الاكثر قراءةتحليلات و آراء
العشائر والتحولات القادمة: صعود جديد الى التأثير الإقليمي

بقلم: الباحث نوار عبد الرزاق الحسن الثامر
في ظل التغيرات الجيوسياسية، والاضطرابات الاقليمية، والتحولات الدولية، وفي ظل تراجع الادوار المركزية لبعض دول العالم العربي والاسلامي، ظهر كيان مجتمعي كان له عظيم الاثر، وكان في قلب كثير من الاحداث السياسية والاجتماعية، العشائر. لقد شهد العقدين الماضيين اشارات واضحة لظهور الدور العشائري، ليس فقط في المحيط المجتمعي، بل ايضًا في الحسابات الاقليمية، واخيرًا ضمن مشاريع كبرى تسعى الى اعادة تشكيل الخارطة الاقليمية من بوابة الهُوية والوحدة المشتركة.
العشائر بين الجذور والدور المجتمعي
منذ قرون، شكلت العشائر عصب المجتمعات في المشرق والمغرب، اذ ان العشائر تمثل المكون الاكبر في مجتمعاتنا العربية، ولها وظائف قامت بها تجاوزت الانتماء العرقي والقبلي والوطني، ليشمل الآمن، الوساطة، الدفاع، وحل المشاكل والنزاعات الكبيرة، وتثبيت القيم الاجتماعية والدينية في بعض الاحيان، ومع صعود الدول الحديثة القُطرية، تم اضعاف هذا الدور لحساب الدولة المركزية، مما ادى الى انحسار نفوذها، لكن هذا التراجع او الانحسار لم يلغي العشائر، بل اخفاءها مؤقتًا، لتعود تدريجيًا عند اي فراغ سياسي وآمني، لتلعب دورًا محوريًا ومهمًا.
التحولات الراهنة: الفراغ يعيد تشكيل الاحداث
غالبًا ما تسبب الحروب والصراعات تصدعًا في بنيان الدول، وتخلق اضطرابات بحيث تصبح الامور خارج السيطرة المركزية، كما حصل في العراق وسوريا وليبيا واليمن والسودان، فكانت العشائر هي البديل الطبيعي، فحافظت العشائر بدورها على الحد الادنى للآمن والاستقرار، ودعت في كثير من البلدان الى تفعيل شبكات التضامن الاجتماعي، وشكلت احيانًا سلطة عشائرية بديلة لسلطة الدولة لضبط الاوضاع المجتمعية ولنشر السلم الاهلي.
العشائر ومشاريع النفوذ الاقليمي
من الملاحظ في الفترة الاخيرة هو لجوء الكثير من القوى المحلية والاقليمية الى العشائر؛ وذلك لدعم مشاريعها السياسية. فتركيا، على سبيل المثال، بدأت تخاطب العشائر العربية وتدعمها في القضايا المشتركة، كما حصل في الشمال السوري، وتوثق علاقتها من اجل رؤية مستقبلية كما في العراق، وذلك في سياق مشروع عالم اسلامي أكثر تماسكًا ووحدةً.
ولكن هذا التوجه يحمل بُعدين:
-
ايجابي: يتمثل في اعادة تمكين القوى الاكبر في المجتمعات، وربطها بمشروع جامع يتجاوز الدول القُطرية، وما انتجته من فرقة وتشتت.
-
سلبي: يتمثل في خطر التوظيف السياسي الوقتي واستغلال العشائر، فقد ينتهي بصراعات ونزاعات عشائرية نفسها او مع الدول.
هل يمكن للعشائر ان تكون حاضنة لمشروع الوحدة الاسلامية؟
رغم ما قد يبدو تناقضًا بين “الانتماء القبلي” و “الهُوية الاسلامية” الا ان هناك احتمالات كبيرة وحقيقية لدمج العشائر في بوتقة مشروع حضاري موحد وشامل، بشرط ان تتجاوز العشائر بعض التحديات، منها:
-
النزعة القبلية الضيقة
-
الصراعات التاريخية بين بعض العشائر
-
التوظيف الطائفي والاستغلال العشائري المرحلي
فيمكن للعشيرة ان تكون قاعدة انطلاق حقيقية لتماسك مجتمعي، وتلاحم اقليمي، شريطة ربطها بمنظومة قيمية، ومشروع حقيقي شامل، يهدف الى مصلحة جميع الامة.
ما مستقبل العشائر في السنوات القادمة؟
هناك ثلاثة احتمالات رئيسية:
-
التأثير المتنامي: بحيث تتحول العشائر الى مكون فعّال في اي مشاريع للوحدة والاصلاح؛ وذلك عبر التعليم والتدريب والانفتاح على باقي القوى المجتمعية الاخرى.
-
التوظيف المؤقت: ان تُستغل العشائر لأهداف اقليمية ضيقة ثم تُهمش مجددًا، ما يُعيد انتاج كثير من التوترات والاضطرابات.
-
الفوضى القبلية: في حال غياب الرؤية والمشروع، قد تنجر العشائر الى صدامات داخلية وانقسامات خارجية مبنية جميعها على النفوذ.



