الاكثر قراءةتحليلات و آراءغير مصنف
وسائل التواصل الاجتماعي وأثرها على الانتخابات التشريعية العراقية 2025

بقلم: د. تمارا كاظم الاسدي
الجامعة المستنصرية/ كلية العلوم السياسية
شهد العالم تحولات جوهرية في طبيعة الاتصال السياسي والإعلامي فقد أصبح الانترنت بصورة عامة وشبكات التواصل الاجتماعي، فضاءً عامًا لتبادل الأفكار والتأثير على الرأي العام وصناعة القرارات السياسية، ووفقا لذلك تزايد ادراك الباحثين والناشطين السياسيين لأهمية توظيفها في الحياة السياسية وتعبئة الرأي العام لتحقيق الاهداف المنشودة للأحزاب السياسية وجماعات المصالح والمنظمات المختلفة، وفي العراق ومع اقتراب الانتخابات التشريعية لعام 2025، تبرز أهمية هذه الوسائل بوصفها أداة رئيسية في الحملات الانتخابية، ووسيلة للتأثير في اختيارات الناخبين .
اولاً: وسائل التواصل الاجتماعي كمنصة للتأثير السياسي والإعلام الانتخابي العراقي
عملت الثورة الرقمية على نقل الحملات الانتخابية من الوسائل التقليدية إلى الفضاء الافتراضي، أذ أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي منصات مركزية للمرشحين والأحزاب السياسية العراقية، ولها وهكذا أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي أداة ذات وجهين: إما لتعزيز الديمقراطية، أو لإضعافها إذا لم تُضبط بقوانين وإجراءات واضحة.
التأثير الايجابي
-
توسيع قاعدة المشاركة السياسية وتحفيز المشاركة الانتخابية إذ تسمح وسائل التواصل الاجتماعي للمرشحين بأن يصلوا إلى فئات واسعة من الناخبينمن خلال الحملات التفاعلية، الدعوات للتصويت، وحملات الهاشتاغ عبر المنصات، لذا فإن المشاركة السياسية تزداد عبر النقاشات الإلكترونية.
-
زيادة الوعي السياسي وذلك من خلال نشر البرامج الانتخابية ومناقشة القضايا العامة بشكل مفتوح وسريع.
-
توسيع دائرة التواصل أذ يستطيع المرشحون اليوم الوصول إلى الالف من الناخبين برسالة واحدة، مما من خلال البث المباشر، التعليقات، والردود، مما يوسع قاعدة الجمهور ويعزز الثقة المتبادلة.
-
تعزيز الثقة الجماهيرية باجراءات المفوضية العليا المستقلة للانتخابات وبالأحزاب والمرشحين المشاركين في الانتخابات.
-
تقليل تكاليف الحملات الانتخابية: مقارنة بالحملات والإعلانات التقليدية عبر الصحف، التلفزيون، والملصقات الورقية في الشوارع.
-
تمكين الفئات المهمشة مثل النساء والشباب والناشطين المدنيين، عبر منحهم مساحة للتعبير والنقاش الكترونياً.
-
الشفافية والتفاعل أتاحت وسائل التواصل الاجتماعي للمرشحين سهولة عرض برامجهم الانتخابية بشكل مباشر، وتلقي ردود فعل الناخبين على الخطاب السياسي والاجتماعي لهم والقوائم ومحاولة تصحيح الأخطاء أو نقاط الضعف كما ويمكن الاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحليل ردة الفعل وتحليل البيانات للردود الشعبية ومحاولة تصحيحها بما يتسق مع المصلحة العامة ومقتضيات الحياد والموضوعية في التعامل مع الجميع.
التأثير السلبي:
-
التأثير على ثقة الناخب عندما يدرك أن الحملات الرقمية مليئة بالمبالغات أو التضليل، قد يعزف عن المشاركة.
-
الدعاية السياسية المضللة للأحزاب أو الشخصيات المرشحة والتي تنطوي على معلومات غير دقيقة ومحتوى مزيف قائم على عمادين الأول تسقيط الخصوم ومحاولة الإساءة إليهم بشكل غير مشروع، والثاني محاولة الالتفاف والوصول إلى الناخبين والتأثير فيهم وفي خياراتهم الانتخابية من خلال محتوى صوري وفيديوي معد بشكل احترافي وبدقة مذهلة
-
الاستقطاب السياسي والاجتماعي إذ تؤدي النقاشات الحادة والحملات الرقمية المكثفة إلى تعميق الانقسامات بين المكونات الاجتماعية والسياسية إلى انقسامات داخل المجتمع.
-
توظيف الحسابات الوهمية وانتشار الأخبار الكاذبة والشائعات التي تؤثر على صورة المرشحين وتشوش على الناخب و تأثر على الرأي العام عن طريق خلق حسابات وهمية مماثلة لتلك التابعة للمرشحين والقوائم المتنافسة وتقوم ببث الأكاذيب والإساءة للحملات الانتخابية ما يعكس تنافساً يخلوا من المهنية والروح التنافسية، وهذه الحملات الرقمية من شأنها التأثير سلباً على نسبة المشاركة وبالمحصلة يتجه الناخبون المأدلجون إلى صناديق الانتخابات ويتخلف الوطنيون منهم نتيجة حالة اليأس والإحباط التي تنتابهم نتيجة لتلك الممارسات غير الموضوعية.
-
التلاعب بالخطاب الانتخابي: من خلال الإعلانات الممولة غير الشفافة التي قد تأتي من جهات خارجية محاولة تغيير الحقائق بتقديم برامج انتخابية مثالية معدة بمساعدة تقنيات الذكاء الاصطناعي تحاكي الرغبات الفردية للناخبين واستثمارها في الترويج لوعود انتخابية غير واقعية قائمة بالدرجة الأساس على التدليس الانتخابي.
-
إضعاف النقاش السياسي العقلاني: بتحويل الحملات الانتخابية إلى تنافس بشعارات ومصالح شخصية بدل التركيز على البرامج والسياسات.
-
المال السياسي الرقمي: من خلال الإعلانات الممولة التي قد تفتقر للشفافية حول مصادر تمويله.
وفقا لذلك تطرح تساؤلات مهمة ومنها: هل أن الحكومة العراقية تملك من الأدوات ما يمكنها من الحد من تلك الآثار السلبية؟ وهل في القوانين العراقية ما يمكن ان يتم البناء عليه لمواجهة هذا التحدي؟ هل أن الناخب العراقي مهيأ للتمييز بين المعلومات الصحيحة والمضللة؟ وهل تمتلك وسائل الإعلام العراقي ومنظمات المجتمع المدني المؤهلات اللازمة لمواجهة هذا التحدي الذي يمكن أن تستغله بعض الجهات التي تستهدف العملية الديمقراطية في العراق لتحقيق غاياتها أو إلى أهداف أشد خطر تستهدف التعايش السلمي والأمن الاجتماعي في البلاد.
ثانياً: انعكاس وسائل التواصل الاجتماعي على الانتخابات التشريعية العراقية عام 2025.
مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية المقبلة في العراق يزداد النقاش حول جدوى استخدام وسائل التواصل الاجتماعي كوسيلة للترويج للمرشحين واستقطاب الناخبين، إذ أن وسائل التواصل الاجتماعي لم تعد مجرد منصات للتفاعل، بل أصبحت ساحة رئيسة للانتخابات، وأبرزت كيف أن الحملات الرقمية باتت بديلاً جزئيًا عن الحملات الميدانية التقليدية لاسيما في ظل تراجع ثقة المواطنين بالإعلام الرسمي أو الحزبي، وهذا التغير البنيوي جعل الأحزاب الكبرى وحتى المستقلين، تضخ موارد ضخمة لبناء فرق إعلامية رقمية محترفة، وبذلك تحول التنافس الانتخابي إلى منافسة على الظهور الرقمي لا يقل أهمية عن التنافس على الواقع.
وعلى هذا الاساس نرى أن هذهِ المنصات أصبحت في كثير من دول العالم أداة رئيسة لصناعة الرأي العام وحسم نتائج الانتخابات، مما يجعلنا نصل إلى عدة انعكاسات تتمثل بالأتي:-
-
التأثير على الرأي العام والتوجيه: أصبحت وسائل التواصل تستخدم لتشكيل مواقف الناخبين عبر الرسائل، الصور، الفيديوهات، وأحياناً الأخبار المضللة أو غير الدقيقة، وهذه المنصات تُسهل وصول الرسالة بسرعة وبشكل أوسع.
-
التأثير على نزاهة الانتخابات والمصداقية الديمقراطية: أن استغلال وسائل التواصل الاجتماعي بطريقة سلبية قد يضعف ثقة المواطنين في العملية الانتخابية لاسّيما إذا ظهرت مزاعم شراء أصوات أو التلاعب بالمعلومات.
-
الانعكاسات الاجتماعية والثقافية: أن المجتمع العراقي خاصة الشباب، يعيش انفتاحًا رقميًا متزايدًا، لكن دون منظومة متكاملة لمحو الأمية الإعلامية. هذا الوضع أدى إلى انتشار ثقافة “الترند” أو المواضيع الرائجة التي دفعت المرشحين لتبني شعارات سريعة الانتشار بدل طرح برامج معقّدة، كما أن الحملات السلبية أثرت على العلاقات الاجتماعية بين مكونات المجتمع لاسّيما في مناطق تتسم بحساسية تاريخية أو دينية.
-
الأبعاد الأمنية والسياسية: أن الفضاء الرقمي يوفر للمنظمات والناشطين فرصة لمراقبة الانتخابات والإبلاغ عن الانتهاكات بسرعة، مما زاد الضغط على المفوضية العليا للأخذ بالإجراءات التصحيحية، إلا أن هذهِ الشفافية الجزئية ترافقت مع تحديات أمنية، فبعض الخلافات الإلكترونية انتقلت إلى الشارع، فضلاً عن ذلك أصبحت هناك مخاوف من تدخلات خارجية عبر حملات مموّلة من خارج العراق للتأثير في توجهات الناخبين أو توجيه النقاش العام بما يخدم مصالح إقليمية أو دولية.
وعلى الرغم مما تم ذكره فأن وسائل التواصل الاجتماعي ورغم أهميتها في إيصال الرسائل وتعزيز الحضور الإعلامي، فإن الدراسات الميدانية تؤكد أن تأثيرها لا يتجاوز نسبة محدودة للغاية قد لا تصل إلى ما يقارب الـ(5%) في تحديد خيارات الناخبين تحديداً في المجتمعات الريفية والعشائرية، فالتفاعل مع المحتوى الانتخابي غالبًا ما يقتصر على جمهور المرشح ذاته أو الدوائر المحيطة به من شركاء عمل أو أصحاب مصالح مشتركة، ولهذا فإن الحملات الرقمية، رغم أهميتها في الترويج والمراقبة، لا تزال بعيدة عن أن تكون أداة فعالة في تغيير نتائج الانتخابات من محافظة إلى اخرى.
وهكذا يبدو من خلال هذا التحليل أن مستقبل الحملات الانتخابية في العراق سيظل مرهونًا بالتواصل الميداني والعمل الاجتماعي المباشر أكثر من اعتماده على الترويج الرقمي، فبالرغم أن الإعلام الجديد يمثل مساحة للتعريف بالمرشح وتوثيق نشاطاته، إلا أن دوره في تغيير سلوك الناخبين ما يزال محدودًا، ما لم يصاحبه حضور فعلي في الشارع العراقي وشبكات دعم اجتماعية وحزبية راسخة.
الخلاصة
في الختام يتبين أن الانعكاسات المتناقضة لدور وسائل التواصل الاجتماعي في الانتخابات العراقية 2025 تعكس طبيعة مزدوجة لهذه الأدوات فهي من جهة وسيلة فعالة لتعزيز المشاركة والمساءلة والشفافية، ومن جهة أخرى قد تتحول إلى أداة تضليل واستقطاب وإقصاء إذا غابت التشريعات العادلة والرقابة المجتمعية الواعية، وبالتالي مستقبل التجربة العراقية يتوقف على تطوير أطر قانونية واضحة للتعامل مع الحملات الرقمية، وتعزيز التربية الإعلامية الرقمية لدى الناخبين، وتشجيع استخدام هذه المنصات لتعميق الحوار الديمقراطي بدلًا من تقويضه.



