الاكثر قراءةترجماتغير مصنف

فشل بريطانيا في استعادة علاقتها بأوروبا تحت حكومة ستارمر

بقلم: جون كامبلنر/ مؤلف كتاب لماذا الألمان يفعلونها بشكل أفضل ملاحظات من دولة ناضجة

ترجمة: صفا مهدي عسكر/ مركز حمورابي للبحوث والدراسات الاستراتيجية

تحرير: د. عمار عباس الشاهين/ باحث في مركز حمورابي للبحوث والدراسات الاستراتيجية

تجاوزت مراسم الاستقبال والموكب الملكي المفتوح والاحتفاء الرسمي في ضوء شمس ويندسور لتُسجل زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الرسمية إلى المملكة المتحدة كحدث يُطلق عليه إعلاميًا “قمة الاستسلام” لرئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، حسبما ورد في صحيفة الديلي تلغراف الصحيفة المحافظة التي لطالما اتسمت بالتوازن لكنها انحرفت مؤخرًا نحو الخطاب المعادي لأوروبا متماشية مع نهج الإعلام البريطاني السائد تجاه القارة، لو أُبلغ ستارمر بهذا العنوان لربما اكتفى بهز كتفيه مع تقدير محدود للجناس اللفظي دون اعتبار آخر.

يشكل الخطاب المعادي لأوروبا نمطًا متكررًا داخل المملكة المتحدة خاصة بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، ويتصاعد هذا الاتجاه بشكل واضح لدى شريحة سياسية ذات تأثير لا يستهان به، تعتبر أي محاولة للتقارب مع باريس أو برلين أو مؤسسات بروكسل بمثابة التفريط في السيادة الوطنية، بغض النظر عن مبررات السياسات الاقتصادية أو الاستراتيجية. رغم ذلك، يواصل ستارمر مضيه في مساعيه بعزيمة وتصميم، فلا أهمية لما يصدر عنه من تصريحات أو مواقف سواء عبر التفاوض على اتفاقيات ثنائية أو متعددة الأطراف في مجالات مثل الهجرة والتعاون العلمي إذ سيظل عرضة لاتهامات التخلي عن السيادة الوطنية، ولهذا السبب يتقدم “إعادة ضبط” العلاقات البريطانية الأوروبية التي طال انتظارها بشكل متواضع وبطيء.

خلال زيارة ماكرون كان التركيز الإعلامي والسياسي البريطاني محصورًا في قضية “القوارب الصغيرة” التي تقل طالبي اللجوء عبر القناة الإنجليزية، وهي القضية التي جذبت الانتباه بدايةً خلال أزمة اللاجئين في 2015-2016، والتي ساهمت جزئيًا في تصويت البريكست ورغم أن أعداد هؤلاء القادمين تشكل نسبة ضئيلة من مجموع المهاجرين، فإن هذه القضية تُعتبر أزمة وطنية لدى كثيرين.

لذا كان من الضروري بالنسبة لستارمر التوصل إلى اتفاق بأي صيغة كانت ليثبت قدرته على تحقيق تنازلات فرنسية، وقد تم الاتفاق على مبدأ “واحد في مقابل واحد” الذي يسمح للمملكة المتحدة بقبول طالب لجوء وإعادة آخر إلى فرنسا، لكن الخطة التي تضع هدفًا أوليًا لإعادة 50 شخصًا أسبوعيًا وُصفت بأنها خطوة رمزية ولا تكفي.

في الأيام القادمة سيزور المستشار الألماني فريدريش ميرز المملكة المتحدة في زيارة عمل مهمة تُعد الأولى له منذ توليه المنصب في أيار، ومن المتوقع أن يتم خلالها توقيع معاهدة تعاون شاملة بين لندن وبرلين تحاكي معاهدات لانكستر بين بريطانيا وفرنسا في 2010، والتي جاءت بعد نصف قرن على معاهدة الإليزيه الفرنسية – الألمانية.

تشمل هذه الاتفاقية إجراءات مشتركة لمكافحة الهجرة غير الشرعية وتعزيز التعاون في مجالات البحث والابتكار إلى جانب إطلاق برنامج تبادل شبابي لتعزيز التواصل الثقافي، في محاولة للتخفيف من المخاوف البريطانية تجاه أي شكل من أشكال إعادة حرية التنقل بصورة غير رسمية،

وفي الذكرى السنوية الأولى لانتخاب ستارمر في 4 تموز 2024، واجه انتقادات حادة بشأن أدائه الداخلي خاصة في ملف إصلاحات الرفاه الاجتماعي حيث تراجع أمام ضغوط نواب حزبه الرافضين لخفض الإنفاق، بالإضافة إلى تذبذب الأوضاع الاقتصادية وغياب استراتيجية مالية واضحة لتحسين الأوضاع.

على الصعيد السياسي لا يواجه ستارمر تهديدًا رئيسيًا من المحافظين التقليديين فحسب بل يواجه تحديًا متزايدًا من حزب “الإصلاح البريطاني” اليميني المتطرف بقيادة نايجل فاراج الذي يتصدر استطلاعات الرأي، وتواجه القيادات الأوروبية الثلاثة تحديات داخلية حادة فميرز رغم بدايته الجديدة يواجه انتقادات في حزبه حول التنازلات المقدمة لشركاء الائتلاف الاجتماعي الديمقراطي إلى جانب خطة الإنفاق الدفاعي والبنية التحتية الطموحة، أما ماكرون فيظل محاطًا بالأزمات المتلاحقة ويواجه جميع القادة ضغوطًا من التيارات اليمينية المتطرفة. يُفسر هذا جزئيًا تركيز هؤلاء القادة على الشؤون الدولية حيث يتفقون حول التهديدات التي تواجه أوكرانيا، الحاجة إلى زيادة الإنفاق الدفاعي وعدم القدرة على التنبؤ بسياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي يتأرجح في مواقفه تجاه روسيا وحلف شمال الأطلسي و(الشرق الأوسط).

على المدى البعيد يُقر هؤلاء القادة بضرورة تعزيز القدرات الدفاعية الأوروبية واعتمادها على الذات، مع هدف واضح يتمثل في تمديد الوجود الأمريكي في أوروبا لأطول فترة ممكنة وتعزيز التنسيق المشترك، وهم يسعون لإحياء الشراكة الثلاثية (E3) التي تركز على الدفاع والأمن حيث يمكن لبريطانيا أن تلعب دورًا محوريًا وهو ما تم إحراز تقدم ملموس فيه.

وكان العنصر الأبرز في قمة ماكرون وستارمر خلافًا لما أُثير من ضجيج حول ملف الهجرة هو سلسلة القرارات المتعلقة بالتعاون الدفاعي والأمني، إذ وقع البلدان إعلانًا لتحديث التعاون في هذا المجال يتضمن بندًا غير رسمي للمساعدة المتبادلة في حال تعرض أي من البلدين لتهديد، ما يماثل إلى حد كبير المادة الخامسة في معاهدة الناتو التي تنص على أن أي اعتداء على أحد الأعضاء يُعتبر اعتداءً على الجميع. كما التزم الطرفان بتنسيق أنظمة الردع النووي من خلال لجنة توجيهية مشتركة مع الحفاظ على الاستقلال التشغيلي لكل بلد، وأُطلق على هذا التعاون تسمية “الاتفاق الصناعي” حيث تعهدا بتحسين تنسيق مشتريات الأسلحة، وتطوير صاروخ كروز جديد ليحل محل صاروخ العاصفة سكالب فضلاً عن التعاون في ابتكار نظم متقدمة لمكافحة الطائرات بدون طيار.

ومن المتوقع استمرار هذا النسق في الزيارة المرتقبة لميرز إلى لندن حيث يعكف المستشار الألماني على رفع الإنفاق الدفاعي إلى 3.5٪ من الناتج المحلي الإجمالي للمعدات العسكرية و1.5٪ إضافية للبنية التحتية الحيوية مع تعزيز دور ألمانيا كلاعب أمني فاعل وواثق، وقد تميز ميرز بتصريحاته الصريحة حيال الحرب الروسية على أوكرانيا مؤكداً التزام ألمانيا بالتقارب مع بريطانيا متجاوزًا التداعيات السلبية لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بتدريج ومع تراجع الدور الأمريكي يعيد ستارمر إرساء مكانة بريطانيا في قلب أوروبا رغم أنه لا يتوقع تقديرًا أو اعترافًا داخليًا على هذا الجهد.

* John Kampfner, Britain Is Failing to Become European Again, FOREIGN POLICY, July 15, 2025.

Loader Loading...
EAD Logo Taking too long?

Reload Reload document
| Open Open in new tab

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى