الاكثر قراءةتحليلات و آراءغير مصنف
مؤتمر بيلدربيرغ 2025: تحليل أجندة النخب الغربية وتأثيرها الجيوسياسي

بقلم: حسن فاضل سليم / باحث في مركز حمورابي للبحوث والدراسات الاستراتيجية
مؤتمر بيلدربيرغ هو مؤتمر سنوي يُعقد بشكل سري يجمع بين 120-150 شخصية بارزة من سياسيين وأكاديميين ومستثمرين ومسؤولين امنين غربيين، تأسس في عام 1954 في اعقاب الحرب العالمية الثانية واندلاع الحرب الباردة لتنسيق الحوار والتعاون على طرفي الاطلسي بين دول اوروبا الغربية وامريكا الشمالية، نحاول في هذه المقالة قراءة اجندة هذا المؤتمر لهذا العام مع محاولة ربطها بالتطورات الدولية المتزامنة.
ما هو مؤتمر بيلدربيرغ ؟
هو مؤتمر سنوي عُقد اول مرة عام 1954 في فندق بيلدربيرغ في هولندا، وتحول بعدها الى مؤتمر سنوي يعقد كل عام بين عدد من الاشخاص المؤثرين في المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية والمناخية وغيرها، والذين يمثلون صفوة الصفوة من الدول الغربية، حيث يجتمع رجال سياسة مع مستثمرين كبار ومدراء تنفيذيين مؤثرين وقادة عسكريين، من دول اوروبا وامريكا الشمالية كل عام ويبلغ عددهم بين 120-150 شخص وتكون الاجتماعات عادة محاطة بالسرية وذلك بفعل ما يسمى ب(قاعدة تشاتام هاوس) التي تهدف إلى تعزيز حرية التعبير والتبادل الفكري في الاجتماعات، مع الحفاظ على سرية هوية المشاركين. يخوض فيها المشاركون نقاشات غير رسمية بهدف التأثير في سياسات بلدانهم تجاه القضايا المستجدة التي تواجهها بلدانهم بشكل مشترك، حيث لا يتم فيها دعوة الصحفيين كما لا يصدر بيان ختامي يوضح اهم ما تم التوصل اليه من اتفاقات ضمن الاجتماع، وهو ما اثار غضب الرأي العام في الدول الغربية والذي اعتبر هذا المؤتمر السنوي يحدد مصير العالم وتصنع فيه السياسات خلف الابواب المغلقة، وعلى الرغم من مصداقية هذا الاعتقاد بنسبة كبيرة، الا ان هذا الاجتماع لا يمكن ان يقل اهمية عن اجتماعات اخرى توجه السياسات العالمية مثل اجتماعات مثل منتدى دافوس واجتماعات دول الصناعية السبع الكبرى وغيرها.
ونتيجة لهذا الاعتقاد السلبي الذي ساد لدى الرأي العام في الدول الغربية فان المؤتمر أصدر موقعاً رسمياً نشر فيه نبذة عن تاريخ المؤتمر وطبيعته وكذلك تُعرض في الموقع الاجندة التي تُحضر في كل اجتماع سنوي لمناقشتها وذلك لاضفاء نوع من الشفافية امام الرأي العام حول ما يدور حوله النقاش ضمن هذا المؤتمر بعدما اثار طابعه السري الشكوك والريبة.
أجندة مؤتمر بيلدربيرغ 2025
عٌقد مؤتمر بيلدربيرغ في نسخته لعام 2025 في فندق جراند في العاصمة السويدية ستوكهولم في المدة بين 12-15 حزيران الجاري، وقد تناولت الاجتماعات حسب ما اعلن من اجندة قضايا مثل الذكاء الاصطناعي وسياسات الردع والامن القومي، وقد حضر اجتماع هذا العام حوالي 121 شخصاً، ومن ابرز الشخصيات العسكرية هو مارك روته الرئيس الجديد لحلف الناتو، وصامويل بابارو قائد القيادة الأميركية لمنطقة الهند والمحيط الهادئ، اما الشخصيات السياسية فتضم رئيس الوزراء اليوناني (كيرياكوس ميتسوتاكيس) ورئيسة البنك الاوروبي للاستثمار نادية كالفينيو، كما حضر الرؤساء التنفيذيون عن المستوى الاقتصادي لبنك ستي غروب وشركة فايزر، اما في مجال الذكاء الاصطناعي فحضر رؤساء تنفيذيون لشركات مايكروسوفت وبلانتر وديب مايند التابعة لغوغل، فيما حضر شخصيات مثل رئيس المنتدى الاقتصادي العالمي (دافوس) للتنسيق بين النخب الاقتصادية والحكومات و رئيس وكالة الطاقة الدولية للتأثير المباشر على سياسات الطاقة والبيئة.
وبحضور شخصيات كهذه يبدو ان المؤتمر تناول قضايا مثل الشرق الاوسط و “صعود محور الاستبداد” حسب وصفهم الذي يضمّ الصين، روسيا، إيران وكوريا الشمالية. رغم غياب الصين عن جدول الأعمال الرسمي، ظلّ ظلها يخيّم على غالبية المواضيع، من “جغرافيا الطاقة والمعادن الحيوية” إلى “ابتكار الدفاع والمرونة”، بالاضافة الى مواضيع تنظيم الذكاء الاصطناعي للحياة وتأثيراته المحتملة اقتصاديا واجتماعيا، وكذلك دور الطائرات بدون طيار في الحروب الحديثة لاسيما مع مشاركة عدد من الشركات الدفاعية التي تعمل على تصميم الطائرات من دون طيار، كما تناول المؤتمر قضية التجارة الدولية ومحاولة التحرر من الهيمنة التجارية الصينية والعمل على توحيد الجهود الغربية لمواجهة صعود الصين سياسيا واقتصادياً.
وقد حذر (إريك شميدت)، الرئيس التنفيذي السابق لجوجل، من أن “الصين وصلت إلى مستوى المساواة أو تقدمت على الولايات المتحدة في مجموعة من التقنيات، ولا سيما في مقدمة الذكاء الاصطناعي”. ويتنبأ بأن “الوصول إلى ذكاء اصطناعي فائق في غضون 3 إلى 5 سنوات مسألة وقت”، معتبراً أن الفوز فيه يعني “مفاتيح التحكم في العالم”، إلّا أن التحدي الأكبر يتمثل في “متطلبات الطاقة الهائلة” التي قد تصل لمئة ضعف مما هو متاح اليوم.
مما يجعل قضايا جيوبولتيك الطاقة أكثر اهمية من اي وقت مضى حيث ستصبح في المستقبل محطات الطاقة الى جانب مراكز البيانات الكبرى التي تغذيها الاهداف العسكرية رقم (1) بالنسبة للدول المتنافسة.
وضمت الاجندة أيضاً قضية الاقتصاد الامريكي المتدهور الذي يواجه منافسة من الصين حيث حضر المؤتمر عضو الكونجرس الجمهوري جيسون سميث، وهو من أشد المعجبين بسياسة ترامب التجارية “أمريكا أولا”. وتعهد سميث “بمواصلة النضال لمكافحة التهديد الاقتصادي والأمني القومي الذي تشكله الصين على الولايات المتحدة “، حيث يتفق تماما مع زميله في المؤتمر (روبرت لايتهايزر)، وهو مستشار اقتصادي مؤثر مقرب من ترامب، والذي يحث على ما يسميه بـ”الانفصال الاستراتيجي” عن التجارة الصينية، والأهم من ذلك، يقول: “يجب أن نفصل تقنيتنا، حيث تتقاطع رؤية ترامب التجارية ليس فقط مع النظرة الطويلة للمليارديرات الصاعدين في وادي السيليكون، ولكن مع الرؤية الطويلة الأمد عبر الأطلسي لبيلدربيرغ. حيث يعتقدون أنه يجب القيام بـ “إعادة ضبط جذرية للغاية مع الصين” لان إعادة الضبط هذه يمكن أن تصبح “أساس لبناء تحالف غربي أقوى”.
لقد تزامن توقيت الاجتماع مع الهجوم (الاسرائيلي) على ايران الذي انطلق بعد يوم من بدأ المؤتمر الذي استمر اربعة ايام مما يرجح ان قضية البرنامج النووي الايراني والمواجهة الايرانية –(الاسرائيلية) كانت حاضرة في المداولات، ومن الجدير بالذكر فان شخصية مثل ينس ستولتنبرغ الامين العام السابق لحلف الناتو تم تعيينه رئيسا للمؤتمر بعد تركه منصبه في حلف الناتو، يعطي وجوده الى جانب وجود خلفه في الامانة العامة لحلف الناتو مارك روته أنطباعاً ان الاولويات للمجتمعين في المؤتمر هي اولويات عسكرية و اقتصادية لكون ستونتبرغ هو ذو خلفية اقتصادية ايضا فقد شغل في وقت سابق منصب وزير مالية النرويج مما يعني ان القوى الغربية مازالت تولي اهمية للتنسيق في الابعاد الاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية في مواجهة روسيا والصين وسائر القوى الصاعدة بما فيها ايران من اجل الحفاظ على موقعها كقوى مهمينة في النظام الدولي.
يظل مؤتمر بيلدربيرغ أحد أكثر التجمعات النخبوية غموضًا وتأثيرًا في صناعة السياسات الغربية، حيث يجمع بين صانعي القرار في المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية والتكنولوجية. وعلى الرغم من محاولات المؤتمر تحسين صورته عبر نشر أجندته السنوية، إلا أن طابعه السري وطبيعة المشاركين فيه يثيران تساؤلات حول مدى تأثير هذه الاجتماعات على التوجهات الجيوسياسية العالمية.
إن نسخة المؤتمر لعام 2025، برز فيها التركيز على التحديات الاستراتيجية، مثل الصعود الصيني والذكاء الاصطناعي وأمن الطاقة، مما يعكس سعي القوى الغربية للحفاظ على هيمنتها في نظام دولي متعدد الأقطاب. كما أن التوقيت المتزامن مع التصعيد (الإسرائيلي)-الإيراني يشير إلى احتمال مناقشة هذه القضية خلف الأبواب المغلقة.
ختامًا، يُظهر مؤتمر بيلدربيرغ استمرار النخب الغربية في اعتماد آليات التنسيق السرّي لمواجهة التحديات المشتركة، مما يجعله محطّ شكوك دائمة حول مدى شفافية صناعة القرار العالمي ودور هذه الاجتماعات في تشكيل مستقبل العلاقات الدولية.



