الاكثر قراءةتحليلات و آراءغير مصنف
استعادة الدور: أثر الرسوم الجمركية الأمريكية في تعزيز زخم الحضور الهندي في البريكس

بقلم: حسن فاضل سليم
باحث في مركز حمورابي متخصص في الشؤون الروسية والاوراسية
اعلن الرئيس الامريكي (دونالد ترامب) في اواخر شهر تموز الماضي عن فرض 25% اضافية من التعريفات الجمركية على الصادرات الهندية الى الولايات المتحدة لتصل نسبة الرسوم المفروضة على الهند الى 50%، وذلك بسبب استمرار الهند في شراء النفط الروسي ما يساعد روسيا على الاستمرار في تمويل الحرب الاوكرانية، تحاول هذه المقالة دراسة تأثير الرسوم الجمركية الامريكية على الشراكة الامريكية الهندية وانعكاسات ذلك على سعي الهند لاستعادة دورها التقليدي ضمن مجموعة البريكس في مواجهة النظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة الامريكية.
أولاً: الشراكة الامريكية الهندية في مواجهة البريكس:
كانت السياسة الامريكية في السنوات الماضية تقوم على محاولة جذب الهند وتعزيز العلاقات معها لتعميق الخلافات بينها وبين دول البريكس حيث استغل ترامب في ولايته الاولى ومن بعده بايدن الطابع القومي لرئيس الوزراء الهندي نايندرا مودي في تعميق العلاقات مع الهند ودعمها لتكون قوة استراتيجية موازنة للصين في شرق اسيا، وذلك كان يندرج ضمن سياسة الولايات المتحدة التقليدية القائمة على الاحتواء، وقد اثمرت هذه الشراكة عن خلافات كبيرة بين الهند والصين وبرود كبير في العلاقات بينهما ادى الى حصول حالة من التنافس الاقتصادي الخفي وبعض التوترات الحدودية بين البلدين، حيث تتخوف الهند من مشروع الصين الخاص بالحزام والطريق وتخشى ان يؤدي الى هيمنة اقتصادية صينية على الاقتصاد المحلي في الهند، من خلال اعتماد الصين على الاغراق السلعي لذلك رفضت الهند ان تكون ممرا للمشروع الصيني، بالمقابل سبق للهند ان انضمت الى مجموعة الحوار الامني الرباعي المعروفة ب (QUAD) الى جانب الولايات المتحدة واليابان واستراليا، وهو تحالف لمواجهة النفوذ الصيني ومحاولة احتواءه، حيث حرصت الهند لاسيما في عام 2022 على ان تكون اكثر تأثيراً في هذا التحالف بهدف التصدي لتنامي النفوذ الصيني.
بالمقابل قامت الصين بدعم باكستان الخصم الرئيسي للهند وذلك من خلال الشراكات الاقتصادية والعسكرية الاستراتيجية بين البلدين، حيث قبلت باكستان بمرور مشروع الحزام والطريق على اراضيها وسمحت للصين بالاستثمار في قطاعات النقل الباكستانية وقطاع الموانئ، كما ان التعاون بين باكستان والصين في الجانب العسكري كان كبيرا حيث زودت الصين باكستان باسلحة متطورة شكلت فارقا كبيرا بالنسبة لباكستان في الحرب الاخيرة التي جرت بينها وبين الهند.
وعلى الرغم من ذلك فان الهند تبرر موقفها من الشراكة مع الولايات المتحدة من خلال سياستها المعلنة القائمة على تعدد الانحيازات، حيث تؤمن الهند بانها يجب ان لا تنحاز الى جانب واحد على حساب جانب اخر وان تنوع شراكاتها الاقتصادية مع جميع القوى الدولية.
ثانياً: تداعيات موقف ترامب من البريكس وحربه التجارية على الشراكة مع الهند:
في سياق ما يمكن ان نسميه ب”تمرد ترامب على قيم النظام الدولي القائم” فأنه أعلن منذ وصوله الى السلطة في ولايته الثانية عن سلسلة من قرارات تتعارض تماماً مع قيم النظام الدولي القائم على حرية التجارة والليبرالية الاقتصادية، حيث انه زاد من حدة الحمائية وبات يستخدم التعرفة الجمركية سلاحاً ضد الدول الشريكة للولايات المتحدة والتي يعتقد ترامب انها تستغل الاقتصاد الامريكي من خلال الفارق فيما يسميه الميزان التجاري بينها وبين الولايات المتحدة، كما انه استخدم سلاح التعرفة الجمركية ضد الدول التي تتحالف لمواجهة مكانة الولايات المتحدة في النظام الدولي وعلى رأسها دول البريكس، حيث ان هذا التجمع كان قد تأسس ليؤسس لنظام اقتصادي عالمي بديل عن النظام القائم الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة، لذلك يرى ترامب ان مجموعة البريكس والتي تزداد توسعا وتضم اهم الاقتصادات الصاعدة تشكل تهديداً حقيقياً على مصالح الولايات المتحدة الاقتصادية، لذلك فقد اعلن ترامب ان تجمع البريكس يمثل جماعة ذات “سياسات مناهضة لأميركا” وهدد بفرض رسوم جمركية بنسبة 10% على أي دولة تتحالف مع تلك السياسات المناهضة للولايات المتحدة حيث اكد انه لن تكون هناك استثناءات لهذه السياسة.
وقد كانت قمة البريكس التي عقدت في ريو دي جانيرو في تموز 2025 قد انتقدت في بيانها السياسة الحمائية التي تتبعها الولايات المتحدة من خلال فرض الرسوم الجمركية على التجارة العالمية كما ادانت الضربات (الاسرائيلية) على ايران التي هي احد اعضاء التجمع، وهو ما اغضب ترامب ودفعه لتوجيه انتقادات لبيان القمة.
ونتيجة لرؤية ترامب حول دول البريكس ودورها المناهض للولايات المتحدة فقد بدأ حملة من السياسات الاقتصادية والتدخلات السياسية للضغط على تلك الدول من بينها فرض تعرفة جمركية على البرازيل بنسبة 50% والتدخل في شؤونها الداخلية في قضية محاكمة الرئيس البرازيلي السابق حيث قام بفرض عقوبات على القاضي البرازيلي المشرف على القضية، كما عارض ترامب وشركات التكنولوجيا الكبرى محاولات البرازيل تنظيم الاتصالات الرقمية، خاصة فيما يتعلق بقرار حظر منصة “إكس” (X) المملوكة لإيلون ماسك.
وقد تزامنت اجراءات ترامب هذه ضد البرازيل مع اجراءات مماثلة ضد الهند حيث رفع التعرفة الجمركية على الصادرات الهندية بنسبة 50% بحجة ان الهند مستمرة بشراء النفط الروسي ما اثار غضب النخب السياسية والحكومية الهندية، مما مما أدى إلى تلاقي وتوحيد في المصالح بشكل أكبر بين الهند والبرازيل لاسيما وان البلدين مستهدفان بذات السياسات الامريكية، حيث دفعت هذه التعريفات كل من الهند والبرازيل الى الاتفاق على تعزيز قدرات الجنوب العالمي في مواجهة الولايات المتحدة من خلال زيادة حجم الشراكة الاقتصادية بين البلدين من 12 مليار دولار سنويا الى 20 مليار دولار سنويا بحلول عام 2030 وذلك حسب اتفاق بين رئيس الوزراء الهندي (نايندرا مودي) والرئيس البرازيلي (لولا داسيلفا)، كما ان الهند وفي خطوة مفاجئة تشكل رداً على التعرفة الجمركية الامريكية قامت باجراء المحادثات مع الصين بشأن استئناف التجارة الحدودية بين البلدين بعد توقف دام حوالي 5 سنوات، كما يعتزم رئيس الوزراء الهندي (نايندرا مودي) زيارة الصين ولقاء الرئيس الصيني (شي جينبينغ) في بكين، مما يعني ان التعريفات الجمركية الامريكية دفعت الهند لاعادة التفكير في سياساتها السابقة بالابتعاد التدريجي عن بكين والعمل على تصحيحها .
أما بالنسبة لروسيا فقد وجهت الهند دعوة للرئيس الروسي (فلاديمير بوتين) لزيارة نيودلهي في وقت لاحق من العام، كما اعلنت الهند عزمها زيادة وارداتها من النفط الروسي على الرغم من العقوبات الامريكية وذلك لان تلك الواردات ضرورية لادارة التضخم المالي لعملتها المحلية وتوفير الطاقة للاستهلاك المحلي باسعار معقولة، كما اعلنت الهند ان علاقتها مع روسيا “راسخة وذات قيمة ذاتية”.
بالتالي فأن لا مبالاة ترامب بأهمية الهند بالنسبة للاستراتيجية الامريكية في جنوب اسيا قد منحت الصين (فرصة ذهبية) لتعزيز دورها في المنطقة، كما ان التقارب الهندي- الصيني بالاضافة الى العلاقات الراسخة بين الهند وروسيا يشكل اكبر تهديد للجهود الامريكية في احتواء الصين وروسيا ومنع صعودهما كقوى رافضة للنظام الدولي الراهن.
إن سبب فرض التعرفة الجمركية على الهند لم يكن فقط بسبب دور الهند ضمن مجموعة البريكس التي يعتبرها ترامب مناهضة للولايات المتحدة ولم يكن ايضا بسبب شراء النفط الروسي، بل كان يهدف الى الضغط على روسيا في قطاع الطاقة لتقليل واردات روسيا من الطاقة التي تمول من خلالها الحرب في اوكرانيا، كخطوة استراتيجية لاجبار بوتين على تقديم بعض التنازلات في مفاوضات تسوية الحرب الاوكرانية، ففرض هذه التعرفة تزامن مع مشادة كلامية بين ترامب والرئيس الروسي السابق ديمتري مدفيدف والتهديدات المتبادلة بينهما ومنح ترامب لروسيا مهلة 10 ايام للقبول بالمقترحات الامريكية حول التسوية الاوكرانية، كما ان هذه العقوبات اعقبها باسبوع تقريبا قمة كبرى بين الرئيس الروسي (فلاديمير بوتين) والرئيس الامريكي (دونالد ترامب) في مقاطعة الاسكا الامريكية لتسوية الحرب الاوكرانية، مما يشير الى ان العلاقات مع روسيا ليست لوحدها السبب الرئيسي للضغوط الامريكية على الهند بل انها شكلت اداة من ادوات الضغط غير المباشرة على روسيا قبل مفاوضات التسوية الاوكرانية، فسعي ترامب للحصول على جائزة نوبل للسلام لا يتحقق حسب اعتقاده الا بانهاء اصعب حربين وهي الحرب الروسية الاوكرانية والحرب (الاسرائيلية) على غزة، لذلك فهو يحاول ان يضغط على اطراف هذه الصراعات بوسائل مختلفة حتى لو كانت غير مباشرة من اجل تحقيق هدفه الرئيسي.
الا ان هذه الاساليب التي يتبعها يمكن ان تعود بنتائج عكسية على مصالح الولايات المتحدة من خلال خسارتها لشركاءها الدوليين لاسيما بعد الابتعاد الاوروبي عن واشنطن نتيجة لسياسة الرسوم الجمركية والتخلي عن الالتزامات الدفاعية في الناتو، يأتي بعدها دور الهند كشريك اساسي لواشنطن في جنوب آسيا فأن التخلي الامريكي عنها سيرمي بها في صفوف خصوم الولايات المتحدة وهذا ما بات يحصل فعلا من خلال مساعي الهند لتجديد دورها داخل مجموعة البريكس التي من بين اهدافها انهاء هيمنة الدولار كعملة تبادل تجاري عالمية واستبداله بعملة جديدة، حيث تعمل الهند داخل البريكس على تعزيز التفاهمات بين دول المجموعة لتنسيق التبادلات التجارية بالعملات المحلية بدلاً من الدولار لتسهيل حركة التجارة والتقليل قدر الامكان من الاضرار التي تسببت بها الرسوم الجمركية الامريكية على حركة التجارة العالمية وعلى التجارة الخارجية الهندية على وجه الخصوص.
الخاتمة
يمكن القول ان التعريفات الجمركية التي فرضتها ادارة ترامب على الهند لم تشكل مجرد محاولة من ترامب لمعاقبة الهند على شراء النفط الروسي بل ايضا للضغط على روسيا باسلوب غير مباشر بغية تقديم تنازلات في التسوية الاوكرانية، لاسيما وان إدارة ترامب باتت مشغولة بالتسوية الاوكرانية والتي من خلال تحققها يستطيع ترامب ان يثبت لناخبيه صدق وعوده في الحملة الانتخابية بانهاء هذه الحرب التي بدأها الديمقراطيين حسب وصفه، كما انه يسعى لتحقيق حلمه بالحصول على جائزة نوبل للسلام، لذلك فأنه يمارس اشد انواع الضغط على الطرفين بغية القبول باي شروط قد تبدو مقبولة (على الاقل من وجهة نظره) لتحقيق التسوية وانهاء النزاع، لذلك كانت الهند ضحية من ضحايا سياسات ترامب واداة من ادوات الضغط، وقد دفعتها هذه السياسات لمحاولة تجديد دورها داخل مجموعة البريكس من خلال التعاون مع البرازيل وتوثيق العلاقات معها وكذلك تحسين وترميم العلاقات مع الصين والتأكيد على متانة العلاقات مع روسيا، كما انها نتيجة لكل ذلك قد تعمل على الانفتاح على اطراف اخرى معادية او معارضة للسياسات الامريكية، بغية الانفتاح على اسواق جديدة والبحث عن فرص اقتصادية بديلة تعوض بها السوق الامريكية، كما ان هذه الرسوم الجمركية وضعت الشراكة الهندية- الامريكية موضع اختبار حقيقي، قد يجبر الهند على التخلي عن حيادها الاستراتيجي والانحياز الكامل للاطراف المناوئة للنظام العالمي الاحادي القطبية، مما يعني خسارة الولايات المتحدة شريكها الاستراتيجي المهم في جنوب اسيا.
المصادر:
1- عبد الحافظ الصاوي، بعد فرض ترامب رسوما عقابية.. هل الهند في ورطة اقتصادية؟، موقع الجزيرة نت، 15/8/2025، متوفر على الرابط:
https://www.aljazeera.net/ebusiness/2025/8/15/us-india-economic-relations-tariff
2- حسين عبد الفتاح، التصعيد بين أميركا والهند.. من الرسوم إلى تحالفات مع الخصوم، موقع اقتصاد الشرق، 12/8/2025، متوفر على الرابط: https://asharq.co/zavd7
3- رسوم ترامب تضع الشراكة الأميركية– الهندية تحت الاختبار، موقع سكاي نيوز عربية، 14/8/ 2025، متوفر على الرابط: https://www.snabusiness.com/article/1813759
4- محمد مكرم بلعاوي، كيف توظف واشنطن تحالف كواد لمواجهة الصين؟، موقع الجزيرة نت، 5/10/2024، متوفر على الرابط: https://aja.ws/vj1ea9
-5Happymon Jacob, The Shocking Rift Between India and the United States Can Progress in the Partnership Survive Trump?, Foreign Affairs Magazine, 14.8.2025, at URL:
https://www.foreignaffairs.com/india/shocking-rift-between-india-and-united-states
-6Chinese Foreign Minister to Visit India from 18-20 August, Sputnik India , 16.8.2025 6at URL: https://sputniknews.in/20250816/chinese-foreign-minister-to-visit-india-from-18-20-august-9609477.html
-7Donald Trump threatens ‘un-American’ BRICS countries with 10 percent tariff, Al Jazeera English, 7.7.2025, at URL: https://aje.io/cpbdd1
Marco Antonio Rocha, India-Brazil Compact: A Guidelight for the Global South?, -8 Observer Research Foundation (ORF) , 13.8.2025, at URL:
https://www.orfonline.org/expert-speak/india-brazil-compact-a-guidelight-for-the-global-south



