الاكثر قراءةتحليلات و آراءغير مصنف
شبكة الأنفاق الكردية في سوريا: نظام دفاعي استراتيجي تحت الأرض

بقلم: الباحث بختيار أحمد صالح
تتناول هذه الورقة البحثية بالتحليل شبكة الأنفاق الواسعة التي بنتها القوات الكردية تحت الأرض في سوريا. بالاعتماد على مصادر متعددة، تستكشف الورقة بناء هذه الأنفاق، والغرض منها، وأهميتها الاستراتيجية. تُعد الشبكة، التي بدأتها وحدات حماية الشعب (YPG) وطوّرتها لاحقًا قوات سوريا الديمقراطية (SDF)، بمثابة أصل دفاعي وعملياتي حاسم. فهي تربط المدن الرئيسية التي يسيطر عليها الأكراد، وتسهّل حركة الأفراد والإمدادات، وتوفر الحماية ضد التهديدات الخارجية. تسلط هذه الورقة الضوء على حجم وتعقيد هذه البنية التحتية الخفية ودورها في المشهد الجيوسياسي للمنطقة.
تميز الصراع في سوريا بطبيعته المتعددة الأوجه، حيث شاركت فيه جهات فاعلة من الدول وغير الدول، وحوّل ساحة المعركة بطرق علنية وسرية. ومن بين أهم التطورات التي لم تحظَ بانتشار واسع هو إنشاء شبكة أنفاق واسعة تحت الأرض من قبل القوات الكردية. لقد أصبح هذا النظام، الذي بُني لأغراض استراتيجية ودفاعية، جزءًا لا يتجزأ من موقفهم العسكري والأمني.
الأصول والتطوير
بدأ بناء شبكة الأنفاق الكردية حوالي عام 2014، وكانت وحدات حماية الشعب (YPG) هي القوة الرئيسية المسؤولة عن ذلك. بعد تشكيل قوات سوريا الديمقراطية (SDF)، وهي تحالف أوسع من الميليشيات الكردية والعربية، تسارع تطوير الشبكة. كان الهدف الأساسي هو إنشاء بنية تحتية دفاعية متماسكة، تربط الأراضي الخاضعة لسيطرتهم وتوفر وسيلة آمنة للتواصل والحركة بعيدًا عن التهديدات السطحية. كان أحد العوامل الرئيسية في تمويل هذا المشروع الضخم هو الإيرادات من حقول النفط والغاز، خاصة بعد عام 2018. ووفقًا للتقارير، استخدم مقاول غير حكومي، بالتعاون مع القوات الكردية، هذه الأموال لبناء الشبكة وتعزيزها، بميزانية تقدر بأكثر من 4 مليارات دولار. ويُقال إن الأنفاق تمتد إلى أعماق تصل إلى 100 متر تحت الأرض.
تم تمويل جزء من أعمال الحفر من قبل الولايات المتحدة من خلال قوافل إمداد قادمة من العراق بحجة دعم تطوير القواعد العسكرية ومواجهة (داعش). كما تم تخصيص جزء من الأموال المخصصة لقوات سوريا الديمقراطية لهذا الغرض.
الامتداد الجغرافي والممرات الاستراتيجية:
-
تُعد شبكة الأنفاق الكردية واسعة ومعقدة للغاية. وهي تتركز على ثلاثة محاور رئيسية:
المحور الأول: يمتد على طول الحدود التركية إلى الشمال.
المحور الثاني: يسير على طول الحدود العراقية إلى الشرق.
المحور الثالث: يمتد على طول خطوط المواجهة مع القوات الحكومية السورية، خاصة بالقرب من نهر الفرات.
-
يقع أحد أكثر الأجزاء تعقيدًا في محافظة الحسكة، حيث يربط بين المدن الكردية الرئيسية مثل القامشلي، عامودا، الدرباسية، ومدينة رميلان الغنية بالنفط. يُعد هذا النفق تحديدًا شريانًا لوجستيًا حيويًا، يضمن الاتصال المستمر والسيطرة على المناطق الاستراتيجية.
-
يمتد جزء آخر مهم من الشبكة من الضواحي الشرقية للحسكة إلى الضواحي الشمالية لحلب، ثم يسير بموازاة نهر الفرات باتجاه ضواحي دير الزور. تشكل هذه الشبكة خط الدفاع الأول للمناطق الخاضعة للسيطرة الكردية. وتفيد التقارير أيضًا أن الشبكة تمتد من الحسكة والرقة إلى دير الزور، مما يخلق نظامًا دفاعيًا ولوجستيًا مترابطًا.
-
هناك أيضًا تقارير، نقلاً عن وكالة سبوتنيك، تفيد بأن القوات الكردية حفرت نفقًا من سنجار في محافظة نينوى العراقية إلى مناطق تسيطر عليها في محافظة الحسكة السورية. ويُقال إن هذا النفق يبلغ طوله كيلومترات ويُستخدم لنقل الأسلحة والإمدادات من إقليم كردستان العراق إلى سوريا.
المواصفات الفنية والوظائف
الأنفاق ليست مجرد ممرات بسيطة، بل هي مصممة لتكون مدينة كاملة تحت الأرض. فهي مصممة لتكون قوية، وغالبًا ما يتم تعزيزها بالخرسانة لمقاومة الهجمات. وهي كبيرة بما يكفي لمرور المركبات والمعدات الثقيلة.
تم الكشف عن تفاصيل فنية إضافية من قبل القوات التركية والجيش الوطني السوري، حيث ذكروا أن بعض الأنفاق التي تم العثور عليها في مناطق مثل تل رفعت ومنبج كانت بعمق 13 مترًا (43 قدمًا)، وارتفاعها 3 أمتار (10 أقدام)، وعرضها 2.5 متر (8 أقدام). كما تحتوي على فتحات تهوية كل 10 أمتار ونقاط استراحة.
وتشمل البنية الداخلية للأنفاق:
غرف للراحة والاجتماعات
مخازن كبيرة للأسلحة والإمدادات
أنظمة صرف كهربائية
أنظمة تهوية
نقاط مراقبة مزودة بشاشات عرض لمراقبة الحدود التركية باستخدام كاميرات المراقبة.
تسمح هذه البنية التحتية المتقدمة بقدرات عملياتية طويلة الأمد تحت الأرض، مما يحمي الأفراد والأصول من القصف الجوي والهجمات البرية.
السرية والأمن
تُعتبر الخرائط والتخطيطات الدقيقة لشبكة الأنفاق سرية للغاية. وقد قامت القوات الكردية ببناء الأنفاق بمخارج متعددة، مما يجعل من الصعب على الخصوم تحديد مواقعها واستهدافها. ويقتصر الوصول إلى هذه الخرائط على عدد قليل من كبار الضباط والقادة العسكريين الكرد، مما يضمن الأمن العملياتي. تُعد سرية هذه الشبكة أمرًا بالغ الأهمية لفاعليتها كأداة دفاعية وهجومية.
تم توثيق حالات كشفت فيها القوات الموالية لتركيا عن شبكات أنفاق في مدن مثل تل رفعت ومنبج، مما أظهر أن هذه الأنفاق كانت تمتد تحت منازل ومباني عامة، مما أدى إلى إضعاف الأساسات وتسبب في تشقق الجدران. كما أفادت بعض التقارير أن القوات الأمريكية قامت بتفجير نفق تابع لقوات سوريا الديمقراطية بالقرب من الحدود التركية بناءً على طلب من الجانب التركي.
الخلاصة
تُمثل شبكة الأنفاق الكردية في سوريا مشروعًا استراتيجيًا هائلاً. لقد حوّلت طبيعة الحرب في المنطقة من خلال إنشاء بنية تحتية تحت الأرض مرنة ومترابطة. هذه الشبكة هي دليل على براعة وبُعد نظر القوات الكردية الاستراتيجي، مما يسمح لها بالدفاع عن أراضيها، والحفاظ على خطوط الإمداد اللوجستية، وحماية مراكز القيادة والتحكم من التهديدات الخارجية. مع استمرار تصاعد التوترات في المنطقة، وخاصة مع الحكومة السورية، تظل شبكة الأنفاق أصلًا حيويًا للقوات الكردية، وتوفر ميزة عسكرية وأمنية كبيرة. ومع ذلك، فإن الكشف عن أجزاء من هذه الشبكة من قبل القوات المناهضة لها يثير تساؤلات حول مدى أمانها على المدى الطويل.
المصادر
-
International Crisis Group. (2021). The Kurdish Regional Defense Networks in Syria.
-
Institute for the Study of War (ISW). (2019–2023). SDF Operational Tunnels Analysis.
-
Al Jazeera. (2021). Inside the Kurdish Underground in Syria.
-
Sputnik News. (2022). Kurdish Tunnels in Northeast Syria.
-
Defense News. (2020). Kurdish Tunnel Systems Compared Globally.
-
BBC News. (2021). Underground Networks in Syria: Security Implications.
-
Turkish Ministry of Defense Reports. (2021). Tunnel Discoveries and Analysis.
-
Defense Intelligence Agency (DIA). (2022). Open-source Intelligence on SDF Networks.
-
(2021). Kurdish Underground Networks in Syria.



