الاكثر قراءةتحليلات و آراءغير مصنف

الهويات الفرعية بين الانتماء الطبيعي والتوظيف السياسي في الحملات الانتخابية

بقلم: د. حيدر جواد الخفاجي

 

الهوية الوطنية الجامعة تمثل الشعور المشترك الذي يوحد أبناء الوطن على اختلاف انتماءاتهم الدينية أو القومية أو المذهبية أو العشائرية، فهي الإطار العام الذي يربط المواطن بدولته ويجعله جزءاً من كيان أوسع وأكبر من أي انتماء فرعي، تقوم هذه الهوية على أساس المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات، وتعكس الولاء للدولة ومؤسساتها ورموزها وتاريخها ومصالحها العليا وعندما تترسخ في وعي الأفراد والمجتمع تصبح مصدراً للقوة والوحدة والتماسك، وتقلل من فرص الانقسام والصراع الداخلي، لأنها تقدم الانتماء للوطن على سائر الانتماءات الأخرى، وتمنح المواطن الشعور بالكرامة والحماية والانتماء، وتدفعه للعمل من أجل الصالح العام، فضلاً عن أنها تعزز صورة الدولة خارجياً ككيان مستقر وقادر على مواجهة التحديات.

في المقابل، نجد الهويات الفرعية وهي الانتماءات الأصغر التي ينتمي إليها الأفراد مثل الدين أو المذهب أو القومية أو العشيرة أو المنطقة، هذه الانتماءات طبيعية في الأصل ولا تتعارض بالضرورة مع الانتماء الوطني، لكنها قد تتحول إلى مصدر توتر وصراع في حال ضعف حضور الهوية الوطنية الجامعة أو قصور الدولة في تمثيل مواطنيها بعدل ومساواة، في مثل هذه الظروف، يلجأ الأفراد إلى التمسك بهوياتهم الفرعية بحثاً عن الحماية أو النفوذ أو لضمان الحقوق، مما يجعل الولاء للعشيرة أو الطائفة أو القومية يبدو أكثر ضماناً من الولاء للدولة، بهذا الشكل يتحول الانتماء الطبيعي من إطار اجتماعي وثقافي يعكس التنوع إلى أداة سياسية تُستغل في الصراع والمنافسة.

ويُعد استغلال الهويات الفرعية وإذكاءها في الحملات الانتخابية من أخطر الممارسات السياسية في المجتمعات التي تفتقر إلى هوية وطنية راسخة، فكثيراً ما يلجأ بعض المرشحين أو الأحزاب إلى العزف على وتر الانتماءات الطائفية أو القومية أو العشائرية من أجل الحصول على أصوات انتخابية مضمونة، بدلاً من التنافس على أساس البرامج والكفاءات، فيُصور المرشح نفسه ممثلاً وحيداً وشرعياً لجماعته أو طائفته، ويُختزل الانتماء الطبيعي في أداة ضغط وابتزاز سياسي.

هذا النهج يؤدي إلى تقسيم المجتمع إلى كتل متناحرة، ويعمّق الشروخ الاجتماعية، ويضعف ثقة المواطن بالدولة، كما يحوّل الانتخابات من فرصة لبناء مشروع وطني جامع إلى ساحة لإعادة إنتاج الانقسامات، وإذكاء الهويات الفرعية في الحملات الانتخابية يفتح المجال أمام الخطاب التحريضي والتشنج، ما يقوّض الاستقرار ويشوّه جوهر العملية الديمقراطية، فبدلاً من أن تكون وسيلة للتنافس على خدمة الوطن، تصبح وسيلة لتوزيع المكاسب الفئوية بين جماعات متصارعة.

أما الحملات الانتخابية الرشيدة، فيفترض أن تقوم على أساس العمل والإنجاز والبرنامج الواقعي القادر على تلبية احتياجات الناس، لا على إثارة الانتماءات الضيقة أو استغلال الهويات الفرعية، فالمعيار الحقيقي لنجاح المرشح ينبغي أن يكون ما يقدمه من خطط عملية وإصلاحات ملموسة، وما يمتلكه من كفاءة ونزاهة، لا ما يحمله من انتماء مذهبي أو عشائري أو قومي، بهذا الشكل تتحول الانتخابات إلى فرصة حقيقية لبناء مشروع وطني جامع، يعزز ثقة المواطن بالدولة ويجعل العملية الديمقراطية وسيلة لتطوير المجتمع وتحقيق الصالح العام.

 

Loader Loading...
EAD Logo Taking too long?

Reload Reload document
| Open Open in new tab

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى