الاكثر قراءةتحليلات و آراءغير مصنف
سياسة الصدام الأمريكي الأوروبي والخلاف بين أعضاء الحلف الواحد
قراءة تعكس اختلاف المواقف الدولية داخل الحلف الناتو وبداية انهيار عصر الوحدة الغربية

بقلم: الباحث علي عماد الدين البلاحي / مصر
يعد حلف الناتو أحد أهم الفاعلين الدوليين في العالم بعد سقوط الثنائية القطبية و بزوغ النظام العالمي الجديد في اوائل التسعينات لكن ظهرت في الأونة الأخيرة الكثير من الخلافات بين دول الحلف في بعض القضايا والمسائل والمواقف الدولية التي خصت “الشرق الأوسط” والازمة الروسية وغيرها من الأزمات التي تعصف على الحلف بغمامة من التفرق السياسية وتقسم هذه المشاكل على النحو الاتي:
الخلاف الأطلسي حول غزة
-
الخلاف حول قضية التهجير: تعد الأزمة الفلسطينية في “الشرق الأوسط” أحد اهم الازمات التي وضحت الخلافات السياسية بداخل الحلف وظهرت أول ملامح الخلاف حول خطة الرئيس ترامب وحكومة اليمين “الإسرائيلي” حول تهجير قسري لسكان غزة للأراضي المصرية مما خلق خلافا كبيرا داخل الحلف مع الولايات المتحدة الأمريكية من كبار أعضاء الحلف في أوروبا مثل (فرنسا، ايسلندا، النرويج، البرتغال، اسبانيا، سلوفينيا وايطاليا) وغيرها من البلدان الأوروبية في الحلف التي عارضت الولايات المتحدة الامريكية بشكل مباشر في قراراتها السياسية.
-
الخلاف حول استمرار حكومة نتنياهو واحقيته في الاستمرار: ومن المواقف الاخرى التي وضحت مدى اختلاف وتضارب توجهات دول الحلف فى قضية غزة الخلاف في التوجه الأمريكي والأوروبي حول احقية استمرار حكومة بنيامين نتنياهو حيث تصاعدت الكثير من الاصوات الاوروبية من الحلف بانتهاء حكومة نتنياهو على صعيد المشهد في غزة مما خلق نوع من التضارب مع التوجهات الأمريكية حيث ترى إدارة الرئيس ترامب ان من الحتمي استمرار الحكومة اليمينية داخل “إسرائيل” في هذه الفترة.

وغير ذلك ترى الدول الأوروبية الأطلسية ان الحكومة “الاسرائيلية” الحالية انها مجرمة حرب وحكومة مضادة للإنسانية وهذا يعود الى الضغط الشعبي فى الدول الأوروبية.
-
التجاهل الأوروبي الأطلسي للخطط الأمريكية: وظهر الخلاف الأطلسي للمرة الثالثة في قضية غزة عند دعم الأطلسي الأوروبي المشروع والمبادرة المصرية وإهمال المخطط ومشروع الاعمار الامريكي مما خلق حالة من الخلاف الدولي بين الأعضاء مع حفاظ مصر لعلاقاتها المستقرة بين جميع الأطراف وانعكس هذا الكلام على إعلان دول الناتو داخل الاتحاد الأوروبي وموافقتها على تخصيص 1.6 مليار يورو سنويا لدعم مشروع الاعمار الفلسطيني المقدم مصريا.
-
سياسة مبادرات الاعتراف بالدولة الفلسطينية اوروبيا: بعد اعراب العديد من الدول الاوروبية نيتها للاعتراف بالدولة الفلسطينية مثل فرنسا وبريطانيا وكندا والبرتغال واعتراف بشكل فعلى من البانيا واسبانيا والنرويج والتشيك وبولندا وسلوفاكيا وسلوفينيا وتركيا والخ… كان هذا يعد معارضة واضحة للسياسات الأمريكية الداعمة الاجندة “الإسرائيلية” لتعطيل الاعتراف بالدولة الفلسطينية كما صرح المندوب الأمريكي في الامم المتحدة ان حركة الاعترافات تعد أكبر انتصار لحماس بعد الـ7 من تشرين الأول 2023.
