الاكثر قراءةترجماتغير مصنف
اعتراف موسكو بطالبان سينقلب عليها: الاعتراف بقادة متطرفين في أفغانستان يعزز التطرف

بقلم: نيلوفر ساخي/ عضو هيئة تدريس في كلية إليوت للشؤون الدولية جامعة جورج واشنطن
ترجمة: صفا مهدي عسكر/ مركز حمورابي للبحوث والدراسات الإستراتيجية
تحرير: د. عمار عباس الشاهين/ باحث في مركز حمورابي للبحوث والدراسات الاستراتيجية
بعد مرور ما يقرب من أربع سنوات على استعادة حركة طالبان السيطرة على أفغانستان قامت موسكو رسميًا باعترافها بنظام طالبان كحكومة شرعية لأفغانستان وهو قرار لاقى ترحيبًا من الصين، ويُعد قرار موسكو بمثابة دعوة للدول الأخرى في المنطقة من الصين إلى الهند وإيران لأن تحذو حذوها في الاعتراف بطالبان، إلا أن هذا القرار قد ينقلب في النهاية ضد روسيا نفسها.
بينما يركز الغرب مخاوفه تجاه طالبان على قضايا مثل حقوق النساء والانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان فإن جيران أفغانستان الاستبداديين لديهم أولويات مختلفة، إذ تُعلي روسيا والصين وإيران من شأن مصالحها الأمنية على حساب دفع الإصلاحات الداخلية في البلاد، فشغلها الشاغل هو منع انتشار العنف والتطرف والإرهاب وتدفقات اللاجئين عبر حدودها وهي تحديات تراها أكثر إلحاحًا من التأثير على البنية السياسية الأفغانية وإعادة تشكيل حكمها، وعلى الرغم من إدراكها لروابط طالبان مع الجماعات المسلحة الإقليمية والتهديدات المحتملة الناجمة عنها إلا أنها ترى في الاعتراف بحكومة طالبان وسيلة لضبط هذه التهديدات.
وتؤكد التصريحات الأخيرة لقادة المنطقة هذا المنظور، فقد أكدت وزارة الخارجية الروسية على التعاون مع طالبان في مجالات النقل والطاقة والبنية التحتية، وهي أهداف تركز على تأمين المصالح الأمنية والاقتصادية لروسيا، وبالمثل تجنبت وزارة الخارجية الصينية انتقاد طالبان أو سياساتها تجاه النساء، مبرزةً التركيز على إعادة الإعمار والاستقرار الإقليمي.
بالنسبة لروسيا يمثل اعترافها بطالبان خطوة استراتيجية لتعزيز نفوذها في آسيا الوسطى والتصدي للغرب والتحالف مع قوى مثل الصين وإيران، وتأمل موسكو في أن يشجع هذا القرار التنسيق الأعمق مع بكين وطهران في قضايا الأمن الإقليمي وتنمية البنية التحتية، ويجمع الثلاثة مصالح مشتركة تتمثل في إبقاء الغرب بعيدًا عن أفغانستان ومنع التهديدات المتطرفة من دخول أراضيهم. استراتيجيًا يعزز هذا التوجه تكتلًا مناهضًا للغرب يتحدى الهيمنة الأمريكية ويدعم الاستقلال الإقليمي، ويبني هياكل سياسية واقتصادية بديلة خارج النظام العالمي الذي تقوده الدول الغربية.
غير أن هذا الاعتراف يثير تساؤلات بشأن مدى خدمة روسيا لمصالحها الحقيقية، أولًا: من خلال تأييد حكومة معروفة بانتهاكاتها الجسيمة لحقوق الإنسان والقمع المنهجي لحقوق النساء تخاطر روسيا بربط نفسها بنفس تلك الانتهاكات، صحيح أن روسيا ليست معروفة باحترامها لحقوق الإنسان لكن قمع طالبان متميز في طبيعته وحجمه، فلا تزال أفغانستان تحت حكم طالبان البلد الوحيد في العالم الذي يمنع الفتيات والنساء بشكل قاطع من الالتحاق بالتعليم الثانوي والجامعي كما تُحظر النساء من معظم الوظائف خاصة في القطاع العام والمنظمات غير الحكومية ويُستبعدن كليًا من السياسة، وحتى الدول في الجنوب العالمي التي قد تتسامح مع الاستبداد الروسي قد تنفر من دعم موسكو لسلوك متراجع بهذا الحجم.
الأهم من ذلك، أن الاعتراف بطالبان من غير المرجح أن يُسهم في مكافحة الإرهاب، فالافتراض بأن الانخراط الدبلوماسي مع طالبان سيؤدي إلى الأمن الإقليمي لم يتحقق على أرض الواقع. فمنذ استيلاء طالبان على السلطة تعززت حركة الجهاد عبر الحدود في المنطقة ولم تضعف، ففي ظل حالة الاضطراب هذه تمكنت ولاية خراسان التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية (ISKP) من إعادة التجمع وزيادة تجنيد العناصر والتوسع العملياتي ليس فقط في أفغانستان بل عبر المنطقة مع ظهور أدلة على تنسيق في أوزبكستان وطاجيكستان وإيران وروسيا، وقد نفذت ISKP العديد من الهجمات الدامية التي استهدفت المدنيين والسفارات الأجنبية والأقليات في أفغانستان وتواصل توسيع نفوذها خارج الحدود الأفغانية، وعلى الروس مراجعة هجوم قاعة الحفلات الموسيقية في موسكو في اذار 2024 كدليل إضافي.
علاوة على ذلك يشكل هذا التهديد جزءًا من شبكة أوسع من الحركات المسلحة في جنوب ووسط آسيا، ورغم محاولات بعض الفصائل تصوير طالبان كشريك محتمل لمكافحة الإرهاب الا ان الروابط المستمرة لطالبان مع جماعات مثل حركة طالبان باكستان وجماعة أنصار الله والحركة الإسلامية الأوزبكية ولا سيما القاعدة تنفي ذلك، حيث تتعاون هذه الجماعات في التجنيد وتبادل الموارد والتدريب واللوجستيات عبر الحدود الوطنية.
تبقى طالبان رغم ادعائها كونها حركة وطنية مندمجة عميقًا في هذه الشبكات الجهادية العابرة للحدود، ولطالما كانت مرتبطة بجماعات مثل القاعدة وقد وفرت ملاذات آمنة للمقاتلين من مختلف أنحاء المنطقة، ومن خلال تقديم الحماية وفشلها في مكافحة العناصر المتطرفة أصبحت طالبان تمكّن انتشار الإرهاب بدلًا من منعه. في هذا السياق يُشكّل اعتراف موسكو بحكومة طالبان سابقة خطيرة في آسيا الوسطى وما بعدها، فمن المرجح أن يشجع ذلك الجماعات المتطرفة الأخرى التي تسعى إلى الوصول إلى السلطة بالعنف، مظهرًا أن هذه الطريقة قد تؤدي إلى شرعية سياسية.
علاوة على ذلك تظل شرعية طالبان المحلية هشة مما يجعلها رهانًا أكثر غموضًا بالنسبة لموسكو، إذ أضعفت الحوكمة الضعيفة وتدهور الاقتصاد والقمع المنهجي للنساء وفشل النظام في إعادة دمج العائدين الى المجتمع من مصداقية طالبان داخليًا، ساهمت هذه العوامل جميعها في تنامي السخط الشعبي.
ورغم ندرة الاحتجاجات العلنية الواسعة بسبب القمع الشديد لطالبان يلاحظ جليًا تصاعد الغضب الشعبي في مختلف أنحاء البلاد، يعبر العديد من الأفغان بصراحة عن استيائهم من عجز النظام عن توفير الضروريات الأساسية مثل الدواء والغذاء والأمن الاقتصادي، كما شهدت عدة محافظات مظاهرات تقودها نساء يطالبن بحق العمل والتعليم.
تسلط هذه التصرفات الضوء على الفجوة بين النظام والسكان الذين يسعى إلى حكمهم، ويخلق عدم الاستقرار الداخلي الممتد أرضًا خصبة لتوسع الجماعات المسلحة وزيادة تجنيد العناصر محليًا وتعميق زعزعة الاستقرار في المنطقة، وسيدرك الروس هذا الأثر مع مرور الوقت لا سيما إذا نظر إليهم على أنهم الراعي الدبلوماسي لطالبان.
قد يخدم اعتراف روسيا بطالبان مصالحها قصيرة المدى لكنه يحمل مخاطر طويلة الأمد كبيرة، إذ قد يفاقم هذا القرار حالة عدم الاستقرار الإقليمي في آسيا الوسطى عبر تشجيع الحركات الإسلامية المتطرفة وزيادة التهديد الذي تشكله الجماعات المسلحة مثل ISKP، وبينما ترى موسكو في هذا الاعتراف وسيلة لتعزيز النفوذ وحماية مصالحها الاقتصادية، فإن إضفاء الشرعية على نظام مرتبط بالفوضى والاضطرابات الإقليمية سيُثبت في النهاية أنه خطأ استراتيجي جسيم.
* Nilofar Sakhi, Moscow’s Recognition of the Taliban Will Backfire Recognizing Afghanistan’s extremist leaders will fuel radicalism, FOREIGN POLICY, July 18, 2025.



