الاكثر قراءةتحليلات و آراءغير مصنف

 المشهد السياسي المعاصر لمنطقة “الشرق الاوسط”

بقلم: الباحث علي نعيم داود

 

 

المشهد السياسي المعاصر في منطقة (الشرق الاوسط) يتسم بدرجة عالية من التعقيد والتشابك، اذ يجمع بين التحديات الداخلية والصراعات الاقليمية والتنافس الدولي على النفوذ والموارد فالمنطقة، بما تملكه من موقع جيوستراتيجي فريد وثروات نفطية وغازية هائلة، تشكل مركزا محوريا في حسابات القوى الكبرى غير ان قضايا الأمن، والصراعات الطائفية والاثنية، والاحتلالات والنزاعات المستمرة مثل القضية الفلسطينية، فضلا عن التدخلات الخارجية، جعلت المشهد السياسي متقلبا وغير مستقر وفي الوقت نفسه، برزت محاولات للإصلاح السياسي والاقتصادي، وصعود ادوار فاعلين جدد من دول إقليمية غير تقليدية ومنظمات عابرة للحدود. وهكذا، فأن فهم السياسة في (الشرق الاوسط) المعاصر يستدعي النظر اليها ضمن شبكة من التفاعلات المحلية والاقليمية والدولية التي ترسم ملامح مستقبل المنطقة.

 

 

اندلاع الحرب في غزة:

كانــت  معركة طوفان الاقصى  مفاجــأة كبــرى علــى المسـتوى العملياتـي ومـن حيـث التوقيـت والنتائـج، وكان لـدى حركـة حمـاس عــدة اهــداف اهمهــا اعــادة التموضــع علــى الســاحة الفلســطينية، بعــد ان وصـل بهـا الحصـار وتراجـع التمويـل المـادي الـى مرحلـة خانقـة، بالإضافة إلـى مواجهـة المشـروع الامريكي (الإسرائيلي) الـذي كان يسـتهدف تصفيـة القضية الفلســطينية، اضافــة الــى اعــادة القضيــة الفلســطينية الــى جــدول الاعمال العربــي والاسلامي وعلــى الصعيــد العالمــي، وقــد راهنــت حمــاس علــى ان يمتــد الطوفــان الــى الضفــة وربمــا إلــى ابعــد مــن ذلــك، لكــن فــي الحقيقــة هـذا لـم يتحقـق، وواجهـت حمـاس حملـة عسـكرية شرسـة لـم تشـترك فيهـا (اسـرائيل) وحدهـا، بـل شـاركت معهـا الولايات المتحـدة والـدول الغربيـة، مـن خلال دعــم عســكري وسياســي ودبلوماســي غيــر مســبوق، حيــث نجحــت الدعايــة (الإسرائيلية) تصويــر مــا حــدث فــي اطــار رغبــة معاديــة اجتثاث (اســرائيل).

متناســية مظالــم الفلســطينيين والجرائــم التــي ارتكبــت بحقهــم، ومنحــت (إســرائيل) حقــا مطلقا فــي اســتخدام القــوة تحــت ذريعــة الحــق فــي الدفـاع عـن النفـس، وهـو فـي جوهـره كان حقـا مطلقا فـي القتـل ومسـاندة في الافلات من العـقاب) 1).

___________________________

(1)محمود حمدي ابو القاسم ، الصراع في (الشرق الاوسط) وملامح التغير في (الشرق الاوسط) ، المعهد الدولي للدراسات الايرانية، 2024، ص18-19.

 

فــي البدايــة شــنت (اســرائيل) هجومــا مضــادا مــن اجــل الســيطرة علــى المسـتوطنات فـي قطاع غـزة، واعلنـت فـي اليـوم التالـي الثامـن مـن تشرين الاول 2023 عــن عمليــة الســيوف الحديديــة، بهــدف اســتعادة الأسرى والقضــاء علــى حمــاس. (2)

وقبــل ان تشــن (اســرائيل) هجومــا بريا علــى شــمال قطــاع غــزة قامــت بحملــة جويــة مــن اكثــر حــملات القصــف دمويــة وتدميــرا فــي التاريــخ الحديـث، كان هدفهـا تهجيـر سـكان القطـاع نحـو الجنـوب باتجـاه الحـدود مـع مصـر، مـع احـكام الحصـار علـى القطـاع، ومنع وصـول المسـاعدات والامدادات بمـا فـي ذلـك الغـذاء والمـاء والوقـود، وقـد اضطـر ذلـك حمـاس الـى التعاطـي مـع الواقـع، ومحاولـة تخفيـف وطـأة الأزمة الانسانية والكارثـة، او بالأحرى المذبحـة وحـرب الابادة التـي يتعـرض لهـا سـكان القطاع، وبصفقـة مـن اجـل تخفيـف حـدة الأزمة الانسانية وعلـى الرغـم مـن الضغـوط الدوليـة واتفاقـات الهدنـة الـذي تـم بموجبهـا تبـادل بعـض الأسرى بين حماس و(اسـرائيل) فـي تشرين الثاني 2023، غيـر ان (اسـرائيل) واصلـت حملتهـا علـى القطـاع فـي كانون الاول 2023، وبـدا اليميـن (الإسرائيلي) مصممـا علـى الاستمرار فـي القتـال حتـى القضـاء علـى حمـاس نهائيا، ومتابعـة خططهـا فـي تعقـب عناصـر حمـاس وقياداتهـا، واحـكام الحصـار علـى القطـاع بعـد اقتحـام رفـح والسـيطرة عـلى فيلادلفيا(3).

وقــد صاحبــت هجمــات (اســرائيل) انتهــاكات واســعة، وواجهــت اتهامــات بأنهــا تمـارس حـرب ابـادة ضـد قطـاع غـزة، حيـث سـقط مـا يقـرب مـن (50) الـف شـهيد غالبيتهـم مـن الاطفال والنسـاء، ومـا يقـارب مـن( 100) الـف جريـح ناهيـك عـن المفقوديــن تحــت الانقاض، وتنفيــذا  لوعودهــا نجحــت (اســرائيل) فــي اغتيــال رئيــس المكتــب السياســي لحركــة حمــاس إســماعيل هنيــة في طهران ، وصالــح العــاروري نائـب رئيـس الحركـة فـي لبنـان، كمـا نجحـت فـي اغتيـال خليفـة هنيـة ومهنـدس عملـية طوفان الاقصى يحـيى الـسنوار(4) . أثر القصف العنيف، والحصار الكامل، والنقص في الامدادات الطبية الحيوية وامدادات الغذاء والمياه والطاقة، وتدمير البنى التحتية الأساسية، تأثيرا كبيرا ومتسارعا على الابعاد السبعة للدليل الوطني للفقر المتعدد الابعاد في غزة في غضون16 يوما فقط(5).

________________________

 (2)المصدر نفسه، ص19.
(3)محمود حمدي ابو القاسم ،مصدر سبق ذكره، ص19-20.
(4)المصدر نفسه، ص، 20.
(5)الامم المتحدة الاسكوا، الحرب على غزة 2023 تداعيات مدمرة غير مسبوقة، شبكة المعلومات الدولية، تاريخ الاطلاع27/9/2025،متاح على الرابط الاتي: https://www.unescwa.org/ar/pubictions

 

  1. الامان واستخدام الاصول: أدى القصف العنيف الى النزوح والضرر الذي لحق بالممتلكات الى حرمان شعب بكامله من الشعور بالأمان ومن سلامة اصوله.

  2. التعليم: علقت جميع الانشطة المدرسية والتعليمية بالكامل اثار طويلة الأجل، اذ اقترن ذلك بتدمير المرافق والبنى التحتية ورأس المال البشري لقطاع التعليم.

  3. الرعاية الصحية: افضى سقوط الاف من القتلى والجرحى، والضرر والتدمير الجسيمان اللذان لحقا بالمرافق والمنشات الصحية الاساسية، وانقطاع الكهرباء، وشح المياه، وتضاؤل الامدادات الطبية الى شل منظومة الرعاية الصحية في غزة.

  4. التشغيل: اصبحت الانشطة الاقتصادية والتحويلات شبه متوقفة، في حين ان حجم دمار الاصول الاقتصادية لا يزال غير واضح.

  5. الاسكان: افضى تحول نسبة 42 % من الوحدات السكنية في غزة الى اماكن غير قابلة للسكن، وانخفاض امدادات المياه، والاكتظاظ السكاني، وسوء التهوية الى ظروف معيشية قاسية، ومخاطر صحية متزايدة، وتهجير طويل الأمد.

  6. الحريات الشخصية: بفعل القيود المفروضة على حرية التنقل، بات حصول السكان على الخدمات الاساسية المنقذة للحياة امرا شبه مستحيل.

  7. الموارد النقدية: في ظل ارتفاع معدلات الفقر، ازداد عدد الاسر التي تكافح للحصول على الضروريات الأساسية، بما في ذلك الغذاء والمياه النظيفة.

