الاكثر قراءةتحليلات و آراءغير مصنف
الطائفة الدرزية في السويداء بين الهوية والسلطة
صراع محلي في مرآة إقليمية

بقلم: الباحثة مريم عبد الكريم
تشهد سوريا منذ أكثر من عقد في قلب دوامة من النزاعات والصراعات الداخلية والإقليمية والدولية، ومع تراجع حدّة الحرب العسكرية المباشرة في بعض المناطق، بدأت تظهر خطوط تصدع اجتماعية وسياسية جديدة، تعكس تحولات في الولاءات والهويات والسياسات المحلية، من بين أبرز هذه الملفات الحساسة يبرز وضع الطائفة الدرزية، وخصوصًا في محافظة السويداء، حيث تتقاطع مصالح ومخاوف ثلاث جهات: المجتمع الدرزي المحلي، الحكومة السورية، والاحتلال “الإسرائيلي” للجولان السوري.
التوترات الأخيرة فتحت الباب لتحليل أعمق حول طبيعة هذا الصراع، جذوره، وتداعياته المحتملة.
من هم الدروز؟ البحث في أصلهم ونشأتهم التاريخية، و سماتهم؟
الدروز هم طائفة دينية توحيدية نشأت في بدايات القرن الحادي عشر الميلادي خلال فترة حكم الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله في مصر، تعود أصول العقيدة الدرزية إلى المذهب الإسماعيلي، لكنها تبلورت لتشكل ديانة مستقلة ذات معتقدات خاصة بها، تركز على التوحيد الخالص لله، والعقل كأداة لفهم وأدراك الحقيقة، والولاء للقيادة الروحية.
ينتشر الدروز اليوم بشكل رئيسي في سوريا لآسيما في (جبل السويداء و جبل العرب) و في مناطق جبلية وعرة مختلفة كجبل لبنان، وفلسطين ( الجولان ) وإلى جانب ذلك توجد مجتمعات صغيرة في الأردن.
أصل لفظة “الدروز” يعود إلى اسم أحد الدعاة الاوائل في بدايات الدعوة التوحيدية في ظل الدولة الفاطمية، وهو “محمد بن إسماعيل الدرزي”.
كانت أسهامات الدرزي من أوائل الذين شاركوا في نشر العقيدة الدرزية، لكنه انحرف عن تعاليمها فرفضهُ الدروز واعتبروه ضالاً ومُضلّاً، على الرغم من انحرافه عن الاتجاه إلا انه اشتهر بأسمه بين الناس في القاهرة لآسيما عند خصوم الطائفة الدرزية، فصار يُطلق عليهم لفظة “الدرزية” نسبةً إلى اول من دعا إلى هذه الطائفة.
الهوية الدرزية: سمات دينية واجتماعية وسياسية:
السمات الدينية
-
التوحيد الخالص: يؤمنون الدروز بوحدانية الله المطلقة وينكرون التجسيم او التشبيه.
-
طابع السرية العقائدية: لا يكشفون تعاليمهم الدينية إلا لـ”العقلاء” وهم نخبة خاصة.
-
الانحصار العقائدي: لا يقبلون بانضمام معتنقين جدد بعقيدتهم، الانتماء ومحصور ومغلق منذُ القرن ١١م.
السمات الاجتماعية
-
التلاحم المجتمعي: تربط الدروز روابط اجتماعية متينة وتضامن بين أفراد الطائفة الدرزية.
-
الاحترام للقيادات الروحية: كبار “العقلاء” لهم احترام وتأثير واسع وكبير.
-
التحلي بالفضائل: كالصدق، الوفاء، الشجاعة، ضبط النفس.
السمات السياسية
-
الاستقلالية والقيادة والتأثير المحلي: تتمتع الدروز عبر التاريخ بقيادات محلية قوية منتشرة، خاصة في الجبال، مثل (آل معن وآل جنبلاط) في لبنان، (وآل الأطرش) في سوريا، مما منحهم نوعًا من الاستقلالية والحكم الذاتي والقدرة على اتخاذ قرارات سياسية مستقلة ذات تأثير واضح.
-
الحضور الفاعل في العمل السياسي: يشارك الدروز في العملية السياسية بصورة فاعلة لآسيما في لبنان حيث يمتلكون تمثيل نيابي ووزاري، فضلاً عن دورهم في التوازنات الطائفية والسياسية.
-
الدفاع عن الهوية الدرزية: عُرفَ الدروز ببسالتهم العسكرية، وشاركوا في معارك كبرى مثل الثورة السورية الكبرى (1925)، فضلاً عن انتهاجهم سياسة الحذر من تجزأة الطائفة والحفاظ على وجودهم من التفكك والانقسام.
الطائفة الدرزية والسياق المحلي في السويداء:
تتركز الطائفة الدرزية بنسبة كبيرة في محافظة (السويداء) في سوريا، و تعيش وضع يتمازج فيه التعقيد السياسي_الاجتماعي، و بعد سنوات من الحرب السورية، دخلت السويداء طور جديد من التوتر بعد تصعيد المواجهات بين فصائل درزية و قوة تابعة للحكومة و العشائر المجاورة، و قد أفصحت الطائفة عن رفضها لهيمنة الحكومة الجديدة و طالبت بإصلاحات حقيقية تحفظ طائفتهم و أمنهم، و تحاول قيادات الدروز و على رأسهم الزعيم “حكمت الهجري”، و لعبَ دور الوسيط بين الدولة و المجتمع المحلي، و الوضع الراهن في السويداء يتسم بمزيج من الصراع و المطالبة بالحفاظ على الهوية الدرزية.
من جهة تنظر الحكومة السورية إلى ما يحدث في السويداء بقلق بالغ، إذ تعتبر أي تحرك سياسي مستقل يشكل تهديداً للوحدة الجغرافية السياسية ولسلطة الدولة، لذلك تبنت السلطة نهجًا مزدوجًا يتضمن: تهديدات أمنية وتحركات عسكرية محدودة من جهة، ومناورات تفاوضية ومحاولات اختراق للقيادات المحلية من جهة أخرى، ومع ذلك، فشلت الحكومة حتى الآن في فرض سيطرة حقيقية أو في تهدئة الاحتجاجات دون تصعيد إضافي.
الخطورة الحقيقية بالنسبة للنظام لا تتعلق فقط بالبعد المحلي فحسب، وانما أيضاً بإمكانية أن تستثمر أطراف إقليمية ولاسيما (إسرائيل) هذه التوترات لصالحها، وهو ما يفسر الحذر البالغ في التعامل مع الوضع هناك.
(إسرائيل) والموقع الرمادي:
أما “إسرائيل”، فتمسك بملف الدروز السوريين بحساسية مزدوجة، فمن جهة تسعى لتوظيف الأزمة في السويداء كأداة لإضعاف النظام السوري وإحراجه إقليمياً أو حتى خلق منطقة عازلة في الجنوب السوري مشابهة لتجربتها السابقة في جنوب لبنان، ومن جهة أخرى تحرص على عدم الانخراط المباشر في دعم المعارضة الدرزية كي لا تُتهم باستغلال الطائفة كأن تقف موقف المعتدي لآسيما في ظل وجود دروز داخل “إسرائيل” يخدمون في الجيش “الإسرائيلي”.
وقد ظهرت تقارير متفرقة عن اتصالات غير مباشرة بين شخصيات درزية في الخارج (خاصة من دروز الجولان أو المهجر) وبين جهات “إسرائيلية”، إلا أن معظم القيادات الدينية في السويداء ما زالت ترفض أي تقارب معلن مع “إسرائيل”، وتصر على أن مطالبها (داخلية ومدنية وسياسية) مسألة بقائهم ووجودهم في المنطقة، وليست ذات بعد انفصالي أو خارجي.
ان الوضع في السويداء هو جزء من المشهد السوري العام المتصدع، لكنه يحمل في طياته خصوصية شديدة بسبب الطبيعة الطائفية والموقع الجغرافي والامتدادات الإقليمية، الحكومة السورية تواجه أزمة شرعية في السويداء يصعب معالجتها بالقوة دون خسائر سياسية وأمنية، فيما تحاول إسرائيل الاستفادة من هذا الاضطراب دون التورط بشكل مباشر، أما الدروز، فهم أمام مفترق طرق حاسم: إما الحفاظ على استقلاليتهم السياسية ضمن الإطار الوطني، أو الانجرار نحو مسارات خارجية محفوفة بالمخاطر.
السناريوهات المحتملة:
-
استمرار التوتر المدني: من المرجح استمرار الاحتجاجات والمطالب السياسية في السويداء، خصوصًا إذا لم تُقدم الحكومة السورية تنازلات جوهرية.
-
تجديد مواجهة عسكرية محدودة: لا يُستبعد حصول تصعيد أمني محدود إذا حاول النظام فرض سيطرة أمنية بالقوة.
-
مناورات إقليمية: قد تسعى “إسرائيل” لتكثيف اتصالاتها غير المباشرة ومحاولات التأثير، دون تجاوز الخط الأحمر للتدخل العلني (دعم بشكل غير مباشر).
-
تدويل تدريجي للملف: في حال فشلت الحلول الداخلية، قد يتحول الملف إلى قضية ذات طابع دولي، تُطرح في المحافل السياسية والإعلامية، وهو ما قد يفتح بابٍ أمام وساطات إقليمية أو دولية.
-
في المجمل، تظل السويداء مرآة لعجز النظام عن اتباع نموذج حكم مقبول محلياً، ولتعقيد العلاقة بين الهويات الطائفية والسيادة الوطنية في مرحلة ما بعد الحرب السورية.



