الاكثر قراءةتحليلات و آراءغير مصنف
التصدع الأطلسي
تحولات الأيديولوجيا والأمن والاقتصاد في إعادة تعريف العلاقة بين أوروبا الغربية والولايات المتحدة في ولاية دونالد ترامب الثانية

بقلم: حسن فاضل سليم/ باحث في مركز حمورابي للدراسات والبحوث الاستراتيجية
مقدمة:
تُعدّ العلاقات بين دول أوروبا الغربية من جهة، والولايات المتحدة وكندا من جهة أخرى، من أعمق وأوثق الروابط الدولية، إذ تستند إلى مجموعة من القيم والمصالح المشتركة التي توحّد ضفتي المحيط الأطلسي، بدءًا من الالتزام السياسي بالليبرالية والديمقراطية، مرورًا بالتعاون الأمني ضمن منظومة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وصولًا إلى التشابك الاقتصادي والتجاري العابر للقارات.
غير أنّ هذه الروابط، بكل ما تحمله من تاريخ وشراكة استراتيجية، تعرّضت لهزة عميقة منذ وصول دونالد ترامب إلى الحكم في ولايته الأولى، حيث انتهج سياسات انفصالية وقومية تتعارض مع مرتكزات التحالف الغربي التقليدي. وعلى الرغم من الجهود التي بذلتها إدارة بايدن لاحقًا لترميم ما أفسدته تلك السياسات، فإن عودة ترامب إلى السلطة في ولايته الثانية أعادت القطيعة إلى الواجهة، ووضعت القادة الأوروبيين أمام واقع استراتيجي معقّد يصعب التكيّف معه أو تجاوزه.
تهدف هذه المقالة إلى رصد حجم التصدع الذي أصاب العلاقات عبر الأطلسي في السنوات الأخيرة، وتحليل مآلاتها المحتملة خلال السنوات الثلاث القادمة من ولاية ترامب، واستشراف مستقبل الشراكة بين الطرفين في ظل الانزياح المستمر عن القيم والمصالح المشتركة التي طالما جمعتهم.
أولاً: الليبرالية كقيمة اساسية مشتركة عبر ضفتي الاطلسي:
لا يمكن تحليل سبب الروابط العميقة بين الولايات المتحدة ودول اوروبا دون الرجوع الى الاساس الايديولوجي المشترك بين الطرفين، وهي الليبرالية كقيمة اساسية تفسر سبب هذا الارتباط وتوثيقه في كافة المجالات، فالقيم الليبرالية المشتركة مثل انظمة الحكم الديمقراطية واقتصاد السوق الحر، كانت عاملاً حاسما في هذه العلاقات وفي اقامة تحالف عسكري عبر الاطلسي عرف بحلف شمال الاطلسي (الناتو).
ويعد مبدأ السلام الديمقراطي والذي نظر له المفكرون الاوروبيون امثال (جورج سورنسن)، هو النتيجة لتبني اوروبا والولايات المتحدة القيم الليبرالية والديمقراطية المشتركة حيث يفترض هذا المبدأ ان الدول التي تتبنى القيم الديمقراطية كاساس لنظم حكمها لن تتحارب فيما بينها وانها ستحل خلافاتها بالطرق السلمية عبر الدبلوماسية واللجوء الى المنظمات الدولية، لكن هذا الواقع كله تغير مع وصول دونالد ترامب الى السلطة في الولايات المتحدة لاسيما في ولايته الثانية، حيث يعد ترامب من اشد اعداء القيم الليبرالية التي شكلت نظام العولمة والتي تعد الرابط الاساس للعلاقات عبر الاطلسي وما يسمى بالسلام الديمقراطي، فقد اسس لشعار وحركة قومية امريكية تدعو الى الانعزالية والتفرد الامريكي تعرف ب(امريكا اولاً) او (اجعل امريكا عظيمة مرة اخرى) (MAGA) حتى تحولت لتيار شعبي داخل الولايات المتحدة يدعو الى مقاومة القيم الليبرالية وهو تيار يمثل اقصى اليمين الذي يدعو الى الانعزال والتخلي عن الروابط الدولية التي تضر بالمصالح الداخلية للمواطنين، فجزء اساس من العولمة الليبرالية هو تحرير الاسواق والحدود والسماح للمهاجرين بالدخول لاغراض انسانية، وهو ما يؤدي الى تآكل سيادة الدولة القومية امام تدفقات الحركة البشرية والاقتصادية عبر الحدود الوطنية، وهو جوهر ما يعترض عليه انصار ترامب والحركة التي اسسها فهم ينخرطون في حرب ثقافية تحاول تغيير وجه المجتمع الامريكي، في ثورة مضادة ضد القيم الليبرالية التي يعتقدون انها خربت بلادهم .
لقد كان الصراع بين الديمقراطية والاستبداد هي القضية التي ترى فيها الولايات المتحدة مصير العالم وهي الرؤية التي تشكلت لديها بعد الحرب العالمية الثانية وكانت الاساس في خلق تلك الروابط القوية عبر الاطلسي طوال ثمانين عاماً، الا ان كل ذلك تغير مع عودة ترامب في ولايته الثانية، حيث بات في خطابه يناغم خطابات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وبات اقرب الى بوتين من قادة الدول الاوروبية، وحاول ان ينهي الحرب الاوكرانية من خلال التنسيق مع الرئيس الروسي المؤمن بفكر الاستبداد بدلا من الديمقراطية.
وقد وضح (جي ديفانس) نائب الرئيس الامريكي في خطابه امام مؤتمر ميونخ للامن موقف ادارة ترامب من اوروبا حيث سبب صدمة في دوائر العلاقات الخارجية الاوروبية فهو لم يهتم بالروابط الامنية التي تجمع الولايات المتحدة مع دول اوروبا بل كان خطابه هجوما على القيم الليبرالية والديمقراطية الاوروبية وتشكيكا بشرعية المحاكم الاوروبية حيث اعتبر ان الغاء نتائج الانتخابات في رومانيا ضربة للديمقراطية، واعتبر ان التهديد الرئيس لاوروبا لا ياتي من روسيا والصين بل من اوروبا نفسها، معتبرا ان التدخلات في نظم الانتخابات سيؤدي الى انتحار حضاري للحضارة الغربية، كما انه انتقد الاجراءات الجمركية التي يفرضها الاتحاد الاوروبي على الصادرات الامريكية.
لقد كانت رسالة فانس واضحة الى الاوروبيين في المؤتمر مفادها ” لقد تأسس حلف شمال الاطلسي كتعبير عن حرص الولايات المتحدة للدفاع عن القيم الديمقراطية المشتركة، ولكن إذا لم تعد هذه القيم موجودة، فإن الهدف الاخلاقي للحلف نفسه قد سقط، وهو ما يدفعنا لمناقشة البعد الامني في العلاقة عبر الاطلسي.
ثانياً: الامن ركيزة اساسية في العلاقات عبر الاطلسي:
لقد كان تدخل الولايات المتحدة في اوروبا في الحربين العالميتين حاسما حيث شكل فارقا لصالح دول على حساب اخرى ومنذ الحرب العالمية الثانية حاولت الولايات المتحدة ان تحل محل الدول الاستعمارية الاوروبية التي انهكتها الحرب في تمثيل الحضارة الغربية والدفاع عن قيمها الايديولوجية وحدودها ورؤيتها الاقتصادية، فخاضت الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفيتي تحت شعار الديمقراطية والحرية ضد الاستبداد والقمع، والسوق الحر ضد الاشتراكية الالزامية، الحق بالملكية الفردية ضد تدخل الدولة بتلك الملكية.
وقد سعت الولايات المتحدة وفق مبدأ جورج كينان السفير الامريكي في الاتحاد السوفيتي الى تطويق الاخير بسلسلة من التحالفات العسكرية الدولية لمنع الايديولوجية الشيوعية من الانتشار الى دول العالم واهمها دول اوروبا التي كانت فيها الارضية مهئية لانتشار تلك الافكار نتيجة لتداعيات الحرب العالمية الثانية، وقد كان حلف شمال الاطلسي الذي تم تشكيله في حينها هو القوة التي قاومت الاتحاد السوفيتي من التوسع الى داخل اوروبا الغربية عسكريا وفكريا، كما كان الحلف ضامناً لتطبيق السياسات الامريكية العسكرية في محاصرة روسيا ومنعها من التحول لقوة عظمى مجدداً بعد الحرب الباردة.
ان كل ذلك بدأ بالتغير بعد وصول ترامب الى الادارة الامريكية، فهو على الرغم من ادعاءه انه يتبنى القيم الديمقراطية الا انه يعارض الليبرالية بشدة ويهدم الاساس الايديولوجية الذي قام عليه تحالف شمال الاطلسي، إذ طالب بزيادة حصص دول اوروبا في تمويل الحلف لكي يتم تقاسم اعباء تمويل الميزانية الدفاعية للحلف بشكل اكبر من السابق، كما انه سعى للتقرب من بوتين الرئيس الروسي العدو الاساسي لحلف شمال الاطلسي والذي يخوض حربا ضد اوكرانيا منذ ثلاث سنوات بسبب رغبتها الانضمام للحلف، وهو ما ارعب الاوروبين الذين باتوا يستشعرون ان الولايات المتحدة لم تعد ملتزمة بحمايتهم من خطر روسيا، لذلك نجد ان اوروبا شكلت تحالفا باسم تحالف الراغبين بدعم اوكرانيا لا يضم الولايات المتحدة كما ان هذا التحالف الذي تقوده فرنسا والمانيا وبريطانيا يسعى لان يلعب فيه هؤلاء اللاعبون دورهم التقليدي في حماية القارة الاوروبية بعيداً عن حلف شمال الاطلسي اي من دون الولايات المتحدة.
لقد منح هذا التخلي الامريكي عن اوروبا فسحة لتلك الدول لاعادة التفكير باستراتيجيتها الدفاعية، وكذلك اعاد لها بعض النزعات الاستقلالية عن الهيمنة الامريكية مثل عودة النزعة الديغولية في السلوك الفرنسي تجاه القارة الاوروبية، والتي دعا فيها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الى تشكيل جيش اوروبي جديد خارج حلف شمال الاطلسي وهو المطلب الفرنسي التقليدي الذي سبق لدول اوروبا ان رفضته وحدت منه الولايات المتحدة حفاظا على حلف الناتو، وقد كانت زيارة الرئيس الفرنسي الى بريطانيا تأكيداً على هذه الرغبة اذ حذر في خطابه امام البرلمان البريطاني من الاعتماد المفرط على الولايات المتحدة والصين اقتصاديا وامنيا، ودعا الى ان تعتمد اوروبا على نفسها في الدفاع عن امنها تجاه التهديدات الجيوسياسية التي تفرضها الحرب في اوكرانيا وكذلك رسوم ترامب معتبرا ان فرنسا وبريطانيا من اقدم الدول ذات السيادة في اوروبا لذ لك من الضروري لها ان تتخذ قراراتها الاقتصادية والامنية بشكل مستقل عن الهيمنة الامريكية.
ان فكرة الجيش الاوروبي الموحد هي رؤية طالما طالب بها المسؤولون الاوروبيون لكنها كانت تصطدم بواقع تردد بروكسل في تنفيذ هذه الفكرة وخشيتها من ان يكون هذا الجيش بديلاً عن حلف شمال الاطلسي خشية ان تتخلى الولايات المتحدة عن دعم الامن الاوروبي، لذلك نجد ان المفوضية الاوروبية عادة ما تصرح بانها لا تسعى لاستبدال حلف شمال الاطلسي، الا انه وفي ظل ضغوط ترامب على اوروبا امنيا واقتصاديا وانسحاب القوات الامريكية من بعض قواعدها الاوروبية، فإن القادة في الاتحاد الاوروبي باتوا مدركين لاهمية قيامهم بتشكيل جيش اوروبي موحد وان الاسراع بهذه الخطوة بات ضروريا لحماية امن القارة نتيجة لازمة الثقة التي تُحدثها سياسات ترامب تجاه الدول الاوروبية.
