الاكثر قراءةتحليلات و آراءغير مصنف
الدور المصري في إدارة الصراع في غزة: بين الضغوط الأمريكية وتحديات الموقف الدولي
دراسة بعد قمة شرم الشيخ - 13 أكتوبر 2025

بقلم: الباحث عادل محمد عادل / مصر
المقدمة
شهدت مدينة شرم الشيخ انعقاد قمة تاريخية في تشرين الأول 2025، جمعت الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والرئيس الأمريكي دونالد ترامب وعددًا من قادة المنطقة وممثلي الأمم المتحدة، بهدف التوصل إلى اتفاق شامل لوقف إطلاق النار في غزة. وقد جاءت هذه القمة تتويجًا لجهود دبلوماسية مصرية مكثفة استمرت لأسابيع، سعت خلالها القاهرة إلى التوفيق بين المواقف المتناقضة، وتحويل الصراع من مسار عسكري إلى سياسي تفاوضي.
يحلل هذا البحث أبعاد الدور المصري بعد انعقاد القمة، مركزًا على كيفية تعامل القاهرة مع الضغوط الأمريكية والمواقف الدولية المتباينة، وأثر ذلك على توازن القوى في (الشرق الأوسط).
وتُظهر النتائج أن مصر نجحت في تثبيت موقعها كقوة إقليمية قائدة للسلام، قادرة على إدارة الصراعات بحرفية دبلوماسية، رغم التحديات المرتبطة بالمصالح الأمريكية و(الإسرائيلية). كما أكدت القمة أن القاهرة استعادت زمام المبادرة في القضية الفلسطينية، ورسّخت مكانتها كوسيط لا غنى عنه في معادلة الأمن الإقليمي.
بعد أسابيع من الجدل والتكهنات، انعقدت أخيرًا قمة شرم الشيخ للسلام، بحضور الرئيسين عبد الفتاح السيسي ودونالد ترامب، إلى جانب وفود رفيعة من الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وعدد من الدول العربية. مثّلت هذه القمة لحظة مفصلية في مسار الصراع الفلسطيني – (الإسرائيلي)، وفتحت الباب أمام مرحلة جديدة من الجهود الدبلوماسية التي تقودها مصر، بهدف تثبيت وقف إطلاق النار وإعادة إعمار غزة.
لم تكن القمة مجرد لقاء سياسي، بل كانت بمثابة تتويج لمسار مصري طويل من العمل الدبلوماسي المتوازن، الذي حافظ على خطوط الاتصال مع واشنطن وتل أبيب من جهة، ومع الفصائل الفلسطينية والمجتمع الدولي من جهة أخرى. وقد شكّل حضور ترامب، الذي أكّد بنفسه أن “السلام لا يمكن أن يُكتب إلا في أرض مصر”، اعترافًا صريحًا بدور القاهرة كمركز ثقل في إدارة الأزمات الإقليمية.
تهدف هذه الدراسة إلى تحليل الدور المصري في إدارة ما بعد القمة، وتفسير كيف واجهت القاهرة الضغوط الأمريكية ومحاولات بعض القوى الغربية التأثير على مخرجاتها، مع رصد ردود الفعل الإقليمية والدولية التي أعقبتها. كما تسعى إلى الإجابة عن سؤال جوهري:
هل استطاعت مصر أن توازن بين مصالحها الوطنية ومقتضيات الوساطة الإقليمية، في ظل استمرار الصراع وتشابك المصالح؟
أولًا: القمة بين التوقعات والنتائج الفعلية
قبل انعقاد القمة، كانت التوقعات تشير إلى صعوبة تحقيق اختراق دبلوماسي بسبب تعقيد المواقف (الإسرائيلية). إلا أن نتائج القمة فاقت هذه التوقعات، إذ أعلن الرئيس السيسي في كلمته الختامية التوصل إلى اتفاق مبدئي لوقف إطلاق النار لمدة 30 يومًا قابلة للتمديد، مع بدء ترتيبات إنسانية عاجلة لدخول المساعدات إلى غزة بإشراف مصري – أممي مشترك.
وأكد ترامب في كلمته أن “مصر أعادت تعريف مفهوم الوساطة في (الشرق الأوسط)”، مشيرًا إلى أن نجاح شرم الشيخ “يمثل بداية جديدة للسلام”. وقد وقّع الطرفان الفلسطيني و(الإسرائيلي) اتفاق المبادئ بحضور ممثل الأمم المتحدة تور وينسلاند، ليكون أول اتفاق رسمي منذ عام 2014 يتم التوقيع عليه على الأراضي المصرية.
هذا النجاح لم يأتِ من فراغ، بل كان ثمرة تحركات مصرية دقيقة سبقت القمة، شملت لقاءات مغلقة مع وفود من حماس والجهاد الإسلامي من جهة، والجانب (الإسرائيلي) والأمريكي من جهة أخرى، بهدف التوصل إلى نقاط توازن تحفظ الأمن وتمنع الانفجار مجددًا.
ثانيًا: الدلالات السياسية والدبلوماسية للنجاح المصري
جاء انعقاد القمة في لحظة إقليمية معقدة، إذ كانت المنطقة على وشك الانزلاق إلى مواجهة مفتوحة بعد تصاعد العمليات في غزة وجنوب لبنان. وفي هذا السياق، برزت القاهرة كصوت العقل والتوازن، حيث استطاعت أن توظّف علاقاتها المتشابكة لتهدئة الأطراف وإعادتهم إلى طاولة الحوار.
من أبرز الدلالات السياسية لما تحقق في شرم الشيخ:
-
عودة مصر إلى موقع القيادة الإقليمية:
لم تكن القاهرة مجرد وسيط تقليدي، بل تحوّلت إلى صانع قرار حقيقي، قادر على جمع الخصوم وتحديد أجندة المفاوضات.
-
تأكيد أهمية الوساطة العربية:
أعادت القمة الاعتبار للدور العربي في حل النزاعات، بعد أن كانت بعض الملفات الإقليمية تُدار من خارج المنطقة.
-
تحييد النفوذ (الإسرائيلي) داخل القاعة:
إذ فُرضت أجندة مصرية واضحة قائمة على وقف النار أولًا ثم التفاوض، ما أضعف محاولات نتنياهو للمماطلة.
-
رسالة قوية إلى واشنطن:
مفادها أن مصر ليست تابعًا سياسيًا، بل شريك استراتيجي يمكنه أن يقول “لا” حين يتعارض الضغط الأمريكي مع الأمن القومي المصري.
ثالثًا: الموقف الأمريكي بين الشراكة والضغط
رغم أن واشنطن شاركت رسميًا عبر حضور الرئيس ترامب، إلا أن الموقف الأمريكي لم يكن موحدًا داخليًا. فقد واجه ترامب ضغوطًا من الكونغرس والإعلام الأمريكي الرافض لأي تنازل لإيران أو الفصائل المسلحة في غزة. ومع ذلك، اختار ترامب المضي في دعم المبادرة المصرية، معتبرًا أن نجاحها “مصلحة أمريكية أيضًا”.
مارست الإدارة الأمريكية ضغطًا مزدوجًا:
على (إسرائيل) للقبول بوقف إطلاق النار وتسهيل إدخال المساعدات.
وعلى مصر لتقديم ضمانات أمنية (لإسرائيل) بشأن منع تهريب السلاح عبر رفح.
لكن القاهرة تعاملت مع هذه الضغوط بمرونة محسوبة، فوافقت على آلية رقابة مشتركة تحت إشراف الأمم المتحدة، دون المساس بسيادتها على الحدود. وبهذا، نجحت في تحويل الضغط الأمريكي إلى شراكة مراقبة بدلًا من وصاية سياسية.
وتشير تقارير صادرة عن معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى (2025) إلى أن “القاهرة تمكنت من الحفاظ على علاقاتها الاستراتيجية مع واشنطن دون التورط في التزامات تضر بمصالحها الأمنية”.
رابعًا: الدور الإسرائيلي ومحاولة استعادة المبادرة
أعقبت القمة تحولات لافتة في الموقف (الإسرائيلي)، حيث اضطر نتنياهو للإعلان عن “قبول الاتفاق احترامًا لجهود الحلفاء”، بعد أن كان يرفض أي تهدئة. غير أن مصادر إعلامية (إسرائيلية) (يديعوت أحرونوت، 10 تشرين الاول 2025) أكدت أن القرار جاء “نتيجة لضغوط أمريكية مباشرة وتفاهمات أمنية مصرية”.
وبذلك، فقدت تل أبيب جزءًا من أوراقها التفاوضية، إذ أصبحت القاهرة هي من يملك زمام التهدئة الميدانية. واعتبرت دوائر سياسية (إسرائيلية) أن “شرم الشيخ” مثّلت تحولًا رمزيًا خطيرًا يعيد مصر إلى صدارة المشهد، ويضعف نفوذ نتنياهو الذي كان يسعى لجرّ المفاوضات إلى نيويورك أو واشنطن.
خامسًا: الإعلام والدبلوماسية العامة كأداة للنفوذ المصري
لم يكن النجاح المصري دبلوماسيًا فقط، بل إعلاميًا أيضًا. فقد سخّرت القاهرة أدواتها الإعلامية لتقديم صورة إنسانية وأخلاقية للمبادرة، ركّزت على حماية المدنيين ووقف نزيف الدم.
نشرت قناة القاهرة الإخبارية تقارير متتالية حول “المفاوض المصري الهادئ”، في حين بثّت وكالة الأنباء الفرنسية تقارير عن “عودة مصر إلى دبلوماسية الريادة”.
كما برز الدور الإعلامي في ضبط الخطاب الشعبي والعربي، بحيث لم يتحول إلى انتصار دعائي بل إلى تعبئة إيجابية لدعم الاستقرار. واعتبر مركز الجزيرة للدراسات (تقرير 11 تشرين الاول 2025) أن الأداء الإعلامي المصري “ساهم في إقناع الرأي العام العربي والعالمي بأن القاهرة تسعى بصدق إلى السلام وليس إلى مكاسب سياسية”.
سادسًا: الموقف الدولي والتحولات الإقليمية بعد القمة
رحّبت الأمم المتحدة بالاتفاق الذي وُقّع في شرم الشيخ، ووصفت الأمين العام أنطونيو غوتيريش الحدث بأنه “خطوة تاريخية تعيد الأمل في (الشرق الأوسط)”. كما أصدرت الاتحاد الأوروبي بيانًا يثمّن “دور مصر الحاسم في تحقيق تهدئة إنسانية شاملة”.
في المقابل، أبدت بعض القوى الإقليمية – مثل إيران وتركيا – تحفظات على مخرجات القمة، معتبرة أن الاتفاق “يخدم أجندة أمريكية”. لكن رد القاهرة كان واضحًا، حين قال وزير الخارجية سامح شكري: “من يريد السلام فليعمل له، ومن يريد المزايدة فلن يوقف قطار الدبلوماسية المصرية”.
وقد انعكست هذه المواقف في تحوّلٍ نوعي في النظرة الدولية لمصر، حيث وصفت صحيفة واشنطن بوست القمة بأنها “إعادة ميلاد للدبلوماسية المصرية التي كانت غائبة لعقد من الزمان”.
سابعًا: التحديات المستقبلية أمام الدور المصري
رغم النجاح، إلا أن التحديات ما زالت قائمة، أبرزها:
-
إمكانية انهيار الهدنة نتيجة خروقات ميدانية متوقعة.
-
ضغوط (إسرائيلية)– أمريكية لاستمرار الرقابة المشددة على المعابر.
-
صعوبة إعادة إعمار غزة في ظل التعقيدات التمويلية والسياسية.
-
محاولات أطراف إقليمية منافسة (تركيا وقطر) للعودة إلى واجهة الوساطة.
لكن القاهرة تبدو واعية لهذه التحديات، وتتحرك ضمن استراتيجية أوسع تشمل تفعيل اللجنة الثلاثية (مصر – الأردن – فرنسا) لمتابعة التنفيذ، إضافة إلى التنسيق المستمر مع السلطة الفلسطينية.
ثامنًا: قراءة تحليلية في التوازن المصري – الأمريكي
تعكس قمة شرم الشيخ معادلة جديدة في العلاقات المصرية – الأمريكية، قوامها الندية المتوازنة. فمصر لم تعد تتلقى الأوامر، بل تقدم المبادرات. والولايات المتحدة، من جانبها، أدركت أن الاستقرار في (الشرق الأوسط) لا يمكن تحقيقه دون القاهرة.
أظهر الخطاب السياسي للرئيس السيسي خلال القمة أن مصر تتحدث “بلغة المصالح المتبادلة”، لا “التبعية”، حين قال:
“نحن نرحب بالتعاون مع أصدقائنا في واشنطن، ولكن السلام في منطقتنا لا يُصنع إلا بأيادٍ عربية”.
هذه العبارة، التي تناقلتها وسائل الإعلام الدولية، جسّدت روح المرحلة الجديدة: دبلوماسية مصرية فاعلة ومستقلة.
الخاتمة
يُظهر تحليل نتائج قمة شرم الشيخ 2025 أن مصر استطاعت أن تتحرك في حقل ألغام سياسي معقّد دون أن تفقد توازنها أو مكانتها. فقد أعادت القاهرة تعريف مفهوم الوساطة، من دور الوسيط السلبي إلى دور الضامن والمبادر. كما برهنت على أن الدبلوماسية يمكن أن تنتصر حين تفشل البنادق.
من خلال إدارة دقيقة للضغوط الأمريكية والمواقف (الإسرائيلية)، أثبتت مصر أن الاستقلال السياسي لا يتناقض مع الشراكة الاستراتيجية، بل يعزّزها.
وأظهرت القمة أن القوة المصرية الحقيقية لا تكمن في السلاح فقط، بل في القدرة على جمع الأضداد حول هدف واحد.
لقد استعاد (الشرق الأوسط) من شرم الشيخ روح كامب ديفيد ولكن بصيغة عربية خالصة، حيث تصدّرت القاهرة المشهد كعاصمة للسلام، ونجحت في إعادة تعريف التوازن الدولي تجاه القضية الفلسطينية.
ويمكن القول ختامًا إن قمة شرم الشيخ لم تكن مجرد اتفاق عابر، بل محطة تأسيسية لمسار جديد من الدبلوماسية الواقعية التي تضع مصلحة الشعوب فوق حسابات القوة.
المصادر
-
وكالة أنباء (الشرق الأوسط) (MENA)، بيان رئاسة الجمهورية المصرية حول نتائج قمة شرم الشيخ، 10 أكتوبر 2025.
-
BBC Arabic، “اتفاق مبدئي لوقف إطلاق النار في غزة برعاية مصرية”، 10 أكتوبر 2025.
-
واشنطن بوست، Egypt Reclaims Regional Leadership After Sharm El-Sheikh Summit, 11 October
-
معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، تقرير: S.-Egypt Partnership in Gaza Mediation, أكتوبر 2025.
-
قناة القاهرة الإخبارية، “شرم الشيخ تجمع العالم من أجل السلام”، 9 أكتوبر 2025.
-
الجزيرة للدراسات، “قراءة في الأداء الإعلامي المصري بعد قمة شرم الشيخ”، 11 أكتوبر 2025.
-
الأمم المتحدة – مكتب المنسق الخاص لعملية السلام في (الشرق الأوسط) (UNSCO)، “بيان حول اتفاق وقف إطلاق النار برعاية مصرية”، أكتوبر 2025.
-
يديعوت أحرونوت، “نتنياهو يوافق على اتفاق شرم الشيخ تحت ضغط أمريكي”، 10 أكتوبر 2025.



