الاكثر قراءةتحليلات و آراءغير مصنف
الاتحاد المغاربي: القوة العظمى تحت الرماد

بقلم: الباحث عز الدين قداري الإدريسي / الجزائر
من الواضح بأن العالم يتجه إلى تغيرات جيوستراتيجية كبيرة، وتعدد مراكز الثقل العالمية، فنجد بأن هناك الحاجة لمركز ثقل في إفريقيا والعالم العربي، وإن أكثر مكان لميلاد مركز الثقل هذا هو المغرب الكبير، حيث تعتبر شعوبه الأكثر تجانسا دينيا وثقافيا وعرقيا، فهذا الاتحاد يمكنه أن يصبح حاضرة العالمين العربي والإسلامي وحاضرة القارة الإفريقية.
قيام هذا الاتحاد بشكل جاد سيجعله قوة لا يستهان بها في جميع الجوانب المختلفة، وأغلب القوى ذات التأثير العالمي هي اتحادات اليوم، فالدول المحدودة جغرافيا لا يمكنها المنافسة.
أسباب فشل المشروع سابقا
برزت محاولات إحياء الاتحاد المغاربي وكان أبرزها سنة 1989 م بعد توقيع رؤساء دول الاتحاد على وثيقة ميلاد الاتحاد، إلا أن الاتحاد ظل مجرد مؤسسة شكلية يمكن تسميتها أي شيء غير أنها مؤسسة اتحاد حقيقي، رغم أنه قانونيا قائم بشكل رسمي، ويمكننا تحديد فشل هذا المشروع في نقطتين مهمتين:
-
غياب الرؤية الاستراتيجية لشكل الاتحاد: غالبا عندما يتم الحديث عن الاتحاد يعتقد الكثيرون بأنه سيمس سيادة دول الاتحاد، ولكن هذه الفكرة خاطئة تماما، فالاتحاد هنا لا يعني إلغاء سيادة الدول والتدخل في شؤونها الداخلية، وإنما تكون مؤسسة للتعامل مع التحديات المشتركة وبشكل متفق عليه، ولكن في ذات السياق لا يكون مجرد مؤسسة شكلية وهامشية بلا أي قدرة على اتخاذ القرارات.
-
صراع الصحراء الغربية: أسهم هذا الصراع بشكل حاد في زيادة الانقسام وضعف العمل على تعزيز الاتحاد، فأصبحت لدينا عداوة غير مبررة بين الجزائر والمغرب، استنزفت البلدين معا وأضعفت قدراتهما، وفي اعتقادي أرى أن حل هذه القضية سهل للغاية في حال وجدت الإرادة الكافية لذلك، واعتقد بأن حلها يكمن في قيام الاتحاد نفسه، فيمكن رؤية الأرضية المشتركة للحل بوضوح، فهي ليست القضية المستعصية عن الحل عندما توجد الإرادة الحقيقية.
رؤية الاتحاد
يمكن لهذا الاتحاد أن يولد بشكل متدرج وناضج، ولكن بعيدا عن الأفكار السابقة التقليدية الفاقدة لأي رؤية التي عطلت قيامه بشكل جاد حتى الآن، فإذا كان يجب لهذا الاتحاد أن يقوم فيجب أن يقوم على أساس واضح وقوي، وحتما لن يقوم بإدارة المؤسسة التي تدير الاتحاد الآن، فهذه المؤسسة لا أراها جديرة بهكذا مهمة تاريخية عظيمة، بل يجب إقامة مؤسسة جديدة بأسس جديدة وأفكار جديدة قادرة على تحمل عبئ المرحلة، وإدارة تحديات الاتحاد بكفاءة ورؤية ثاقبة.
البديل عن الاتحاد
البديل عن قيام هذا الاتحاد هو أن تصبح دوله مجرد توابع لمراكز ثقل أخرى، فالتفرقة هي ضعف، ولا يمكن صناعة قوة عظمى من خلال التفرقة وتعزيز الخلافات بين الدول، والأخطر من ذلك هي صدام بين هذه الدول بما لا يخدم أحد.
يمكن أخذ العبرة من دول أوروبا التي كانت بينها حروب عالمية وصراعات دامية ومريرة عبر كل تاريخها، ولكن مع هذا استطاعت إيجاد كيانات للتعاون المشترك، وصنعت نموذجا جيدا في التعاون، وحتما بين شعوب المغرب الكبير لا يوجد ذلك التاريخ من الصراع بل بالعكس لطالما كان شعب المغرب الكبير شعبا واحدا عبر تاريخه.
خلافات شكلية
أحيانا نرى أن هناك خلافات شكلية حول التسمية، لكن لا نرى أن هذا مهم، بل يجب تفادي التسميات الغير متفق عليها، والتي قد تخلق صراعات بلا معنى، فتسميته ب ” اتحاد المغرب العربي ” تعتبر خاطئة، خاصة وأن جزء كبير من مكونات شعوب الاتحاد هي أمازيغية، لهذا عرقيا هو عربي وأمازيغي وليس عربي فقط، وهذا من الأخطاء السابقة أيضا، لهذا يجب أن تكون التسمية جامعة وليست مفرقة، فالاتحاد المغاربي أو اتحاد المغرب الكبير تعتبر منطقة أكثر، وتحقق أقصى نوع من الإجماع وتسد ذرائع الفتنة والتفرقة لاحقا.
مواقف القوى الدولية من الاتحاد
قيام هذا الاتحاد بالشكل الصحيح والرؤية الصحيحة قد يكون في مصلحة الجميع إذا أدير بدهاء وذكاء، فهو لشعوب المنطقة قوة وإزهار، ولدولها استقرار وتعاون، بينما أوروبا سترى فيه الشريك الاقتصادي والأمني، خاصة لما تحتاجه من موارد وتعاون اقتصادي، ومواجهة تحدي الهجرة الغير الشرعية والتغيير الديموغرافي الحاد، بينما باقي الدول الكبرى ستفضل التعاون مع تكتل بدل التعاون مع كل بلد على حدة، لكن من المهم أن ينتهج هذا الاتحاد نهج الحياد من الصراعات الدولية المعقدة، لتحقيق أقصى استفادة من التنافس الدولي بدل أن يكون طرف في هذه الصراعات، باعتباره أمة لا شرقية ولا غربية، وتجمع بين الحضارتين معا.
بل يمكن أن تتنافس الدول العظمى لاستمالة هذا الاتحاد باعتباره كفة راجحة، وهذا ما يمكنه من تحقيق أقصى استفادة من التنافس العالمي بين الشرق والغرب، وخاصة التنافس بين الولايات المتحدة والصين وروسيا والاتحاد الأوروبي.
بوجود الإرادة الحقيقية والرؤية الواضحة والاستراتيجية الدقيقة يمكن قيام هذا الاتحاد، ولكن هذا يحتاج إلى الجدية والنظر في الحلول المبتكرة، وفتح صفحة جديدة في كل ما سبق، عنوانها بناء قوة عظمى يحترمها العالم، والبديل هو البقاء في حالة تبعية وصراع عقيم لا ينتهي، والبقاء في حالة الضعف، وشباب يموت في البحار لأنه لم يعد يرى في أوطانه ملاذا آمنا للعيش، خاصة في الجانب الاقتصادي.
هذا الاتحاد لا يمكن فرضه، فهو اتحاد طوعي، لهذا يحتاج إلى إرادة حقيقية من قادة وشعوب هذه الدول، ودور القادة هنا أكبر باعتبار أن القرار في يدهم.
وأشدد في نهاية المطاف بأن يكون الاتحاد برؤية واضحة، لأن الاتحاد بلا رؤية قد يقتل آخر أمل للاتحاد، وهذا يعتبر أمر تاريخي مهم، فلا نريد تجربة فاشلة ولا نريد مؤسسة ميتة، ولا نريد توجيه استراتيجي عبثي، بل يجب أن يقوم بالشكل الذي يجب أن يقوم عليه، وبالقيمة التاريخية التي يستحقها.