خلاف دول الأطلسي حول الازمة الروسية الأوكرانية
-
انخفاض الدعم الأمريكي لأوكرانيا: بعد تشرين الاول 2023 اختلفت الحسابات الامريكية إزاء المشروع التمويلي الأوكراني حيث بدأت بالانخفاض الملحوظ مرة تلو الأخرى حيث في اذار عام 2024 انخفضت المعونة التمويلية الأمريكية من 24.7 حتى 19.5 مليار دولار أي بقيمة انخفاض تعادل 5 مليار دولار وذلك لأسباب عدة منها:
تأخر وتعسف اقرارات الكونغرس.
اهمال الجانب الأوكراني لأجل تمويل الحرب في غزة.
التحول السياسي الذي حصل من حكومة بايدن الموالية لأوروبا بشكل كامل وحكومة ترامب البرجماتية.
الضغوط الداخلية.
وغيرها من العوامل التي اثرت سلبيا ردود الأفعال الأوروبية داخل الحلف حيث صرحت العديد من الدول الأوروبية في الحلف عن قلقها إزاء تقليل حزمة المساعدات العسكرية الامريكية واطلقت مبادرة لإعطاء اوكرانية 800 مليار يورو مساعدات فورية الاوكرانية و جاءت هذه المبادرة مصحوبة بتصريحات في نوع من النقم على التقصير الأمريكي من وزراء خارجية ألمانيا و فرنسا و ايطاليا الذين اكدوا على اهمية اوكرانيا في الامن القومي الاستراتيجي الأوروبي و ان هذه الدول لن تترك أوكرانيا وحدها وانها سوف تعمل على تعزيز الاستقلالية الاستراتيجية الاوروبية مما يعكس تعارض السياسات التمويلية الأوروبية مع السياسات التمويلية الأمريكية فى الحلف .
وعلى الرغم من ذلك ابدت بعض الدول الاوربية في الحلف سخطها على حجم التمويل الأوروبي لأوكرانيا المجر التي استخدمت حق الفيتو الأوروبي ضد الأزمات المالية الأوكرانية.
-
المبادرة الأمريكية لإنهاء الحرب في أوكرانيا: تعد المبادرة الامريكية لإنهاء الحرب في أوكرانيا هي نقطة الاشتعال والخلاف الأكبر بين الأطلسي الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية حيث نصت المبادرة على عدة بنود لم توافق الكثير من الدول الاوروبية بل رفضتها رفضا قاطعا واليكم بعض البنود:
-
التنازل عن (لوغانسك و زابروجيا و دونيتسك و خيرسون ) واعتبارهم أراضي روسية.
-
تقليص عدد الجيش الى اقل من نصف قواته الحالية.
-
اعطاء ضمانات أمنية روسية مثل تحريم اوكرانية من عضوية حلف الناتو او تحريم نشر قوات تابعة لناتو فى اوكرانية.
-
إدارة الخطة بما يسمى مجلس السلام برئاسة ترامب مع تحييد الدول الأوروبية.
وهذا ما لقى سخطا واسعا وردود افعال اوروبية سلبية تجاه الولايات المتحدة حيث أعطى القادة الاطلسيين في اوروبا تصريحات شديدة الاشتعال ضد المشروع الأمريكي امثال رئيس الوزراء البريطاني كير ستامر الذي صرح ان المسألة الاوكرانية مسألة اوروبية خالصة وان بلاده مستعدة لإرسال جنود بريطانيين في الصراع. والمستشار الألماني اولاف شولتز الذي أعرب عن قلقه ازاء التخلي عن اوكرانية ورفض اي خطة لتنازل عن الأراضي. والرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الذي فجر تصريحا ينتقد فيه السياسات الامريكية مصرحا ان المستقبل الأوروبي لا يصنع في واشنطن او موسكو، ودول بولندا والبلطيق التي رفضه كذلك المشروع الأمريكي على خلاف المجر كالعادة التي رحبة بالمشروع الأمريكي في أوكرانيا ما يعكس الوصول الى نقطة الاختلاف الكامل بين كبرى دول اوروبا الاطلسية والسياسة الامريكية.

المبادرة الامريكية لإرجاع الأرصدة الروسية (صدام واشنطن بروكسل)
على الرغم من جدل المواقف البلجيكية في الحرب إزاء الدعم الغير مشروط لأوكرانية فى الحرب لكن ظهر خلاف جديد حول مجموع الارصدة المالية الروسية المجمدة في اوروبا التي تقع معظمها في بلجيكا و قدرت هذه الارصدة بما يقارب 300 مليار دولار و اقترح الرئيس ترامب اقتراح ضمن مباردة انهاء الحرب في اوكرانية (28 نقطة) الن يتم استخدام ثلث المبلغ في مشاريع اعادة اعمار اوكرانية و رد باقي المبالغ الى روسيا مما راج بردود فعل سلبية في الوسط الأطلسي الأوروبي حيث اعتبرت دول اوروبا ان هذا البند سوف يعرض بلجيكا و دول اوروبا من ابتزاز المطالبات الروسية على الرغم اعتبار دول الأطلسي الأوروبي ان هذه الارصدة تعد تعويضا روسيا إزاء ما فعلته روسيا في العملية العسكرية.
سياسة المفاجئة الضريبة الأمريكية
لم يكن قرار ارتفاع الرسوم الجمركية على أوروبا قرارا عاديا مر مرور الكرام على الوسط الأطلسي بل أثار الجدل والتوتر بين الولايات المتحدة وجميع أعضاء الحلف سواء الأوروبيين او غيرهم من الأعضاء وعلى رأسهم كندا وجاءت الردود من دول الأطلسي المطبق عليها التعريفات الجمركية كالاتي:
كندا: تبدو وصف الإجراءات الأميركية بأنها “غير مبرّرة” وهدّد بأن كندا ستردّ بالمثل. وزارة المالية الكندية أعلنت أن كندا ستفرض رسوم مضادّة على واردات أميركية بقيمة كبيرة تشمل الصلب والألومنيوم– ردًّا على الرسوم الأميركية. من جهتها، قالت وزيرة الخارجية الكندية إن هذه الرسوم تشكّل “تهديدًا وجوديًا” للاقتصاد الكندي، محذّرة من خسائر محتملة في آلاف الوظائف. في بعض اللحظات، ظهرت نية لتصعيد الرسوم الأميركية (مثلاً الصلب والألومنيوم بنسبة 50%)، ما أثار مخاوف جدية في كندا.
ردود الفعل الأوروبي: المفوضية الأوروبية (بقيادة أورسولا فون دير لاين) أدانت الرسوم الأميركية واعتبرتها ضربة كبيرة للاقتصاد العالمي. قالت إن الرسوم “ضرائب” ضارة للأعمال والمستهلكين، وإنها ستؤثر على سلاسل الإمداد. من جانبها، وعدت المفوضية الأوروبية بأن الاتحاد لن يقف مكتوف الأيدي وأعلنت أنها مستعدة لاتخاذ تدابير ردّية “متناسبة” إذا استمرت واشنطن في تصعيد الرسوم. بعض مسؤولي دول أعضاء أوضحوا أن الاتحاد قد يراقب تداعيات اقتصادية على صناعات أوروبية ويتخذ إجراءات لحماية مصالحهم. وتعكس هذه الردود مدى ما وصلت له أوروبا والولايات المتحدة من توتر.
الخاتمة
تعد هذه الوتيرة الغير مسبوقة من التوتر بين دول الناتو هي الأولى من نوعها منذ تأسيس الحلف حيث أبرزت مدى تباعد المواقف ووجهات النظر بين الولايات المتحدة والأطلسي الأمريكي ويرجع هذا الاختلاف فقط لتغيير السلطة السياسية فى الولايات المتحدة وقراراتها المنافية للسياسات الأوروبية.