وعلــى الرغــم مــن ردود الفعــل الدوليــة والاقليمية المعارضــة للحــرب التــي شـنتها (اسـرائيل) علـى قطـاع غـزة، الا ان عـدة عوامـل أسـهمت فـي استمرار فـي التصعيـد، وأهمهـا ان (إسـرائيل) وجـدت فـي الحـرب فرصـة مـن اجـل القضاء علـى التهديـدات الوجوديـة علـى المـدى البعيـد، بالإضافة الـى ذلـك وجـدت (اسـرائيل) فـي الصـراع فرصـة مـن اجـل اضعـاف محـور ايران، وكسـر معادلـة الردع التـي تحـاول تعزيزهـا مـن خلال فصائـل المقاومـة، ويبدو ان ما عجزت حكومة (اسـرائيل) عن تحقيقه في السياسـة والدبلوماسـية قبـل السـابع مـن اكتوبـر تحـاول ان تفرضـه مـن خلال العمـل العسـكري، حيـث أصــر نتنياهــو علــى الدخــول إلــى رفــح رغــم الاعتراضات الامريكية الباهتــة والمخـاوف الاقليمية، بـل واصر على السـيطرة علـى محور صلاح الدين ومحور فيلادلفيا، وذلــك بهــدف إحــكام القبضــة علــى قطــاع غــزة وتصفيــة وجــود حمـاس والتمهيـد لمرحلـة مـا بعـد الصـراع، التـي تـدور تصوراتهـا حـول انهـاء اي مقاومــة لمشــروع الاحتلال واي فرصــة لبقــاء مشــروع الدولــة الفلســطينية، وفــي تحــدي اتفاقية الــسلام المبرمــة مــع مصــر برعايــة امريكيــة، وســعى بلا هــوادة لجعــل حمايــة أمــن (اســرائيل) منطلــق لتحــركات (اســرائيل) الاقليمية بلا قـيود او حدود(6).

 (6)محمود حمدي ابو القاسم ، مصدر سبق ذكره ص21-22.

 

 

موقف دول الخليج العربي من الاحداث المعاصرة (للشرق الاوسط)

أولا: موقف السعودية:

تدرك السعودية خطورة الأوضاع الأمنية والسياسية في منطقة (الشرق الاوسط)، وما اسفرت عنه من حربين طاحنتين، وغير متكافئتين، يشنهما الكيان (الإسرائيلي)، الاولى في قطاع غزة، والثانية في جنوب لبنان، فضلا عن التصعيد العسكري بين الكيان ذاته ودولة ايران، وما نتج عنها من حالات استقطاب، ربما تسفر عن حرب شاملة في المنطقة وهو ما دعا قادة السعودية الى العمل مبكرا سياسيا ودبلوماسيا لتجنيب المنطقة ويلات الحروب، وضرورة تفعيل التهدئة بين المتصارعين، ولا تترك السعودية مناسبة ما الا وتحذر فيها من خطورة المشهد في منطقة (الشرق الاوسط)، وتدعو المجتمع الدولي إلى القيام بدوره كاملا في تعزيز مبادرات التهدئة، والضغط على (إسرائيل) لوقف حربها في قطاع غزة وجنوب لبنان، مع ايجاد تفاهمات، تفضي إلى استقرار السلام في منطقة (الشرق الاوسط) بأكمله، مع ضمان حقوق الشعب الفلسطيني في اقامة دولته المستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية، إلى جانب الحفاظ على استقرار دولة لبنان ووحدة أراضيه، وسيادته على كامل أرضه(7).

وفي زمرة حالة الاستقطاب التي تشهدها المنطقة بفعل الصدام العسكري بين (إسرائيل) والايراني، تؤكد السعودية للجميع أنها تنأى بنفسها عن اي تصعيد محتمل، ولن تسمح بمرور اي طائرات مقاتلة او مسيرات او صواريخ عبر مجالها الجوي، بغض النظر عن وجهتها، في إشارة إلى ان السعودية دولة سلام، تبذل الجهود من أجل التفاوض والتهدئة، وايجاد الحلول لأي صراعات سياسية وعليه ترفض ان تكون طرفا في أي صراع(8).

ويسجل تاريخ منطقة (الشرق الاوسط) الكثير من المواقف السعودية، التي تؤكد ضرورة تحلي جميع الاطراف المتصارعة بأقصى درجات ضبط النفس، وضرورة الاحتكام إلى صوت العقل والمنطق في تقديم الحلول السلمية.

____________________

(7) صحيفة سبق الالكترونية، المملكة تدعم جهود التهدئة في (الشرق الاوسط)، شبكة المعلومات الدولية، تاريخ الاطلاع 27/9/2025،متاح على الرابط الاتي: https://sabq.org/saudia/94yeocamte
(8)المصدر نفسه.

 

ثانيا: موقف الامارات:

تمثل دولة الامارات العربية المتحدة نموذجا للدولة التي تسعى إلى التوازن في سياساتها الخارجية، من خلال تقديم الدعم الإنساني وتعزيز الحوار الدبلوماسي، والبحث عن الحلول السلمية للصراعات وبالرغم من تعقيد الصراعات في (الشرق الاوسط)، نجحت الامارات في لعب دور إيجابي ومستدام يسعى الى تخفيف حدة النزاعات وتقديم الدعم للمتضررين منها من خلال التركيز على النزاع بين وحماس وبين وحزب الله، تظهر جهود الامارات المتنوعة التي تتراوح بين المساعدات الانسانية، والدعم الدبلوماسي، والسعي الى بناء شراكات اقليمية تساهم في تحقيق السلام المستدام. (9)

تلعب الامارات دورا فعالا في المنظمات الدولية مثل الامم المتحدة والجامعة العربية عبر هذه المنصات، تعمل الامارات على تعزيز الحوار حول قضايا السلام والاستقرار، وتدعو الى التمسك بالقانون الدولي واحترام حقوق الانسان وتشارك الامارات في المبادرات الأممية التي تسعى الى انهاء النزاعات وتعزيز الأمن في المنطقة، وتدعم قرارات تدعو إلى تحقيق العدالة وحماية المدنيين.

وعليه، برز دور الإمارات في الوساطة الدولية خلال رئاستها لمجلس الأمن في حزيران 2023، حيث تبنت مقترحات من شأنها إنهاء الصراعات الدولية الراهنة وتحقيق السلم والأمن العالميين، ما يؤكد على نهج الامارات الثابت المتعلق بتقديم الحلول الدبلوماسية في ظل تصاعد حدة الاستقطاب الدولي بين كبرى الدول، وارساء قواعد الحوار في اي صراعات قائمة، اضافة إلى حرصها على دعم الجهود الاغاثية والإنسانية للاجئين والنازحين المتضررين من الحروب والصراعات في منطقة (الشرق الاوسط) (10).

 

الاعتداءات (الإسرائيلية) على قطر:

في 9 ايلول 2025 نفذت (اسـرائيل) هجومــا صاروخيـا على قطر استهدف مباني سكنية شرقي العاصمة القطرية، يقطن فيها عدد من أعضاء المكتب السياسي لحركة حماس واسرهم وجاء الهجوم في وقت كان فيه وفد قيادي للحركة برئاسة خليل الحية يعقد اجتماعا لمناقشة مقترح للرئيس الامريكي دونالد ترامب لوقف إطلاق النار في قطاع غـزة وأكدت حركة حماس ان كبار مسؤوليها نجوا، في حين استشهد خمسة من مرافقي الوفد المفاوض، اضافة الى عنصر من قوات الأمن الداخلي القطرية. (11)

________________________

(9)المركز الاوربي لدراسات مكافحة الارهاب والاستخبارات، امن دولي – ما هو دور الامارات في النزاعات والحروب الاقليمية والدولية، متاح على الرابط الاتي: https://www.europarabct.com
(10)المصدر نفسه.
(11)الجزيرة، الهجوم الاسرائيلي على قطر استهداف لمفاوضات والوسيط، شبكة المعلومات الدولية ، متاح على الرابط الاتي: https://www.aljazeera.net

 

وكانت الدوحة قد استضافت جولات عديدة من المفاوضات غير المباشرة بين حماس و(إسرائيل)، عقب استئناف العدوان (الإسرائيلي) على قطاع غزة في اذار 2025، بعد فترة وجيزة من الهدوء النسبي عقب اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في 19 كانون الثاني من العام نفسه.

ودانت دولة قطر الهجوم واعتبرته انتهاكا صارخا لسيادتها وارهاب دولة، مؤكدة اتخاذها الاجراءات القانونية اللازمة ضد العدوان (الإسرائيلي)، في وقت اثار فيه الهجوم إدانات واسعة على المستويين الإقليمي والدولي(21).

فبعد الهجوم (الإسرائيلي) على قادة حماس في الدوحة خلال شهر أيلول الحالي، عاد رئيس الوزراء (الإسرائيلي) بنيامين نتنياهو ليؤكد انه لا يستبعد شن المزيد من الضربات على قادة حماس اينما كانوا، وسط وعود امريكية بتقديم دعم ثابت (لإسرائيل) لتحقيق اهدافها والقضاء على حماس(13).

 

دوافع العدوان (الإسرائيلي) على قطر(14):

  1. اغتيال قادة حركة حماس لأنهاء الحرب.

  2. افشال الوساطة القطرية.

  3. استكمال عملية اعادة تشكيل الواقع في غزة.

  4. رسالة ردع اقليمية تؤكد تفوق القوة (الإسرائيلية).

ومع فشل العدوان (الإسرائيلي) على القيادة السياسية لحركة حماس في قطر، من غير المستبعد ان تعود (إسرائيل) مجددا لاستهدافها فقد اطلقت ما بعد العدوان مزيدا من التهديدات بملاحقة قادة الحركة أينما وجدوا، وصرح كاتس، في 10 ايلول 2025 ان سياسة الأمن (الإسرائيلية) واضحة، يد (إسرائيل) الطولى ستعمل ضد اعدائها في أي مكان، لا يوجد مكان يمكنهم الاختباء فيه وجاء تهديده بعدما قال السفير (الإسرائيلي) في الولايات المتحدة، يحيئيل لايتر، انه إذا كانت (إسرائيل) قد أخطأت أي اهداف خلال الهجوم الذي شنته في قطر، فستصيبها في المرة المقبلة، مشيرا الى ان أعضاء الحركة موضوعون على قائمة الاهداف في أي مكان وزمان(15). وتبرز المؤشرات ان العدوان (الإسرائيلي) وسياسات نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة قد لا يوقف الصراع عند حدود غزة ولبنان وسوريا، بل يمتد تأثيره الى باقي ارجاء المنطقة ما يفسر الادانات الدولية الواسعة التي صدرت مباشرة بعد العدوان على قطر، والتضامن الكبير معها، باعتبار ان مثل هذا الهجوم يمثل انتهاكا صارخا لسيادة الدول، ويزيد من فرص التصعيد ويوسّع الصراع وانتشاره في المنطقة(16).

_________________________

(12)المصدر نفسه.
(13)BBC، استهداف قيادات حماس في الدوحة قد يتكرر، شبكة المعلومات الدولية ، متاح على الرابط الاتيhttps://www.bbc.com:
(14)المركز العربي للأبحاث، العدوان )الاسرائيلي( على قطر دوافعه وتداعياته، متاح على الرابط الاتي: https://www.dohinstitute.org/ar
(15)المصدر نفسه.
(16) المركز العربي للأبحاث ، مصدر سبق ذكره.

 

 

الموقف الدولي من الاحداث المعاصرة للشرق الاوسط

أولا: موقف روسيا:

ساعدت التوترات في المنطقة روسيا في سعيها الى تقويض النظام العالمي، ولكن فقط بقدر ما تكون السيطرة على هذه التوترات ممكنة ،اذ ان موسكو استفادت من الحرب الحالية التي تدور في غزة، وهي سعيدة برؤية التراجع في سمعة الولايات المتحدة بسبب ما ينظر إليه على نطاق واسع على انه دعم غير عادل (لإسرائيل) ولهذا السبب أيضا، لم تبد روسيا اهتماما كبيرا بتهدئة التوترات الحالية، انتقدت موسكو مرات عدة واشنطن بسبب فشلها في دعم قرارات وقف إطلاق النار وعندما اقترحت الولايات المتحدة، أخيرا قرارا خاصا بها لوقف إطلاق النار على ثلاث مراحل امتنعت روسيا عن التصويت بحجة الافتقار الى التفاصيل، ولكنها لم تلجأ الى استخدام حق النقض (الفيتو) ضد القرار الذي حظي بدعم العالم العربي.

وقد استمتعت روسيا بمشاهدة الولايات المتحدة وهي تواجه المأزق المزدوج المتمثل في كونها اللاعب المكروه في المنطقة أكثر من كل ما عداه، واللاعب الذي تتطلع اليه قوى عديدة من أجل الخلاص، وهو دور لا تستطيع واشنطن ان تقوم به او أنها لن تقوم به وطالما ظلت سياسة الولايات المتحدة غارقة في هذه الفوضى، فليس لدى روسيا أي سبب لتعريض مصالحها للخطر من خلال تأجيج مزيد من المشكلات الاقليمية(17).

ان منطقة (الشرق الاوسط) تعاني من عدة صراعات، وتحاول روسيا أداء دور الوسيط في بعضها، لكن موقفها المتباين إزاء عدد من الملفات قد يجعل من الصعب عليها تحقيق نجاحات دبلوماسية ملموسة اما من حيث التحديات الاقتصادية، فبالرغم من جهود موسكو لتعزيز علاقاتها الاقتصادية مع دول المنطقة فأن العقوبات الغربية تؤثر في الاقتصاد الروسي بشكل مباشر وهو ما يصعب على موسكو تقديم الدعم الاقتصادي الذي ربما تحتاجه بعض دول المنطقة لتعزيز الشراكات التجارية والاستثمارية(18).

_______________________________________________________________________________________

(17) الغد، ماذا تريد روسا من (الشرق الاوسط)، شبكة المعلومات الدولية، متاح على الرابط الاتي: https://alghad.com/Section
(18) المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، دوافع المناورات الدبلوماسية الروسية في (الشرق الاوسط)، متاح على الرابط الاتي: https://futureuae.com/ar/Mainpage

 

 

 

ثانيا: موقف الصين:

الصين تقدم نموذجا جديدا للعلاقات الدولية في (الشرق الاوسط) قائما على الاحترام المتبادل والتنمية المشتركة والابتعاد عن السياسات التصادمية ويبدو أنها تراهن على ان السلام المستدام يمكن تحقيقه من خلال المصالح الاقتصادية المتبادلة، لا عبر الضغط او التدخل، ورغم ما تحققه من نجاحات نسبية، فأن مستقبل دورها في المنطقة سيعتمد على قدرتها على الحفاظ على التوازن، وتقديم نتائج ملموسة على أرض الواقع، فالصين لا تسعى لتكون بديلا عن قوى أخرى، بقدر ما تطمح إلى أن تكون فاعلا فريدا في بيئة دولية متعددة الاقطاب، تشكل فيها التنمية والسلام وجهين لعملة واحدة(19).

تفضل الصين عدم التدخل السياسي وتجنب الانخراط المباشر في النزاعات السياسية او فرض نماذج حوكمة معينة وتعتمد بدلا من ذلك على مبادئ احترام السيادة الوطنية وعدم التدخل وهي عناصر تلقى قبولا لدى العديد من حكومات المنطقة أضف الى ذلك تحرص الصين على التزام الحياد والخطاب المتوازن في القضايا الشائكة مثل النزاع الفلسطيني (الإسرائيلي)، وتدعو إلى حل سلمي يستند الى القانون الدولي وقرارات الامم المتحدة، دون التورط في تحالفات منحازة(20).

وعليه، ترى الصين الاستقرار في (الشرق الاوسط) أمرا مهما لمصالحها الاستراتيجية، وبالتالي يتوقع ان تلعب دورا محسوبا ومحدودا في تهدئة التوترات الحالية في منطقة (الشرق الاوسط)، معتمدة في ذلك على الانخراط والقيام بدور وساطة معتدل من خلال قنواتها الدبلوماسية(21).

 

الخاتمة

ان المشهد السياسي المعاصر في منطقة (الشرق الاوسط) يتسم بدرجة عالية من التعقيد والتداخل، نتيجة لتراكمات تاريخية، وصراعات أيديولوجية، وتنافسات اقليمية ودولية. فالمنطقة اصبحت ساحة تتقاطع فيها المصالح الاستراتيجية للقوى الكبرى مع طموحات القوى الإقليمية، في ظل تحديات مستمرة مثل النزاعات المسلحة، والقضية الفلسطينية، ومع ذلك، يظل (الشرق الاوسط) محورا أساسيا في معادلات السياسة الدولية، لما يمتلكه من موقع جيوستراتيجي وثروات طبيعية مؤثرة، وهو ما يجعل استقرار المشهد السياسي فيه عاملاً حاسمًا في استقرار النظام الدولي ككل.

_______________________________________________________________________________________

(19)العربية، الصين و(الشرق الاوسط) شريك صاعد في صناعة السلام والاستقرار، متاح على الرابط الاتي: https://www.alarabiya.net
(20)المصدر نفسه.
(21)الايام، الصين و(الشرق الاوسط) استراتيجية التوازن في زمن التحديات، متاح على الرابط الاتي: https://www.alayyam.info

 

Loader Loading...
EAD Logo Taking too long?

Reload Reload document
| Open Open in new tab

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى