منع انتقال النائب أو الفائز في الانتخابات النيابية من كتلة أو قائمة الى كتلة أو قائمة انتخابية أخرى.

ولو أراد المشرع الدستوري العراقي هذا الحكم صراحة لما اعوزه النص على ذلك مثلما فعل الدستور السوداني لعام 2005 الذي حدد في المادة (87/1/هـ) منه حالات سقوط العضوية “هـ- تغيير الإنتساب السياسي أو الصبغة السياسية أو الحزب الذي انتخب العضو بموجبه لعضوية المجلس الوطني”.

وبناء على ما تقدم فاذا ما سلمنا بإمكانية الاخذ بنص المادة (19/أولاً) من قانون انتخابات مجلس النواب ومجالس المحافظات رقم (12) لسنة 2018 المعدل فانه ينصرف الى النائب فقط دون الفائز في الانتخابات، حيث ان صفة العضوية في مجلس النواب لا تثبت الا بعدم قيام الفائز في الانتخابات بأداء اليمين الدستوري وفق المادة (50) من الدستور، حيث أن المرشح الفائز في الانتخابات لا ينطبق عليه المنع من الانتقال من قائمة أو حزب أو كتلة إلى أخرى، حيث استخدم المشرع في هذا القانون وصف (النائب) وليس الفائز في الانتخابات.

 

ثانياً: موقف القوانين المكملة للدستور من انتقال النائب من ائتلاف أو حزب أو قائمة لأخرى:

أما بالنسبة الى القوانين الأخرى المكملة للدستور نجد أنها سارت في الاتجاه ذاته الذي سار عليه دستور جمهورية العراق لسنة 2005، فبالرجوع الى قانون استبدال أعضاء مجلس النواب رقم (6) لسنة 2006 المعدل بالقانون رقم (15) لسنة 2023 نجد أنه حدد حالات استبدال أعضاء مجلس النواب، وليس من بينها انتقال النائب من ائتلاف أو حزب أو قائمة لاخرى، وهو الامر الذي يفهم منه عدم وجود مانع دستوري من الانتقال، وبالأخص في ظل عدم وجود جزاء دستوري أو قانوني يترتب على الانتقال.

وينطبق الحكم ذاته بالنسبة الى قانون مجلس النواب وتشكيلاته رقم (13) لسنة 2018 الذي لم يرد فيه نص صريح يمنع النائب من الانتقال من قائمة انتخابية الى أخرى، بل نجد أن هذا القانون كفل حرية التعبير والفكر([4])، كما حدد هذا القانون حالات انتهاء العضوية في المادة (!2) منه وليس من بينها انتقال النائب من كتلة أو قائمة انتخابية لاخرى.

وكذلك الحال بالنسبة الى النظام الداخلي لمجلس النواب رقم (1) لسنة 2022 الذي كفل حرية تعبير النائب عن رايه وحرية الفكر([5])، ويدخل ضمن هذه الحريات حرية النائب في الاستمرار مع القائمة أو الائتلاف الانتخابي الذي يرى انه يحقق المصلحة العامة.

وبهذا يتضح فقدان السند الدستوري لمنع النائب أو المرشح الفائز في الانتخابات من الانتقال من كتلة أو حزب أو ائتلاف الى كتلة أو حزب أو ائتلاف اخر، حيث يلاحظ أن المشرع الدستوري العراقي لم يرتب أي اثر على هذا الانتقال، سواء بفقدان العضوية النيابية أو بغيرها من الجزاءات الدستورية الأخرى.

ومن جهة أخرى فاذا ما أخذنا بالتفسير الحرفي لما ورد في المادة (19/اولاً) من قانون انتخابات مجلس النواب ومجالس المحافظات والاقضية رقم (12) لسنة 2018 المعدل، فانها تنصرف الى العبارات الواردة في النص وهي ثلاث حالات فقط:

 

  • منع انتقال النائب من حزب الى حزب سياسي اخر غير الذي رشح معه.

  • منع انتقال النائب من كتلة رشح معها الى كتلة أخرى.

  • منع انتقال النائب من قائمة انتخابية الى قائمة انتخابية أخرى.

واذا ما اخذنا بمفهوم المخالفة- تطبيق حكم مغاير لغير الحالات المحددة في النص –  فإنَّه يمكن القول ان انتقال النائب أو المرشح الفائز بعضوية مجلس النواب إلى ائتلاف سياسي أو تحالف سياسي غير التي رشح معها لا ينطبق عليه المنع أو الحظر الوارد في المادة (19/اولاً) من قانون انتخابات مجلس النواب رقم (12) لسنة 2018 المعدل، ولا يوجد أي جزاء دستوري أو قانوني يمكن فرضه، حيث أنَّ مصطلح (الائتلاف) أو (التحالف السياسي)  لا يندرج ضمن الفئات المحظور على النائب بموجب النص المذكور أعلاه.

بناء على ما تقدم يجوز لأي مرشح فائز بانتخابات مجلس النواب ضمن القوائم الانتخابية المؤتلفة أو القوائم الحزبية المنفردة أو المرشحين الفرديين الانتقال الى الائتلافات أو التحالفات السياسية الرامية لتشكيل الكتلة النيابية الأكثر عدداً التي تتولى اختيار مرشحها لمنصب رئيس مجلس الوزراء وتشكيل الوزارة القادمة وفق المادة (76) من الدستور، دون أنْ يترتب على ذلك أي جزاء دستوري أو قانوني.

ويؤيد ذلك ما ذهبت اليه السوابق القضائية الصادرة من المحكمة الاتحادية العليا، سواء تعلق ذلك بتفسير الكتلة النيابية الأكثر عدداً، أو بمناسبة ردها الطعون المتعلقة بعدم دستورية تكليف رئيس مجلس الوزراء، أو بمناسبة تفسير المقصود بأكثرية الثلثين الواجب توافرها لانتخاب رئيس الجمهورية وفق المادة (70) من الدستور فإنها كلها تعد من الموجبات القضائية التي تجيز الانتقال لتشكيل تحالف أو ائتلاف الكتلة النيابية الأكثر عدداً، سواء تم من قبل القائمة الانتخابية بأكملها أو بعض أعضائها.

يضاف لما تقدم فإنَّ الأعراف الدستورية قد استقرت منذ العام 2010 لغاية يومنا هذا على إمكانية انتقال النائب من تحالف أو قائمة انتخابية إلى أخرى لغرض تشكيل الكتلة النيابية الأكثر عدداً، ولم يتم الاعتراض على ذلك من قبل المحكمة الاتحادية العليا في جميع الحالات المنظورة أمام بشأن الطعون المقدمة بعدم دستورية تشكيل الحكومات المتعاقبة.

ونضيف لما تقدم فإنَّ المصلحة الدستورية العليا وهي تشكيل السلطات العامة والسير المنتظم لهذه السلطات يوجب عدم تطبيق نص المادة (19/اولاً) من القانون رقم (12) لسنة 2018المعدل الذي وضع للأغراض التنظيمية، وليس من أجل منع تشكيل ائتلاف الكتلة النيابية الأكثر عدداً، ففي حالة انصراف قصد المشرع الى منع تشكيل الكتلة النيابية الأكثر عدداً، فإنَّ هذا النص يعتبر معيباً بعيب مخالفة المحل والتعسف في استعمال السلطات التشريعية ويستوجب الحكم بعدم دستوريته والغائه من قبل المحكمة الاتحادية العليا.

ولهذا فإننا ندعو في الوقت نفسه إلى الطعن بعدم دستورية المادة (19/اولاً) من القانون رقم (12)  لسنة 2018 المعدل أمام المحكمة الاتحادية العليا لانتهاكها مبدأ المساواة أمام القانون، وللأسباب الأخرى المذكورة أعلاه.

 

([1]) ينظر المادتان (1) و (5) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005.
([2]) ينظر المادة (3) من النظام الداخلي لمجلس النواب رقم (1) لسنة 2022.
([3]) ينظر المادة (19/اولاً) من قانون انتخابات مجلس النواب ومجالس المحافظات والاقضية رقم (12) لسنة 2018 المعدل.
([4]) تنص المادة (5) من قانون مجلس النواب وتشكيلاته رقم (13) لسنة 2018 “أولاً: للنائب خلال الدورة النيابية داخل المجلس وخارجه وبما لا يتعارض وأحكام الدستور حرية التعبير عن الرأي والفكر والنقد والمعارضة بما في ذلك التشخيص المستند إلى أدلة لحالات الفساد في دوائر الدولة، ولا يلاحق قضائياً عن ذلك”.
([5]) تنص المادة (3) من النظام الداخلي لمجلس النواب رقم (1) لسنة 2022 “تَكفِلُ أحكامُ هذا النظام حريةَ التعبير عن الرأي والفكر لجميع أعضاء مجلس النواب أياً كانت إتجاهاتهم أو إنتماءاتهم السياسية أو الحزبية بما لا يتعارض وأحكام الدستور وتضمنُ حريةَ المعارضةِ الموضوعيةِ والنقدَ البنَّاءِ وتحقيقَ التعاونِ بين مجلس النواب والمؤسسات الدستورية الأخرى”.

 

حظر انتقال النائب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى