الاكثر قراءةتحليلات و آراءغير مصنف
الدبلوماسية الرقمية في العالم العربي: الإمارات نموذجاً في صناعة النفوذ

بقلم: الباحثة لقاء سيد احمد
كلية العلوم السياسية / جمهورية مصر العربية
تعتبر الدبلوماسية الرقمية اليوم أحد أهم أدوات صياغة النفوذ في (الشرق الأوسط (فالمنصات الرقمية ووسائل الاتصال الحديثة تحولت إلى ساحة صراع ناعم بين الدول لتوجيه الرأي العام وكسب التأييد الدولي، وفي العالم العربي، أدركت الحكومات أهمية هذا التحول فبدأت في دمج التكنولوجيا الرقمية داخل آليات عملها الدبلوماسي لتعزز من حضورها الإقليمي والدولي.
وفي الآونة الأخيرة شهد العالم العربي تحولاً نوعياً في آليات التواصل السياسي وصناعة النفوذ، فلم تعد العلاقات الدولية تعتمد على اللقاءات الرسمية أو البيانات التقليدية فحسب، لا بل أصبحت المنصات الرقمية مثل فيسبوك ويوتيوب.. إلخ، لها دور كبير في إدارة الصورة الذهنية وتوجيه الرسائل السياسية والتأثير في الرأي العام الإقليمي والدولي ([1]).
وفي العالم العربي برزت الإمارات العربية المتحدة كإحدى أكثر الدول تقدماً في استخدام الدبلوماسية الرقمية من خلال تحويل أدوات الاتصال الحديثة الى أداة سياسية تعزز من حضورها العالمي وتدعم مكانتها في (الشرق الأوسط)، وفي هذا المقال سوف نقوم بتحليل دور الدبلوماسية الرقمية العربية في صياغة النفوذ، بالتركيز على التجربة الإماراتية كأحد النماذج البارزة في هذا الشأن ويعود تميزها إلى أنها تجمع بين التكنولوجيا المتقدمة ورؤية سياسية واضحة تستثمر في القوة الناعمة.
مفهوم الدبلوماسية الرقمية وأهميتها
تُعرف الدبلوماسية من الناحية التقليدية ب ” فن التفاوض والتواصل مع الدول في صورة ممارسة رسمية من خلال ممثلين يعيشون في البلدان الأخرى، ويطلق على هؤلاء الممثلين الدبلوماسيين، ووظيفتهم الأساسية هي استمرار العلاقات اليومية بين بلدانهم والدول الأخرى، وتحقيق مكاسب متنوعة تصب في مصلحة دولهم” ([2]).
ومع الثورة التكنولوجية في الفترة الأخيرة تأثرت الدبلوماسية بهذا التطور ومن ثم ظهرت اشكال اخرى من الدبلوماسية منها الدبلوماسية الرقمية، وهي استخدام أدوات التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي لنشر رسالة الدولة وتوطيد حضورها الداخلي وكذا توجيه الرأي العام ودعم اهداف السياسة الخارجية.
وتكمن أهمية الدبلوماسية الرقمية في انها تسهل من عملية تبادل الرسائل بين الجمهور ومن ثم الوصول الي جماهير خارج الأطر التقليدية للدبلوماسية وتعزيز صورة الدولة وجهودها التنموية والإنسانية.
الدبلوماسية الرقمية العربية
أظهرت التجارب الحديثة ان وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت فاعلاً مركزياً في تشكيل الرأي العام، ففي المنطقة العربية، جسد الربيع العربي مثالاً واضحاً على قدرة الشبكات الاجتماعية على تحريك الجماهير، وتغيير اتجاه النقاش العام، والتأثير في مسارات السياسة الداخلية والخارجية، وقد دفع هذا الدور الحكومات العربية الي إعادة التفكير في أدوات التواصل والسعي نحو تعزيز حضورها الرقمي لحماية مصالحها وتوصيل رسائلها بطريقة أكثر فاعلية.
كما برزت حالات دبلوماسية واضحة استخدمت فيها منصات مثل “تويتر” لنقل مواقف رسمية وإطلاق مبادرات دبلوماسية جذبت اهتماماً دولياً، هذا وبالإضافة إلى استخدام قادة عالميين لهذه المنصات كأداة دبلوماسية مباشرة، ويؤكد ذلك أن الدبلوماسية الرقمية لم تعد خياراً ثانوياً، بل جزءاً ضرورياً من القوة الناعمة للدول وأحد مقومات البيئة السياسية الراهنة، وتعتبر الامارات النموذج الأبرز والأكثر تطوراً في استخدام الدبلوماسية الرقمية([3]).

الدبلوماسية الرقمية الإماراتية
برزت الامارات العربية المتحدة كإحدى أكثر الدول تقدماُ في تبني الدبلوماسية الرقمية، مستفيدة من بنيتها التحتية التقنية المتطورة ورغبتها في تعزيز حضورها الدولي، حيث تعتمد في دبلوماسيتها الرقمية على مجموعة من المنصات مثل موقع وزارة الخارجية، وفيسبوك، وتويتر، وانستغرام، ويوتيوب، بهدف تقديم صورة شاملة عن الدولة، وبناء قنوات تواصل مباشرة مع الجمهور العالمي، وتعزيز أدوات التأثير والمشاركة في القضايا الدولية ([4]).
وفي إطار الدبلوماسية الرقمية الإماراتية، تبرز جهود وزارة الخارجية في دفع مسار التحول الرقمي من خلال مشاركتها “في جيتكس 2024” حيث عرضت تقدمها في تطوير خدمات قنصلية مؤتمتة تعتمد على التكامل الإلكتروني والذكاء الاصطناعي، وقد ناقشت الوزارة مع شركائها الحكوميين مشروع الربط الشامل لخدمة التصديق الرقمي، الذي يتيح للمتعامل إتمام عدة معاملات عبر إجراء واحد ومنصة موحدة، دعماً لبرنامج “تصفير البيروقراطية”. كما استعرضت مبادرة ” البعثة الذكية” التي توظف التقنيات المتقدمة لتقديم خدمات أكثر سرعة ومرونة للمواطنين والمقيمين اثناء تواجدهم في الخارج. وتأتي هذه الجهود ضمن رؤية شاملة لتعزيز مكانة الامارات كدولة رائدة في الابتكار الحكومي والتحول الرقمي في العمل الدبلوماسي ([5]).
مظاهر الدبلوماسية الرقمية في الامارات العربية المتحدة:
-
فتح قنوات المشاركة الإلكتروني
تُوظف الإمارات المشاركة الرقمية كأداة داعمة لدبلوماسية منفتحة وتفاعلية، حيث تستقبل وزارة الخارجية آراء الجمهور وملاحظاتهم عبر منصاتها الإلكترونية، باعتبارها مدخلاً لتطوير السياسات وتعزيز جودة الخدمات، وامتدادًا لرؤية “الإمارات 2071” في تعزيز الابتكار والشفافية.
-
منصات رقمية متعددة للتواصل
تتيح الوزارة قنوات متنوعة للتفاعل تشمل الموقع الإلكتروني (المشورة، المدونات، الاستطلاعات) ومنصات التواصل الاجتماعي مثل إكس وفيسبوك وإنستغرام ولينكدإن، بما يوسع دائرة التأثير الدبلوماسي ليشمل المواطنين، والجمهور الخارجي، والبعثات الأجنبية، والشركاء الاستراتيجيين.
-
ترسيخ مبادئ الشفافية وجودة المعلومات
تعتمد الدبلوماسية الرقمية الإماراتية على نشر معلومات دقيقة ومحدثة، وإرساء بيئة نقاش محترمة، والتفاعل السريع مع الاستفسارات، وتشجيع الابتكار والمقترحات، مع ضمان مشاركة جميع الفئات دون تمييز.
-
الإشراف على المحتوي وحماية الفضاء الرقمي
تطبق الوزارة ضوابط واضحة لإدارة المحتوى عبر منصاتها، وتشمل حذف المواد المخالفة التي تتضمن إساءة، أو تهديدًا، أو تمييزًا، أو انتهاكًا للخصوصية أو القوانين. ويضمن هذا الإطار بيئة رقمية آمنة تسهم في خدمة أهداف الدبلوماسية.
-
آليات مؤسسية لمعالجة الملاحظات
تتبع الوزارة إجراءات دقيقة تشمل استقبال مشاركات الجمهور، مراجعتها من قبل فرق مختصة، إحالتها للجهات المعنية، والرد على أصحابها. كما تعلن الوزارة بشكل دوري فرص المشاركة الرقمية عبر موقعها ومنصاتها الاجتماعية، ما يعزز التواصل الفعّال وصنع القرار التشاركي.
-
تكامل المشاركة الرقمية مع التحول الدبلوماسي
تعكس هذه الممارسات رؤية الإمارات في بناء نموذج دبلوماسي حديث يقوم على التفاعل، والابتكار، والحضور الرقمي المؤثر، بما يدعم مكانتها الإقليمية والعالمية([6]).
الخاتمة
تعكس التجربة العربية في الدبلوماسية الرقمية-وبشكل خاص التجربة الإماراتية- تحولاً عميقاً في كيفية إدارة النفوذ والتأثير داخل (الشرق الأوسط)، فقد أصبحت المنصات الرقمية اليوم امتداداً حقيقياً لأدوات القوة الناعمة، ومجالاً رئيسياً لتشكيل الصورة الذهنية للدول، وتعزيز حضورها الإقليمي والدولي، وتوجيه رسائلها إلى جماهير واسعة خارج الأطر التقليدية. ويظهر من خلال دراسة الحالة الإماراتية أن تبني بنية تحتية تقنية متقدمة، وتفعيل المشاركة الإلكترونية، وتطوير خدمات حكومية ذكية، كلها عناصر تسهم في ترسيخ نموذج دبلوماسي جديد يقوم على الشفافية، والابتكار، والتواصل المباشر مع العالم.
وعليه، يمكن القول إن الدبلوماسية الرقمية لم تعد مجرد وسيلة تكنولوجية، بل أصبحت استراتيجية شاملة لإنتاج النفوذ وصناعته، ولمنح الدول العربية- وفي مقدمتها الإمارات- قدرة أكبر على الاندماج في المشهد الدولي الحديث، والتفاعل مع المتغيرات المتسارعة في بيئة المعلومات العالمية. وبينما تواصل الإمارات تطوير أدواتها الرقمية، فإن تجربتها تقدم نموذجاً إقليمياً يمكن البناء عليه لتطوير مستقبل الدبلوماسية العربية في عصر الثورة التكنولوجية.
([1]) تورية الحلوي، الدبلوماسية الرقمية المدخل الجديد لإدارة السياسة الخارجية، شؤون استراتيجية، العدد8،
2020، ص30.
([2] ) المرجع السابق ذكره، ص31.
([3] ) المرجع السابق ذكره، ص ص 31-32.
)[4] (Osman Antwi-Boateng, the role of digital diplomacy in UAE foreign policy: strategies, challenges and opportunities, November 2019, available on: https://scholarworks.uaeu.ac.ae/all_theses/864/ .
([5] ) وزارة الخارجية تستعرض التحول الرقمي ومستقبل الخدمات القنصلية في جيتكس العالمي، أكتوبر 2024، متاح علي: https://www.mofa.gov.ae/mediahub/news/2024/10/17/17-10-2024-uae-uae
([6] ) سياسة المشاركة الرقمية، الإمارات العربية المتحدة وزارة الخارجية، نوفمبر 2025، متاح علي: https://www.mofa.gov.ae/e-participation/e-participation-policy



