الاكثر قراءةتحليلات و آراءغير مصنف
تحديات الحد من التسلح في عصر الأسلحة الذكية والطائرات المسيرة في “الشرق الاوسط”

بقلم: حسن فاضل سليم
باحث في مركز حمورابي للبحوث والدراسات الاستراتيجية
يشهد العصر الحالي تطورات متسارعة في أنظمة التسلح من خلال التحول من الأسلحة التقليدية إلى اسلحة غير تقليدية أكثر تطوراً من الناحية التكنولوجية يمكن أن تغير شكل المعارك المستقبلية بل وشكل الجيوش ايضاً لاسيما مع دخول الذكاء الاصطناعي والطائرات المسيرة إلى ساحات القتال، وانتشار بعض من هذه الأسلحة بيد الفواعل غير الدولتية بما فيها بعض الجماعات الارهابية، تناقش هذه الورقة جهود الحد من التسلح في ظل سيولة التسلح في (الشرق الاوسط).
أولاً: غياب الإطار القانونية والمؤسسية لمراقبة التسلح في (الشرق الاوسط):
تعد الأطر القانونية التنظيمية المؤسسية التي تعتمدها الدول في الحد من انتشار الأسلحة من أهم الأدوات التي تساهم في الحد من متراكمة الأسلحة، وقد ساهمت هذه المعاهدات والاليات المشتركة في الحد من التسلح لاسيما السلاح النووي، وتفتقر منطقة (الشرق الأوسط) لآليات ومعاهدات مماثلة، حيث تعمل الدول على زيادة قدراتها التسليحية في المنطقة على الرغم من انضمام بعضها إلى المعاهدات الدولية المتعلقة بضبط التسلح مثل معاهدة حظر تجارة الأسلحة، معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية ومعاهدة حظر الأسلحة الكيميائية والبيولوجية اتفاقيات الاسلحة التقليدية المعنية وغيرها، والتي تهدف جميعها إلى الحد من سباق التسلح ومراكمة الاسلحة.
لكن كانت هناك محاولات لإنشاء آليات وتوقيع اتفاقيات مستوى (الشرق الأوسط) تساهم في ضبط التسلح مثل مبادرة الأمم المتحدة لإنشاء منطقة خالية من اسلحة الدمار الشامل في (الشرق الأوسط) وذلك في عام 2004، الا ان هذه المبادرة لم تلقى قبولاً كاملا بفعل توازنات القوى في المنطقة والصراعات الجيوسياسية، فعلى الرغم من موافقة (إسرائيل) المبدئية الا انها طالبت لاحقاً بالنظر في مسألة الخلل بالتوازن في الأسلحة التقليدية الذي يميل لصالح الدول العربية وربطت موافقتها على المبادرة بتوقيع الدول العربية على اتفاقيات السلام التطبيع حيث اعتبرت ان عدم التزام دول عربية مثل سوريا وحلفاءها مثل الجمهورية الاسلامية في إيران اتفاقية عدم انتشار الأسلحة النووية يعرقل انشاء منطقة خالية من السلاح النووي([1]).
من جانب آخر لم تصدق كل من مصر و(إسرائيل)على معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية في (الشرق الأوسط) وذلك بسبب الاستثناء الذي حظيت به (إسرائيل) من التوقيع على المعاهد بفعل ادعاؤها بوجود تهديدات وجودي عليها وهو ما دفع مصر إلى الاحجام عن التوقيع على المعاهد لان ذلك من شأنه ان يؤدي إلى اختلالات نووية في (الشرق الاوسط)([2]).
ولقد دعا القرار جميع دول (الشرق الأوسط) للانضمام إلى معاهدة عدم الانتشار للاسلحة النووية الامتناع عن تطوير او حيازة اسلحة نووية فيما أكد مؤتمر عام 2000 على أهمية هذا القرار وطالب (إسرائيل) بالانضمام إلى المعاهد واخضاع منشآتها الضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية([3]).
فيما سبق ذلك مبادرة أمريكية للحد من التسلح في (الشرق الأوسط) عام 1991 من خلال سلسلة من المقترحات تضمنت ([4]):
-
حظر المواد القابلة للاستخدام في الأسلحة النووية مثل اليورانيوم المخصب والبلوتونيوم المفصول.
-
مطالبة جميع دول المنطقة الانضمام معاهدة عدم الانتشار للاسلحة النووية.
-
دعم مبادرة انشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية.
-
فرض قيود على نقل الأسلحة التقليدية اسلحة الدمار الشامل إلى (الشرق الاوسط).
-
مطالبة جميع الدول بوضع منشآتها النووية تحت رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

وقد اخفقت جميع تلك المبادرات بوضع حد للتسلح النووي والتقليدي في (الشرق الاوسط)، لاسيما مع رفض (إسرائيل) الالتزام بهذه المبادرات او الموافقة على اي مبادرات او اتفاقيات جديدة ما يجعل موافقة الدول العربية لوحدها اختلالا في توازنات القوى لصالح (اسرائيل)، فضلًا عن ذلك تصاعد بعد عام 2003 الصراع الجيوسياسي في المنطقة مع صعود قوى إقليمية جديدة مثل الجمهورية الاسلامية في إيران والسعودية وامارات إضافة إلى (إسرائيل) ومصر والذين بدأو بمراكمة الأسلحة التقليدية، كما ان تطور انواع الحروب وظهور انماط جديدة منها مثل الحروب الهجينة التي تعتمد أساليب قتال غير نظامية عزز من انتشار الأسلحة في المنطقة ليس على صعيد الدول فحسب بل على صعيد الفواعل غير الدولية، ما جعل منطقة (الشرق الأوسط) تتراكم فيها ترسانات هائلة من الأسلحة التقليدية المختلفة وسوقاً رائجاً للسلاح يدر على الدول الموردة له أرباح طائلة.
ثانياً: سباق التسلح الذكي في بيئة الصراع الاقليمي:
تمثل الأسلحة الذكية والرقمية وخاصة الطائرات المسيرة وأنظمة الذكاء الاصطناعي عنصراً اساسياً في الاستراتيجيات العسكرية الحديثة وبقدر تعلق الأمر (بالشرق الأوسط) بوصفها منطقة تشهد صراع شديد بين قوى إقليمية صاعدة وقوى تقليدية فأنها تشهد سباقاً بين هذه الفواعل الدولية الإقليمية على التسلح الأسلحة الذكية، إذ تنقسم الدول المتنافسة إلى دول منتجة للاسلحة الذكية وأخرى مستوردة لها بالإضافة إلى دور الفواعل دولية من خارج الإقليم في توازنات القوى العسكرية الاقليمية.
-
الدول المنتجة للسلاح الذكي: وهي كل من (إسرائيل) والجمهورية الاسلامية في ايران وتركيا حيث تسعى هذه الدول الداخلة في حالة من التنافس الاستراتيجي إلى موازنة قدراتها العسكرية عبر انتاج الأسلحة الذكية بهدف تحقيق الاكتفاء الذاتي من السلاح وتصدير الفائض إلى مناطق الصراع او إلى دول اخرى.
تعتبر (إسرائيل) من القوى المتطورة في مجال الأسلحة الذكية حيث طورت أنظمة ذكاء اصطناعي يستخدمها جيشها لتوليد الأهداف واتخاذ قرارات الاستهداف والتي تحدد معدل دقة تصويب يصل إلى 90% مثل أنظمة لافندر الذي يحل محل البشر في توليد الأهداف الجديدة ونظام غوسبل الذي يحدد المنشآت والمباني بوتيرة 100 هدف في اليوم الواحد فضلاً عن ذلك تسيطر (إسرائيل) على 60%من الصادرات الدولية للطائرات المسيرة كما تملك أنظمة قيادة وتحكم تعمل بالذكاء الاصطناعي مثل نظام فاير فاكتوري لتحليل البيانات وحساب كمية الذخيرة والسلاح اللازمة والجداول الزمنية للعمليات العسكرية والهجوم بالطائرات التقليدية المسيرة وفيما يعمل النظام فاير ويفر على ربط أجهزة الاستشعار لجمع المعلومات الاستخبارية بالاسحلة في الميدان لزيادة دقة الاستهداف([5]).
اما بالنسبة لتركيا فقد بدأت منذ عام 2011 بعد خلاف سياسي مع (إسرائيل) بتطوير صناعتها الدفاعية لتصنيع بدائل محلية عن الأسلحة (الإسرائيلية) الأمريكية المستوردة، وقد نجحت لاحقا في تعزيز قدراتها من انظمة الطائرات المسيرة وسائر الأسلحة المستقلة وهو ما حولها لقوة درون إقليمية حيث صنعت نماذج مسيرات مثل (انكاس) و (بيرقدار2) التي اثبتت نجاحها الميداني في حروب عدة([6]).
اما أيران فقد طورت نموذج ها الخاص من الطائرات المسيرة والتي حققت نجاحات كبيرة في الحروب الإقليمية وفي الحرب الروسية الأوكرانية، حيث يعود الفضل للجمهورية الاسلامية في إيران ابتكار نماذج الطائرات المسيرة الانقضاضية (الكاميكازي) والتي تحولت لادامة فعالة في الاستهداف الميداني التكتيكي وباداوت وكلف بسيطة وهو ما دفع الولايات المتحدة ودول أخرى للتفكير بصناعة نماذج مشابهة.
-
الدول المستوردة والمستثمرة: تعد السعودية والإمارات من أكثر الدول المستوردة للسلاح والمستثمرة في مجال الصناعات الدفاعية في (الشرق الأوسط) وذلك لزيادة قدراتها العسكرية وخلق حالة من التوازن الاستراتيجي مع إيران، فقد عملت الإمارات على دعم نمو قطاع الصناعات الدفاعية الخاص حيث عقدت شركة EDGE الإماراتية مع شركات (اسرائيلية)، حيث استثمرت في مجالات الذكاء الاصطناعي والأسلحة المستقلة والحروب الإلكترونية ،([7]) اما السعودية تعمل على برامج موسعة لتطوير الطائرات المسيرة المتقدمة والروبوتات في مدينة الملك عبد العزيز للعلوم التقنية، حيث تظهر التقديرات ان الإنفاق على الذكاء الاصطناعي في (الشرق الأوسط) قد يصل إلى 320 مليار دولار بحلول عام 2030 حيث تعد أبوظبي والرياض ابرز المستثمرين به.
لقد ادى التنافس الاستراتيجي بين الجمهورية الاسلامية في إيران من جهة وبين كل من الإمارات والسعودية و(إسرائيل) من جهة أخرى إلى زيادة الإنفاق والاهتمام بالتسلح ومراكمة الاسلحة ما ولد سباق تسلح كبير في المنطقة بين هذه الدول حيث تعمل إيران على تطوير قدراتها من الأسلحة المسيرة والصواريخ الفرط صوتية لتلافي الفجوة التقنية بينها وبين (اسرائيل) وسائر القوى في المنطقة والتي تستثمر وتنتج الأسلحة المتطورة تكنولوجيا ولاسيما الأنظمة المستقلة بالذكاء الاصطناعي، فيما تعمل تركيا من جانبها على التطوير بهدوء قدراتها العسكرية ما اكسبها نفوذاً إقليميًا اكبر، كما لعبت الصين والولايات المتحدة ادواراً مؤثرة في توريد الأسلحة إلى منطقة (الشرق الأوسط) وتزويد الفواعل الدولية بها حتى أصبح (الشرق الأوسط) وسوقاً للسلاح الصيني والأمريكي وحتى الروسي، إذ تراكم القوى الاقليمية اسلحتها من خلال هذه المصادر الثلاث وكل حسب تحالفات الدولية.
ثالثاً: امتلاك الفاعلين من غير الدول للاسلحة الذكية:
ان من أهم تحديات ضبط التسلح في منطقة (الشرق الأوسط) تتمثل بانتشار السلاح عند الفواعل غير الدولتية لأسباب عدة غالبها متعلق بطبيعة الصراع بين الفواعل الدولية في المنطقة، فكما أشرنا فعلى الرغم من لجوء القوى الاقليمية إلى مراكمة اسلحتها التقليدية والدخول بسباق تسلح تقليدي الا انها لم تستخدم هذه الأسلحة في مواجهات مباشرة بل عكفت على نقل اسلحتها إلى فواعل غير دولية لتنوب عنها في الصراع وتحقيق الأهداف الاستراتيجية، فمثلاً عملت إيران على دعم حركات المقاومة في المنطقة مثل حزب الله وحركة حماس بهدف زيادة الضغط على (إسرائيل) بما يعزز استراتيجيتها في المنطقة بالمقابل دعمت (إسرائيل) بشكل غير مباشر وعبر أوكرانيا جماعات المعارضة السورية بتزويدها بطائرات شاهين المسيرة بهدف تمكينها من الاستيلاء على السلطة وبما يخدم استراتيجيتها الإقليمية بمواجهة إيران فيما زودت الأخيرة كل من حزب الله وفصائل عراقية مختلفة بالطائرات المسيرة والصواريخ وكذلك كل من حماس و حركة أنصار الله في اليمن التي بدورها امتلكت صواريخ فرط صوتية و طائرات مسيرة، كما تعمل الإمارات على تزويد مليشيا الدعم السريع بطائرات مسيرة متطورة واسلحة وذخائر مختلفة بما يحقق أهداف الإمارات بتعدين الذهب السوداني الذي تسيطر عليه قوات الدعم السريع.
بالإضافة إلى ذلك امتلك تنظيم داعش الإرهابي في السنوات الأخيرة من الحرب بعض النماذج البدائية من الطائرات المسيرة التي استخدمها الالقاء القنابل اليدوية على القوات العراقية خلال معركة تحرير الموصل عام 2017.
ويتوقع ان يعمل التنظيم الإرهابي او اي تنظيم بديل باسم جديد على تطوير قدراته في أنظمة الاستهداف والطيران المسير في حال قررت الدول الكبرى والإقليمية إعادة الاستثمار في الإرهاب مجدداً بهدف إعادة ترتيب توازنات المنطقة من خلال خلق فوضى جديدة تكون من أدوات ها الرئيسية ايجاد تنظيمات إرهابية جديدة.
الخاتمة
بناء على ما تقدم يمكن القول ان قضية التسلح في (الشرق الأوسط) لا يمكن بأي حال من الأحوال ان تخضع لاتفاقيات دولية وآليات مؤسسية يمكن أن تضبط انتشار السلاح فيها، مادامت الدول الفاعلة في المنطقة داخلة في صراع وجودي مستمر ومادامت بعض الدول قد حولت التسلح إلى استثمار اقتصادي يدر أرباح طائلة، وهو ما يجعل صناعة السلاح سوقاً يبحث عن أماكن لتصريف منتجاته ولا يوجد افضل من خلق الصراعات من اجل تصريف تلك المنتجات، كما ان النظام الدولي وفي إطار الصدام الجيوستراتيجي بين القوى الصاعدة والقوى المحافظة على الوضع الراهن يتجه لحالة من إعادة التسلح الشاملة والتي ادت إلى تقويض التزامات الدول الكبرى بالاتفاقات الدولية الخاصة بالحد من التسلح بما فيها الاتفاقيات المتعلقة الأسلحة النووية.
بالتالي يمكن القول ان العالم بشكل عام و(الشرق الأوسط) بشكل خاص مقبل على عملية تسلح واسعة النطاق للفواعل الدولية وغير الدولية فيه مما ينذر بحصول حرب شاملة او كبرى جديدة في المنطقة تكون ضرورية لشركات السلاح لتصريف منتجاتها ما يجعل استقرار (الشرق الأوسط) على المحك ويهدد أمنه الاقليمي.
([1]) نبيل فهمي ، نحو (شرق أوسط) خالٍ من السلاح النووي، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، 19/4/2023، متوفر على الرابط :https://www.futureuae.com/ar-AE
([2]) . نبيل فهمي ، المصدر السابق.
([3]) .جاسر الشاهد، إخلاء الشرق الأوسط من الأسلحة النووية: إعادة تقييم المقاربة العربية بعد ثلاثين عاماً، المركز المصري للمفكر والدراسات الاستراتيجية، 29/4/2025، متوفر على الرابط: https://ecss.com.eg/53683/
)[4] (.White House, White House Fact Sheet on the Middle East Arms Control Initiative (May 29, 1991).
([5]) .صبري عفيف العلوي، تطور تقنيات الطائرات المسيرة(UAVs) وتأثيرها على الامن والسلم الدوليين، مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات، نيسان/2025 ، ص26.
)[6] .(Jean-Loup Samaan ,A New Chapter in the Drone Race In the Middle East, Mediterranean Yearbook, Strategic Sectors, 2022, P.1.
([7]) .هبة المنسي، كيف يعيد الذكاء الاصطناعي تعريف الحرب في (الشرق الأوسط)؟،الوطن العربي ، 13/5/2024 متوفر على الرابط:
https://alwatanalarabi.com/كيف-يعيد-الذكاء-الاصطناعي-تعريف-الحرب-150480/