ثالثاً: الاقتصاد الركيزة الثالثة في العلاقات عبر الاطلسي:
يشكل الاقتصاد الرأسمالي قيمة اساسية في العلاقات عبر الاطلسي بين الولايات المتحدة واوروبا، وقد كانت مبادئ اقتصاد السوق الحر، هي ابرز ما قام كلا الطرفين في الدفاع عنه خلال الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفيتي، لكن اليوم يقوم ترامب بنسف هذه المبادئ ايضاً، من خلال شنه حرباً تجارية ضد دول الاتحاد الاوروبي، بفعل ما يسميه بالعجز التجاري الامريكي مع الاتحاد الاوروبي، وهو مبدأ وضعه ترامب لاقامة ما يسميه تجارة عادلة مع بلدان العالم حيث يعتقد انه يجب ان تتناسب قيمة الصادرات الامريكية مع تلك البلدان مع حجم الواردات، وبما ان الاتحاد الاوروبي هو اتحاد اقتصادي يفرض رسوما جمركية مشتركة لكل دوله على كل دولة خارج الاتحاد فان الصادرات الامريكية الى الاتحاد الاوروبي تواجه رسوما جمركية اوروبية تحد منها، فيما تقوم الولايات المتحدة بازالة الرسوم الجمركية امام الصادرات الاوروبية عملاً بمبدأ التجارة الحرة الذي قام عليه النظام الاقتصادي العالمي بعد الحرب الباردة والتزاما بمبادئ منظمة التجارة العالمية.
لكن الواقع اختلف اليوم مع وصول ترامب الى الادارة الامريكية، فقد اعاد انتهاج السياسة الحمائية ذاتها التي انتهجها في ولايته الاولى ولكن بشكل اكبر هذه المرة فبدلاً من شن حرب تجارية على الصين وحدها خصمه الاساسي فقد قام بشن حرب تجارية على الشركاء التجاريين للولايات المتحدة في اوروبا، وقد بدأت ادارة ترامب في اول الامر بفرض رسوم بقيمة 25% على واردات الصلب والالمنيوم الاوروبية الى الولايات المتحدة في آذار الماضي ثم اعقبها ب25% ايضا على واردات السيارات الاوروبية الى الولايات المتحدة في آذار ونيسان 2025، فيما اعلن لاحقاً في 12 تموز 2025 عن رسوم جمركية تصل الى 30% على جميع انواع الواردات الاوروبية الى الولايات المتحدة تدخل حيز التنفيذ في 1/8/2025، وكل ذلك جاء كجزء من سياسة ترامب في ما يسميه ب”التبادلية التامة” التي يعتقد انها ستعيد التوازن في العجز التجاري بين الولايات المتحدة وشركاءها الدوليين بما فيهم دول الاتحاد الاوروبي وذلك انسجاماً مع ايديولوجية ترامب المعروفة ب”امريكا اولاً” بما يحقق مصالح الولايات المتحدة بدعم صناعتها المحلية على حساب الصادرات الاجنبية .
بالمقابل اعد الاتحاد الاوروبي حزمة من الرسوم الجمركية ردا على الرسوم التي قام ترامب بفرضها تصل قيمتها الى حوالي 93 مليار يورو ولكنها لم تدخل حيز التنفيذ بعد لمنح المفاوض فرصة للاتفاق على تسوية تجارية مع الولايات المتحدة قبل مطلع شهر آب المقبل.
تشمل الحزمة الاوروبية رسوما على مرحلتين الاولى يتم فيها فرض رسوم تتراوح بين 10%-50% على السلع الامريكية مثل الخمور والجينز والدراجات النارية بحوالي (26 مليار يورو) فيما تشمل المرحلةالثانية السلع الامريكية الصناعية والزراعية، وتصل الى حوالي 93 مليار يورو جاهزة ليتم تفيعلها اذا فشلت المفاوضات مع الولايات المتحدة.
ان قرارات الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب على الصادرات الاوروبية هدمت اهم القيم الليبرالية التي يقوم عليها النظام الاقتصادي العالمي بعد الحرب الباردة والتي عملت الشراكة عبر الاطلسي على حمايتها طيلة ثمانين عاماً وهو مبدأ التجارة الحرة، غذ تعد التجارة الحرة من ابرز القيم الليبرالية المشتركة بين دول اوروبا والولايات المتحدة وبما ان الامر وصل الى حرب تجارية بين من يدافعون عن هذه القيم فاننا قد نشهد عن قريب انهيارا للنظام الدولي القائم على الليبرالية كقيمة عليا، وبروز نظام دولي جديد اكثر تعددية ويتبنى اللاعبون الرئيسيون فيه قيم مختلفة اقتصادياً وسياسياً.
رابعاً: مستقبل التحالف عبر الاطلسي في ظل التحولات الجارية خلال ولاية ترامب الثانية:
يمكن القول ان مستقبل التحالف عبر الاطلسي سيتضرر بشدة نتيجة لسياسات ترامب الحمائية والمعادية للايديولوجيا الليبرالية التي قام عليها هذا التحالف وبالتالي ستؤدي هذه السياسات الى:
-
تعميق الانفصال الاستراتيجي بين اوروبا والولايات المتحدة بسبب تفكك الاساس الايديولوجي المشترك وحالة صدمة الثقة التي يعيشها الاوروبيون من سياسات الولايات المتحدة، مما يؤدي الى:
-
تعزيز الاستقلال الدفاعي والاقتصادي الاوروبي عن الولايات المتحدة بشكل تدريجي.
-
انسحاب الولايات المتحدة الكامل من التزامها كقوة حامية لاوروبا.
-
توسع النموذج الديغولي الفرنسي ليشمل دول اوروبية اخرى تفكر بذات النهج المستقل عن الهيمنة الامريكية.
-
اعادة التفاوض بين الدول الاوروبية والولايات المتحدة على اسس جديدة للعلاقة مما يؤدي الى اعادة تعريف الشراكة عبر الاطلسي من خلال ترتيبات جديدة تشمل:
-
اتفاقات تجارية جديدة.
-
اعادة توزيع اعباء حلف الناتو وفق صيغة عادلة.
-
تبني صيغة أكثر مرونة في التعاون الامني تقوم على اساس ان الولايات المتحدة حليف شريك وليس قائد لحلف شمال الاطلسي.
وهذه الترتيبات من المتوقع حصولها بعد انتهاء ولاية ترامب الثانية ووصول رئيس ديمقراطي يحاول ترميم ما سببه ترامب من اضرار في الشراكة عبر الاطلسي والتي لن تعود كما كانت قبل ترامب.
-
تَحلل العلاقة عبر الاطلسي وبروز تحالفات موازية من خلال مسعى اوروبا للتحرر من الهيمنة الامريكية وانهيار مبدأ التجارة الحرة كقيمة اقتصادية مشتركة، فضلا عن تقارب ترامب مع بوتين مما يخلق تصدعات وجودية داخل حلف شمال الاطلسي ويؤدي الى:
-
انهيار تدريجي للتحالف الغرببي التقليدي.
-
نشوء ثلاث كتل جيوسياسية جديدة تشمل:
-
اوروبا المتحررة ذاتيا تقودها فرنسا والمانيا.
-
الولايات المتحدة الامريكية أكثر قومية ومنكفئة داخلياً.
-
محور عالمي مناهض للنظام الليبرالي يضم روسيا والصين ودول اخرى يستفيد من هذا الانقسام الغربي.
-
احتمال اعادة هيكلة حلف شمال الاطلسي او حتى انسحاب الولايات المتحدة الامريكية منه.
الخاتمة
لقد مثّلت العلاقات عبر الأطلسي لعقود طويلة نموذجًا متقدّمًا في التحالفات الدولية، حيث امتزجت القيم الليبرالية بالتكامل الاقتصادي والتنسيق الأمني لمواجهة التحديات العالمية. إلا أن التحولات العميقة التي رافقت صعود الشعبوية القومية في الولايات المتحدة، وتجسّدت بوضوح في عودة دونالد ترامب إلى الحكم، وضعت هذا التحالف على مفترق طرق.
فالقيم المشتركة التي طالما شكّلت الأساس الأيديولوجي للعلاقة عبر الأطلسي بدأت بالتآكل، والتعاون الأمني بات محل شك، فيما اندلعت حروب تجارية تهدد جوهر النظام الاقتصادي الليبرالي ذاته. كل هذه التغيرات تفرض على أوروبا الغربية إعادة تقييم استراتيجياتها، ليس فقط تجاه واشنطن، بل تجاه موقعها في النظام الدولي ككل.
إن السنوات القليلة القادمة ستكون حاسمة، فإما إعادة ترميم الحلف الغربي على أسس جديدة تتجاوز الهيمنة الأمريكية، أو الدخول في مرحلة تراجع تدريجي للعلاقة، تفتح المجال أمام صعود ترتيبات دولية بديلة أكثر تعددية وأقل ارتباطًا بالقيم الليبرالية الغربية التقليدية.



