الاكثر قراءةترجماتغير مصنف
دور التلفزيون في الاستعداد للغزو .. دروس من برنامج تايوان “الهجوم الصفري”

بقلم: إليزابيث براو
كاتبة عمود في مجلة فورين بوليسي وزميلة عليا في المجلس الأطلسي
ترجمة: صفا مهدي عسكر
تحرير: عمار عباس الشاهين
مركز حمورابي للبحوث والدراسات الاستراتيجية
تخيّل ظهور أسطول صيني فجأة في مضيق تايوان مكلف بتفتيش جميع السفن المارة- بما في ذلك تلك التابعة لتايوان، أو تحطم طائرة مقاتلة صينية قبالة سواحل الجزيرة فيحاصر الجيش الصيني المنطقة للبحث عنها، أحد هذه السيناريوهات وقع بالفعل والآخر جزء من مسلسل تلفزيوني جديد في تايوان ومع ذلك يبدو كلا الحدثين واقعيًا.
في مسلسل “الهجوم الصفري” يعلن مذيع الأخبار “دخلت طائرة استطلاع صينية من طراز Y-8 بحر الصين الجنوبي الساعة العاشرة صباحاً وارتطمت بالمحيط الهادئ قبالة الساحل الشرقي لتايوان، باسم البحث والإنقاذ نشرت القوات الصينية البحرية والجوية… تايوان الآن تحت حصار فعلي”، يبدأ البرنامج من هنا ليس فقط لتقديم الترفيه بل لتحذير الجمهور التايواني من التدخلات الصينية الكبيرة، ومع تصاعد التهديدات من الصين وروسيا تصبح مثل هذه الرسائل التوعوية ضرورية للدول المهددة الأخرى أيضًا.
تتطور الأحداث سريعًا عمليات البحث والإنقاذ تتحول إلى حصار شامل للجزيرة سواء في البحر أو الجو، هذا السيناريو يبدو قابلاً للتطبيق نظرًا لأن الصين تمتلك أكبر أسطول بحري في العالم وجيشها الجوي يشهد تحديثات وتوسعات كبيرة، على الرغم من الخطر يواصل التايوانيون حياتهم اليومية لكنهم يواجهون صعوبات شديدة عند ظهور المركبات العسكرية الصينية في الشوارع وانقطاع الإنترنت وانهيار النظام المالي نتيجة توقف المعاملات الإلكترونية وأجهزة الصراف الآلي عن العمل، كما تتبع ذلك هجمات إلكترونية وأعمال تخريبية واسعة.
يقوم الرئيس التايواني المستقيل على وشك تسليم السلطة للرئيس المنتخب حديثًا بتوجيه رسالة للشعب “بدون الحرية، تايوان ليست تايوان”، وفي الوقت نفسه تتواصل الهجمات وتتسع وتتنوع، مسلسل “الهجوم الصفري” حقق نجاحًا كبيرًا فقد شاهد الإعلان الترويجي له 2.5 مليون شخص منذ عرضه في 2 آب ويمتد إلى عشرة حلقات، وبينما قد يُعتبر البرنامج مجرد تلفزيون ممتاز للمشاهدين خارج تايوان بالنسبة للتايوانيين أنفسهم تبدو أحداثه مخيفة وواقعية.
ولا يُعد الحصار السينمائي مجرد خيال بل له جذور واقعية ففي عام 2023، بعد زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي كيفن مكارثي للرئيس التايواني في كاليفورنيا أرسلت بكين أسطول تفتيش إلى مضيق تايوان لتوضيح قدرتها على فرض قيود على مرور نحو 240 سفينة يوميًا، مما يؤدي إلى تعطيل حركة الشحن وعزل تايوان اقتصاديًا.
ولا يقتصر “العدوان الصيني” على أساطيل التفتيش بل يشمل حملات التضليل والتدخل في الانتخابات والهجمات الإلكترونية والحظر المفاجئ على صادرات الغذاء، ومن الأمثلة الشهيرة حملة #FreedomPineapple التي أطلقتها تايوان بعد توقف الصين عن استيراد الأناناس التايواني، كما سجلت عدة حالات لقطع الكابلات البحرية ففي شباط 2023 قطعت سفينتان صينيتان خطين يربطان جزر ماتسو ببقية تايوان، وفي شباط 2024 ضبطت خفر السواحل التايواني سفينة صينية تحاول قطع كابل آخر.
وعلى الرغم من وعي التايوانيين بالمخاطر ترى الحكومة- التي ساهمت وزارتها للثقافة في تمويل المسلسل – أن الجمهور بحاجة إلى تذكير دائم بأن التهديدات تتجاوز الهجمات الإلكترونية وقطع الكابلات، لتشمل احتمالات غزو مباشر أو عمليات تخريبية واسعة النطاق، وقد ساهمت شركة Chunghwa Telecom مالكة الكابلات المتضررة في تمويل المشروع أيضًا، ما يعكس جدية التهديدات التي تواجهها البلاد.
تايوان على خط المواجهة لكن دولًا أخرى يمكن أن تستفيد من مثل هذه البرامج التعليمية الترفيهية إذ تساعد الجمهور على فهم طبيعة التهديدات وتعزيز الوعي بأهمية الاستعداد الوطني، آخر مرة شهد فيها الغرب موجة من أعمال الخيال العسكري كانت قبل الحرب العالمية الأولى عندما حذر الكتاب البريطانيون من تهديد القوات الألمانية لسواحل بريطانيا، وكذلك خلال الحرب الباردة مع أفلام مثل Red Dawn رغم ميلها للسيناريوهات غير الواقعية.
اليوم تواجه الديمقراطيات تهديدات متنوعة الهجمات الإلكترونية وحملات التأثير وقطع الكابلات البحرية والتخريب والتدخل في الانتخابات وتشويش أنظمة GPS واستغلال الهجرة كسلاح وغيرها من الأساليب، ورغم ذلك غالبًا ما تمر هذه الأحداث دون أن يلاحظها الرأي العام، ما يخلق تحديًا للحكومات لإقناع المواطنين بضرورة زيادة ميزانيات الدفاع.
قبل نحو عقد قدمت السلسلة النرويجية Occupied مثالاً مشابهًا للنرويجيين كما يفعل الآن الهجوم الصفري للتايوانيين، حيث تجمع هذه الأعمال بين الدراما المشوّقة والرسائل التوعوية الواقعية مع مشاهد مثيرة، وتنقلات في المدن الشهيرة وعرض لتحديات البنية التحتية والأمن القومي.
قد تبدو هذه السيناريوهات مخيفة أو أقل احتمالًا لكنها تمنح الجمهور فرصة للتفكير والاستعداد، فالمسلسلات التلفزيونية يمكن أن تثقف سكان الدول المعرضة للخطر وتزيد وعيهم بأهمية الدفاع الوطني، ولدي ثقة بأن التلفزيونات السويدية والدنماركية والفنلندية والنرويجية والألمانية والبريطانية ستنجح في تقديم أعمال مماثلة وفعالة على الصعيد التوعوي.
* Elisabeth Braw, Can TV Help Prepare for Invasion? Taiwan’s “Zero Day Attack” sets an example other threatened states can follow, Foreign Policy, August 29, 2025.



