الاكثر قراءةترجماتغير مصنف

سياسة (إسرائيل) تجاه الدروز انتقائية الأختيار للقادة وتأثيراتها السلبية

بقلم: أحمد شراوي

ترجمة: صفا مهدي عسكر/ مركز حمورابي للبحوث والدراسات الإستراتيجية

تحرير: د. عمار عباس الشاهين/ مركز حمورابي للبحوث والدراسات الاستراتيجية

 

 

” نعمل على إنقاذ إخواننا الدروز” هكذا أعلن رئيس وزراء (إسرائيل)** بنيامين نتنياهو في 16 تموز خلال استهداف (إسرائيل) لمقر القيادة العسكرية السورية في دمشق، جاءت تصريحات نتنياهو في ظل تدخل (إسرائيلي) ضمن صراع معقد على السلطة بين قبائل بدوية عربية سنية وميليشيات درزية وقوات النظام السوري، في سياق شهدت فيه المنطقة أعمال عنف مروعة راح ضحيتها مئات المدنيين الدروز.

في شرح مواقفهم قدم المسؤولون (الإسرائيليون) الطائفة الدرزية في سوريا ككتلة موحدة ترفض سيطرة الدولة وتعارض الاندماج في النظام السوري، إلا أن الواقع يعكس صورة أكثر تعقيدًا فالمجتمع الدرزي يتوجس من صعود أحمد الشرع وتأثير الفصائل الإسلامية في حكومته الجديدة، لكن القادة الدروز اتخذوا مواقف مختلفة حيال دمشق فبعضهم يتجه إلى نهج تصالحي، في حين يرفض آخرون أي خضوع لسلطة الدولة. في نهاية المطاف يتطلب الوصول إلى تسوية سلمية ومستدامة لتقاسم السلطة توافقًا بين دمشق والمجتمع الدرزي، ويمكن للضغوط الأميركية و(الإسرائيلية) أن تساهم في تحقيق ذلك شريطة أن تُمارس بشكل بنّاء، عبر دعم القادة الدروز الذين يرون مستقبلًا في سوريا، بدلاً من تعميق الانقسامات عبر الانحياز إلى فصيل معين.

يُقدّر عدد الدروز في سوريا بحوالي 700 ألف نسمة أي نحو 3% من إجمالي السكان، يتركز معظمهم في محافظة السويداء جنوب غرب سوريا قرب الحدود مع (إسرائيل) مع وجود تجمعات أصغر في إدلب والقنيطرة وريف دمشق، ونظرًا لصغر أعدادهم سعوا دومًا لتجنب التعرض للاضطهاد من النظام الحاكم. اليوم يشعر الدروز بقلق حقيقي بشأن مستقبلهم تحت حكم القيادة السورية الجديدة، يخشى الكثيرون من أن يفرض الشرع نظامًا أمنيًا قمعيًا مستندًا إلى مبادئ إسلامية، مما قد يؤدي إلى تهميش الطائفة وحرمانها من الحماية الدستورية لهويتها الدينية والثقافية.

هذه المخاوف ليست بلا أساس فبعد تولي الشرع السلطة دمج 18 ميليشيا في الجيش السوري الجديد الذي يهيمن عليه السنّة، كما أصدر إعلانًا دستوريًا مركزًا للسلطة في يده يمنحه صلاحيات واسعة في تعيين النواب والتحكم في القضاء والعمل دون أي رقابة، مما أدى إلى تهميش الدروز وأقليات أخرى لم تُستشر أو يُعترف بها من قبل دمشق.

عانى الدروز خلال الحرب السورية من توترات مع الجماعات الإسلامية ولا سيما مع جبهة النصرة التي كانت سابقًا فصيلًا تابعًا للشرع، بلغ التوتر ذروته عام 2015 عندما أطلق مقاتلو النصرة النار على متظاهرين دروز في قرية قلب لوزة بإدلب ما أسفر عن مقتل عشرين درزيًا على الأقل، ورغم مطالبات الدروز بمحاكمة المسؤولين لم تقدم الجماعة أي أحد للمحاسبة مما عمّق شعور المجتمع بالخوف وعدم الثقة في الحكومة الجديدة.

مع ذلك تختلف مستويات الثقة في النظام الجديد بين الفصائل الدرزية ما يؤثر على مدى تعاونهم مع الدولة، ورغم أن الدروز في سوريا يجمعهم شعور قوي بالانتماء إلا أن قيادتهم ذات طابع روحي بدلاً من هيكل تنظيمي رسمي مثل الدروز في لبنان حيث يمثلهم الحزب التقدمي الاشتراكي وشخصيات بارزة كوليد جنبلاط، وتتركز الزعامة الروحية السورية في ثلاث شخصيات بارزة من السويداء الشيوخ حمود الحناوي ويوسف جربوع وحكمت الهجري الذين يمارسون تأثيرًا كبيرًا على القرارات الروحية والسياسية للطائفة.

يمثل القادة الثلاثة أجندات متباينة داخل المجتمع الدرزي في سوريا، بدأ الانقسام بينهم عام 2012 عندما قاد حكمت الهجري الدروز من قريته قنوات، بينما قاد كل من حمود الحناوي ويوسف جربوع المجتمع من عين الزمان. تباينت مواقف القادة الثلاثة بشكل ملحوظ على الصعيد السياسي فجربوع يتبنى نهجًا عمليًا ومنفتحًا على التفاوض مع الدولة السورية الجديدة والسعي نحو الاندماج والحناوي يتبنى موقفًا مشابهًا معارضًا الانقسامات الداخلية ومركزًا على إخضاع كافة التسلحات لسيطرة الدولة، في المقابل يُعد الهجري المعارض الأكثر صراحة وحزمًا لحكم الشرع وكان أول من رفض بشكل قاطع سيطرة الحكومة السورية على السويداء، في نيسان أدان الهجري الحكومة الجديدة بشدة واصفًا إياها بـ “جماعات إرهابية” معتبرًا أن سيطرتها على دمشق غير مقبولة على المستويين الداخلي والدولي وموصِفًا إياها بأنها “مجموعة متطرفة مطلوبة للعدالة الدولية”، بالمقابل أكد الحناوي شرعية الشرع كرئيس لسوريا معبّرًا عن استعداده “للتعاون معه من أجل الوطن” بينما أعرب جربوع عن مواقف مماثلة تجاه الحكومة مُظهِرًا موقفًا أكثر تصالحية. إلى جانب الحكومة السورية الجديدة أصبحت (إسرائيل) أيضًا محور خلاف بين القادة الثلاثة، فقد دعا الهجري مرارًا إلى “تدخل دولي” لحل الأزمة في جنوب سوريا حتى أنه أيد صراحة تدخل (إسرائيل) للحفاظ على حكمه المحلي في السويداء ما من شأنه أيضًا أن يعطل أي محاولة للحكومة السورية لتمركز سلطتها في المنطقة، أما الحناوي وجربوع فقد اعتبرا قضاياهما مع دمشق داخلية بحتة ورفضا التدخل الأجنبي.

تتفاوت أيضًا مواقف السكان تجاه (إسرائيل)، ففي السويداء على سبيل المثال قام السكان بنزع وحرق علم (إسرائيلي) عُرض في ساحة عامة من قبل مجهولين، وبعد أن تعهد نتنياهو في شباط بالدفاع عن الدروز في سوريا بدأ فصيل مرتبط بالهجري يُدفع باتجاه تقارب مع (إسرائيل) رغم أن الهجري نفسه نأى بنفسه عن هذه المبادرة، ويضم هذا الفصيل المعروف باسم مجلس السويداء العسكري ضباطًا سابقين في نظام بشار الأسد.

طوال سنوات الحرب الأهلية دعم الهجري النظام السوري وشكّل ميليشيا محلية بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية العسكرية للنظام، كما استضاف وحاور جماعات مدعومة من إيران  إلا أن الهجري بدأ في انتقاد النظام السوري خلال السنوات الأخيرة من الحرب، بعد أن أساء إليه مدير المخابرات العسكرية في السويداء لؤي العلي في مكالمة هاتفية عام 2021.

رغم أن مجلس السويداء العسكري نفى في البداية تلقي دعم (إسرائيلي) إلا أن الوقائع على الأرض عكست خلاف ذلك، ففي 15 تموز أعلن الجيش السوري نيته دخول السويداء بعد يومين من اشتباكات بين ميليشيات درزية وقبائل بدوية عربية سنية حيث أبدى جربوع والحناوي قبولهما بدخول القوات الحكومية بينما رفض الهجري ذلك، على الفور شنت (إسرائيل) حملة جوية مكثفة ضد القوات السورية المتجهة إلى السويداء في إشارة إلى تنسيق وثيق بين الهجري و(إسرائيل).

لم تنته الخلافات بين القادة الدروز عند هذا الحد، فقد وافقت الحكومة السورية في 16 تموز على اتفاق لوقف إطلاق النار مع جربوع والحناوي لكن الهجري رفضه مهددًا بالاستمرار في القتال لطرد قوات الشرع من السويداء، وأكد جربوع أن “غالبية أبناء السويداء يتطلعون إلى استعادة الاستقرار” مشددًا على أن “الاندماج تحت سلطة الدولة فقط هو الذي يجلب الأمن والاستقرار”، في حين أعلن الهجري أن “كل من يخالف موقفنا سيُحاسب”. تبلورت الاشتباكات بين قوات الشرع والميليشيات التابعة للهجري في وقف إطلاق نار جديد في 16 تموز وقع عليه مجلس السويداء العسكري والحكومة السورية ونص على انسحاب القوات الحكومية من السويداء، إلا أن الاتفاق انهار في اليوم التالي حيث شنت الميليشيات المرتبطة بالهجري حملة ضد البدو في السويداء حيث أُحرق عدد من المنازل وتم احتجاز العديد من السكان كرهائن، دفع ذلك قبائل البدو في مختلف أنحاء سوريا إلى التعبئة والقيام بانتهاكات ضد الدروز في السويداء، رداً على هذه الاشتباكات عادت القوات الحكومية إلى المحافظة لكنها امتثلت لمطلب الهجري بعدم دخول مدينة السويداء، انتهت الاشتباكات باتفاق في 19 تموز سمح للقوات الحكومية باستعادة البدو المحتجزين مقابل انسحاب المقاتلين البدويين من المحافظة.

تشكّل الأزمة في السويداء أكبر تحدٍ تواجهه الحكومة السورية الجديدة منذ استلامها السلطة في كانون الاول الماضي، ويتطلب حل هذه الأزمة من جميع الأطراف العمل بمسؤولية وبناء أكثر مما كان عليه الحال حتى الآن.

أولًا: ينبغي لحكومة الشرع الانخراط مع القادة الدروز الذين أبدوا انفتاحًا نحو الاندماج مثل جربوع والحناوي والعمل على تلبية مخاوفهم، على المدى القصير يجب على الحكومة إنشاء مؤسسات في السويداء لتقديم الخدمات الأساسية للسكان، كما أن تأمين الطريق السريع بين دمشق والسويداء الذي تحول إلى موقع للاغتيالات والجرائم منذ انهيار نظام الأسد يمكن أن يعزز الثقة لدى المجتمع الدرزي، ويجب على الحكومة أيضًا الاعتراف بالحساسيات المحلية لا سيما المخاوف المتعلقة بالعناصر الإسلامية ضمن الأجهزة الأمنية، ومن السبل العملية لتحقيق ذلك تطوير آلية لدمج أفراد من المجتمع الدرزي في قوات الشرطة الوطنية.

على المدى الطويل يتوجب على الحكومة السورية محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات بحق الدروز، ففي 22 تموز أعلنت اللجنة التي تحقق في الجرائم المرتكبة ضد العلويين في اذار أنها سلمت أسماء 298 مشتبهًا بهم من بينهم أفراد في القوات المسلحة السورية إلى المحاكم لإجراء مزيد من التحقيقات، والكرة الآن في ملعب الشرع وسط مراقبة دولية لمدى استعداده لمحاسبة المتورطين من داخل صفوفه، إلى جانب المحاسبة هناك حاجة إلى عملية سياسية متماسكة تسمح لكل مكونات المجتمع السوري بالمشاركة في الحكم مع احترام كامل لهوياتهم الثقافية والدينية.

لقد أظهرت (إسرائيل) للحكومة السورية استعدادها لاستخدام الوسائل العسكرية للدفاع عن المجتمع الدرزي في سوريا، وفي الوقت نفسه أوضح الشرع أنه لا يسعى إلى مواجهة مفتوحة مع (إسرائيل) مفضلًا مصلحة السوريين على “الفوضى والدمار”، ويشكل هذا أرضية مناسبة للتوصل إلى اتفاق عبر القنوات الخلفية والمحادثات الأمنية التي جرت منذ ايار الماضي، فإذا استطاع الشرع تقديم ضمانات جدية بتحسين أوضاع الدروز يمكن لنتنياهو أن يعلن نجاحه وينهي الضربات الجوية مستجيبًا بذلك لمطلب الشرع. تصر (إسرائيل) على أنها تعمل من أجل حماية الأقلية الدرزية لكنها مطالبة بالحذر في اختيار حلفائها، فالهجري لا يمثل كل الطائفة الدرزية والتعامل معه كأنه كذلك قد ينعكس بنتائج عكسية، إذ إن تورط (إسرائيل) في صراع نفوذ داخل المجتمع الدرزي السوري سيكون في النهاية ضارًا للدروز وضارًا لسوريا وضارًا (لإسرائيل).

في الوقت ذاته أعرب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن رغبته في استقرار سوريا عبر رفع العقوبات عنها، غير أن الولايات المتحدة مطالبة أيضًا بممارسة ضغط على الشرع لإثبات قدرته على كسب ثقة المجموعات الإثنية والدينية في سوريا وأن يكون زعيمًا يحمي مصالحهم ويضمن أمنهم، وتأتي خطوة المحاسبة على مقاتلين متورطين في جرائم ضد كل من المجتمعين العلوي والدرزي كخطوة حاسمة في بناء هذه الثقة، وعلى واشنطن أن توضح للشرع أن أي تخفيف إضافي للعقوبات مرهون بجهوده في وقف الإفلات من العقاب داخل صفوف قواته.

 

* Ahmad Sharawi, The Risks of Israel’s Druze Policy, FOREIGN POLICY, July 24, 2025.

**  لمقتضيات الأمانة العلمية، وضرورات الترجمة الدقيقة، تم الإبقاء على كلمة (إسرائيل)، وهو لا يعني اعتراف المركز بها، وما هو مكتوب يمثل راي وأفكار المؤلف.

 

Loader Loading...
EAD Logo Taking too long?

Reload Reload document
| Open Open in new tab

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى